ارشيف من :آراء وتحليلات
تداول الحكم في أميركا: بين الفاشل الحالي والفاشل السابق!
عقيل الشيخ حسين
هناك أسباب وجيهة للقول بأن التعلق بحبال السراب، هرباً من مشاعر اليأس التي تولدت عن الكوارث التي أصابت الولايات المتحدة والعالم جراء السياسات الفاشلة التي انتهجها المحافظون الجدد، هو الذي لعب الدور الأساسي في تنامي ظاهرة باراك أوباما وصولاً إلى انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية واكتسابه شعبية واسعة على الصعيد العالمي.لكن حبال السراب لا تغني عن الواقع شيئاً. إذ سرعان ما تراجعت صورة أوباما حتى لم يبق له من مؤيدين في الولايات المتحدة غير زوجته وابنتيه، على ما قاله ساخراً أحد المعلقين.
ولا تحدث تغييراً ذا قيمة نتيجة الاستطلاع الذي أجرته مؤخراً قناة سي بي إس وكشف أن 13 بالمئة من الأميركيين يعتقدون أن برامج أوباما الاقتصادية قد أدت إلى تحسين أوضاعهم.فالوضع الاقتصادي هو في النهاية ما يهم الأميركيين أكثر بكثير من موقع بلدهم على الصعيد الدولي، حيث كشف تحقيق أجراه معهد "غالوب" أن 4 بالمئة من الأميركيين يضعون الحروب أو الإرهاب بين اهتماماتهم الرئيسية.
ويتجلى تراجع صورة أوباما في تكاثر المعترضين على سياساته. من غرفة التجارة التي يسطر عليها كبار المستثمرين والتي تنفق، بحسب الواشنطن بوست، ثلاثة ملايين دولار في العمل على إفشال مبادرات أوباما. لا لأن تلك المبادرات تخدم مصالح الأميركيين العاديين، بدليل أن الحركة العمالية الأميركية تعتبر أن الفترة التي قضاها أوباما في الحكم حتى الآن قد عادت عليها بنتائج كارثية.
أما العسكريون، فهم ليسوا أقل استياءً لأن أوباما يقتطع مبالغ مالية كبيرة من موازنتهم. وكذا شأن المدافعين عن البيئة لأن أوباما لا يدعم مطالبهم بشأن استصدار قوانين أكثر صرامة في هذا المجال، في وقت تثير فيه القوانين الأقل صرامة غضب شركات النفط. أو شأن بقطاع الاستشفاء وشركات الأدوية غير الراضية عن إصلاحاته في مجال الصحة. وبالطبع، فإن الـ 15 مليون أميركي عاطل عن العمل، وعشرات الملايين من الأميركيين الذين يعيشون دون عتبة الفقر، فإنهم ينحون باللائمة على باراك أوباما.
حتى اللوبي اليهودي عيل صبره أمام ما يعتبره ضغوطاً يمارسها أوباما على الإسرائيليين بهدف حملهم على تقديم تنازلات للفلسطينيين.وكل هذا دون حساب الجمهوريين، الخصوم التقليديين للحزب الديموقراطي وبطبيعة الحال لباراك أوباما. فهبوط شعبيته يصب الماء مباشرة في طاحونتهم. وقد بات بحكم المؤكد أن الديموقراطيين ليسوا في وضع يسمح لهم بالفوز في انتخابات الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل التي سيجري بموجبها تغيير ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وجميع أعضاء مجلس النواب، إضافة إلى 28 من حكام الولايات.
لكن ذلك لا يعني أن فوز الجمهوريين سيجلب الترياق إلى الولايات المتحدة ، فالتخبطات الحالية التي تعيشها هي جزء من التركة الثقيلة الموروثة عن فترتي حكم جورج بوش، وعن السياسات غير الشعبية التي ينتهجها الجمهوريون في العادة.
ثم إن الجمهوريين أنفسهم يعانون من تصدعات أبرزها، على المستوى البنيوي، ظهور حركات الشاي ذات التوجهات اليمينية الأشد تطرفاً من تلك التي يحتضنها المحافظون الجدد. وعجزهم عن مواجهة أوباما بمشاريع وبرامج من النوع المؤهل لإخراج أميركا من أوضاعها المتدهورة، يجعلهم يلجأون إلى الخطاب الغرائزي عبر ترويج الشائعات عن كون أوباما مسلم يخفي إسلامه أو عن كونه غير مولود في الولايات المتحدة، وبالتالي عن ضرورة عودته إلى كينيا، بلده الأصلي.
وعلى ذلك، فإن الفترة الثانية من ولاية أوباما تبدو ملبدة بغيوم المتاعب، وبكل ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الجمهوريين سيعودون، بعد عامين، إلى البيت الأبيض مسلحين بترسانة جديدة من التوجهات المتطرفة.
والأكيد أن تلك التوجهات ستجعل الوضع الاقتصادي والاجتماعي في أميركا أكثر هشاشة مما هو عليه الآن. وأن هيمنة النزعة العسكرية على التفكير اليميني ستدخل الولايات المتحدة في مغامرات حربية محكوم عليها سلفاً بالفشل، لأن أميركا التي هزمت يوم كانت في وضع يسمح لها بالسعي من أجل إقامة الإمبراطورية الأميركية العالمية، ستكون أشد عجزاً عن تحقيق الحد الأدني من التماسك المطلوب من أجل المحافظة على البقاء.
وبالتالي، فإن ما يجري اليوم هو ليس تدهوراً في شعبية أوباما الذي لمع نجمه في ظل تدهور شعبية الجمهوريين الذين وإن عادوا إلى الحكم، لن يفعلوا غير التمهيد بذلك لتدهور شعبيتهم من جديد.
ما يجري اليوم هو تدهور شامل يصيب كافة أرجاء الجسم الأميركي. وأبرز أعراضه هو تداول السلطة من قبل حزبين يتعيش كل منهما على الفشل الذي يلحقه بأميركا الحزب الآخر.