ارشيف من :خاص

"طريق الحرير" الصيني و"البحار الأربعة" السورية في مواجهة أميركا

"طريق الحرير" الصيني و"البحار الأربعة" السورية في مواجهة أميركا
إعداد: علي شهاب
تنظر سوريا (ومن ورائها الحلف الداعم لها) الى الصين باعتبارها القوة العالمية القادرة على الحلول بدلا من الولايات المتحدة جيواستراتيجيا. في هذا الإطار، تتلاقى استراتيجية الرئيس بشار الأسد حول "البحار الأربعة" مع "طريق الحرير" التي تشكل الصين محورا لها. التحالف او تقاطع المصالح السوري- الصيني (الايراني – التركي –الروسي) كان محور تقرير بحثي وضعته المديرة السابقة لمكتب الشؤون الصينية في وزارة الدفاع الاميركية كريستينا لين لصالح فصلية "تشاينا بريف"، وهنا ما جاء فيه:
أخذت منطقة بحر قزوين تقع في شرك المصالح المتداخلة المتعلقة بالشؤون السياسية والعسكرية والتجارية والطاقة لدول تمتد من آسيا إلى الشرق الأوسط، إلى روسيا وأوروبا. ونظراً لازدياد عدم الإستقرار في إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط، برز حوض بحر قزوين كمصدر بديل لمستهلكي الطاقة المتزايدين في العالم. وتشير التقديرات إلى أن بحر قزوين هو موطن أكبر احتياطي للنفط والغاز الطبيعي في العالم بعد الخليج العربي وروسيا. ومن الناحية التاريخية، كانت روسيا، خلال الحقبة السوفيتية، تحتكر النفوذ على المنطقة، ولكن بعد عام 1991، بدأت الولايات المتحدة تشق طريقها إلى المنطقة للحد من نفوذ روسيا على الدول المستقلة التي تشكلت حديثاً. وفي السنوات الأخيرة كثّف الإتحاد الأوروبي والصين وجودهما وأصبحا لاعبيْن نشيطيْن في المنطقة. وهناك لاعبون جدد آخرون تتزايد مشاركتهم وإن كانوا أقل تأثيراً ويشملون دول مثل الهند، واليابان، وكوريا الجنوبية. وتعتبر الصين هي الأسرع من بين هذه الدول في زيادة حضورها في المنطقة بدافع نهمها الشديد للطاقة وحصولها أيضاً على التخويل من خلال إطار عمل "منظمة شنغهاي للتعاون". وفي الوقت الذي بدأت فيه الصين "إستراتيجية طريق الحرير" بتنمية "تتجه نحو الغرب"، يبدو أن سياسة سوريا التي "تتجه نحو الشرق" تُظهر تقارباً مع المصالح الصينية في بحر قزوين. إن تفاعل تأثير الصين المتزايد في بحر قزوين من خلال "طريق الحرير" الحديث الخاص بها ، والذي تم تدعيمه بواسطة "إستراتيجية البحار الأربعة" الحديثة التي وضعها الرئيس الأسد، ستكون له انعكاسات هامة بالنسبة للولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي وحلفاء آخرين.
التأثير الحالي للصين في منطقة بحر قزوين
كثفت الصين على مدى السنوات القليلة الماضية استثماراتها في منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين، وخاصة كازاخستان وتركمانستان، من خلال مشروعين أساسيين للبنية التحتية وهما خط أنابيب النفط "كازاخستان – الصين" وخط أنابيب الغاز "تركمانستان - الصين" (والمعروف أيضاً باسم خط أنابيب الغاز "آسيا الوسطى – الصين").
* إيران: في عام 2009، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وإيران 21.2 مليار دولار. وتعمل أكثر من 100 شركة حكومية صينية في إيران، ويقدر أنه في الفترة بين 2005 و2010، وقّعت المؤسسات الصينية عقود مع قطاع النفط والغاز (الهيدروكربون) الإيراني تصل قيمتها إلى 120 مليار دولار. وفي عام 2008، وقّعت "الشركة الوطنية الصينية للبترول" و"شركة النفط الوطنية الإيرانية" صفقة قيمتها 1.76 مليار دولار لتطوير حقل نفط "أزاديجان الشمالي"، وفي آذار/مارس 2009، وقّعت الصين على صفقة بمبلغ 3.2 مليار دولار لتطوير حقل "بارس الجنوبي للغاز" الطبيعي. وفي حزيران/يونيو 2009، أبرمت "الشركة الوطنية الصينية للبترول" صفقة مع "شركة النفط الوطنية الإيرانية" قيمتها 5 مليار دولار للمساعدة في تطوير المرحلة الحادية عشرة من الحقل. وفي آب/أغسطس 2009، وافقت الصين على صفقة قيمتها 3 مليارات دولار لتوسيع معامل التكرير في "عبدان والخليج الفارسي" التابعة لإيران، وفي أيلول/سبتمبر 2009، وقّعت "الشركة الصينية للبترول والكيماويات" ("ساينوبيك") و"الشركة الوطنية الصينية للبترول" عقدا بقيمة 4 مليار دولار لزيادة إنتاج النفط في حقول النفط الإيرانية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2009، وافقت "ساينوبيك" على زيادة هذا التمويل ليصل إلى 6.5 مليار دولار. وفي نيسان/أبريل 2010 ـ في الوقت الذي كانت فيه العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب على واردات البنزين الإيرانية وشيكة الحدوث ـ قامت "الشركة الوطنية الصينية للبترول" بتصدير 600,000 برميل من البنزين إلى إيران قيمتها 110 مليون دولار، بينما وافقت "يونيبيك"؛ الشركة التجارية لـ "ساينوبيك"، على شحن ما يقرب من 250 الف برميل إلى إيران عن طريق طرف ثالث في سنغافورة. وعلاوة على ذلك، تتوق الصين إلى الإنضمام إلى "خط أنابيب إيران ـ باكستان ـ الهند" والذي يتنافس مع "خط أنابيب تركمانستان - أفغانستان ـ باكستان ـ الهند" الذي تدعمه الولايات المتحدة لتحقيق الإستقرار في أفغانستان.
يبدو أن لدى الصين ثلاثة أهداف واسعة النطاق في منطقة بحر قزوين التي ترتبط بمصالحها في آسيا الوسطى:
(1) توفير الأمن للمنطقة وإرساء الإستقرار في اقليم شينجيانغ؛
(2) الوصول إلى الموارد الطبيعية؛
(3) توطيد النفوذ السياسي لكي تصبح ذات هيمنة إقليمية من خلال إطار العمل السياسي لـ "منظمة شنغهاي للتعاون" ("المنظمة").
ويشكل ذلك جزءًا من مكونات "إستراتيجية طريق الحرير" الكلية التي تتبعها الصين لتنويع الإعتماد على الطاقة بعيداً عن منطقة الخليج غير المستقرة، وبناء مسارات برية لتجنب عراقيل الإمداد البحري من الخليج.
وعلاوة على ذلك، يدعو نائب مدير "معهد السياسة الدولية في جامعة تونغجي"، غوو إكسيوتانغ، إلى تدعيم "منظمة شنغهاي للتعاون" من أجل المشاركة والتعاون في مجال الطاقة والعمل مع روسيا على ضم تركمانستان وأفغانستان إلى حظيرة "المنظمة". ويشير تونغجي إلى نجاح "منظمة شنغهاي للتعاون" في إسراع التكامل الإقليمي؛ وبما أن إيران هي مراقب في "المنظمة"، سيؤدي ذلك إلى زيادة تشجيع التكامل من خلال مشاريع البنية التحتية و"إمكان إثارة موضوع بناء خط أنابيب النفط المقترح من كازاخستان عبر تركمانستان وصولاً إلى إيران، إذا تم تنسيق ذلك من خلال 'منظمة شنغهاي للتعاون' ". وبالفعل، تأمل الصين أن تغادر القوات الأمريكية من المنطقة لكي تتمكن من لعب دور في ملء فراغ السلطة عن طريق "منظمة شنغهاي للتعاون" دون الدخول في أي تحدي كبير مع روسيا. ووفقاً لتقييم الصينيين دُفعت واشنطن لبحث سبل للتعاون مع دول أخرى، مثل الصين، ومنحها بعض التأثير على السياسة الأمريكية بالإضافة إلى تجنب المواجهة على المدى القريب إلى المتوسط، بسبب تركيز الولايات المتحدة على الإرهاب والإنتشار النووي في عالم ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
وترسخ مصالح الصين في منطقة بحر قزوين، "إستراتيجية طريق الحرير" الأوسع التي تتبعها تجاه الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا التي تشكل «اتحاد البحر المتوسط». ولا تقوم الصين بالإستثمار في الأسواق الناشئة فحسب، بل طورت أسواق من خلال الدبلوماسية التجارية باستعمال الدولار (مثل عملية الإنقاذ الضخمة التي قامت بها في اليونان) وتقوم بفتح آفاق لزيادة النفوذ الصيني في الدول المتقدمة المتعثرة مالياً، وهو الأمر الذي قد لا يتعلق فقط بالقروض الصينية بل يرتبط أيضاً باتفاقيات بيع البنية التحتية أو التكنولوجيا أو الأصول المالية.
"إستراتيجية البحار الأربعة" التي تتبعها سوريا
في الوقت الذي تتجه فيه أنظار الصين غرباً نحو بحر قزوين، تتحرك دمشق في الوقت نفسه نحو الشرق. ومنذ عام 2009، يسعى الرئيس السوري بشار الأسد إلى تشجيع "إستراتيجية البحار الأربعة" لتحويل دمشق إلى مركز تجاري وسط البحر الأسود، والبحر الأبيض المتوسط، والخليج العربي/البحر العربي وبحر قزوين. لقد قام الأسد بالترويج لهذه الفكرة في محادثاته مع تركيا في أيار/مايو 2009، لتقريب سوريا مع الدول المطلة على تلك الشواطئ ـ تركيا، إيران، وأذربيجان - حيث صرح قائلاً "عند دمج الفراغ الاقتصادي القائم بين سوريا، وتركيا، والعراق، وإيران، سنربط بين البحر المتوسط، وبحر قزوين، والبحر الأسود، والخليج .... نحن لا نحظى بأهمية في الشرق الأوسط فحسب... سنصبح نقطة تقاطع إلزامية للعالم كله في مجال الإستثمار والنقل وأكثر من ذلك، بمجرد أن نربط بين هذه البحار الأربعة". ووصف الرابطة التي تمثلها سوريا بأنها نقطة المركز لـ "نطاق أحادي أكبر حجماً مع تركيا وإيران وروسيا...إننا نتحدث عن مركز العالم"، وهكذا، يمكن أن تعمل سوريا بمثابة وسيلة لوصول دول الإتحاد الأوروبي إلى الأسواق في العالم العربي ودول غرب آسيا. وقد بحث الأسد هذه الرؤية مع ميدفيديف في أيار/مايو من هذا العام، وفي آب/أغسطس 2009، حصل على مباركة المرشد الإيراني الأعلى (السيد) علي خامنئي عندما عرض عليه هذه الإستراتيجية.
وتحقيقاً لهذه الغاية يقوم الرئيس الأسد باتخاذ الخطوات اللازمة لتمديد "خط الغاز العربي" عن طريق مد خط أنابيب لجلب الغاز من مصر والعراق عبر سوريا، والربط مع خطوط أنابيب "نابوكو" إلى تركيا وصولاً إلى أوروبا.
يربط "خط الغاز العربي" حالياً مصر مع الأردن، وسوريا، ولبنان؛ وفي عام 2009، تم التوقيع على اتفاقية جديدة لتمديد هذا الخط لمسافة 62 كم بين سوريا وتركيا، بحيث يتم الإنتهاء من بنائه في عام 2011. وسيوفر هذا الأنبوب الجديد الغاز الذي يكثر عليه الطلب إلى شمال سوريا، وسيعمل كمسار إمداد إلى تركيا والإتحاد الأوروبي عندما يصبح الغاز متوافراً من مصادر أخرى (العراق بشكل أساسي). ويتمثل هدف سوريا على المدى البعيد في أن تصبح دولة عبور إلى مصر والعراق وإيران وأذربيجان. وفي عام 2009، قام الرئيس الأسد بزيارة أذربيجان، ليصبح أول رئيس سوري يزورها منذ إستقلال تلك البلاد عام 1991، ووقع 19 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم في المجالات الإقتصادية والسياسية والتجارية. وقد شمل الإتفاق صفقة تقوم بموجبها أذربيجان بتصدير الغاز إلى سوريا عبر تركيا بكمية قدرها 1.5 مليار متر مكعب سنوياً في منتصف عام 2011. كما تتطلع هذه الإتفاقية إلى لعب دور في مشروع خط أنابيب الغاز "نابوكو"، في الوقت الذي تدرس فيه شركة "جازبروم" الروسية الإنضمام إلى مشروع أنابيب "خط الغاز العربي" الذي سيجلب الغاز من مصر والعراق وأذربيجان إلى "نابوكو". ولقد اشتركت شركة روسية أخرى، "ستويترانس غاز"، في بناء المرحلتين الأوليتين من "خط الغاز العربي"، وقامت ببناء مصنع لمعالجة الغاز في وسط سوريا وآخر يبعد مسافة 75 كم جنوب الرقة.
الخلاصة
ترتبط "إستراتيجية طريق الحرير" الصينية بسياسة سوريا التي تنظر شرقاً نحو منطقة بحر قزوين التي تعتبر مصدراً أساسياً لتغذية مشروعات خطوط أنابيب مختلفة مثل: الغاز الأذربيجاني للمرحلة الأولى من خط أنابيب "نابوكو" وصولاً إلى أوروبا، والذي سيرتبط في النهاية بـ "خط الغاز العربي" وإلى الشرق الأوسط؛ غاز تركمانستان وكازاخستان عبر "آسيا الوسطى ـ خط الأنابيب الصيني" و "خط أنابيب كازاخستان - الصين" إلى الصين؛ غاز تركمانستان إلى أفغانستان وباكستان والهند عبر "خط أنابيب تركمانستان – أفغانستان – باكستان ـ الهند" إلى جنوب آسيا. وفي الوقت نفسه، يبدو أن هيكل أمان إقليمي أوراسي (أوروبي آسيوي) يعتمد على تأمين الطاقة آخذ في البزوغ، تتواجد فيه تركيا وسوريا وإيران في "إستراتيجية البحار الأربعة" للإرتباط مع "منظمة شنغهاي للتعاون". وفي عام 2007، ناقش أحد مقالات "وكالة أنباء فارس" الإيرانية بعنوان "تحالف لا بد منه بين إيران وتركيا وسوريا وروسيا"، كيف سيقوم هذا "الإتحاد الرباعي" بتحدي السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. وبالمثل، قد تقوم روسيا والصين باتخاذ خطوات للإستفادة من "منظمة شنغهاي للتعاون" لبناء هيكل أمان إقليمي جديد يدعم سلامة أراضي كل منهما، والقيام في الوقت نفسه بالحد من التأثيرات الغربية. وتعمل الصين على زيادة وجودها في منطقة بحر قزوين من خلال "منظمة شنغهاي للتعاون" و"طريق الحرير" لخطوط الأنابيب والسكك الحديدية والطرق السريعة، في الوقت الذي تقوم فيه روسيا بزيادة حجم أسطولها في البحر الأسود بصورة مستمرة، بحصولها على موطئ قدم في البحر المتوسط عبر ميناء طرطوس السوري، وتشكيلها تحالف عسكري مع دول البحر الأسود (تركيا وأوكرانيا) والذي تم التوقيع عليه في آب/أغسطس 2010. ومرة أخرى، يبدو أن هناك "لعبة كبرى" جديدة حول منطقة بحر قزوين والشرق الأوسط الكبير.
2010-09-28