ارشيف من :آراء وتحليلات

الحرب... ضد إيران أم ضد "إسرائيل" ؟

الحرب... ضد إيران أم ضد "إسرائيل" ؟
ترجمة عقيل الشيخ حسين*

بدأت إيران في الشهر الماضي بتخصيب اليورانيوم في مفاعلها النووي الجديد، بوشهر، الذي تم بناؤه بالتعاون مع روسيا. على الفور، سارعت "إسرائيل" إلى إطلاق تصريحات قالت فيها بأن استخدام المفاعل النووي غير مقبول. وبعد أن أكدت الولايات المتحدة أن المفاعل الإيراني لا يشكل خطراً لجهة الانتشار النووي، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي علناً بأن إيران تنتهك بشكل فاضح قرارات كل من الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية، وبالتالي لا ينبغي السماح لها بأن تقطف ثمار استخدام الطاقة النووية.

لكن إيران وقّعت على معاهدة منع الانتشار النووي، وهي تسمح لمفتشي الوكالة بمراقبة منشآتها النووية، في حين أن "إسرائيل" التي يعرف الجميع بأنها القوة النووية العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط، ترفض ليس فقط توقيع تلك المعاهدة، بل أيضاً ترفض، حتى الآن، أي تفتيش دولي لمفاعلاتها النووية.

إذا كانت "إسرائيل" تسمح لنفسها باتهام إيران بأنها تنتهك بشكل فاضح قرارات الأمم المتحدة، ما هو القول في النفاق الذي يضع دولة "إسرائيل" فوق كل محاسبة؟

(وهنا تقدم المقالة عرضاً بالقرارات 181، 194، 302، 236، 237، 242، 250، 251، 252، 267، 340، 446، 468، 592، 605، 607، 608، 636، 641، 672، 673، 681، 694، 799، 904، 1322، 1397، 1402، 1405، 1435، 1515، 1544، 1850،1860، كجزء من قرارات الأمم المتحدة التي انتهكتها "إسرائيل" بشكل فاضح).

وبما أن هذه الطريقة في النظر إلى الواقع لا تنسجم مع أجندة الهيمنة الإسرائيلية على الشرق الأوسط، فإن خطاب تزوير الحقائق الصهيوني يستخدم على نطاق واسع لحرف الانتباه، فيما وسائل الإعلام تبيع نفسها وتتحول، بفعل ملايين الدولارات، إلى ألاعيب مهمتها نشر الدعاية المؤيدة لـ"إسرائيل".


فالواقع أنه من غير الصعب على الصحافة أن تبيع نفسها لـ"إسرائيل" لتحصل على ملايين الدولارات التي تصرف من أجل تشويه الحقائق والدعاية. ومن أجل ذلك يكون عليها الالتزام بما يلي:

1- عدم الإشارة مطلقاً إلى أن "إسرائيل" لم توقع معاهدة حظر الانتشار النووي، وأنها لا تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشآتها النووية.

2- تجاهل الواقع المتمثل بأن "إسرائيل" تنتج سراً رؤوساً نووية في مفاعل ديمونا.

3- تجاهل الواقع المتمثل بامتلاك "إسرائيل" لترسانة نووية منذ بداية الستينات، وبأنها حاولت بيع أسلحة نووية لجنوب إفريقيا في فترة التمييز العنصري.

4- تجاهل الواقع المتمثل بكون روزا غوتمولر، مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية، والمعينة من قبل واشنطن كمسؤولة عن المفاوضات مع موسكو بشأن التسلح النووي، قد طالبت "إسرائيل" رسمياً، الربيع الماضي، بتوقيع معاهدة حظر الانتشار النووي، وأن "إسرائيل" رفضت الاستجابة لهذا الطلب.

5- تجاهل الواقع المتمثل بأن قراراً صدر عن الأمم المتحدة يطالب "إسرائيل" بالتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي وفتح منشآتها النووية أمام التفتيش الدولي، وبأن "إسرائيل" رفضت الاستجابة لهذا القرار.

6- تجاهل الواقع المتمثل بكون الوكالة العالمية للطاقة الذرية قد طلبت إلى "إسرائيل" توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي، وأن "إسرائيل" رفضت هذا الطلب.

7- تجاهل الواقع المتمثل بأن إيران قد أعلمت الوكالة الدولية رسمياً بأنها تخطط لبناء مفاعل نووي، ما يدل على أن إيران تحترم قواعد معاهدة حظر الانتشار التي سبق لها أن وقعت عليها.

8- تجاهل الواقع المتمثل بكون إيران تسمح بتفتيش كافة منشآتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد ظل ذلك سارياً حتى الآن، وإن كان قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي قد رفض السماح مؤخراً بتفتيش هذه المنشآت... وكان العراق قد قام، قبيل الحرب التي شنها عليه الأميركيون، بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد اتهامهم بالتجسس. وتبين، في النهاية، وبعد كل الدماء التي أهرقت، وكل الأموال التي صرفت، أن العراق لم يكن يمتلك قنبلة نووية في أية لحظة.

وإذا كانت هنالك مشكلات بين إيران والمفتشين الذين منعتهم من التفتيش، فإن من الضروري أن يعرف العالم منذ الآن ما هي طبيعة المشكلات القائمة بينها وبين أولئك المفتشين.

9- في العام 1981، كانت "إسرائيل" قد وجهت إلى العراق الاتهامات نفسها التي توجهها اليوم إلى إيران، وذلك في اللحظة التي كانت تعد فيها العدة لضرب المحطة الكهربائية أوزيراك. وبعد غزو العراق، عام 2003، قام خبراء دوليون بفحص أنقاض محطة أوزيراك، ولم يجدوا فيها أي دليل على ما يمكن اعتباره تصنيعاً سرياً لسلاح نووي.

10- تجاهل الواقع المتمثل بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، شأنها شأن وكالات الاستخبارات الأميركية الست عشرة، قد صرحت بإجماع يندر حصوله بأن إيران لا تمتلك أسلحة نووية.

11- تجاهل الواقع المتمثل بكون "إسرائيل" قد سرقت، عام 1965، ما بين 90 إلى 275 كلغ من اليورانيوم الصالح للاستخدام العسكري... ذكر تقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الخبراء الإيرانيين في المجال النووي قد أنتجوا، على الأقل، 22 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة كحد أقصى. وأن هذه الكمية تكفي لصنع قنبلة نووية، علماً بأن اليورانيوم الصالح لمثل هذا الاستعمال يحتاج إلى درجة تخصيب تصل إلى 90 بالمئة.

والسؤال هو: لماذا تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة؟ إنها تفعل ذلك لإنتاج مواد طبية، وهو الأمر الذي تعمّد التقرير المذكور إغفال ذكره. والإشارة ضرورية إلى أن تقارير الوكالة تبين بوضوح أنها لم تلاحظ اختفاء أية مواد نووية أو اية كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق الـ20 بالمئة الضرورية للاستخدام الطبي في المنشآت النووية الإيرانية.

هنالك خطة وضعت منذ العام 2004 للقيام بعمل عسكري مشترك ضد إيران من قبل الولايات المتحدة والحلف الأطلسي و"إسرائيل". وقد قام ممثلون عن البنتاغون ونظراؤهم من الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بعمل دؤوب، في عهدي بوش وأوباما، من أجل تحديد دقيق للمواقع الإيرانية المعرضة للاستهداف. والمعروف أن أي عمل عسكري إسرائيلي يجب أن يتم بالتخطيط والتنسيق مع المرجعيات العليا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وكل هجوم إسرائيلي يستلزم دعماً لوجستياً بالتنسيق مع الولايات المتحدة والحلف الأطلسي، خصوصاً في ما يتعلق بنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، وهو نظام مندمج بالكامل، منذ بداية العام 2009، في النظم الأميركية والأطلسية.

والخلاصة أن أحداً لا يمكنه أن يلوم إيران فيما لو كانت تعمل على إنتاج أسلحة ردع نووي، خصوصاً بعد أن اثبتت الولايات المتحدة لإيران وللعالم موقفها الملموس من أي بلد غني بالنفط، كما هو الشأن بالنسبة للعراق، ولا يمتلك النووي كسلاح للردع.

* مقالة نشرت بالفرنسية على موقع آغورافوكس بتاريخ 15 أيلول/سبتمبر 2010.




2010-09-28