ارشيف من :آراء وتحليلات
السفير الفرنسي و"اسرائيل" وزيارة الرئيس أحمدي نجاد
بثينة عليق
لم يكن مستغرباً ما قاله السفير الفرنسي "دوني بيتون" لصحيفة النهار في موضوع المحكمة الدولية والقرار الإتهامي. فقوله ان القرار الإتهامي ليس نهاية العالم، وادعاؤه توجيه رسالة تطمينية لحزب الله من خلال قوله بأن فرنسا ستواصل تعاطيها مع الحزب حتى بعد صدور القرار الاتهامي، ليس إلا من قبيل الاحتيال الدبلوماسي الذي طالما مارسته الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا. إلا ان ما شكّل مفاجأة وتخطياً للأصول في العلاقات الدولية والدبلوماسية هو موقف بيتون وتعليقه على الزيارة المرتقبة للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى لبنان.
قال بيتون: "إن فرنسا تشعر بالقلق من زيارة الرئيس الايراني وخاصة أنه ينوي زيارة الجنوب وبوابة فاطمة حيث يمكن أن يطلق تصريحات حول المحرقة ولا يمكن عندها معرفة رة فعل اسرائيل"! وكأنّ السفير الفرنسي يريد أن تقوم الدولة اللبنانية بطلب لائحة بالقضايا والعبارات التي تزعج الاسرائيليين فتعمّمها على ضيوفها ليمتنعوا عن إطلاقها لأننا لا نعرف رد فعل "اسرائيل"، أو ربما هي رسالة تهديد اسرائيلية للرئيس الايراني وقد تطوّع بحملها سعادة السفير الفرنسي، أو ربما غاب عن بيتون أن الزمن تغيّر وأن "إسرائيل" مكرهة على ضبط اعصابها عندما يتعلّق الأمر بردّ فعلٍ تجاه لبنان لأنها تلقّت الدروس اللازمة في الـ2006.
بكلّ الأحوال ليست المرة الاولى التي تتطوّع فيها فرنسا لتظهر نفسها "الام الحنون لـ"اسرائيل". فمنذ فترة غير بعيدة وتعليقاً على خطاب الرئيس الايراني في يوم القدس، سارعت الخارجية الفرنسية لتتولّى الردّ حتى قبل صدور موقف اسرائيلي، فأصدرت بياناً تضمّن المصطلحات التالية: "مغالاة وحقد وغياب الفكر المتسامح وعزلة النظام الايراني".
لماذا تتسرّع الدول الغربية ومن بينها فرنسا لتعلن الاستنفار الدبلوماسي تعليقاً على كلام يأتي في سياق التعبير عن الرأي وخصوصاً إذا تعلّق الأمر بتوقّعات حول إزالة "اسرائيل" أو بكلامٍ يفضح الممارسات الارهابية والعدوانية لهذا الكيان الغاصب؟
إن هذا النوع من الردود السريعة والمكثفة لا يعكس سوى تنامي حالة القلق لدى دول المحور الغربي بعد رصد سلسلة مؤشرات تظهر أن "اسرائيل" باتت في حالة من التراجع والضعف.
ولعلّ من أبرزهذه المؤشرات، النداء الذي أطلقه رئيس الوزراء الاسباني الأسبق خوسيه ازنار محذراً فيه من انهيار "اسرائيل" التي وصفها بخط الدفاع الأول والأمامي للمشروع الغربي، معتبراً أن سقوطها يعني سقوط المنظومة الغربية. وما يزيد من المخاوف لديهم هو استطلاعات الرأي التي تعكس تراجعاً ملحوظاًَ في تأييد الرأي العام الغربي لـ"إسرائيل" مع ميلٍ متزايد للتعاطف مع القضية الفلسطينية. ولا يمكن التغاضي في هذا السياق عن التقرير السنوي الاستراتيجي لـ"اسرائيل" عام 2010 الذي يعدّه مركز دراسات آمان التابع لجامعة تل أبيب، وقد جاء تحت عنوان "غيوم تكدر في الافق". واستفاض التقرير في شرح العوامل والعناصر التي تشكّل مخاطر متعاظمة تحيط بالكيان الغاصب كازدياد وتعاظم قدرة حزب الله ونمو المشروع الإيراني وانحياز تركيا لهذا المعسكر.
بالعودة إلى السفير الفرنسي في لبنان وتصريحاته حول زيارة الرئيس أحمدي نجاد، من المؤكد طبعاً ان تصريحات بيتون التحذيرية او التهديدية لن تبدّل من الواقع شيئاً. إلا أنها تؤكد عمق الارتباط بين المأزق الاسرائيلي وواقع الدول الغربية. هذه الدول إذا أصرّت على المسار المنحاز تاريخياً لـ"اسرائيل"، فإنها لن تكون بمنأى عن تداعيات تضعضع المشروع الاسرائيلي. لذا فان هذه الدول وعلى رأسها فرنسا التي تدّعي معرفة ودراية بأوضاع المنطقة وأحوالها، مدعوة الى مراجعة نقدية جادة لتتفهم حقيقة ما يجري في المنطقة وتتخذ المواقف التي تحفظ مصالحها ومصالح شعوبها الحقيقية مع الأمل بأن يكون السيد بيتون من رواد هذه القراءة .