ارشيف من :ترجمات ودراسات

نتنياهو يستفيد من تصريحات ليبرمان لمواجهة الضغوط

نتنياهو يستفيد من تصريحات ليبرمان لمواجهة الضغوط
حسان ابراهيم
لا يدل تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن التسوية مع الفلسطينيين تتطلب عقودا، والموقف المضاد لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأن وزير خارجيته لا يعبر عن الموقف الإسرائيلي الرسمي، لا يدل بالضرورة على وجود خلاف مستجد بين الطرفين، أكثر من كونه دالاً على حراك إسرائيلي لإعادة إفهام الإدارة الأميركية، بحدود قدرة الضغط على تل أبيب، وتذكيرها بأن بحجم الخلافات داخل الائتلاف، حيث يعتبر حزب ليبرمان، "إسرائيل بيتنا"، شريكا رئيسيا فيه..
لا شك بأن موقف ليبرمان قنبلة ألقيت في طريق المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، لكن تنصل نتنياهو منها، يشير إلى احتوائها مبدئيا.. في نفس الوقت، تعتبر القنبلة واحتواؤها، إشارة إلى وجود حراك إسرائيلي بحلة جديدة، لمواجهة الضغوط المقبلة واتهام تل أبيب بإفشال المفاوضات مع الفلسطينيين، خاصة أن مسؤولين رفيعي المستوى في محيط نتنياهو، أعلنوا قبل أيام أن تجميد الاستيطان في الضفة الغربية كان فشلا وخطأ جسيما أنتج فائدة هامشية.
في اطار معاينة المشهد الإسرائيلي، في فترة ما بعد انتهاء تجميد الاستيطان قبل ايام، والحراك الخارجي والداخلي حيال إمكان تجميد المفاوضات والاعلان عن فشلها، يجب الإشارة إلى الآتي:
منذ أن بدأ مسار المفاوضات المباشرة بالتشكل، بل قبل ذلك أيضا، اكتفى ليبرمان بتسميته وزيرا للخارجية، لكن من دون فعل عملي يدل على ذلك، إذ أن المفاوضات تشكلت وانطلقت بعيدا عنه، ولا دخالة له بها من قريب أو بعيد، وأيضا لا تعتبر مواقفه وتصريحاته ولقاءاته، مقياسا لتحليل مآلات التسوية واتجاهها. ويبدو أن ليبرمان بعيد عن المفاوضات، نتيجة تفاهم بينه وبين نتنياهو، فلا مصلحة لكليهما معا بأن يتسبب أي منهما بوصم إسرائيل بالطرف الذي افشل المفاوضات مع الفلسطينيين.
لجهة ليبرمان، لا ضرر من مفاوضات مع الفلسطينيين وغيرهم، طالما أنها لا تحمل تنازلات وإمكانات فشلها اكبر بكثير من إمكانات نجاحها.. خاصة أن المفاوضات لذاتها تؤمن استمرار بقاء الحكومة الإسرائيلية على ما هي عليه، وتؤمن له البقاء في الاضواء السياسية داخليا، ما يعزز حضوره وحضور حزبه لدى الناخبين لفترات اطول، الأمر الذي سيعزز من عدد الأصوات التي سيتلقاها في الانتخابات المقبلة.
من جهة ليبرمان، لا ضرر من المفاوضات لذاتها، لكن في اللحظة التي يبدو أنها ستصل إلى نتيجة، فستكون اللحظة التي يعلن فيها الحرب عليها ويدفع نحو اسقاط الحكومة الإسرائيلية والتسبب بانتخابات مبكرة يخوضها على قاعدة رفضه للتنازلات.
لكن هل موقف ليبرمان في الامم المتحدة، يعبر عن بدء الحرب المشار اليها.. لا يبدو ذلك. فمسار التسوية ونتائجها إلى الآن، لا تدل على امكانات نجاحها، ومن المبكر جدا تقدير مآلاتها، برغم أنها تنتقل من عثرة إلى أخرى من دون انهائها.. ما يعني أن التفاهم القائم بين نتنياهو وليبرمان ما زال سائدا، وبالتالي يجب فهم حراك ومواقف الاثنين بناءً عليه.
بحسب التفاهم، حيال ملف التسوية مع الفلسطينيين أو ملفات أخرى غيرها، فإن السياسة الخارجية لإسرائيل تدار من قبل جهات أخرى، وتحديدا تجاه الولايات المتحدة وعواصم اساسية في اوروبا، إذ يتم تفعيلها من قبل وزير " الدفاع" الإسرائيلي إيهود باراك، وحراك الاخير في الاشهر الماضية دال على ذلك، إذ أن لقاءاته وزياراته الخارجية مكثفة جدا، ومواضيعها في العادة تتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين، والملف النووي الإيراني، وكل قوس التهديدات الماثلة امام إسرائيل، اضافة إلى العلاقات الثنائية وتطويرها ومحاولة احتواء التداعيات السلبية للسياسة الإسرائيلية نفسها، التي تظهر بين الحين والاخر مع الخارج.
لا توجد بصمة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، في مسار المفاوضات مع الفلسطينيين، فكل اللقاءات تجري بشكل مباشر بين نتنياهو وعباس، أو بين مساعديهما المباشرين، اما ليبرمان فبعيد عن كل ذلك. كما أن الاراضي المصرية محرمة على ليبرمان، لاسباب مصرية تتعلق بموقف الاخير من رئيسها، والامر أيضا شبيه بما يرتبط بالاردن، فيما معظم العواصم الغربية ترى فيه عنصرا متطرفا كابحا للتسوية.
المعنى من ذلك، أن الجميع بلا استثناء، إسرائيل وعرب الاعتدال، والعواصم الاوروبية، اضافة إلى الإدارة الأميركية، لا يتعاملون مع ليبرمان على انه وزير لخارجية إسرائيل، بل كطرف في الحكومة الإسرائيلية رافض لمسارات التسوية وعنصر ضغط على نتنياهو باتجاه تجميدها.
من جهة نتنياهو، أهمية ليبرمان انه جهة تخويف للاميركيين باعتباره قادرا على حل الائتلاف والدفع باتجاه اسقاط الحكومة والانتخابات المبكرة، والمعنى العملي لذلك تأجيل التسوية إلى حين إنهاء الانتخابات على امل تشكيل حكومة جديدة قادرة على استئناف التسوية من جديد.
ضمن هذا الاطار، يجب فهم تصريحات ليبرمان، التي حرصت إسرائيل باعلامها ومعلقيها على تسميتها بالقنبلة الموجهة إلى المفاوضات، في ظل بروز لمشكلة الاستيطان من جديد، وشبه الرفض بتمديد تجميده من جديد.
لا يبعد أن تكون "قنبلة" ليبرمان موجهة نحو الأميركيين تحديدا، والقاء الكرة في ملعبهم.. إذ لا ضرورة لدى ليبرمان لبدء الحرب على الحكومة باتجاه اسقاطها، خاصة أن المفاوضات نفسها متعثرة. لا يبعد أن تكون القنبلة عامل ضغط جديدا باتجاه تسوية مسألة الاستيطان بلا تنازلات إسرائيلية، أو تنازلات لقاء أثمان معقولة.. كما أن إحدى الفوائد من موقف ليبرمان، اعادة تذكير الأميركيين بأن عليهم دراسة التداعيات جيدا خلال ضغطهم على نتنياهو، بما يرتبط بتمديد تجميد الاستيطان، الأمر الذي يدفعهم نحو الموازنة ما بين المطلب وما ستجبيه إسرائيل من ذلك.
من الفوائد التي تحققت لنتنياهو، افهام الجميع بأن عنصر التطرف في الحكومة الإسرائيلية ليس رئيسها، بعد أن تركزت الانتقادات في الايام القليلة الماضية على نتنياهو نفسه، وفائدة تصريحات ليبرمان ورفض نتنياهو لها، اشارة تصويب للخارج بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية هو الجهة التي تمنع عرقلة مساعي التسوية داخل الائتلاف الحكومي، بمعنى أنه يفصل ما بين تحقيق التسوية وبين الجهات القادرة على اسقاطها.
تداعيات تصريح ليبرمان تقف عند هذا الحد. لا نية للمراكمة على هذا التصريح والتسبب بأزمة داخلية في الائتلاف الحكومي، إذ لا مصلحة لاحد في الكيان الإسرائيلي، في هذه الفترة، بأن يتسبب باسقاط الحكومة، لكنها مناسبة جيدة كي تستغل من قبل نتنياهو لتخفيف مستوى الانتقادات ضده على خلفية رفضه تمديد فترة تجميد الاستيطان، فمن يُرِد الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية لتمديد تجميد الاستيطان، عليه أن يتذكر أن هناك جهات متطرفة جدا داخل هذه الحكومة، قد تتسبب بافشال كلي للمفاوضات.
2010-09-29