ارشيف من :آراء وتحليلات

برويز مشرف... الورقة الأخيرة في جعبة الأطلسي في باكستان وأفغانستان!

برويز مشرف... الورقة الأخيرة في جعبة الأطلسي في باكستان وأفغانستان!
عقيل الشيخ حسين

برويز مشرف... الورقة الأخيرة في جعبة الأطلسي في باكستان وأفغانستان!
التصريحات التي أطلقها مؤخراً مسؤولون أميركيون وكشفوا فيها عن عزمهم على تصعيد العمليات العسكرية السريّة التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في باكستان ليست لافتة. فالوكالة تعمل بكامل طاقتها وهي عالية الكعب حقاً في هذا المجال. وهي نفسها تعترف بأنها نفذت مئات العمليات السرية أو العلنية في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ولا يمكن، طالما أن الوكالة نفسها تعترف بأنها تقوم بتنفيذ عمليات سرية، لا يمكن لهذه العمليات أن تقتصر على أحزمة ناسفة أو حقائب يحمّلونها لأشخاص لا يعرفون ما يحملون، ويطلبون إليهم الذهاب إلى مكان معين، قبل أن يقوموا بتفجيرهم مع حمولتهم عن قرب أو بعد، لقتل عشرات أو مئات الأشخاص العاديين، كما يحدث يومياً في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من البلدان.

فهذه العمليات منها، دون شك، ما هو مصمم لخدمة أغراض استراتيجية كبرى. إذ لا يمكن لأي تحليل رصين من الناحية السياسية والمنطقية أن يغض النظر عن إمكانية ضلوع الاستخبارات الأميركية وغيرها من الأجهزة المرتبطة بها أو المتحالفة معها في اغتيالات كبرى هزت العالم كاغتيال الرئيس الأميركي الأسبق، جون كندي، أو رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري. أو في تفجيرات بضخامة تفجيرات 11/9.

خصوصاً عندما تحتشد معطيات كثيرة تذهب باتجاه معاكس للاتجاه الذي تسارع التفسيرات السياسية أو التحقيقات الغوغائية المعدة سلفاً والمرفقة بشهادات مزورة، إلى رسم سيناريوهات تفضي إلى توجيه التهم إلى جهات يستهدفها مشروع الهيمنة الأميركي.

ولم تعد جديدة ولا لافتة توغلات قوات الأطلسي، أو الغارات التي تنفذها طائرات بدون طيار لملاحقة وقتل من يسمونهم إرهابيين أو متشددين داخل الحدود الباكستانية.

وكذا الأمر بالنسبة للعمليات التي تستهدف جنوداً باكستانيين والتي أدت إحداها قبل يومين إلى مقتل ثلاثة من هؤلاء الجنود، ما أدى إلى حالة غليان في الشارع الباكستاني ترافقت مع إحراق عشرات الشاحنات التي تنقل المحروقات والأعتدة عبر معبر خيبر الباكستاني إلى قوات الأطلسي العاملة في أفغانستان، الأمر الذي اضطرت معه حكومة إسلام آباد إلى إغلاق طريق الإمدادات "بشكل مؤقت"، احتجاجاً على مقتل الجنود، وخصوصاً لضمان أمن قوافل الإمدادات، على ما صرح به السفير الباكستاني في واشنطن، حسين حقاني.

لكن الجديد واللافت، في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين قوات الأطلسي والحليف الباكستاني على خلفية الاتهامات الموجهة إلى هذا الأخير بالتقاعس عن ضرب طالبان باكستان، والتي تصل إلى حد اتهام بعض أجهزة النظام العسكرية والاستخبارية بمد يد العون إلى طالبان في كل من باكستان وأفغانستان، أن جبهة ثالثة قد فتحت مؤخراً على باكستان.

فبالإضافة إلى العمليات السرية وتوجيه الضربات إلى الجنود الباكستانيين، يبدو أن الغربيين قد بدأوا بالتحضير لإحداث تغييرات جديدة على مستوى الحكم في باكستان.

إذ من غير المعقول بعد إبعاد الرئيس الباكستاني الأسبق، برويز مشرف، عن حكم باكستان، بجهود ساهمت فيها الإدارة الأميركية بشكل مباشر، أن يطل مشرف برأسه من جديد ليطرح نفسه كبديل للنظام الباكستاني القائم... دون أن يكون ذلك بتدبير مباشر من قبل الأميركيين.
فقد ظهر مشرف على المسرح من خلال مؤتمر صحافي عقده في لندن وأعلن فيه عن تشكيل حزب سياسي جديد بقيادته تحت اسم "الرابطة الإسلامية لعموم باكستان".

ويأتي هذا التطور كتمهيد للمشاركة في الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في باكستان في العام 2013. وفي حدود ما يمكن اعتباره خطاباً عادياً في حملة انتخابية، أكد مشرف بأن الوقت قد حان للعمل من أجل جعل باكستان "دولة إسلامية حديثة وتقدمية"، مع وعد بإطلاق "الجهاد ضد الفقر والأمية والجوع والتخلف والفساد والتطرف".

وبالطبع يمر ذلك الجهاد بتغيير كل القادة الحاليين الذين عجزوا عن إضاءة بصيص نور في الظلمة التي تسود باكستان.

ومع حرصه على تضمين شعاراته الانتخابية مجمل هواجس الباكستانيين، فإن مشرف، وهو على كل حال واحد من كبار المسؤولين عن الظلمة التي التي تطبق على باكستان، لم يشر إلى واحد من أهم تلك الهواجس، أي إلى الهاجس المتمثل بالجار الهندي، في وقت تتصاعد فيه التوترات بين الهندوس والمسلمين، وبين الهند وباكستان على خلفية تفجيرات بومباي، وخصوصاً على خلفية الانتفاضة المتصاعدة التي تشهدها كشمير منذ أسابيع.

كما لم يشر، أسوة بالرئيس الأفغاني، حامد قرضاي، الذي لا يكف عن الشكوى بسبب سقوط مدنيين أفغان على أيدي قوات الأطلسي، إلى المدنيين والعسكريين الباكستانيين الذين يسقطون على أيدي القوات نفسها.

لكنه، وهذا ما يدعم فرضية التدبير المباشر من قبل الأميركيين، بدا أكثر ملكية من الملك عندما اعتبر، في الوقت الذي يسعى فيه الأميركيون إلى استجداء صفقة مع طالبان، أن "حركة طالبان يمكن أن تهزم"، وأن الولايات المتحدة وبريطانيا قد أخطأتا في الإعلان عن نيتهما سحب قواتهما من أفغانستان، وأن الزعماء الغربيين يتسابقون في الإعلان عن سحب القوات بسبب خشيتهم من فقدان شعبيتهم. ليختم بالحديث عن الناس (الشارع الغربي) الذين يطالبون بسحب جنودهم من أفغانستان متهماً أياهم بالغفلة لأن أحداً لا ينبههم إلى أن ما يفعلونه هو "أسوأ القرارات وخطأ فادح".

وعليه، فإن الأطلسيين الذين أعيتهم الحيل في أفغانستان وباكستان، والذين عجزوا حتى الآن عن إقناع النظام الباكستاني بالقتال عنهم في أفغانستان وباكستان، بات بإمكانهم أن يضغطوا بمشرف على النظام الباكستاني لدفعه إلى المزيد من الانصياع، وإلا فإن مشرف جاهز للاضطلاع بالمهمة.


2010-10-05