ارشيف من :آراء وتحليلات

14 آذار وطهارة العدالة الدولية نموذجاً!

14 آذار وطهارة العدالة الدولية نموذجاً!
هيلدا المعدراني

نزع سياسيو وإعلاميو 14 آذار عن مذكرات التوقيف السورية بدعوى اللواء جميل السيد أي معنى قضائي، واعتبروها عملا سياسيا صرفا. ووفقا للصورة النمطية التي يحاولون غرسها في أذهان الناس عن النظام في دمشق، لم يكتفوا بأنها وسيلة ضغط على الرئيس سعد الحريري على حد زعمهم، إنما ذهب البعض منهم في تصويرها على أنها رغبة سورية متجددة في الرجوع إلى سلوكيات قديمة والتدخل بالشؤون اللبنانية، وأكثر من هذا توغل آخرون منهم عميقا في قراءاتهم لقرار القضاء السوري ليخرجوا باستنتاجات كاريكاتورية ترى مذكرات التوقيف هي وليدة التباين البنيوي بين الديموقراطية اللبنانية والشمولية السورية.

لم يكلف أي من هؤلاء نفسه عناء مناقشة المرتكزات القانونية التي اتكأ عليها القاضي السوري لقبول دعوى اللواء السيد من ثم إصدار مذكرات التوقيف أو السند القانوني الذي سوّغ له مقاضاة أشخاص من غير الجنسية السورية، وهذا ليس ناجما فقط عن نقيصة موضوعية متأصلة عندهم في مقاربتهم للمسائل المتصلة بالعلاقة السورية بلبنان، إنما مرده إلى المنهجية المشبوهة التي يعتمدونها في هذه المقاربة، ويعوّلون عليها لابتداع شخصية لبنانية تستحق بنظرهم الفرادة والاستقلالية والكينونة السياسية.

هذه المنهجية تقوم من جهة على نفخ الذات بالانتساب الكاذب للحداثة والتقرب من الغرب والتماهي معه زورا وخلافا للواقع والحقيقة، ومن جهة أخرى على تنفير اللبنانيين من محيطهم وبالأخص سوريا، وأبلستها والتشكيك بنياتها ولو اقتضى منهم ذلك تبني سلوكيات عنصرية مذمومة (رأينا نماذج دموية منها في التعامل مع العمال السوريين إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري) أو فبركة التاريخ لاصطناع صدقية لهذه المنهجية.

وإذا كنا، لن نحرم سياسيي وإعلاميي 14 آذار متعة اتهام سوريا بتسييس قضائها لقبولها دعوى اللواء السيد، لكن بالمقابل، أليس من حق المتابع والمراقب (ليس المعارضة فقط) أن يعتبر عدم قبول القضاء السوري هذه الدعوى تسييسا؟ أليس في عدم قبوله الدعوى استرضاء لفريق معين على حساب حلفاء له من بينهم اللواء السيد نفسه؟

وإذا كنا، قد اعتدنا على سماع الأسطوانة التي يرددها هؤلاء عن المؤسسات الرسمية في سوريا، ومنها لا يوجد قضاء مستقل في سوريا، قد يكون نافلا السؤال، وهو أين يوجد ذلك القضاء المستقل؟ هل هو في لبنان؟ وللتذكير مطلب استقلالية القضاء تكاد تنادي به كل القوى والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية في البلد.

أم أن هذا القضاء المستقل محصور فقط في بلاد الغرب (وهي النموذج التي تزعم 14 آذار الاحتذاء به)، وفي بريطانيا مثلا، التي فضح نواب من الكونغرس الأميركي كيف استخدمت شركة النفط البريطانية BP عدالة لندن من أجل التعجيل بالإفراج عن عبد الباسط المقرحي المتهم بقضية لوكربي لقاء حصولها على عقد امتياز بقيمة 900 مليون دولار للتنقيب عن النفط قبالة الساحل الليبي!.

أم أن هذا القضاء في بلجيكا التي تنازلت محاكمها عن اختصاصها العالمي في ملاحقة المسؤولين الأجانب عن جرائم القانون الدولي عندما اتصل هذا الاختصاص بجرائم ارييل شارون في صبرا وشاتيلا، وتبعتها المحاكم البريطانية عندما اتصل الأمر بجرائم شاؤول موفاز في مجازر جنين!
أم في ألمانيا، عندما اتهم ديتليف ميليس في الثمانينات (قبل توليه التحقيق الدولي بقضية الحريري) الليبيين زورا (كما تبين فيما بعد) في تفجير ملهى لابيل في برلين، ليفسح المجال حينذاك أمام الرئيس الأميركي لتأديب الرئيس الليبي معمر القذافي بقصف طرابلس الغرب وقتل أكثر من 200 ليبي مدني!

واين القضاء المستقل عندما استفاق مجلس الأمن بعد ثلاثين عاما لإنشاء محكمة دولية في كمبوديا لمحاكمة جرائم حرب ارتكبت في هذا البلد لم يبق من مرتكبيها سوى شخصين اثنين بلغا من العمر عتيا، في حين هذا المجلس نفسه لم ير لزوما لإنشاء محكمة شبيهة لكل جرائم الحرب وضد الإنسانية التي وثقها تقرير غولدستون عن الارتكابات الإسرائيلية خلال حرب العدو على غزة!

أم أن هذا القضاء المستقل هو في تدخل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لمنع قاضي الإجراءات التمهيدية فيها دانيال فرانسين، والطلب إليه عدم تسليم اللواء السيد نسخاً عن شهادات الزور التي ألقت به في السجن مع غيره لأكثر من أربع سنوات دون أي توجيه أي تهمة له.

يبقى شأن سياسيي وإعلاميي 14 آذار كيف يوصفون مذكرات التوقيف السورية، أهي سياسية أم قضائية، لكن عليهم ألا يخافوا على طهارة العدالة الدولية لو رميت بشبهة شهود الزور في لبنان، فالظلم بالسوية عدل في الرعية.
2010-10-08