ارشيف من :آراء وتحليلات

هل يشهد العالم ولادة دولة جديدة منشقة عن السودان؟

هل يشهد العالم ولادة دولة جديدة منشقة عن السودان؟
عبد الحسين شبيب

ما هو الاسم الذي سيحمله البلد الجديد الذي سينضم إلى لائحة دول العالم على الجغرافية السياسية الأفريقية؟   

المولود طبعا سيبصر النور برعاية أميركية مباشرة وغطاء من منظمة الأمم المتحدة في التاسع من كانون الثاني/يناير المقبل، موعد إجراء الاستفتاء على مصير منطقة جنوب السودان، والخيار بين أمرين الانفصال عن شماله وتشكيل دولة جديدة أو البقاء على وحدة السودان.
هذه الهدية الاميركية ـ الدولية إلى العالم العربي والإسلامي ستقدم عشية رأس السنة الميلادية الجديدة، ولن تكون سوى سلخ جزء من هذا البلد العربي الإسلامي الأكبر في أفريقيا من حيث المساحة، وذو الميزات السياسية والاقتصادية فضلا عن المائية الكبيرة والهامة؟

أسئلة كثيرة تتطاير في غير عاصمة دولية وإقليمية معنية بالموضوع أبرزها كيف ستتعامل مصر مع الجار الجديد لها بعد سنوات من المناكفة مع نصفها المكمل، أي السودان بمساحته الحالية؟ وهل كانت تدرك عواقب اتفاق السلام الذي أوصلته إدارة جورج بوش عام 2005 إلى صيغته التي تضمنت بند الاستفتاء على الانفصال بعد سنوات من اختبار تجربة بقاء الجنوبيين ضمن بلد واحد مع الشماليين تنتهي في موعد إجراء الاستفتاء الآنف الذكر، علما أن الاتفاق ُفرض في ذروة الهجمة الأميركية على الجغرافية العربية الإسلامية بدءا من أفغانستان مرورا بالعراق ثم إيران وسوريا وفلسطين حكما وصولاً إلى لبنان على ضفة المتوسط؟
نتيجة الاستفتاء معروفة سلفاً كما تقول التصريحات الأميركية الرسمية والبحثية وكما يقول القادة السودانيون الجنوبيون، وأدوات التنفيذ بدأت فعليا منذ استخدام مقصلة القضاء الدولي ووضعها فوق رأس القيادة الشمالية الممثلة بالرئيس السوداني عمر البشير المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بدارفور بمذكرتي توقيف ربطا باتهامه بالمسؤولية عما حصل في هذا الإقليم السوداني الذي ُأشعل على حين غرة واستخدم ورقة ضغط قوية في تمرير الاتفاق الذي قيل انه أنهى الحرب الأهلية في الجنوب السوداني؟

يصرح الاميركيون جهارا بأن السودان ذو ميزات استراتيجية هامة جدا لهم، ويستفيضون في الحديث عن مصالحهم الحيوية فيه لقربه من مناطق نزاع هامة في القارة الأفريقية، لذا قررت واشنطن أن تكون سفارتها في السودان الأكبر في أفريقيا كما هي حال سفارتها في العراق الأكبر في الشرق الأوسط، ولهذا السبب تشرف مباشرة على التحضير لخطوة الاستفتاء وتضع ثقلها لإنجازه.
التحذيرات الأميركية اليوم تقول إن السودان يمكن أن يمثل بالنسبة إلى الرئيس باراك أوباما أزمة دولية رئيسية جديدة يمكن أن تكون أكثر دموية مما سمته الإبادة الجماعية في دارفور، إلى درجة أن وزيرة الخارجية الأمير كية هيلا ري كلينتون كشفت النقاب أخيراً عن تحذير غير دبلوماسي إلى حد ما بشأن قنبلة زمنية موقوتة لها عواقب وخيمة في إشارة إلى السودان عقب الإستفتاء على مصير منطقته الجنوبية، ومعها منطقة أبيي الغنية بالنفط والتي يطمح شطري البلاد الشمالي والجنوبي إلى أن تكون ضمن نطاقه الجغرافي بعد الاستفتاء.

سبب القلق الأميركي هي أن نتيجة الاستفتاء معروفة مسبقاً في واشنطن وهي الانفصال، ما يعني أن على السودان التاريخي أن يتخلى عن منطقة تحتوي على 80 في المئة من احتياطي النفط في البلاد، وهو ما يطرح سؤالا عما إذا كان الرئيس البشير وقيادة الشمال الإسلامية سيكونون متعاونين مع هكذا نتائج من شأنها فضلا عن تقسيم البلد ما يؤدي إليه من تخلي عن مصدر رئيس للثروة الوطنية السودانية، وهي حكما متصلة بالثروة القومية العربية والثروة الإسلامية ككل، باعتبار أن هوية البلد الجديد لن تكون إسلامية ولا عربية ايضاً.
وإزاء تساؤلات عن احتمال عرقلة حكومة البشير كل الخطوات المتبقية من اتفاق السلام لعدم تجرع هذه الكأس المرة بدءا من ترسيم الحدود مرورا إلى المحادثات الخاصة بتقسيم الثروات النفطية وصولا إلى الإعداد لإجراء الاستفتاء، فان الإدارة الاميركية تلوح بالعصا والجزرة في آن لتمرير هذه الخطوة الأولى في تطبيق مشاريعها المستمرة في تفتيت المنطقة العربية والإسلامية إلى دويلات جديدة.
وفي هذا السياق يغري الاميركيون حكومة البشير بتحسن ملموس في العلاقات مع الخرطوم إذا ما سهلت العملية وهو ما قالته صراحة وزيرة الخارجية الأمير كية، هيلا ري كلينتون، على أن الإغراءات تتضمن رفعا تدريجيا للعقوبات المفروضة على السودان منذ التسعينيات إلى جانب رفع الحظر عن الصادرات الأميركية، ورفع التمثيل الدبلوماسي الأميركي في هذا البلد، إضافة طبعا إلى ورقة يمكن أن تلعبها واشنطن وهي الاستجابة لمطالبة الخرطوم بإلغاء ديونها المقدرة بـ35 مليار دولار.
الخطوات الأولى المطلوبة أميركيا من حكومة البشير هي دعم اللجنة الانتخابية وتحضير بطاقات الاقتراع وتسجيل الناخبين، وجميعها خطوات ضرورية لإجراء الاستفتاء.

وفي المقابل فان واشنطن تلوح بعقوبات إضافية في حال عرقلة الاستفتاء، فضلا عن إبقائها سيف المحكمة الدولية مسلطا على رأس الرئيس البشير، وهو ما عبر عنه اوباما بقوله خلال مؤتمر الأمم المتحدة حول السودان انه من غير الممكن أن يحل سلام دائم في دارفور من دون مساءلة مرتكبي الجرائم.
ومع أن واشنطن تبدو اللاعب الرئيسي في هذه الأزمة، فان هناك لاعبين آخرين تبدو الولايات المتحدة مضطرة إلى التنسيق معهم لاستكمال إنجاز المرحلة المقبلة، وهو ما أوصى به «مجلس العلاقات الخارجية» معتبراً أن على اوباما الحفاظ على الوحدة في التعاطي مع المرحلة الدقيقة في الخرطوم بين واشنطن وأصحاب المصالح، الإقليميين والدوليين، في حماية اتفاق السلام الشامل الذي أنهى الحرب الأهلية في البلاد.

فهذه الحرب مرشحة للعودة في ظل توافر عناصرها، فهناك تحذيرات واضحة بشأنها منها تكرار النائب الأول للرئيس السوداني ورئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت تحذيره من اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق إذا تأجل الاستفتاء، ومنها أيضا تحذير دولي من احتمال أن يؤدي التأخر في التحضير للاستفتاء إلى إعلان انفصال الجنوب من جانب واحد، مع ما قد يترتب على ذلك من انعكاسات ميدانية خطرة.
فالجنوب حصل على دبابات وأسلحة ثقيلة أخرى ويتوقع الجيش السوداني مواجهة عسكرية كبيرة في حال قيامه بهجوم، كما أن هناك رفضا للسلطة القائمة في الجنوب يقوده ثلاثة من الجنرالات المنشقين عن جيش الجنوب من الذين لجأوا إلى السلاح عقب الانتخابات في نيسان/ابريل الماضي بعد اتهامهم الحكومة بالفساد والتزوير، ويحمل الكثير من زعماء الجنوب خصومهم السابقين الشماليين مسؤولية تسليح ميليشيات لزعزعة استقرار الجنوب. كما أن هناك قادة جنوبيين يسلحون رجال قبائل موالية لهم لتعزيز موقفهم.

كما أن مصير منطقة أبيي قد يشعل شرارة في فتيل الأزمة. فمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي رسمت حدود هذه المنطقة في تموز الماضي في محاولة لحل النزاع المحتدم بين الشمال والجنوب. لكن القرار الذي وضع بلدة أبيي وأراضي الرعي الخصبة داخل حدود منطقة أبيي رفضه بدو المسيرية المدججون بالسلاح. وهم يخشون أن يحرموا من استخدام المراعي إذا صوت سكان أبيي من قبائل الدنكا على الانضمام للجنوب ثم صوت جنوب السودان على الانفصال كدولة مستقلة في استفتاء ثان متزامن، مما سيفاقم من هذا الصراع القبلي.

ما تقدم يعني أن أدوات المعركة متوافرة، بالتزامن مع احتمال عودة التوتر في دارفور كجزء من عملية الضغط على نظام البشير.
على أي حال فإن مؤشر المرحلة المقبلة يتصل بمسألة ترسيم الحدود بين شمال البلاد وجنوبها، حيث يقع كثير من حقول النفط على هذه الحدود، ويسود الاعتقاد أن الترسيم هو الحل لمحادثات ناجحة بين طرفي الأزمة بشأن تقاسم ثروات النفط والمياه من نهر النيل بعد الاستفتاء، حتى لا تبقى نقاط توتر تؤجج الصراع وتحوله من حرب أهلية إلى حرب بين دولتين.

وتتهم القيادة الجنوبية القيادة الشمالية بعرقلة الترسيم في محاولة للاحتفاظ بالسيطرة على احتياطيات النفط، حيث تمثل إيرادات النفط نحو 98 في المئة من ميزانية جنوب السودان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، وبالتالي فإن مؤشر الترسيم يمكن أن يحدد اتجاه الأحداث وما إذا كان تقسيم السودان أصبح قاب قوسين أو أدنى، وما إذا كان الشمال بات في وضع لا يسمح له برفض هذا الخيار المر الذي يحصل في غفلة عن الأشقاء العرب لهذا البلد العربي أو بتواطؤ من بعضهم أو سوء تقدير لعواقب الأمور.






2010-10-08