ارشيف من :آراء وتحليلات
استقالة الحريري واستحالة الفراغ
سركيس أبو زيد
فاجأت المراقبين دعوة عضو تكتل "لبنان أولا" النائب نهاد المشنوق، كـ "مواطن"، رئيس الحكومة سعد الحريري الى الاستقالة من منصبه، خصوصا انها الدعوة الأولى من نوعها من داخل فريق رئيس الحكومة، وإن اتسمت مواقف المشنوق منذ انتخابه نائبا عن بيروت على لوائح تيار "المستقبل" بالتمايز اللافت شكلا ومضمونا، خصوصا انه كان سباقا في زيارة دمشق في حين كان لا يزال خطاب تيار "المستقبل" على الجانب الآخر.
وكان المشنوق قد دعا، كـ "مواطن"، الحريري الى الاستقالة "لحفظ مكانة رئاسة الحكومة وألا يشكل حكومة أخرى الا اذا كانت قادرة على الانتاج. وأشار الى ان رئاسة الحكومة تتعرض كل يوم للهجوم، واصبحت الحكومة غير منتجة بسبب الصراع السياسي، وتاليا ان البعض يطلب من رئيس الحكومة الانتحار سياسيا وليس التسوية، وهذا ما ليس مقبولا.
ورأى ان استقالة الحكومة تؤدي الى تفاهم جدي "من اول وجديد"، اذ لا يجوز تعريض الحكومة ورئيسها الى هذا الكم من الاهانات. أما تشكيل حكومة جديدة من دون رضا الحريري (...) فسيكون كلاما فارغاً لا يؤدي الى نتيجة ولا يمكن لعاقل أن يفكر في تشكيل حكومة غير سعد الحريري.
واذ سعى أكثر من مراقب الى تلمّس ردة فعل فريق الحريري ونواب كتلته النيابية من هذا التطور في موقف أحد نواب كتلته، برز موقف منسوب الى أحد نواب تكتل "لبنان أولا" رأى فيه ان رأي المشنوق لا يلزم التكتل ولا يعبر تاليا عن موقفه، وكل فرد حر في التعبير عن موقفه ورأيه كما يشاء.
واكد النائب ان استقالة رئيس الحكومة أمر غير وارد، وهي أصلا غير مطروحة لا من قريب ولا من بعيد، مشددا على بقاء الحريري في موقعه ما دام يحظى بثقة مجلس النواب.
كما نقل عن مصادر في قوى الرابع عشر من آذار اعتقادها ان ما أثاره المشنوق قد يعكس حالا اعتراضية على الحملة التي تستهدف رئيس الحكومة. هذا التباين يعكس حالة من الارباك والتناقض الى حد الضياع داخل فريق المستقبل الذي يشهد موجة من الخلافات حول تشخيص الأزمة وطرق حلها . ان دعوة المشنوق الحريري الى الاستقالة هي خطوة براغماتية ومناورة واضحة، انطلاقا من نظرية استحالة الفراغ.
وهي إشارة الى ان ثمة في فريق رئيس الحكومة من يرى ان استقالته هي الورقة الأخيرة التي يمكنه ان يلعبها في مواجهة الضغوط التي يواجهها على خلفية السجال الحاصل حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وتمويلها وملف الشهود الزور المرتبط بها.
ان كلام المشنوق يحمل في طياته رسالة تحذير ترمي الى الايحاء الى قوى المعارضة السابقة، والى معارضي رئيس الحكومة عموماً، ان الدفع في اتجاه مزيد من الضغوط عليه لا يجدي نفعا لأن خاتمة هذه الضغوط قد تكون الاستقالة، وهي خطوة تضرّ قوى المعارضة السابقة أكثر من غيرها لأن الاستقالة معناها الفراغ حكما، إذ ان أياً من الشخصيات المرشحة لتشكيل حكومة، في حال اختار الحريري الاستنكاف عن هذه المهمة، لن تكون قادرة على تشكيل حكومة تحت وطأة ضغط جمهور تيار "المستقبل" الذي سيشتد عصبه، والحال هذه، وسيعارض بشدة أي توجه يُقصي الحريري عن الحكم. كما أن عدداً من قياديي المعارضة السابقة لن يكون سهلا عليه السير في تسوية بلا سعد الحريري كما يبدو حتى الآن.
ان هذه المقاربة الفراغية غير صحيّة، لأنها تعني عمليا تعطيل الحياة السياسية وزج البلاد في فراغ دستوري مريع في وقت تحتاج الى اعادة تنشيط مؤسساتها واداراتها الرسمية السياسية والاقتصادية، بعد قصور أصاب الحكومة الراهنة نتيجة غرقها في مشاكل الواحدة تلو الاخرى، أبعدتها عن القدرة على الانتاج وأقصتها عن أحد أهم عناوين بيانها الوزاري: اولويات الناس.
الدعوة الى الاستقالة هي رسالة متعددة الأبعاد: من جهة، هي تعبير عن عجز وتردد وخلافات مما يشوه صورة الرئيس الحريري الذي يحرص على تقديم نفسه بأنه الوحيد القادر على تمثيل رئاسة الحكومة. ومن جهة ثانية هي ورقة ضغط وتهويل وابتزاز موجهة الى المعترضين وللتفاهم السوري السعودي على طريقة أنا أو الفراغ , مع العلم أن البدائل متوفرة وممكنة. وثالثا ثمة اطراف خارجية وداخل المستقبل تدفع الرئيس الحريري الى الاستقالة للتخلص من تردده لمصلحة فريق أكثر تطرفا واكفأ على حد زعمها, لكن فريق الحريري متمسك بالرئاسة لأنه يدرك بأن الحريري اذا خرج من السراي قد لا يعود.
في كل الحالات التهويل بالاستقالة، هو تعبير عن فراغ داخل 14 اذار، بينما المعارضة الوطنية لا تتخوف من الفراغ ولها أولويات واضحة ومحددة وهي لن تؤجلها ولن تغيرها ولن ترد على مناورة مكشوفة.