ارشيف من :آراء وتحليلات
زيارة نجاد الى لبنان: فيض من الدلالات والرسائل
مصطفى الحاج علي
لا تشبه زيارة رئيس الجمهورية الاسلامية الإيرانية الدكتور محمود أحمدي نجاد الى لبنان إلا نفسها، فرادة الزيارة هي انعكاس لفرادة موقع ودور ايران اليوم في لبنان والمنطقة، وهي انعكاس للميّزات الشخصية للرئيس الايراني المثيرة للجدل، والمستفزة لأعداء ايران، والتي تحاكي في سلوكياتها نمطاً لشخصيات في السلطة لم يعد موجوداً في زمننا الحالي، ولا يذكرنا الا بتجارب الرسل والائمة والخلفاء الصالحين، حيث الرئيس من الناس وفي الناس، وللناس، وحيث تختفي الحدود بين الناس والسلطة بدلاً من ان تتسع الهوة وتتعمق.
وهي انعكاس أيضاً لفرادة لبنان القادر على احتضان كل مفارقات العالم في توليفة استثنائية، وهي أخيراً وليس آخراً انعكاس لفرادة اللحظة والسياق السياسي الذي تمر به المنطقة ولبنان خصوصاً منذ العام 2005 حتى اليوم.
لقد هاجم أعداء ايران ومحور المقاومة والممانعة الزيارة قبل حصولها، ومارسوا ضغوطاً اعلامية ونفسية وسياسية وربما غيرها لمنع حدوثها، وفي الحد الأدنى للتأثير عليها سلباً ومنعها من تحقيق النتائج التي يفترض أن تترتب عليها، إلا أن النتائج جاءت عكس ما هو مرجو، ولدرجة يمكن القول معها، إن هذه التهديدات وفّرت شرطاً إضافياً لنجاحها، وهي كشفت أموراً بالغة الدلالة: أولها، كشفت ضعف ووهن المحور الاميركي ـ الاسرائيلي الذي باتت تقلقه زيارة رئيس دولة لدولة أخرى، فكيف بالأحرى أمور أخرى.
وثانيها، كشفت عن أن زمن اخافة الناس والدول حتى الضعيفة منها كلبنان قد ولّى، وثالثها كشفت عن مدى قوة موقع ودور ايران في المعادلة الاقليمية ولدرجة لم تهزها العقوبات المفروضة ظلماً، وبما يثبت ان موقع ايران لا يمكن تجاوزه بأي شكل من الأشكال.
هذا ما تحقق قبل مجرد حدوث الزيارة، اما مع حدوثها، فإن فائض بل فيضان الدلالات والرسائل، أكثر من أن يعد ويحصى، إلا أنه يبقى أبرزها التالي:
أولاً: حظيت الزيارة باستقبال شعبي غير مسبوق، ومع الأخذ بالاعتبار موقع ودور ايران اليوم في المنطقة، يصبح لهذا الاستقبال دلالة مركّبة، فهو بقدر ما يؤكد رسوخ حضور ايران في الوجدان الشعبي اللبناني، فهي تؤكد أيضاً فشل كل محاولات تشويه صورة ايران والنيل من موقعها ودورها، كما تؤكد فشل كل محاولات ترهيب الناس للانفضاض من حول ايران وسوريا والمقاومة، وبالتالي، تعلن هذه الجماهير من خلال استقبالها الهام والحماسي لنجاد استعدادها وجهوزيتها للحضور في ساحات المواجهة مهما كانت التضحيات.
ثانياً: حظيت الزيارة باستقبال رسمي شمل كل أطياف اللون السياسي في لبنان، بمن فيهم أولئك الذين انتقدوا الزيارة قبيل حصولها.
التبريرات التي ساقها هؤلاء لحضورهم حفل استقبال نجاد في القصر الجمهوري هي بمثابة ستارة لحجب حقيقة ما أملى عليهم الحضور، ولن تفيدهم كثيراً في الدفاع عن سبب حضورهم بعد موقفهم السلبي من الزيارة. ان هؤلاء ما كانوا ليشاركوا لولا ادراكهم لقوة وموقع ايران اليوم، ولولا ادراكهم لعجز حلفائهم الدوليين والاقليميين، ولواقع ضعفهم الخاص.
ثالثاً: شكلت الزيارة فرصة كبيرة لايران لكسر الصورة النمطية التي يحاول اعداؤها حبسها فيها، وذلك في معركة تشويه الصورة:
فتارة توصف بايران الشيعية، وتارة بايران الفارسية، وتارة بايران التي لا دور لها في المنطقة إلا اشاعة الحروب وعدم الاستقرار من خلال تقديم السلاح، كل ذلك من أجل وضع العالم العربي في مواجهة ايران، ووضع العالم السني في مواجهة ايران، وبما يتيح أخذ هؤلاء نحو تحالف موضوعي ـ مصلحي مع الكيان الاسرائيلي. الذي حدث في الزيارة أوضح الصورة الحقيقية لايران: ايران الحريصة على علاقة دولة بدولة، ايران الحريصة على احتضان قضايا العرب والمسلمين وفي طليعتها القضية الفلسطينية، ايران الحريصة على تقدم وازدهار المنطقة من خلال الثورة العلمية والتكنولوجية التي تقوم بها، والتي باتت أحد روادها في المنطقة اليوم.
رابعاً: ان تأكيد الرئيس الايراني على أن لبنان اليوم هو في صلب التغيير الجيوبوليتيكي والاستراتيجي الذي يتشكل في المنطقة، والذي يضم اليوم ايران وتركيا وسوريا ولبنان وفلسطين، انما يؤكد ضمناً ان لبنان لم يعد لوحده، وهو بات محصناً ومحمياً بهذا المحور الاستراتيجي.
خامساً: لقد كان الرئيس الايراني دقيقاً في تشخيص طبيعة التحديات التي تواجه المنطقة، وفي توصيف طبيعة المرحلة، ما استبطن دعوة لكل شعوب ودول المنطقة للتعاون من أجل مواجهتها لما تشكله من اخطار لن تعفي أحداً من أضرارها ومساوئها.
سادساً: ان حرص نجاد على الاتصال بكل من ملك السعودية الملك عبد الله وملك الأردن عبد الله الثاني، يعكس حرصاً ايرانياً على اقفال أي منفذ من منافذ الفتنة، وخصوصاً أن هناك من هو جاهز لوضع الزيارة في مواجهة الرياض وغيرها من الدول العربية، في حين يستبطن اتصال نجاد دعوة للتكامل والتعاون في سياق ما يخدم استقرار لبنان، ويعزز الهدوء فيه.
سابعاً: القلق الصهيوني من الزيارة ليس مجرد فعل عابر، بل هو يعكس قراءة اسرائيلية معمقة لدلالات الزيارة ومغازيها، خصوصاً في ما يتعلق بمستوى التحدي الذي تطرحه في مواجهة هذا العدو، وفي ما يتعلق بالرسالة البليغة الموجهة له، والتي تقول له بالفم الملآن: لبنان ليس لوحده، نحن معه، وها نحن نقف على حدود فلسطين المحتلة.
ثامناً: ثمة فارق بين رئيس دولة يقف على خط تماس مقاوم للعدو الاسرائيلي، ويرفع شعار تحرير القدس، واعادة فلسطين لأهلها، ورؤساء يقفون حراس حدود للعدو الاسرائيلي، ويقفون على خطوط التسويات المذلة. حضور نجاد في الجنوب هو استحضار لهذه القسمة الكبيرة التي يعيشها العالم العربي في مواجهة العدو الاسرائيلي.
تاسعاً: صحيح أن زيارة نجاد تأتي بعد مضي أربع سنوات على انتصار تموز، الا انها في رمزيتها االمتعددة وانبعاثات الناس المحتفية به، تعيد انتاج لوحة الاحتفاء بالانتصار من موقع الشريك والحليف الاستراتيجي الأساسي وربما الأول أيضاً.
في مطلق الأحوال، إذا كانت الزيارة قد فرضت نفسها على مجمل الواقع الاعلامي والسياسي، مستقطعة ما يشبه استراحة المتحاربين للأطراف المشتبكة سياسياً بحدة على خلفية الموقف من المحكمة الدولية والقرار ـ الافتراء الاتهامي، فإن ما بعدها لن يكون كما قبلها لأنه ـ ولا شك ـ دلالات ورسائل الزيارة ستكون حاضرة في حسابات الجميع.
الزيارة ـ في أحد أبعادها ـ كانت يوماً من أيام المقاومة، قالت ما عندها بلغة فصيحة، ويبقى على عهدة المعنيين أخذ العبر والدروس اللازمة.
لا تشبه زيارة رئيس الجمهورية الاسلامية الإيرانية الدكتور محمود أحمدي نجاد الى لبنان إلا نفسها، فرادة الزيارة هي انعكاس لفرادة موقع ودور ايران اليوم في لبنان والمنطقة، وهي انعكاس للميّزات الشخصية للرئيس الايراني المثيرة للجدل، والمستفزة لأعداء ايران، والتي تحاكي في سلوكياتها نمطاً لشخصيات في السلطة لم يعد موجوداً في زمننا الحالي، ولا يذكرنا الا بتجارب الرسل والائمة والخلفاء الصالحين، حيث الرئيس من الناس وفي الناس، وللناس، وحيث تختفي الحدود بين الناس والسلطة بدلاً من ان تتسع الهوة وتتعمق.
وهي انعكاس أيضاً لفرادة لبنان القادر على احتضان كل مفارقات العالم في توليفة استثنائية، وهي أخيراً وليس آخراً انعكاس لفرادة اللحظة والسياق السياسي الذي تمر به المنطقة ولبنان خصوصاً منذ العام 2005 حتى اليوم.
لقد هاجم أعداء ايران ومحور المقاومة والممانعة الزيارة قبل حصولها، ومارسوا ضغوطاً اعلامية ونفسية وسياسية وربما غيرها لمنع حدوثها، وفي الحد الأدنى للتأثير عليها سلباً ومنعها من تحقيق النتائج التي يفترض أن تترتب عليها، إلا أن النتائج جاءت عكس ما هو مرجو، ولدرجة يمكن القول معها، إن هذه التهديدات وفّرت شرطاً إضافياً لنجاحها، وهي كشفت أموراً بالغة الدلالة: أولها، كشفت ضعف ووهن المحور الاميركي ـ الاسرائيلي الذي باتت تقلقه زيارة رئيس دولة لدولة أخرى، فكيف بالأحرى أمور أخرى.
وثانيها، كشفت عن أن زمن اخافة الناس والدول حتى الضعيفة منها كلبنان قد ولّى، وثالثها كشفت عن مدى قوة موقع ودور ايران في المعادلة الاقليمية ولدرجة لم تهزها العقوبات المفروضة ظلماً، وبما يثبت ان موقع ايران لا يمكن تجاوزه بأي شكل من الأشكال.
هذا ما تحقق قبل مجرد حدوث الزيارة، اما مع حدوثها، فإن فائض بل فيضان الدلالات والرسائل، أكثر من أن يعد ويحصى، إلا أنه يبقى أبرزها التالي:
أولاً: حظيت الزيارة باستقبال شعبي غير مسبوق، ومع الأخذ بالاعتبار موقع ودور ايران اليوم في المنطقة، يصبح لهذا الاستقبال دلالة مركّبة، فهو بقدر ما يؤكد رسوخ حضور ايران في الوجدان الشعبي اللبناني، فهي تؤكد أيضاً فشل كل محاولات تشويه صورة ايران والنيل من موقعها ودورها، كما تؤكد فشل كل محاولات ترهيب الناس للانفضاض من حول ايران وسوريا والمقاومة، وبالتالي، تعلن هذه الجماهير من خلال استقبالها الهام والحماسي لنجاد استعدادها وجهوزيتها للحضور في ساحات المواجهة مهما كانت التضحيات.
ثانياً: حظيت الزيارة باستقبال رسمي شمل كل أطياف اللون السياسي في لبنان، بمن فيهم أولئك الذين انتقدوا الزيارة قبيل حصولها.
التبريرات التي ساقها هؤلاء لحضورهم حفل استقبال نجاد في القصر الجمهوري هي بمثابة ستارة لحجب حقيقة ما أملى عليهم الحضور، ولن تفيدهم كثيراً في الدفاع عن سبب حضورهم بعد موقفهم السلبي من الزيارة. ان هؤلاء ما كانوا ليشاركوا لولا ادراكهم لقوة وموقع ايران اليوم، ولولا ادراكهم لعجز حلفائهم الدوليين والاقليميين، ولواقع ضعفهم الخاص.
ثالثاً: شكلت الزيارة فرصة كبيرة لايران لكسر الصورة النمطية التي يحاول اعداؤها حبسها فيها، وذلك في معركة تشويه الصورة:
فتارة توصف بايران الشيعية، وتارة بايران الفارسية، وتارة بايران التي لا دور لها في المنطقة إلا اشاعة الحروب وعدم الاستقرار من خلال تقديم السلاح، كل ذلك من أجل وضع العالم العربي في مواجهة ايران، ووضع العالم السني في مواجهة ايران، وبما يتيح أخذ هؤلاء نحو تحالف موضوعي ـ مصلحي مع الكيان الاسرائيلي. الذي حدث في الزيارة أوضح الصورة الحقيقية لايران: ايران الحريصة على علاقة دولة بدولة، ايران الحريصة على احتضان قضايا العرب والمسلمين وفي طليعتها القضية الفلسطينية، ايران الحريصة على تقدم وازدهار المنطقة من خلال الثورة العلمية والتكنولوجية التي تقوم بها، والتي باتت أحد روادها في المنطقة اليوم.
رابعاً: ان تأكيد الرئيس الايراني على أن لبنان اليوم هو في صلب التغيير الجيوبوليتيكي والاستراتيجي الذي يتشكل في المنطقة، والذي يضم اليوم ايران وتركيا وسوريا ولبنان وفلسطين، انما يؤكد ضمناً ان لبنان لم يعد لوحده، وهو بات محصناً ومحمياً بهذا المحور الاستراتيجي.
خامساً: لقد كان الرئيس الايراني دقيقاً في تشخيص طبيعة التحديات التي تواجه المنطقة، وفي توصيف طبيعة المرحلة، ما استبطن دعوة لكل شعوب ودول المنطقة للتعاون من أجل مواجهتها لما تشكله من اخطار لن تعفي أحداً من أضرارها ومساوئها.
سادساً: ان حرص نجاد على الاتصال بكل من ملك السعودية الملك عبد الله وملك الأردن عبد الله الثاني، يعكس حرصاً ايرانياً على اقفال أي منفذ من منافذ الفتنة، وخصوصاً أن هناك من هو جاهز لوضع الزيارة في مواجهة الرياض وغيرها من الدول العربية، في حين يستبطن اتصال نجاد دعوة للتكامل والتعاون في سياق ما يخدم استقرار لبنان، ويعزز الهدوء فيه.
سابعاً: القلق الصهيوني من الزيارة ليس مجرد فعل عابر، بل هو يعكس قراءة اسرائيلية معمقة لدلالات الزيارة ومغازيها، خصوصاً في ما يتعلق بمستوى التحدي الذي تطرحه في مواجهة هذا العدو، وفي ما يتعلق بالرسالة البليغة الموجهة له، والتي تقول له بالفم الملآن: لبنان ليس لوحده، نحن معه، وها نحن نقف على حدود فلسطين المحتلة.
ثامناً: ثمة فارق بين رئيس دولة يقف على خط تماس مقاوم للعدو الاسرائيلي، ويرفع شعار تحرير القدس، واعادة فلسطين لأهلها، ورؤساء يقفون حراس حدود للعدو الاسرائيلي، ويقفون على خطوط التسويات المذلة. حضور نجاد في الجنوب هو استحضار لهذه القسمة الكبيرة التي يعيشها العالم العربي في مواجهة العدو الاسرائيلي.
تاسعاً: صحيح أن زيارة نجاد تأتي بعد مضي أربع سنوات على انتصار تموز، الا انها في رمزيتها االمتعددة وانبعاثات الناس المحتفية به، تعيد انتاج لوحة الاحتفاء بالانتصار من موقع الشريك والحليف الاستراتيجي الأساسي وربما الأول أيضاً.
في مطلق الأحوال، إذا كانت الزيارة قد فرضت نفسها على مجمل الواقع الاعلامي والسياسي، مستقطعة ما يشبه استراحة المتحاربين للأطراف المشتبكة سياسياً بحدة على خلفية الموقف من المحكمة الدولية والقرار ـ الافتراء الاتهامي، فإن ما بعدها لن يكون كما قبلها لأنه ـ ولا شك ـ دلالات ورسائل الزيارة ستكون حاضرة في حسابات الجميع.
الزيارة ـ في أحد أبعادها ـ كانت يوماً من أيام المقاومة، قالت ما عندها بلغة فصيحة، ويبقى على عهدة المعنيين أخذ العبر والدروس اللازمة.