ارشيف من :آراء وتحليلات

العراق: حوار الطرشان الى أين؟

العراق: حوار الطرشان الى أين؟
بغداد ـ عادل الجبوري

يصف عضو "الائتلاف الوطني" العراقي ووزير النفط السابق ابراهيم بحر العلوم الحوارات بين الكتل السياسية بـ "حوار الطرشان" بسبب عدم توصلها إلى أي اتفاق يفضي الى تشكيل الحكومة. ولعل هذا التوصيف، هو الأقرب لصورة الواقع التي رسمتها مسيرة المفاوضات الماراثونية بين الفرقاء السياسيين العراقيين طيلة الشهور السبعة الماضية، من دون ان تسفر عن شيء، ومن دون أن يلوح بصيص ضوء في نهاية النفق. والسؤال المطروح حالياً، هو بماذا يختلف المشهد الحالي عن مشهد ما قبل ثلاثة او اربعة او خمسة اشهر؟

المفارقة في الوضع العراقي، وخصوصا في ما يتعلق بأزمة تشكيل الحكومة، ان التعقيدات على حالها والاتصالات الجارية تدور في حلقة مفرغة، او بتعبير آخر تسير في طريق مسدود. هذا الاستنتاج لا ينطلق من تحليلات وفرضيات تحتمل الصواب والخطأ بنسب متساوية او متقاربة، بل هو مبني على وقائع وحقائق ظاهرة، يؤكدها سياسيون يمثلون مختلف الكتل السياسية المعنية بتشكيل الحكومة.

قبل نحو اسبوعين وعندما اعلنت اطراف من التحالف الوطني (ائتلاف دولة القانون والتيار الصدري) ترشيح رئيس الوزراء المنتهية ولايته لرئاسة الحكومة المقبلة نوري المالكي، بدا للكثيرين خطأً ان الازمة في طريقها الى الحل، بحيث راح البعض يتحدث عن بضعة ايام او عدة اسابيع لحسم الأزمة وانهائها، وفعلا كانت مجمل المؤشرات الظاهرية تذهب بهذا الاتجاه، بيد ان قراءة أكثر عمقا لطبيعة المواقف والتوجهات كانت تشير الى الاتجاه المعاكس، وهذا ما تبين بعد وقت قصير من اعلان ترشيح المالكي، وما بات اكثر وضوحا في هذا الوقت، فالاخير لم يستطع التوصل الى أي اتفاقات مع الاطراف التي لا بد من كسب تأييدها للسير قدما بتشكيل الحكومة، فالمفاوضات مع الأكراد حول ورقتهم لم تفض الى اية نتائج، وآخر خبر بهذا الشأن، اشار الى تأجيل الحوارات حتى الاسبوع المقبل، وهذه الاشارة يمكن ان يفهم منها، أنها اعلان ضمني عن انفضاض الحوارات بين "التحالف الوطني" و"ائتلاف القوى الكردستانية" من دون نتيجة. وربما تكون صورة التقاطعات بين اطرف التحالف الداعمة لترشيح المالكي والقائمة العراقية أكثر وضوحا وأشد حدة، وهي بمجملها ترسم الصورة القاتمة والسوداوية للواقع السياسي العراقي الراهن، وتضيّق الى حد كبير فرص الحسم خلال وقت قريب.

عضو "القائمة العراقية" عز الدين الدولة أشار في تصريحات صحفية الى "ان للمالكي رؤيته للشراكة، وان للعراقية رؤيتها للشراكة ايضا، ون ائتلاف دولة القانون اكتفى خلال التفاوض مع العراقية بالقول: ان العراقية ستحصل على استحقاقها من دون اي توضيح اخر، وان ردود دولة القانون عامة جدا". ونفس المعنى أكدته النائبة في " العراقية" ميسون الدملوجي وقالت "ان موقف "العراقية" من "دولة القانون" لم يطرأ عليه أي تغيير، وان قائمتها لا تزال على موقفها الرافض للمشاركة في أي حكومة يشكلها المالكي، وأن هذا الموقف متفق عليه داخل "العراقية" بجميع مكوناتها".

في المقابل، فإن ائتلاف "دولة القانون" أشار على لسان الناطق باسم الحكومة وعضو الائتلاف علي الدباغ إلى وجود توجه نحو الذهاب الى مجلس النواب وتشكيل حكومة من دون القائمة العراقية.

الى جانب ذلك فإن ائتلاف "دولة القانون" عاد الى الحديث عن حكومة أغلبية سياسية بعدما أخفق في جمع شمل القوى المختلفة تحت مظلة "التحالف الوطني"، وقال النائب عن "دولة القانون" حيدر الجوراني "ان مفهوم نظرية الاغلبية السياسية هو الأقرب والأمثل لتشكيل الحكومة بعد تعثر مفهوم الشراكة الوطنية، لأن مفهوم الشراكة الوطنية بات مفهوما متعثرا ولا بد من اللجوء الى نظرية أخرى، ولعل الحل الأمثل هو تشكيل الحكومة وفق نظرية الاغلبية السياسية".

ولعل هذه واحدة من أبرز نقاط الاختلاف بين ائتلاف "دولة القانون" و"المجلس الاعلى الاسلامي العراقي"، الذي ينادي باستمرار بتشكيل حكومة شراكة وطنية تستوعب كل القوى والكتل السياسية الفائزة في الانتخابات. وكان رئيس المجلس السيد عمار الحكيم قد اكد في حديثه بالملتقى الثقافي الاسبوعي وفي تصريحات لبعض وسائل الاعلام "ان حكومة غالبية سياسية تتشكل من نصف زائد واحد وتترك خلفها نصفا ناقص واحد لا يمكن أن تكون حلاً مناسبا للظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق". وعدم نجاح المالكي في مهمته التي وصفناها بالعسيرة في مقال سابق، لا يعني ان الطريق ستكون سالكة امام أي خيار بديل، سواء جاء عبر تحالف جديد بين "العراقية" و" التحالف الكردستاني" و"المجلس الأعلى"، او من داخل "التحالف الوطني" نفسه، لان الاشكالية الحقيقية التي تواجه العملية السياسية في العراق هي شخصنة الامور الى حد كبير، وابعادها عن الطابع المؤسساتي، وابرز دليل على ذلك هو انتهاك الدستور وخرقه عدة مرات خلال الشهور السبعة الماضية.

الى جانب تلك الاشكالية هناك جملة اشكاليات أخرى تضفي قدرا اكبر من التعقيد على المشهد السياسي العراقي وتقلل من فرص وامكانيات الوصول الى مخرج حقيقي ومقبول للازمة خلال فترة زمنية قصيرة، وقطع الطريق أمام ما يمكن تسميته اسوأ الخيارات والبدائل، من بينها التعويل بدرجة كبيرة على العامل الخارجي للخروج من المأزق، والحراك الأخير على عدد من العواصم الاقليمية أشار الى ذلك الامر بكل وضوح، بحيث أنه وبدلا من ان تلوح بوادر حل في الأفق، ارتفعت حدة الاحتقانات والتشنجات الداخلية على ايقاع الأجندات والأهداف الخارجية المتقاطعة فيما بينها. هذا وغيره يعني أن على العراقيين ألا يتفاءلوا كثيراً بحسم قريب، وعليهم ان ينتظروا شهوراً اخرى حتى يشاهدوا انبعاث الدخان الأبيض ايذانا بانفراج أزمة تشكيل الحكومة، ولكن من اين سينبعث؟.. هذه قضية اخرى!.
2010-10-19