ارشيف من :ترجمات ودراسات
الولايات المتحدة في ظل أوباما... من السيئ إلى الأسوأ!
قبل أن يصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى منتصف الطريق في فترته الرئاسية، احتشدت في سجله معطيات تشير إلى أن التغيير الذي وعد به، ووصل على أساسه إلى البيت الأبيض، وحظي بفضله بشعبية واسعة تجاوزت حدود أميركا إلى الكثير من بلدان العالم الأخرى... لم يكن غير وعد بلا أي اساس واقعي.
وإلى أن الولايات المتحدة تواصل الإيغال في عصر الانهيار الذي دخلت فيه في ظل الرئيس جورج بوش والمحافظين الجدد. وخصوصاً أن أوباما، برغم انتمائه الديموقراطي، وبرغم كينونته الشخصية التي كان يمكن التعويل عليها في الرهان على إمكانية انبثاق أميركا بوجه غير وجهها البشع... سارع منذ بداية ولايته إلى اعتماد سياسات هي استمرار لسياسات أسلافه.
أراد أن يحقق الانتصارات التي عجز سلفه بوش عن تحقيقها في حروب أميركا. فوضع استراتيجيات أشد عدوانية وأعلى تكلفة من استراتيجيات سلفه بهدف كسب الحرب في أفغانستان. لكن ذلك لم يسفر عن غير المزيد من الفشل... بكل تداعياته المؤلمة.
وأراد أن يقدم حلولاً للخروج من الأزمة المالية. فلم يجد غير سياسة سلفه القائمة على الاعتقاد بأن ضخ الأموال في صناديق المصارف المنهارة، وتسهيل سبل الاقتراض أمام المواطنين، يمكنه أن ينعش الدورة الاقتصادية عن طريق تشجيع الاستهلاك.
لكنه ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه سلفه: كان جورج بوش يضخ الأموال بمئات المليارات، فانبرى أوباما إلى ضخها بالترليونات. وكانت النتيجة: مزيداً من إثقال الموازنة الفيدرالية بالديون. ومزيداً من الغرق والتخبط في وحول الأزمة الاقتصادية... بكل تداعياتها الاجتماعية المؤلمة.
ومع هذا يستمر التعاطي مع الأزمة الاقتصادية بالأساليب التي اعتمدت في تسويغ حروب أميركا الخارجية، أي عن طريق الكذب الصراح في التعامل مع المعطيات والمعلومات.
فقد خرج المكتب الأميركي للأبحاث الاقتصادية مؤخراً باستنتاجات مفادها أن الأزمة قد انتهت منذ العام 2009. لكنه لم يفعل غير تكرار المقولات التي ترددت أصداؤها، منذ ما قبل ذلك التاريخ، في جميع أنحاء العالم، عن عودة الاقتصاد الأميركي إلى الانتعاش.
لكن المعطيات الواقعية تذهب في اتجاه معاكس. فالعجز في الموازنة الفيدرالية بلغ 13 تريليون دولار، وهو رقم تجاوز بعدة تريليونات ما كان عليه عند بداية الأزمة.
تسريع عجلة الاستهلاك التي دارت عليها الرهانات انجلت عن انكماش الاستهلاك: فالمستهلكون فضلوا التعامل مع الأزمة عن طريق شد أحزمة الادخار. فقد انتقلت نسبة الادخار من صفر بالمئة من المداخيل عند بداية الأزمة إلى 6،7 بالمئة حالياً. وبرغم عمليات دعم المصارف عن طريق الضخ المالي، لا يمر شهر دون أن تنضم مصارف جديدة إلى قائمة المصارف المفلسة.
وبرغم كل ما يبذل من جهود من أجل ما يسمونه بـ"خلق" الوظائف الجديدة، شارفت نسبة البطالة على الـ 10 بالمئة من إجمالي اليد العاملة. ووصل عدد الملتحقين بصفوف العاطلين من العمل في شهر أيلول/ سبتمبر المنصرم إلى 195 ألفاً، أي بزيادة تصاعدية عن الشهور السابقة.
ويشير آخر الإحصاءات إلى أن 43،7 مليون أميركي يشكلون 15 بالمئة من مجموع السكان يعيشون الآن تحت عتبة الفقر، ما يجعل من الولايات المتحدة البلد الأول بين البلدان الغنية لجهة ارتفاع نسبة الفقر بين مواطنيه.
أما الدولار، عنوان هيبة أميركا، فهو يفقد قيمته باستمرار أمام العملات الأخرى. بلدان عديدة كالصين وروسيا وتركيا وإيران وسوريا باتت تتعامل بعملاتها الخاصة في تبادلاتها التجارية، لأسباب منها افتقار الدولار إلى التغطية الفعلية الذهبية أو غير الذهبية ولجوء المصرف المركزي الأميركي إلى طبع تريليونات الدولارات التي لا تزيد قيمتها عن قيمة الورق المطبوعة عليه. حتى جورج سوروس وأمثاله من كبار المتمولين يحولون ثرواتهم الضخمة من الدولار إلى الذهب أو إلى الاستثمار في مناجم الذهب.
كل ذلك وغيره من المؤشرات ينعكس بشكل مأساوي على صورة الرئيس باراك أوباما وعلى شعبيته المتدهوره، وعلى تدهور شعبيته حتى بين كبار معاونيه الذين يقدمون استقالاتهم الواحد تلو الآخر. وكل ذلك يسمح للمراقبين بالقول بأن الانتخابات النصفية التي ستجرى بعد أقل من أسبوعين، في 2 ت2 / نوفمبر، ستسفر عن هزيمة مُرة لأوباما وللديمقراطيين.
ولأن الميدان الأميركي لا تسرح فيه غير خيول الديموقراطيين والجمهوريين، فإن السيطرة على الكونغرس ستنتقل من أولئك إلى هؤلاء، ما يعنى إما دخول أميركا في حالة من اللاحراك طيلة العامين المتبقيين من عهد أوباما، وإما ـ وهذا هو الأرجح ـ المزيد من انصياع أوباما إلى سياسات الجمهوريين، أي إلى السياسات الداخلية والخارجية التي قادت أميركا إلى وضعها المتدهور الحالي، والتي لا يمكنها إلا أن تقودها مستقبلاً نحو المزيد من التدهور.