ارشيف من :ترجمات ودراسات

انتبهوا يا عرب؟؟؟

انتبهوا يا عرب؟؟؟
عبد الحسين شبيب

أين يقع ترتيب الملف السوداني في أجندة العالمين العربي والإسلامي؟ في أسفل القائمة طبعاً، اللهم إلا ما ندر.

الجميع يصوبون نظرهم وسمعهم إلى جدول الأعمال الذي تضعه الإدارة الاميركية للعالم حتى إشعار آخر.

ملفات عدة تتصدر يوميا الصفحات الأولى للصحف والفقرات الزمنية الأولى في نشرات الأخبار المتلفزة والإذاعية.

خلف هذه الأضواء المسلطة والجاذبة للانتباه يطبخ صناع القرار الفعليون المسارات والمآلات التي يريدونها لدول وشعوب بأكملها بعيدا عن أي ضغوط.

في الأساس هذه نظرية مهمة في إدارة الأزمات يتم استخدامها باستمرار من أجل العمل بهدوء وللمفاجأة بها وفرض النتائج بطريقة صادمة لا تترك مجالا للاعتراض.

مايك ديفر، هو مستشار إعلامي اميركي سابق كان يوصي صنّاع القرار في البيت الأبيض بتغذية الصحافة باستمرار بمادة إعلامية يختارها رجال الرئيس بهدف منع الإعلاميين من التنقيب بأنفسهم عن الأخبار والمعلومات. وتتمثل هذه الاستراتيجية بتغذية الإعلام بانتظام كي لا تجد الإدارة الاميركية نفسها في موقف دفاعي تجاه الصحافة. وعرف عن ديفر قوله: "إذا وفرتم لنشرات الأخبار مواضيع لخمسة عشر يوماً، يمكنكم على الأقل أن تسيطروا على ستة أيام منها".

الأسلوب نفسه يطبق على الأزمات الدولية بحيث تسلط الأنظار على أحداث وأمكنة معينة قبل أن يتبين أن خلف كل هذه الضوضاء يكمن الشيء الأخطر. أليس هذا ما حصل مع اتفاقات اوسلو التي فاجأت أهل القضية أنفسهم الذي كانوا مشغولين بمفاوضات حنان عشرواي وحيدر عبد الشافي قبل أن يصدموا بأبي مازن ومفاوضات النرويج السرية التي قلبت المعادلة السياسية رأسا على عقب؟.

الأمر نفسه يحصل اليوم. لا يوجد متسع من الوقت ليس ليتقصى أولو الأمر في المنطقة عما سيذهب إليه السودان بعد شهرين ونصف على الأكثر، بل حتى لقراءة خبر عنه. وأيضا لا تتولى وسائل الإعلام العربية تنبيه الرأي العام العربي والإسلامي للمشهد السوداني المقبل، ولا تجعله قضية مركزية تستحق الاهتمام والمتابعة على الأقل لأن المصير الذاهب إليه هذا البلد العربي الإسلامي الكبير بمساحته الزراعية وموارده الاقتصادية وموقعه الجيوسياسي يمكن أن يحصل ـ ويجب أن يحصل ـ بحسب المشاريع الاميركية، في أي بلد في الشرق الأوسط لديه قابليات ومكونات التقسيم وتتوافر فيه عناصر المصالح الاميركية.

الاميركيون يكتبون وينشرون دراسات عن الأهمية الاستراتيجية للسودان بالنسبة للولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، لذا يضعون ثقلهم لإيصال الأمور إلى خواتيمها كما رسمت في الاتفاق الذي يقدم على أنه الوصفة التي أنهت عقوداً من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب دون أن يقولوا إن هذه الخاتمة هي ذاتها التي طالب بها متمردو الجنوب، أي الانفصال عن الشمال الذي قاتل باسم الحفاظ على وحدة البلد.

لا نعرف إذا كان أحد التفت إلى التوقيت الذي أبصر فيه هذا الاتفاق المشؤوم النور. في التاسع من كانون الثاني عام 2005، قبل شهر وبضعة أيام من اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ومع اغتياله فتح مسار تقسيمي جديد بين لبنان وسوريا بعد سنوات من التنسيق الأمني والسياسي بين البلدين. وظفت جريمة اغتيال الحريري تماما في تغيير المشهد اللبناني أولا والسوري ثانياً. حصلت نجاحات اميركية معينة في لبنان تمثلت بتولي فريق 14 آذار السلطة، وأخفقت كل محاولات تغيير النظام في سوريا وباءت محاولات الانقلاب المدعومة أميركياً وعربياً بالفشل.

استحضرت المحكمة الدولية على عجل كواحدة من الأدوات الحديثة في الحروب الاميركية الجديدة على المنطقة. تم ابتزاز سوريا فلم ترضخ ويجري حاليا ابتزاز المقاومة بقيادة حزب الله، ولن تنجح هذه المحاولة أيضا، لكن مصير لبنان على كف عفريت.

في السودان حصل ويحصل الأمر نفسه. فجأة تفجر الوضع بشكل دراماتيكي في إقليم دارفور في شباط عام 2003 قبل شهر واحد من الغزو الاميركي للعراق، وتم تفعيل الاشتباكات إلى حد انكباب الإعلام الغربي دفعة واحدة على تسليط الأضواء على ما يجري واضعين مانشتات عريضة لجرائم حرب وابادة وعمليات تهجير، علما أن مثيلا لها حصل قبل ذلك ولا يزال يحصل مع الفلسطينيين، وحصل أكثر منها في حربي أفغانستان والعراق، وبأدوات اميركية، لكن ذلك لم يستحق محكمة دولية يحال إليها مرتكبو هذه الجرائم من الإسرائيليين والاميركيين. إلا السودان الذي قيضت له محكمة على عجل كانت أولى وظائفها إصدار مذكرتي توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة المسؤولية عن جرائم دارفور. وهكذا صار البشير أول رئيس عربي لا يزال في موقعه ملاحقا من القضاء الدولي. لم يستطع البشير رفض اتفاق العام 2005 لان حروب أميركا على العالم الإسلامي جعلت السودان معزولا ومغلوبا على أمره، تماما كما هي المبررات التي تساق دائما على أنها سبب استسلام القيادة الفلسطينية للتسوية المنفردة مع "إسرائيل"، خصوصا عندما يتركهم الأشقاء العرب وحيدين في الساحة.
اليوم سيف المحكمة الدولية مصلت فوق رأس البشير وفريقه في قيادة الشمالية والمطلوب منه إمرار تقسيم السودان بالوصفة الاميركية القابلة للتعميم: تتمرد أقلية ما فيتدخل طرف خارجي باسم حقوق الإنسان ويزود المتمردين بالمال والسلاح وما يتطلبه الأمر من رعاية، ويثقل البلد بالحرب والقلاقل الأمنية إلى حين إنجاز اتفاق يدخل في صلبه الاستفتاء باسم حق تقرير المصير، ثم يحظى الانفصال ببصمة الديمقراطية كون أهل هذه المنطقة أو تلك هم من اقترعوا لهذا الخيار الذي يجب احترامه وتقديسه، ولا سيما، انه مصادق عليه من فريق الرقابة الدولية المتظلل بالأمم المتحدة، ويصبح إذّاك الاعتراض على الانفصال اعتراضا على "حق أساسي وخيار ديمقراطي" ينذر بعواقب وخيمة، ويمكن إذّاك أيضا إخراج ما توافر من أسلحة لثني المعترضين والممانعين، ومن بينها المحاكم الدولية وأيضا العقوبات الدولية.

أليس هذا هو الذي يحصل في جنوب السودان؟ الرئيس البشير متهم اليوم بجرائم حرب وابادة في دارفور، وهذا يعني أن عليه أن يرضخ لنتائج استفتاء الجنوب ويُمِرَّه بسهولة ولا يُعيقه، والا حُرّك سيف المحكمة عليه، والنتيجة يتحول هذا الرئيس إلى مجرم حرب دولي ليس فقط يُمنع قادة عرب من لقائه، بل ربما يخجلون أيضا، في حين أن المطلوب الحقيقي هو رأس السودان كله، عبر تقسيمه وإقامة دولة تحوز القسم الأكبر من الموارد النفطية والاقتصادية وتحظى مباشرة بحماية أميركية ربما تستوجب انزالات عسكرية وإقامة قواعد عسكرية.

المهمة المطلوبة اليوم من البشير ليست قليلة. هل يجب أن يبقى وحده في مواجهة ما يسمى الشرعية الدولية التي تتوسل المحكمة الدولية وذريعة الاستفتاء على حق تقرير المصير لإمرار الانفصال الجنوبي؟ أليس هذا هو السيناريو نفسه الذي يشهده لبنان حاليا في محاولة لإسقاط المقاومة بأدوات المحكمة الدولية؟

أليس المطروح اليوم إسرائيليا على المسار الفلسطيني يهودية "دولة إسرائيل" وتهجير الأغيار منها (العرب غير اليهود) وتوزيع الفلسطينيين على أماكن لجوئهم وضم من تبقى منهم مع الأردن في دولة جديدة وتحذف عن الخارطة فلسطين كلياً؟

لا يجب أن يصدق العرب أن عمر البشير مجرم حرب، ولا أن يثقوا بشيء اسمه قضاء دولي وهو خاضع لوصاية مجلس الأمن الدولي، ولا أن يصدقوا أن الولايات المتحدة جمعية خيرية توزع رعايتها مجانا على الأقليات، ولا سيما أنها تتحدث جهارا عن مصالحها الحيوية في أي بلد يدرجه على أجندتها مخططو سياستها الخارجية وخبراؤها في البحث عن الموارد المالية والأدوار المهيمنة.

الم يكتشف العالم الإسلامي والعالم العربي هذا العام، بعد تسعة أعوام على غزو أفغانستان، أن الغاية من هذه الغزوة ليست مكافحة الإرهاب بل البحث عن موارد هذا البلد من المعادن التي قدرت وزارة الحرب الاميركية قيمتها بأرقام خيالية بعدما قامت هذه الوزارة نفسها بعمليات المسح والبحث عن أماكن وجود هذه الثروة؟

ملفات الشرق الأوسط التي تهتم بها وسائل الإعلام مهمة جدا، وأيضا مصير السودان وتقسيمه مهم جداً.
2010-10-20