ارشيف من :أخبار لبنانية
تفكيك المستوطنات عوضا عن تجميد الاستيطان
نبيل السهلي(*)
اعتمدت الحركة الصهيونية على ركائز أساسية لتحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين واستكمال دوائره، ومن بين تلك الركائز التسلل إلى الأرض الفلسطينية والسيطرة عليها لإنشاء المستوطنات وإسكان المهاجرين اليهود فيها بغية تحقيق التفوق الديمغرافي على الشعب الفلسطيني بعد طرد القسم الأكبر منه بقوة المجازر المخطط لها مسبقا.
وتبعا لذلك برزت قضية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية باعتبارها أحد رموز ومعالم الاحتلال للأرض الفلسطينية، وفي ظل مطالبات إدارة باراك أوباما والمفاوض الفلسطيني بتجميد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية من أجل الانطلاقة بمفاوضات مباشرة جديدة، تبرز ضرورة ملحة لتوضيح مخاطر الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين حيث يعتبر هذا الاستيطان معلما من معالم تهويد الأرض الفلسطينية وتفريغها من سكانها العرب، ولهذا تعتبر عملية إنشاء المستوطنات مقدمات هامة في إطار الإستراتيجية الصهيونية في فلسطين.
وقد تم إخضاع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي لمنهاج تدريجي في عملية التوسع غير محدد برقعة واضحة دلل عليها بشكل جلي تصريح أول رئيس وزراء لإسرائيل دافيد بن غوريون قائلا "حدود إسرائيل ستعينها الأجيال القادمة"، وهذا المنهاج كان مرهونا بالإمكانيات المتاحة ديمغرافيا، أي إحلال المهاجرين اليهود مكان السكان العرب أصحاب الأرض الأصليين.
الدور البريطاني في تعزيز فكرة الاستيطان
تشير الدراسات إلى سعي الحركة الصهيونية قبل وبعد مؤتمرها الأول الذي عقد في نهاية شهر أغسطس/آب 1897 من أجل السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، وكان من أبرز نشطائها لورانس أوليفانت (1888-1820)، الذي كان عضوا في البرلمان الإنجليزي وعمل أيضا في السلك الدبلوماسي الإنجليزي واعتقد بضرورة تخليص اليهود من الحضارة الغربية بتوطينهم في فلسطين، وذلك بإدخالهم كعنصر لإنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها الاقتصادية، لما يتمتع به اليهود من ذكاء في الأعمال التجارية ومقدرة على جمع الأموال.
ومن أجل ذلك قام في العام 1880م بنشر كتاب بعنوان "أرض جلعاد" اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود في فلسطين والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستوطنات جديدة.
وبالإضافة إلى أوليفانت، حاول العديد من زعماء اليهود في القرن التاسع عشر القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين، ومن بين هؤلاء مونتفيوري (1784-1885) الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عاما مقابل 10% إلى 20% من إنتاجها، إلا أن هذه المحاولة فشلت أمام رفض الحكم المصري لبلاد الشام آنذاك، ثم نجح في الحصول على موافقة السلطان العثماني بشراء عدد من الأراضي بالقرب من القدس ويافا، والتي أسكن فيها مجموعة من العائلات اليهودية، إلا أن هذه الخطوة أخفقت أيضا تحت تحفظ السلطات العثمانية على مشاريع الاستيطان في فلسطين. كما بذل وليم هشلر جهوداً في جمع تبرعات مادية وإرسالها إلى الجمعيات الصهيونية لتشجيع الاستيطان في فلسطين تحت الحماية البريطانية.
وقد قامت مجموعة من اليهود في العام 1878 بشراء 3375 دونما من أراضي قرية ملبس وتم تسجيلها باسم النمساوي سلومون، واستمرت المحاولات اليهودية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية حتى العام 1881 الذي يعتبره المؤرخ اليهودي والتر لاكور بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية، تمكنوا من إنشاء عدد من المستوطنات في الفترة بين 1882 و1884، وتوالت فيما بعد عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل منها الشراء أو الاستئجار لمدة طويلة.
وقد لعبت المؤسسات اليهودية التي أنشئت لهذا الغرض دورا كبيرا، ومن بينها منظمة بيكا التي أسسها روتشيلد، والوكالة اليهودية التي انبثقت من المؤتمر الصهيوني العالمي الأول عام 1897، والصندوق القومي اليهودي (الكيرن كايمت)، وصندوق التأسيس اليهودي (الكيرن هايسود) والشركة الإنجليزية الفلسطينية.
ونشطت هذه المؤسسات بعد الحرب العالمية الأولى خصوصا بعد تمكن المنظمة الصهيونية العالمية من استصدار وعد بلفور الشهير عام 1917 الذي يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ثم وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، حيث لعبت حكومة الانتداب دورا كبيرا في تمكين اليهود من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية وذلك باتخاذها العديد من الإجراءات، منها فتح الأراضي الأميرية وجعلها أراضي ملكية، وسن قانون أملاك الغائبين. وتمكن اليهود بالاعتماد على تلك الإجراءات من استملاك أكثر من عشرين مليون دونم من أراضي الفلسطينيين بعد قيام دولة إسرائيل في مايو/أيار 1948.
المستوطنات على أنقاض القرى الفلسطينية
لقد نجحت الحركة الصهيونية في إعلان دولة إسرائيل في مايو/أيار 1948 على 78% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكنت العصابات الصهيونية من طرد 850 ألف فلسطيني في العام المذكور بعد أن ارتكبت العديد من المذابح والمجازر، وإثر ذلك تمت عملية تدمير مبرمجة لنحو 418 قرية ومدينة فلسطينية، وأنشأت المؤسسات الصهيونية على أنقاضها مستوطنات تخدم أهدافا أمنية واقتصادية للمجتمع الصهيوني.
ولم تتوقف تلك المؤسسات عند الحد المذكور، بل ابتكرت العديد من القوانين الجائرة لمصادرة أراضي الأقلية العربية (1.4 مليون عربي)، ولم يتبق في العام 2010 سوى 2% من المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل لاستخدامات الأقلية العربية رغم أنها تشكل نحو 20% من سكان إسرائيل، وثمة قوانين جائرة استصدرت في السنوات الأخيرة أو تمّ إحياؤها بغية تهويد كافة مناحي حياة الأقلية العربية لفرض يهودية الدولة وتهميش الأقلية العربية، ولهذا يمكن القول إن سياسة ابتلاع الأرض والاستيطان لم تتوقف في المناطق المحتلة عام 1948 حيث تتم تحت مسميات تطوير منطقتي الجليل والمثلث.
واللافت أن شبح الاستيطان والتهويد بات يهدد الأسماء والمعالم العربية في داخل الخط الأخضر، وهناك مخطط حتى العام 2020 لتغيير أسماء الطرق والمحال واللافتات العربية إلى اللغة العبرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر تمت عملية استبدال لأسماء القرى العربية.
ففي الجليل الفلسطيني تمت تسمية قرية الجاعونة في قضاء مدينة صفد بروشبينا، وفي الساحل الفلسطيني تمت عملية استبدال لاسم قرية بلد الشيخ -وهي قرية في قضاء مدينة حيفا دفن فيها رفاة الشهيد عز الدين القسام- ببيت حنان، ويعود الاسم العبري لاسم ضابط يهودي ألماني قتل من قبل أهل القرية وهو يحاول ارتكاب مجزرة فيها مع مجموعة صهيونية في العام 1947.
وفي مقابل ذلك يقوم الباحث الفلسطيني الدكتور سلمان أبو ستة بمحاولة جادة لاستصدار أطلس جغرافي عن فلسطين يبين عليه الأسماء العربية للقرى وكذلك المعالم الجغرافية والتاريخية فيها بالاعتماد على أهالي القرى المهجرة من كبار السن، عبر استنهاض ذاكرتهم وتسجيل الأسماء العربية لقراهم ومعالمها باللغة العربية لكونهم أصحاب الأرض الأصليين.
المستوطنات في الضفة الغربية
في الخامس من شهر يونيو/حزيران 1967 تمت سيطرة الجيش الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية الناجية من الاحتلال الصهيوني في العام 1948، ونقصد هنا الضفة الغربية وقطاع غزة، وبذلك تكون فرصة جديدة سنحت لإسرائيل لمتابعة مخططات الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل لتهويد فلسطين عبر النشاط الاستيطاني، وتاليا فرض الواقع التهويدي عبر إنشاء المستوطنات.
ورغم التمايز الطفيف بين الأحزاب الإسرائيلية من قضية الاستيطان، فإن الثابت أن ثمة إجماعا على ضرورة إنشاء المستوطنات وتسريع وتيرتها في مدينة القدس وذلك بغية فرض التصور الإسرائيلي للحل سواء في تبادل الأراضي والسكان بما لا يتجاوز 2% من مساحة الضفة الغربية، وهي بطبيعة الحال المساحة التي أقيمت عليها المستوطنات الكبيرة، أو لجهة فرض إبقاء حدود الدولة الإسرائيلية على ما هي عليه الآن.
ومن الأهمية الإشارة إلى أنه رغم تفكيك المستوطنات من قطاع غزة في العام 2005، فإن النشاط الاستيطاني لم يتوقف في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس التي تواجه أكبر موجة نشاط استيطاني منذ العام 1967.
وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية أدى إلى بناء 151 مستوطنة إسرائيلية تضم أكثر من ثلاثمائة ألف مستوطن إسرائيلي، إضافة إلى 26 مستوطنة تلف القدس بطوقين من جميع الجهات، ويتركز فيها نحو 180 ألف مستوطن إسرائيلي، وهناك مخططات لفرض وقائع استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية وفي داخل الأحياء العربية القديمة من مدينة القدس.
وتبعا للنشاط الاستيطاني المكثف في الأراضي الفلسطينية الذي تقوم به حكومة نتنياهو، فإن الضرورة تحتم مطالبة المفاوض الفلسطيني بتفكيك المستوطنات باعتبارها معالم احتلالية عوضا عن الحديث المتكرر عن تجميد الاستيطان، وهذا أضعف الإيمان.
(*) المصدر: موقع الجزيرة
اعتمدت الحركة الصهيونية على ركائز أساسية لتحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين واستكمال دوائره، ومن بين تلك الركائز التسلل إلى الأرض الفلسطينية والسيطرة عليها لإنشاء المستوطنات وإسكان المهاجرين اليهود فيها بغية تحقيق التفوق الديمغرافي على الشعب الفلسطيني بعد طرد القسم الأكبر منه بقوة المجازر المخطط لها مسبقا.
وتبعا لذلك برزت قضية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية باعتبارها أحد رموز ومعالم الاحتلال للأرض الفلسطينية، وفي ظل مطالبات إدارة باراك أوباما والمفاوض الفلسطيني بتجميد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية من أجل الانطلاقة بمفاوضات مباشرة جديدة، تبرز ضرورة ملحة لتوضيح مخاطر الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين حيث يعتبر هذا الاستيطان معلما من معالم تهويد الأرض الفلسطينية وتفريغها من سكانها العرب، ولهذا تعتبر عملية إنشاء المستوطنات مقدمات هامة في إطار الإستراتيجية الصهيونية في فلسطين.
وقد تم إخضاع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي لمنهاج تدريجي في عملية التوسع غير محدد برقعة واضحة دلل عليها بشكل جلي تصريح أول رئيس وزراء لإسرائيل دافيد بن غوريون قائلا "حدود إسرائيل ستعينها الأجيال القادمة"، وهذا المنهاج كان مرهونا بالإمكانيات المتاحة ديمغرافيا، أي إحلال المهاجرين اليهود مكان السكان العرب أصحاب الأرض الأصليين.
الدور البريطاني في تعزيز فكرة الاستيطان
تشير الدراسات إلى سعي الحركة الصهيونية قبل وبعد مؤتمرها الأول الذي عقد في نهاية شهر أغسطس/آب 1897 من أجل السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، وكان من أبرز نشطائها لورانس أوليفانت (1888-1820)، الذي كان عضوا في البرلمان الإنجليزي وعمل أيضا في السلك الدبلوماسي الإنجليزي واعتقد بضرورة تخليص اليهود من الحضارة الغربية بتوطينهم في فلسطين، وذلك بإدخالهم كعنصر لإنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها الاقتصادية، لما يتمتع به اليهود من ذكاء في الأعمال التجارية ومقدرة على جمع الأموال.
ومن أجل ذلك قام في العام 1880م بنشر كتاب بعنوان "أرض جلعاد" اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود في فلسطين والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستوطنات جديدة.
وبالإضافة إلى أوليفانت، حاول العديد من زعماء اليهود في القرن التاسع عشر القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين، ومن بين هؤلاء مونتفيوري (1784-1885) الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عاما مقابل 10% إلى 20% من إنتاجها، إلا أن هذه المحاولة فشلت أمام رفض الحكم المصري لبلاد الشام آنذاك، ثم نجح في الحصول على موافقة السلطان العثماني بشراء عدد من الأراضي بالقرب من القدس ويافا، والتي أسكن فيها مجموعة من العائلات اليهودية، إلا أن هذه الخطوة أخفقت أيضا تحت تحفظ السلطات العثمانية على مشاريع الاستيطان في فلسطين. كما بذل وليم هشلر جهوداً في جمع تبرعات مادية وإرسالها إلى الجمعيات الصهيونية لتشجيع الاستيطان في فلسطين تحت الحماية البريطانية.
وقد قامت مجموعة من اليهود في العام 1878 بشراء 3375 دونما من أراضي قرية ملبس وتم تسجيلها باسم النمساوي سلومون، واستمرت المحاولات اليهودية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية حتى العام 1881 الذي يعتبره المؤرخ اليهودي والتر لاكور بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية، تمكنوا من إنشاء عدد من المستوطنات في الفترة بين 1882 و1884، وتوالت فيما بعد عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل منها الشراء أو الاستئجار لمدة طويلة.
وقد لعبت المؤسسات اليهودية التي أنشئت لهذا الغرض دورا كبيرا، ومن بينها منظمة بيكا التي أسسها روتشيلد، والوكالة اليهودية التي انبثقت من المؤتمر الصهيوني العالمي الأول عام 1897، والصندوق القومي اليهودي (الكيرن كايمت)، وصندوق التأسيس اليهودي (الكيرن هايسود) والشركة الإنجليزية الفلسطينية.
ونشطت هذه المؤسسات بعد الحرب العالمية الأولى خصوصا بعد تمكن المنظمة الصهيونية العالمية من استصدار وعد بلفور الشهير عام 1917 الذي يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ثم وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، حيث لعبت حكومة الانتداب دورا كبيرا في تمكين اليهود من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية وذلك باتخاذها العديد من الإجراءات، منها فتح الأراضي الأميرية وجعلها أراضي ملكية، وسن قانون أملاك الغائبين. وتمكن اليهود بالاعتماد على تلك الإجراءات من استملاك أكثر من عشرين مليون دونم من أراضي الفلسطينيين بعد قيام دولة إسرائيل في مايو/أيار 1948.
المستوطنات على أنقاض القرى الفلسطينية
لقد نجحت الحركة الصهيونية في إعلان دولة إسرائيل في مايو/أيار 1948 على 78% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكنت العصابات الصهيونية من طرد 850 ألف فلسطيني في العام المذكور بعد أن ارتكبت العديد من المذابح والمجازر، وإثر ذلك تمت عملية تدمير مبرمجة لنحو 418 قرية ومدينة فلسطينية، وأنشأت المؤسسات الصهيونية على أنقاضها مستوطنات تخدم أهدافا أمنية واقتصادية للمجتمع الصهيوني.
ولم تتوقف تلك المؤسسات عند الحد المذكور، بل ابتكرت العديد من القوانين الجائرة لمصادرة أراضي الأقلية العربية (1.4 مليون عربي)، ولم يتبق في العام 2010 سوى 2% من المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل لاستخدامات الأقلية العربية رغم أنها تشكل نحو 20% من سكان إسرائيل، وثمة قوانين جائرة استصدرت في السنوات الأخيرة أو تمّ إحياؤها بغية تهويد كافة مناحي حياة الأقلية العربية لفرض يهودية الدولة وتهميش الأقلية العربية، ولهذا يمكن القول إن سياسة ابتلاع الأرض والاستيطان لم تتوقف في المناطق المحتلة عام 1948 حيث تتم تحت مسميات تطوير منطقتي الجليل والمثلث.
واللافت أن شبح الاستيطان والتهويد بات يهدد الأسماء والمعالم العربية في داخل الخط الأخضر، وهناك مخطط حتى العام 2020 لتغيير أسماء الطرق والمحال واللافتات العربية إلى اللغة العبرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر تمت عملية استبدال لأسماء القرى العربية.
ففي الجليل الفلسطيني تمت تسمية قرية الجاعونة في قضاء مدينة صفد بروشبينا، وفي الساحل الفلسطيني تمت عملية استبدال لاسم قرية بلد الشيخ -وهي قرية في قضاء مدينة حيفا دفن فيها رفاة الشهيد عز الدين القسام- ببيت حنان، ويعود الاسم العبري لاسم ضابط يهودي ألماني قتل من قبل أهل القرية وهو يحاول ارتكاب مجزرة فيها مع مجموعة صهيونية في العام 1947.
وفي مقابل ذلك يقوم الباحث الفلسطيني الدكتور سلمان أبو ستة بمحاولة جادة لاستصدار أطلس جغرافي عن فلسطين يبين عليه الأسماء العربية للقرى وكذلك المعالم الجغرافية والتاريخية فيها بالاعتماد على أهالي القرى المهجرة من كبار السن، عبر استنهاض ذاكرتهم وتسجيل الأسماء العربية لقراهم ومعالمها باللغة العربية لكونهم أصحاب الأرض الأصليين.
المستوطنات في الضفة الغربية
في الخامس من شهر يونيو/حزيران 1967 تمت سيطرة الجيش الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية الناجية من الاحتلال الصهيوني في العام 1948، ونقصد هنا الضفة الغربية وقطاع غزة، وبذلك تكون فرصة جديدة سنحت لإسرائيل لمتابعة مخططات الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل لتهويد فلسطين عبر النشاط الاستيطاني، وتاليا فرض الواقع التهويدي عبر إنشاء المستوطنات.
ورغم التمايز الطفيف بين الأحزاب الإسرائيلية من قضية الاستيطان، فإن الثابت أن ثمة إجماعا على ضرورة إنشاء المستوطنات وتسريع وتيرتها في مدينة القدس وذلك بغية فرض التصور الإسرائيلي للحل سواء في تبادل الأراضي والسكان بما لا يتجاوز 2% من مساحة الضفة الغربية، وهي بطبيعة الحال المساحة التي أقيمت عليها المستوطنات الكبيرة، أو لجهة فرض إبقاء حدود الدولة الإسرائيلية على ما هي عليه الآن.
ومن الأهمية الإشارة إلى أنه رغم تفكيك المستوطنات من قطاع غزة في العام 2005، فإن النشاط الاستيطاني لم يتوقف في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس التي تواجه أكبر موجة نشاط استيطاني منذ العام 1967.
وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية أدى إلى بناء 151 مستوطنة إسرائيلية تضم أكثر من ثلاثمائة ألف مستوطن إسرائيلي، إضافة إلى 26 مستوطنة تلف القدس بطوقين من جميع الجهات، ويتركز فيها نحو 180 ألف مستوطن إسرائيلي، وهناك مخططات لفرض وقائع استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية وفي داخل الأحياء العربية القديمة من مدينة القدس.
وتبعا للنشاط الاستيطاني المكثف في الأراضي الفلسطينية الذي تقوم به حكومة نتنياهو، فإن الضرورة تحتم مطالبة المفاوض الفلسطيني بتفكيك المستوطنات باعتبارها معالم احتلالية عوضا عن الحديث المتكرر عن تجميد الاستيطان، وهذا أضعف الإيمان.
(*) المصدر: موقع الجزيرة