ارشيف من :آراء وتحليلات
هل تستيقظ مصر من كبوتها؟
عبد الحسين شبيب
هل يؤدي قرع الجرس السوداني إلى يقظة مصرية حول ما آل إليه دور "أم الدنيا" كما يحلو للمصريين أن يسموا بلدهم؟
السؤال بسيط، لكنه يختزن قدرا من المعطيات والتحليلات التي لم تنفك تتحدث عن الدرك الذي بلغه الموقع الإقليمي لمصر بعدما كانت محورا رئيسا في السياسات الإقليمية يتاخم السياسات الدولية. وهو موقع يتجه نحو مزيد من الانحدار إذا ما نجح المشروع الاميركي المغطى أوروبيا بتقسيم السودان وإقامة دولة جديدة في جنوبه تتحول مباشرة إلى قاعدة اميركية ترفع العلم الإسرائيلي وتقبض على أنفاس ليس مصر فحسب، بل على منطقة جغرافية سياسية هامة جدا متصلة بين قارتي آسيا وأفريقيا.
فالانطباع السائد حاليا في أوساط المحللين، وخبراء الشأن المصري، هو أن ما يحصل مقايضة بين ضمانات اميركية بتسهيل مرور آمن لنجل الرئيس حسني مبارك جمال إلى سدة الحكم مقابل تقديمات حاسمة في ملفات حساسة يمكن لمصر أن تؤدي ادوارا مؤثرة فيها، وأولها الملف الفلسطيني، حيث شرعت القاهرة في سياسة قبضة فولاذية من تحت الأرض ومن فوقها تجاه قطاع غزة الذي بات محاصرا إسرائيليا ومصريا بعدما كانت جمهورية مصر العربية ابرز روافد الدعم الفلسطيني السياسي والمادي في المراحل السابقة.
وللاختصار فان النظر إلى خارطة الأزمات الإقليمية يظهر أن مصر ليست فاعلة في أي من الملفات المشتعلة في المنطقة ولا تتحرك على الأقل لحفظ مصالحها القومية في محيطها المتوتر، لا بل إن سلوكها تجاه شقيقها ونصفها الآخر السودان ستدفع ثمنه الآن عندما ينشطر إلى قسمين لتكون القاهرة ومركزها الإقليمي أول المتضررين من الدولة الانفصالية الجديدة.
وكما الدور المصري الرسمي السلبي في السودان وكذلك في غزة يجري حاليا الحديث عن أداء مصري رسمي سلبي في الملف اللبناني من خلال كلام يتداول في بيروت عن تدريبات تجري في مصر لعناصر حزبية من فريق 14 آذار وعن انخراط دبلوماسيين مصريين في بيروت وأيضا أمنيين في اللعب على وتر الانقسامات اللبنانية وتغذية فريق ضد آخر وتنظيم اجتماعات ذات طابع ميداني لتوزيع مهمات عسكرية ووضع سيناريوهات قتالية في المرحلة المقبلة وفق ما قاله مسؤولون في قوى المعارضة اللبنانية، كما أن بعض مسؤولي 14 آذار يخيل إليهم من فرط ما تظهره القيادة المصرية من ود تجاههم أنها ستقوم بعمليات إنزال عسكرية لمصلحتهم في لبنان إذا ما حصلت الفتنة أو الحرب التي تربط عادة بالقرار الظني للمحكمة الدولية والسيناريوهات المعدة بعده. وبمعزل عن دقة هذا الكلام وعدمها فضلا عن إمكانيته، فان الوظيفة الموكلة اميركيا إلى السياسة المصرية حاليا تقوم على المشاغبة على التحسن الأخير في العلاقات السورية السعودية وإبداء الانزعاج منه، فضلا عن محاولة عرقلته، برغم أن دمشق لا تزال تمد يدها إلى القاهرة للعودة إلى الثلاثية السابقة أيام الرئيس حافظ الأسد، وقد صدت القاهرة هذه اليد حتى في مناسبة الضرورة الاجتماعية، حيث رفض الرئيس المصري حسني مبارك رغبة من الرئيس السوري بشار الأسد لعيادته بعد عمليته الجراحية الأخيرة في ألمانيا، كما رفض طلبا مماثلا من الملك السعودي عبد الله لزيارة يقوم بها هو والرئيس الأسد إلى القاهرة لعيادة مبارك.
هل يغير المشهد السوداني السلوك المصري بعد استشعاره عن قرب خطر السياسات الاميركية القائمة على تفكيك الدول وتجزئتها حيث أمكن، واستثمار موضوع الأقليات لتحقيق مصالحها متذرعة بالديموقراطية وشعارات حقوق الإنسان وغيرها، ولا سيما ان محاولة اللعب الاميركي بورقة الأقباط في مصر لها سوابق؟ أيضا هل يؤدي الموقف الإسرائيلي السلبي جداً على المسار الفلسطيني إلى إعطاء شحنة إضافية لليقظة المصرية المطلوبة، ولا سيما ان طرف ما يسمى الاعتدال العربي الآخر المتمثل بالأردن بات يستشعر خطرا على مصيره يمكن أن يدفعه جراء أي تسوية للقضية الفلسطينية؟ هل يتعلم المصريون من القادة الاميركيين كيف يمارسون سياسة البيع والشراء في الملفات السياسية لتحقيق مصالحهم ثم يرمون من يسمونهم حلفاءهم في سلة المهملات بعدما يرضخون للقوي، كما يجري في الملف العراقي مع إيران؟
أليست واشنطن هي من دفع القاهرة مع بعض العواصم العربية إلى تسويق مقولة ان إيران هي "عدو يبز خطره على العرب الخطر الإسرائيلي"، هذا إذا ما زالت إسرائيل تعتبر خطرا من وجهة نظر بعض هذه العواصم العربية، ثم تذهب واشنطن لتساوم طهران في بغداد وكابول وبيروت؟
هناك مؤشرات عدة حصلت تشير إلى احتمال بلورة سلوك مصري جديد، لكنها تحتاج إلى تراكمات إضافية للقول إن هناك يقظة مصرية بدأت تحصل. ومن هذه المؤشرات الزيارة التي قام بها الدبلوماسي المصري في بيروت احمد حلمي إلى مقر العلاقات العربية في حزب الله ولقاؤه مسؤولها حسن عز الدين، وهي زيارة كانت مفاجئة في معناها بعد أزمة عاصفة بين الحزب والنظام المصري في أعقاب اعتقال عدد من المقاومين كانوا ينشطون في مصر لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة. وقد كانت هذه الزيارة مجال تحليل وترقب لكنها ليست خطوة كافية للبناء عليها باعتبار أن حلمي ورد اسمه في لبنان كواحد ممن يعملون على شحن القوى السياسية ضد بعضها البعض وفق ما قاله اللواء جميل السيد.
لكن الخطوة الأهم كانت في استئناف الرحلات الجوية بين طهران والقاهرة مع ما لذلك من دلالات تتجاوز شق الطيران المدني إلى الشق السياسي والذي أرفق بخطوة أيضا وصفت بالمهمة وهي بيان الترحيب والإشادة الذي أصدره شيخ الأزهر احمد الطيب المقرب من القيادة المصرية بفتوى الإمام السيد علي الخامنئي التي حرم فيها التعرض لزوجات النبي الأعظم (ص وآله) والصحابة من رموز أهل السنة والجماعة، حيث تولت السفارة المصرية في بيروت توزيع البيان عبر الفاكس وإرسال نسخة منه إلى قناة المنار الناطقة باسم حزب الله. أما الخطوة الثالثة فهي فتوى شيخ الأزهر نفسه التي تجيز الصلاة خلف الشيعة ونفيه ما ينسب إليهم من أن لهم قرآنا خاصا بهم، والكلام الايجابي جدا عن هذا المذهب الإسلامي الذي قاله واستعداده للتوجه إلى النجف الاشرف والصلاة هناك.
وطبعا تكمن أهمية الكلام الثاني في أن التشيع اتخذ في المرحلة الأخيرة عنوانا للهجوم على الدور الإيراني المتصاعد في المنطقة حيث تم التعرض لبعض الرموز الشيعية في مصر ودول عربية عدة، وأيضا اتهمت إيران بأنها تسعى لنشر هذا المذهب الإسلامي وما يتصل بذلك من كلام تحريضي يفترض أن شيخ الأزهر نسفه بموقفه الايجابي هذا المكمل لشيخ الأزهر سليم البشري في النصف الأول من القرن الماضي الذي أجاز التعبد بالمذهب الشيعي مثل المذاهب السنية الأربعة.
طبعا هناك إمكانية كبيرة لإعادة فتح صفحة جديدة بين مصر وإيران ولا سيما ان هناك نخبة من الخبراء المصريين في الشؤون الإيرانية ممن نسجوا علاقات لهم مع نظرائهم في طهران في فترة التسعينات ممن يدركون أهمية التعاون بين هذين البلدين. ومن غير المعروف ما إذا كانت الزيارات التي قام بها مؤخرا عدد من القادة العراقيين القريبين من إيران إلى القاهرة ولقاءهم الرئيس حسني مبارك جزء من عملية منسقة مع طهران الحريصة على إعادة ضخ الدماء في شريان العلاقة مع القاهرة والوقوف على خاطرها في رسم المشهد العراقي المقبل.
طبعا المؤشر الأهم الذي يمكن أن يبرز اليقظة المصرية هو تغيير السلوك تجاه دمشق والتجاوب مع رغبة الأخيرة في فتح صفحة جديدة مع القاهرة بالتزامن مع صفحتها الجديدة مع الرياض.
من الواضح أن القاهرة باتت تدرك خطورة ما يجري في السودان من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع السوداني، عبد الرحيم محمد حسين، حيث دعا من هناك بعد لقائه الرئيس مبارك إلى تأجيل الاستفتاء حول مصير الجنوب إلى حين الانتهاء من ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وحل قضية أبيي، وإذا كانت القاهرة راغبة في إحداث تحول في سياساتها بإمكانها البدء من هناك من خلال توفير مظلة حماية لضمان وحدة السودان عبر دعم خيار الوحدة وعدم ترك الرئيس عمر البشير وحيدا لافتراسه بأنياب المحكمة الدولية، فضلا عن بلورة سياسة جديدة تجاه قطاع غزة والملف الفلسطيني عموما، وهي أيضا مساحة هامة جدا يمكن أن تباشر فيها مصر دورا فاعلا ومؤثرا لمصلحة الشعب الفلسطيني مرفقة بدعم شعبي عربي وأيضا من بعض العواصم فضلا عن الدعم الإيراني وأيضا التركي لفك الحصار عن القطاع، بالإضافة طبعا إلى تغيير السلوك مع طهران والاستجابة لمتطلبات المصالح الوطنية المصرية والمصالح القومية العربية.
هل يؤدي قرع الجرس السوداني إلى يقظة مصرية حول ما آل إليه دور "أم الدنيا" كما يحلو للمصريين أن يسموا بلدهم؟
السؤال بسيط، لكنه يختزن قدرا من المعطيات والتحليلات التي لم تنفك تتحدث عن الدرك الذي بلغه الموقع الإقليمي لمصر بعدما كانت محورا رئيسا في السياسات الإقليمية يتاخم السياسات الدولية. وهو موقع يتجه نحو مزيد من الانحدار إذا ما نجح المشروع الاميركي المغطى أوروبيا بتقسيم السودان وإقامة دولة جديدة في جنوبه تتحول مباشرة إلى قاعدة اميركية ترفع العلم الإسرائيلي وتقبض على أنفاس ليس مصر فحسب، بل على منطقة جغرافية سياسية هامة جدا متصلة بين قارتي آسيا وأفريقيا.
فالانطباع السائد حاليا في أوساط المحللين، وخبراء الشأن المصري، هو أن ما يحصل مقايضة بين ضمانات اميركية بتسهيل مرور آمن لنجل الرئيس حسني مبارك جمال إلى سدة الحكم مقابل تقديمات حاسمة في ملفات حساسة يمكن لمصر أن تؤدي ادوارا مؤثرة فيها، وأولها الملف الفلسطيني، حيث شرعت القاهرة في سياسة قبضة فولاذية من تحت الأرض ومن فوقها تجاه قطاع غزة الذي بات محاصرا إسرائيليا ومصريا بعدما كانت جمهورية مصر العربية ابرز روافد الدعم الفلسطيني السياسي والمادي في المراحل السابقة.
وللاختصار فان النظر إلى خارطة الأزمات الإقليمية يظهر أن مصر ليست فاعلة في أي من الملفات المشتعلة في المنطقة ولا تتحرك على الأقل لحفظ مصالحها القومية في محيطها المتوتر، لا بل إن سلوكها تجاه شقيقها ونصفها الآخر السودان ستدفع ثمنه الآن عندما ينشطر إلى قسمين لتكون القاهرة ومركزها الإقليمي أول المتضررين من الدولة الانفصالية الجديدة.
وكما الدور المصري الرسمي السلبي في السودان وكذلك في غزة يجري حاليا الحديث عن أداء مصري رسمي سلبي في الملف اللبناني من خلال كلام يتداول في بيروت عن تدريبات تجري في مصر لعناصر حزبية من فريق 14 آذار وعن انخراط دبلوماسيين مصريين في بيروت وأيضا أمنيين في اللعب على وتر الانقسامات اللبنانية وتغذية فريق ضد آخر وتنظيم اجتماعات ذات طابع ميداني لتوزيع مهمات عسكرية ووضع سيناريوهات قتالية في المرحلة المقبلة وفق ما قاله مسؤولون في قوى المعارضة اللبنانية، كما أن بعض مسؤولي 14 آذار يخيل إليهم من فرط ما تظهره القيادة المصرية من ود تجاههم أنها ستقوم بعمليات إنزال عسكرية لمصلحتهم في لبنان إذا ما حصلت الفتنة أو الحرب التي تربط عادة بالقرار الظني للمحكمة الدولية والسيناريوهات المعدة بعده. وبمعزل عن دقة هذا الكلام وعدمها فضلا عن إمكانيته، فان الوظيفة الموكلة اميركيا إلى السياسة المصرية حاليا تقوم على المشاغبة على التحسن الأخير في العلاقات السورية السعودية وإبداء الانزعاج منه، فضلا عن محاولة عرقلته، برغم أن دمشق لا تزال تمد يدها إلى القاهرة للعودة إلى الثلاثية السابقة أيام الرئيس حافظ الأسد، وقد صدت القاهرة هذه اليد حتى في مناسبة الضرورة الاجتماعية، حيث رفض الرئيس المصري حسني مبارك رغبة من الرئيس السوري بشار الأسد لعيادته بعد عمليته الجراحية الأخيرة في ألمانيا، كما رفض طلبا مماثلا من الملك السعودي عبد الله لزيارة يقوم بها هو والرئيس الأسد إلى القاهرة لعيادة مبارك.
هل يغير المشهد السوداني السلوك المصري بعد استشعاره عن قرب خطر السياسات الاميركية القائمة على تفكيك الدول وتجزئتها حيث أمكن، واستثمار موضوع الأقليات لتحقيق مصالحها متذرعة بالديموقراطية وشعارات حقوق الإنسان وغيرها، ولا سيما ان محاولة اللعب الاميركي بورقة الأقباط في مصر لها سوابق؟ أيضا هل يؤدي الموقف الإسرائيلي السلبي جداً على المسار الفلسطيني إلى إعطاء شحنة إضافية لليقظة المصرية المطلوبة، ولا سيما ان طرف ما يسمى الاعتدال العربي الآخر المتمثل بالأردن بات يستشعر خطرا على مصيره يمكن أن يدفعه جراء أي تسوية للقضية الفلسطينية؟ هل يتعلم المصريون من القادة الاميركيين كيف يمارسون سياسة البيع والشراء في الملفات السياسية لتحقيق مصالحهم ثم يرمون من يسمونهم حلفاءهم في سلة المهملات بعدما يرضخون للقوي، كما يجري في الملف العراقي مع إيران؟
أليست واشنطن هي من دفع القاهرة مع بعض العواصم العربية إلى تسويق مقولة ان إيران هي "عدو يبز خطره على العرب الخطر الإسرائيلي"، هذا إذا ما زالت إسرائيل تعتبر خطرا من وجهة نظر بعض هذه العواصم العربية، ثم تذهب واشنطن لتساوم طهران في بغداد وكابول وبيروت؟
هناك مؤشرات عدة حصلت تشير إلى احتمال بلورة سلوك مصري جديد، لكنها تحتاج إلى تراكمات إضافية للقول إن هناك يقظة مصرية بدأت تحصل. ومن هذه المؤشرات الزيارة التي قام بها الدبلوماسي المصري في بيروت احمد حلمي إلى مقر العلاقات العربية في حزب الله ولقاؤه مسؤولها حسن عز الدين، وهي زيارة كانت مفاجئة في معناها بعد أزمة عاصفة بين الحزب والنظام المصري في أعقاب اعتقال عدد من المقاومين كانوا ينشطون في مصر لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة. وقد كانت هذه الزيارة مجال تحليل وترقب لكنها ليست خطوة كافية للبناء عليها باعتبار أن حلمي ورد اسمه في لبنان كواحد ممن يعملون على شحن القوى السياسية ضد بعضها البعض وفق ما قاله اللواء جميل السيد.
هناك مؤشرات عدة حصلت تشير إلى احتمال بلورة سلوك مصري جديد
|
وطبعا تكمن أهمية الكلام الثاني في أن التشيع اتخذ في المرحلة الأخيرة عنوانا للهجوم على الدور الإيراني المتصاعد في المنطقة حيث تم التعرض لبعض الرموز الشيعية في مصر ودول عربية عدة، وأيضا اتهمت إيران بأنها تسعى لنشر هذا المذهب الإسلامي وما يتصل بذلك من كلام تحريضي يفترض أن شيخ الأزهر نسفه بموقفه الايجابي هذا المكمل لشيخ الأزهر سليم البشري في النصف الأول من القرن الماضي الذي أجاز التعبد بالمذهب الشيعي مثل المذاهب السنية الأربعة.
طبعا هناك إمكانية كبيرة لإعادة فتح صفحة جديدة بين مصر وإيران ولا سيما ان هناك نخبة من الخبراء المصريين في الشؤون الإيرانية ممن نسجوا علاقات لهم مع نظرائهم في طهران في فترة التسعينات ممن يدركون أهمية التعاون بين هذين البلدين. ومن غير المعروف ما إذا كانت الزيارات التي قام بها مؤخرا عدد من القادة العراقيين القريبين من إيران إلى القاهرة ولقاءهم الرئيس حسني مبارك جزء من عملية منسقة مع طهران الحريصة على إعادة ضخ الدماء في شريان العلاقة مع القاهرة والوقوف على خاطرها في رسم المشهد العراقي المقبل.
طبعا المؤشر الأهم الذي يمكن أن يبرز اليقظة المصرية هو تغيير السلوك تجاه دمشق والتجاوب مع رغبة الأخيرة في فتح صفحة جديدة مع القاهرة بالتزامن مع صفحتها الجديدة مع الرياض.
من الواضح أن القاهرة باتت تدرك خطورة ما يجري في السودان من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع السوداني، عبد الرحيم محمد حسين، حيث دعا من هناك بعد لقائه الرئيس مبارك إلى تأجيل الاستفتاء حول مصير الجنوب إلى حين الانتهاء من ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وحل قضية أبيي، وإذا كانت القاهرة راغبة في إحداث تحول في سياساتها بإمكانها البدء من هناك من خلال توفير مظلة حماية لضمان وحدة السودان عبر دعم خيار الوحدة وعدم ترك الرئيس عمر البشير وحيدا لافتراسه بأنياب المحكمة الدولية، فضلا عن بلورة سياسة جديدة تجاه قطاع غزة والملف الفلسطيني عموما، وهي أيضا مساحة هامة جدا يمكن أن تباشر فيها مصر دورا فاعلا ومؤثرا لمصلحة الشعب الفلسطيني مرفقة بدعم شعبي عربي وأيضا من بعض العواصم فضلا عن الدعم الإيراني وأيضا التركي لفك الحصار عن القطاع، بالإضافة طبعا إلى تغيير السلوك مع طهران والاستجابة لمتطلبات المصالح الوطنية المصرية والمصالح القومية العربية.