ارشيف من :آراء وتحليلات

المحكمة الدولية والخوف من انفضاح أهليتها أمام المجلس العدلي

المحكمة الدولية والخوف من انفضاح أهليتها أمام المجلس العدلي
هيلدا المعدراني

ليس خفيا حرج فريق 14 آذار (وبالأخص تيار الرئيس سعد الحريري) من إصرار المعارضة على إحالة ما يعرف بقضية شهود الزور على المجلس العدلي، وأكثر ما يعكس هذا الحرج هو الحجج والذرائع التي يستخدمها هذا الفريق لتعطيل عملية الإحالة، وهي حجج وذرائع أقل ما يقال فيها إنها واهية وتقوم على تفسير مضحك للقانون الذي حدد بشكل لا لبس فيه الجرائم التي يجوز وضعها في عهدة المجلس العدلي.

الكل في لبنان وخارجه يدرك خطورة ما ترتب على شهادات الزور في التحقيق الدولي من انقسام داخلي وضع البلد على حافة الحرب الأهلية وإشاعة لأجواء الفتنة، وتعطيل لمؤسسات الدولة وتخريب للعلاقات اللبنانية السورية، وهذه أسباب كافية وتفيض عن الشروط الموضوعة للقضايا التي يتوجب إحالتها على المجلس العدلي، وهذه المسألة ولو أنكرها فريق رئيس الحكومة إلا أنه يدرك وجاهتها وصعوبة إمرارها من دون أن تلحق أضرارا كبيرة بفكرة الدولة والقضاء الوطني وسلامة عمل المؤسسات.

إذاً السؤال، هو لماذا يقدم فريق 14 آذار على كل هذه التضحية (ولو كانت من حساب البلد)؟ طبعا، لا أحد على استعداد لأن ينحدر بعقله وتفكيره إلى القعر

ويصدق أن هناك موانع قانونية تجعل إحالة شهود الزورعلى المجلس العدلي غير جائزة، أو أن هذه القضية من اختصاص القضاء العادي، أو أن النظر بها من قبل القضاء الوطني هو محاولة من البعض في لبنان لتعطيل مسار الحقيقة الذي تسلكه المحكمة الدولية منذ أيام المحقق الدولي ديتليف ميليس إلى آخر خلفائه دانيال بلمار، فكل هذه الذرائع لم تشكل سوى غطاء رقيق لم يحجب الأسباب الحقيقية التي دفعت فريق 14 آذار للاستماتة في الدفاع عن الشهود الزور.

متابع لأعمال المحكمة الدولية يوجز المخاوف التي أملت على فريق 14 آذار وضع الحواجز أمام إثارة قضية الشهود الزور أمام المجلس العدلي، وهي:

1ـ يدرك هذا الفريق أن صورة المحكمة الدولية قد تعرضت لتشويهات كثيرة (قضية الضباط الأربعة، شهود الزور، تأخر صدور القرار الاتهامي، الاستقالات المتتالية في صفوف موظفيها، تدخل دول معينة في توقيت قراراتها)، وأن الفريق المؤيد لاستخدامها يصادف صعوبات كبيرة من أجل ترميم هذه الصورة، ومن هنا يرى هذا الفريق أن نبش خفايا قضية شهود الزور أمام محكمة من عيار المجلس العدلي سيزيد من صعوبات إعادة تجميل صورة المحكمة ما لم يؤد إلى نسف صدقيتها.

2ـ كما يدرك الفريق المذكور، أن المجلس العدلي بمجرد وضع يده على قضية شهود الزور، لن تقف الملاحقات عند حدود المطالبة باسترداد محمد زهير الصديق أو توقيف هسام هسام وشكيب مراد وأحمد مرعي وبني عودة وغيرهم، إنما ستمتد إلى من يقف خلفهم وقام بتصنيعهم وتزكية شهاداتهم أمام لجنة التحقيق الدولية،


وهؤلاء يشكلون مجموعة كبيرة في البلد، وبمجرد ذكر اسمائهم وأدوارهم ستتضح بشاعة المؤامرة التي تعرض لها لبنان إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ودور التحقيق الدولي في تسهيل هذه المؤامرة.

3ـ المساندة الدولية (أو ما يسمى المجتمع الدولي) للفريق الداخلي الرافض الإحالة على مجلس العدلي، لا تنبع فقط من حرص دول معروفة على استخدام المحكمة الدولية كإحدى أدوات الضغط على المقاومة، إنما أيضا للتستر على ارتكابات أجهزتها وبعض مسؤوليها في جريمة شهود الزور.

4ـ خوف فريق 14 آذار من أن يقوم القضاء الوطني (عبر المجلس العدلي) بفضح العيوب والمفاسد التي تنتقص من أهلية المحكمة الدولية في متابعة التحقيق بقضية اغتيال الرئيس الحريري، ما يؤدي إلى تعويم دور القضاء الوطني، بعدما جرى تقويض هذا الدور عبر الحملات الإعلامية والسياسية على الأجهزة القضائية والأمنية من جهة، وأيضا عبر الاتفاقات التي أبرمتها حكومة فؤاد السنيورة مع الأمم المتحدة والتي سلمت فيها زمام السيادة القضائية إلى جهات دولية لها مآربها في لبنان والمنطقة.

ليست هذه الأسباب وحدها، هي من تجعل فريق 14 آذار يعاند في منع المجلس العدلي من النظر في قضية شهود الزور، فهناك أسباب أخرى ومنها كسب الوقت للتعجيل بقرار ظني للنيل من صورة المقاومة عبر اتهام أفراد منها بالتورط في جريمة 14 شباط 2005، ومنع المحكمة الدولية من السقوط بداعي فقدان الصدقية لإبقائها أداة استجداء المساعدة السياسية والمادية من الخارج، إضافة إلى الحؤول دون تصحيح الأخطاء والخطايا التي ارتكبت بحق البلد بناء على شهادات الزور في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الحريري.

2010-10-27