ارشيف من :ترجمات ودراسات

تقرير "يديعوت احرونوت".. عينة اسرائيلية لكذب منظم ضد حزب الله

تقرير "يديعوت احرونوت".. عينة اسرائيلية لكذب منظم ضد حزب الله

حسان ابراهيم
يشير كبير معلقي الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعووت احرونوت"، "اليكس فيشمان"، في تقرير مطول نشرته الصحيفة في صدر صفحاتها الاولى، الى ان حزب الله يعاني من ازمة مالية حادة، وان الرئيس الايراني أحمدي نجاد، قلص المساعدة المالية من 900 مليون دولار سنويا، اعتاد ان يزود حزب الله بها، الى 450 مليون دولار، وتشير الصحيفة ان هذا المعطى كان واضحا خلال زيارة أحمدي نجاد الى لبنان، واعلانه ان "المساعدة ستتقلص"، علما ان مبلغ 450 مليون دولار هو في الواقع، بل والمعلن ايضا، قروض ميسرة للدولة اللبنانية، ولا علاقة لحزب الله بها.. انه اليأس الذي تضطر معه تل ابيب الى استخدام الاكاذيب وتحريف الواقع والمعطيات، للوصول الى مبتغاها: توهين صورة حزب الله امام الاسرائيليين.
ينشغل العدو الصهيوني منذ أن فشل جيشه امام المقاومة في حرب عام 2006، في اعادة ترميم صورته امام " مواطنيه" وامام اعدائه. في اليوم التالي لانهاء الحرب، بل وايضا خلالها، كان الشغل الشاغل لقيادة الجيش الاسرائيلي الظهور بصورة المقتدر والمنتصر و"الحفر في وعي" الاعداء بان "اسرائيل" التي لم تصل الى اهدافها خلال الحرب، استطاعت ان تحرز شيئا ما في المقابل، فالاعتراف بالفشل الكامل كان من شأنه ان يؤدي الى تداعيات خطيرة على الكيان الاسرائيلي، من غير الممكن جبرها لاحقا.
لم يكن امام صناع القرار في تل ابيب بد من الاعتراف بالانكسار امام المقاومة، اذ انه كان انكسارا ظاهرا ولا يمكن اخفاؤه، فقادة تل ابيب وضعوا امام الرأي العام الاسرائيلي والدولي ايضا، بما يشمل اعداءهم واصدقاءهم، اهدافا واضحة للحرب، ومنها انهاء وجود حزب الله عسكريا، وهو هدف لم يتحقق بل وتلمسوا ايضا انه لا يمكن تحقيقه. بعد فوات الاوان، حاول كيان العدو تغيير مسميات الواقع، فالانكسار جرى تسميته بالفشل في تحقيق الاهداف، واسباب الانكسار البنيوية كما اسماه اكثر من لجنة تحقيق لاحقا، جرى تسميته بفشل رؤية وقيادة عدد من القادة، اما القدرة الفعلية المتواضعة للجيش الاسرائيلي التي بانت في مواجهة حزب الله في القضاء عليه، فجرت تسميتها بعدم اعداد الجيش للمهمة بشكل جيد.

الاسرائيليون انفسهم مندفعون قسرا لتصديق رواية ما بعد الحرب 
الشغل الشاغل لكيان العدو ما بعد الحرب، كان في تشكيل صورة مغايرة لتلك التي ظهرت لجيشه خلال الحرب.. من هنا يأتي الاعلان، وبوتيرة مرتفعة، بان هذا اللواء او ذاك، انهى استعداده للحرب المقبلة مع حزب الله، ومن هنا ايضا يأتي الكلام عن وسائل قتالية خاصة لمواجهة مكامن الانكسار السابق، بل وايضا الحديث عن وسائل قتالية خيالية، كالقبة الحديدية وغيرها. هل نجحت هذه الجهود ام فشلت، الامر مرتبط بمدى تجاوب الاسرائيليين مع الجهود، وهو ما لا يمكن ادراكه بالكامل، لان الاسرائيليين انفسهم مندفعون قسرا لتصديق رواية ما بعد الحرب، سواء للانكسار او لاسبابه، فمن الصعب على الاسرائيليين الاقرار بواقع الهزيمة وفقدان سبل وقدرة المواجهة لاحقا. لكن ما يمكن تأكيده ان قادة اسرائيل، اي طبقة صناعة القرار في تل ابيب، يدركون جيدا اسباب الانكسار ويدركون جيدا ان سبل معالجتها مستعصية، برغم كل ما يحاولون القيام به.
وجدت "اسرائيل"، ما بعد الحرب، أن احدى الروايات الجيدة والمفيدة لتشكيل صورة مغايرة لتلك التي تشكلت خلال المواجهة والانكسار، هي في التصويب على حزب الله، وتشويه صورته ومكانته، حتى مع استخدام اساليب كاذبة لتحقيق هذا المطلب، والهدف الاساسي من ذلك كان الجمهور الاسرائيلي، المتلقي الاول للتقارير والتصريحات والمواقف الاسرائيلية تجاه حزب الله. يأتي ذلك برغم الادراك بان حزب الله نفسه، وقيادته وعناصره وجمهوره، يعلمون جيدا مقدار الكذب الاسرائيلي، فمطلب تشكيل وعي اخر لدى الاسرائيليين بقدرة جيشهم واقتداره، يحتل مرتبة اعلى واسمى في الاستراتيجية الاسرائيلية ما بعد الحرب الاخيرة، قياسا بالاضرار التي ستجبيها على صعيد صورتها لدى اعدائها.
في هذا الاطار، لا تعتبر ظاهرة احمد سعيد، على اذاعة الشرق الاوسط خلال هزيمة العرب عام 1967، ظاهرة مصرية او ظاهرة عربية، فهي ليست لصيقة بالمصريين وبالعرب بل ان التاريخ يشير الى واقع نقيض في ارض الكنانة وايضا لدى اصحاب لغة الضاد. ظاهرة احمد سعيد، قد تكون مرتبطة اكثر بحالات انكسار وعثرات لدى الدول والجهات والاشخاص، وهي بشكل او بآخر نتاج انساني طبيعي مرتبطة بضرورات تقليص سقوف الهزائم والفشل والتداعيات السلبية على الخاسرين، كما انها تعبر بشكل اساسي عن عدم قدرة اي جهة على اظهار جراحها او الاعتراف بها.
الحرب الاميركية على العراق وعلى افغانستان والفشل الاسرائيلي في لبنان، كما هي حال الهزيمة العربية عام 1967، تظهر ان ظاهرة سعيد ظاهرة طبيعية، تتشارك فيها كل الجهات المنكسرة عبر التاريخ.. مع الانكسار او الفشل او الهزيمة، يرتفع منسوب التستر على العيوب وضبابية المواقف والكذب. في بعض الدول يكون الكذب كاملا ومكشوفا، بينما يبرز تفنن في عمليات التستر وتحوير الوقائع لدى جهات اخرى، تكون في العادة اكثر " ديموقراطية".
كعينة على "احمد سعيد" الاسرائيلي، الذي تتشارك فيه قيادة "اسرائيل" ووسائل اعلامها، نتناول اخر تقرير صادر عن الصهاينة، وهو تقرير بدأنا فيه: تقرير اليكس فيشمان في "يديعوت احرونوت" امس الاول.
يكذب كبير معلقي الشؤون العسكرية في الصحيفة، عندما يتحدث عن مبلغ الـ450 مليون دولار، ليخلص الى ان المساعدات المالية الايرانية لحزب الله قد تقلصت الى خمسين بالمئة، ومن هنا يأتي المبلغ المحدد بـ900 مليون دولار سنويا. وهنا يعمد الكاتب الى تحريف الواقع ليصل الى خلاصة مقررة سلفا، وهي: ان مبلغ المساعدات تقلص الى النصف، وان حزب الله في ضائقة مالية. برغم ان رواية اسرائيل المعتمدة لحجم ما يقال انها مساعدات من طهران لحزب الله، وحتى ما قبل الحرب، تصل الى ما يزيد عن مئة مليون دولار شهريا، اي مليار ومئتي مليون سنويا. وفي المحصلة النهائية، انه كذب مركب على كذب آخر.
يتحدث الكاتب ايضا، عن ان الايرانيين وضعوا يدهم على حزب الله، في اعقاب استشهاد القائد عماد مغنية، في اشارة جديدة قديمة لما بعد عملية الاغتيال، بان احدى نتائج هذا الاغتيال انفلات القرار من ايدي قيادة حزب الله، بمعنى افهام الجمهور الاسرائيلي بان الايدي التي اغتالت مغنية، استطاعت ان تضر بقيادة حزب الله وانتزاع القرار منها... علما ان الرواية الاسرائيلية الاعتيادية، حتى ما قبل حرب عام 2006، وقبل اغتيال الشهيد مغنية، بل وما قبل عام 2000، بان الحرس الثوري الايراني يمسك بزمام امور حزب الله وقراراته، وفي حينه، اي ما قبل الحرب، كان الحديث الاسرائيلي الدائم عن ان في شورى حزب الله نفسها، ايرانيون هم المسؤولون الفعليون عن سياسات حزب الله القرارية والتنفيذية على حد سواء. كيف امكن لغياب مغنية، بان يتسبب بواقع كان موجودا في حضوره. انها فبركة اسرائيلية غير موفقة بالتأكيد.
يتحدث فيشمان ايضا عن ان قيادة حزب الله باتت تتكلم اللغة الفارسية، وان اجتماعات الحزب بقيادة الايرانيين تتم بالفارسية، ولا يبعد ان تكون جملة ترحيب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالرئيس الايراني في ملعب الراية، التي اطلقها بالفارسية، هي التي تقف وراء هذه الفبركة.. يريد الاسرائيلي من هذا الكلام الاشارة الى ان حزب الله ليس لبنانيا، وان ميوله واهدافه ايرانية بالمطلق، والدليل على ذلك ان اجتماعاته تتم باللغة الفارسية وليس العربية!!.
في تقرير "يديعوت احرونوت"، توجد اشارة الى ان اللواء التاسع في الجيش اللبناني، وقائده "الشيعي المتطرف والمتعاون مع حزب الله"، هو المسؤول عن تردي الاوضاع في الاونة الاخيرة على الحدود، والتسبب بمقتل ضابط وجرح اخرين من الجيش الاسرائيلي في حادثة العديسة قبل اشهر.. والحديث عن اللواء التاسع وقيادته الشيعية، حديث معتمد لدى سياسيي وعسكريي واعلاميي الصهاينة، وكأنها حقيقة مطلقة غير قابلة للنقض، ويجري القياس عليها وتحليلها باسهاب. علما ان الواقع يشير، كما هو معروف، بان اللواء المسؤول عن المنطقة التي جرى فيها الحادث هو اللواء الحادي عشر، ومسؤوله ليس من الطائفة الشيعية. انه كذب اخر لتبرير الاخفاقات، لكن امام الاسرائيليين انفسهم قبل غيرهم، خاصة ان "غيرهم"، اي اللبنانيين يدركون جيدا كذب "اسرائيل" في هذه الناحية وغيرها.
انها عينة من العينات الواهية والكثيرة التي تحفل بها وسائل الاعلام الاسرائيلية في فترة ما بعد الانكسار عام 2006، والهدف منها توهين صورة حزب الله لدى الاسرائيليين انفسهم، قبل اعدائهم، وسلسلة العينات تطول ولن تنقطع ما دام انها تعبير عن اليأس وفقدان الادوات في مواجهة المقاومة.

2010-10-27