ارشيف من :آراء وتحليلات
أمر اليوم في 14 آذار: الحفاظ على المسار الإسرائيلي للتحقيق الدولي
هيلدا المعدراني
قد يكون السؤال الشاغل للجميع اليوم هو ماذا بعد كلام السيد حسن نصرالله ومطالبته المسؤولين والمواطنين بعدم التعاون مع المحققين الدوليين؟ وبسرعة يمكن القول إن القسم الأكبر من الإجابة عن هذا السؤال تقع على عاتق الفريق الداخلي الذي لم يعدم وسيلة من أجل توفير التغطية الدستورية والقانونية وحتى الشعبية لما يمكّن محققي دانيال بلمار من الخروج عن مهمتهم المعلنة وهي معرفة حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري، والانحراف بالتحقيق الدولي بما يناسب الاجندات السياسية لهذا الفريق ومشغليهم في الخارج.
وبغضّ النظر عن الردود الأولية على ما قاله السيد نصرالله، الكل متفق على أن كلامه الأخير طوى صفحة دامت لخمس سنوات، جرى فيها استغلال الحساسيات اللبنانية من أجل توظيف التحقيق الدولي واستغلاله، إن أميركياً أو فرنسياً من أجل الضغط على سوريا لتطويعها في العراق وفلسطين ولبنان، وإن إسرائيلياً من أجل إشغال المقاومة وتشويه مكاسبها الكبرى على مستوى الأمة، إضافة إلى استخدام التسهيلات المعطاة للمحققين والتي تعطيهم حق استباحة اسرار البلد ومحرماته لسد النقص المعلوماتي الفادح لدى العدو عن هذه المقاومة وتحركاتها.
مراقبون سياسيون لا ينتظرون ان يترك كلام السيد نصرالله صدمة إيجابية عند فريق 14 آذار لتدارك الاخطار المحدقة بالبلد، ويتوقعون أن يكون رد هذا الفريق على غرار ما قاله رئيس القوات سمير جعجع الذي اعتبر كلام السيد نصرالله تهديدا للدولة اللبنانية، ولم يجد فيه الفرصة الاخيرة لإنقاذ المحكمة الدولية عبر إعادة النظر بآليات التحقيق الدولي وتصحيح الأخطاء التي ارتكبت باسمه على مدار الفترة الماضية وضرورة تحصين هذا التحقيق ضد التسييس والتدخلات الخارجية وتنقيته من الاختراقات الإسرائيلية.
ويعيد هؤلاء رد فعل فريق 14 آذار على كلام السيد إلى الكيفية التي يقاربون فيها التطورات الأخيرة في لبنان والمنطقة، فالفريق المذكور كما دلت التجارب السابقة لا يمتلك القدرة على تحديد الخط الذي يفصل بين رغباته وتوقعاته، وهو دائما يخلط بين الامرين، وكل الدلائل تشير إلى أنه يعتقد أن واشنطن ستعيد عقارب ساعة المنطقة ولبنان إلى ما قبل اتفاق الدوحة، كما أنه يتصرف على أن الفتنة السنية ـ الشيعية واقعة لا محالة، وعليه المسارعة منذ الآن للاستثمار سياسيا وماليا على هذه الامنيّة الدموية، وهو على ثقة بأن الوجود الإسرائيلي في التحقيق الدولي هو الضمانة الأكيدة لاستصدار قرار ظني يشكل فتيل اللهيب الموعود عنده.
لذا يتوقع المراقبون أنفسهم، أن لا يتورع البعض في فريق 14 آذار عن الدفاع عن إسرائيلية التحقيق الدولي، وتغطية الدخول الإسرائيلي على هذا التحقيق، بتنزيه المحققين الدوليين (وهم جلهم من أجهزة استخبارية غربية وصديقة للموساد الإسرائيلي) عن إمرار المعلومات المطلوبة عن المقاومة للعدو، واختلاق الأعذار لتوسيع استباحة هؤلاء المحققين بما يحقق انكشاف لبنان أمنيا أمام "إسرائيل".
كما يؤكد المراقبون أن البعض في فريق 14 آذار سوف يلجأ إلى حماية إسرائيلية التحقيق الدولي عبر العزف على وتر وضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي ( وهذه عبارة مضللة، أي المواجهة مع تيري رود لارسن وجيفري فيلتمان وبان كي مون وغيرهم من المروجين الدوليين للسياسات الإسرائيلية)، من أجل التهويل على اللبنانيين وبالأخص المسؤولين الكبار في الدولة، لإجبارهم على السكوت عن المسار الإسرائيلي للتحقيق الدولي وتمكين فريق بلمار من جمع ما يكفي من الأدلة لإيهام البعض في لبنان بتورط عناصر من المقاومة باغتيال رفيق الحريري.
وإذ يعذر المراقبون أنفسهم فريق 14 آذار على عدم قدرته عن تلمس طريق يخرج البلد من النفق الذي أودعه فيه منذ 14 شباط 2005، لجهله بالمتغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة والتي داست على كل رهاناته وطموحاته، فإنهم ما زالوا يعوّلون على وجود نافذة مفتوحة نحو الخلاص تتمثل في أن يتعظ الرئيس سعد الحريري من اخطاء حلفائه، وأن لا ينجرّ إلى تفسيراتهم الرعناء للمزايدات الداخلية في واشنطن وهي على عتبة الانتخابات النصفية، أو عندما يحضونه على استثمار التباينات الداخلية بين أبناء العائلة المالكة السعودية، أو الإفادة من المنافسات المحتدمة على وراثة الرئاسة المصرية، فكل هذا لن يجعل العدو يتخلص من عقدة 2006 ولن يعيد المشهد اللبناني إلى ما قبل 5 أيار 2008.