ارشيف من :آراء وتحليلات

الطرود المفخخة... فصل من فصول المهزلة!

الطرود المفخخة... فصل من فصول المهزلة!
عقيل الشيخ حسين

هنالك صفقات أسلحة في غاية التطور، منها ما هو جاهز للاستخدام، ومنها ما ينتظره الصدأ في المستودعات، تباع على رؤوس الأشهاد بمئات المليارات في ظلال الشرعية الدولية التامة. وهنالك أسلحة أقل تطوراً وفتكاً بما لا يقاس تهرب في الخفاء إلى شعب مستضعف يريد الدفاع المشروع عن نفسه، فيجري تصويرها كجرم ليس فوقه جرم.

وهنالك قنابل بالأطنان تلقيها طائرات بطيار وبلا طيار على مناطق سكنية هنا وهناك، فتقتل وتجرح بلا حساب دون أن تثير الاستنكار. وهنالك ملليغرامات من مواد متفجرة "يقال" بأن العثور عليها قد تم في طرد أو رسالة على طائرة من الطائرات... فتقوم الدنيا ولا تقعد.

بشكل طبيعي تماماً ذكرت جميع وكالات الأنباء أن التحقيقات الدولية قد شملت قارات أميركا وأوروبا وآسيا بخصوص الطردين الملغومين اللذين عثر عليهما، على ما يقال، في مطار دبي وفي أحد المطارات البريطانية، على متن طائرتين غادرتا اليمن في طريقهما إلى الولايات المتحدة.وذكرت أن دولاً عديدة قد اتخذت إجراءات أمنية مشددة في مطاراتها، أو أوقفت استقبال الطائرات القادمة من اليمن في تدابير احترازية لمنع حدوث تفجيرات إرهابية. وأن مسؤولين كباراً في العديد من الدول، على رأسهم الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني، إضافة إلى الرئيس اليمني، قد اعتلوا المنابر ليدلوا بتصريحات لاهبة حول الطردين البريديين المذكورين. وليتبادلوا المكالمات الهاتفية حول هذا الحدث الذي أحيط بكل هالات الخطورة.وأن السلطات اليمنية التي أصدرت بياناً استغربت فيه "الزج باسم اليمن في هذه القضية"، قد سارعت بعد ساعات على ذلك إلى المشاركة في التحقيق الذي يجري

بالتنسيق مع الاجهزة المختصة في كل من دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية.

وقد اشتملت المشاركة على إقامة نقاط تفتيش في أرجاء العاصمة صنعاء لتفتيش المركبات، حيث تم اعتقال عدد كبيرً من موظفي مكاتب الطيران وشركات الشحن، والإبلاغ عن اكتشاف عشرات الطرود المشبوهة، وإن كان أحد كبار المسؤولين الأمنيين قد نفى اكتشاف تلك الطرود...

كل ذلك قد يبدو طبيعياً، بما في ذلك الإعلان عن اعتقال امرأة يشتبه بأنها على صلة بالطرود. لكن الإعلان عن النجاح في ملاحقة تلك المرأة واعتقالها قد تم بفضل رقم هاتف تركته في شركة الطيران التي أودعتها الطردين... لا يبدو طبيعياً بالمطلق.

كما لا تبدو طبيعية الدعوة التي وجهتها السلطات اليمنية إلى "جميع" المواطنين للإبلاغ عن أي شخص يحمل سلاحاً أو يتجول به، لا لعلاقة حمل السلاح بالطردين، بل لعلاقة ذلك بالأزمات السياسية المتفاقمة في اليمن واستخدام الطردين كذريعة للقمع.كما لا يبدو طبيعياً كون العربية السعودية هي التي اكتشفت شحن الطردين في اليمن، وهي التي قامت بإعلام الحليف الأميركي بالأمر دون الشقيق اليمني، على الأقل لتمكينه من خنق "المؤامرة" (كما وصفها أوباما) ومن إعفاء نفسه من كل هذا التشهير الذي ينهال عليه من جميع القارات.

كما لا يبدو طبيعياً، بعد وصول الخبر الى الأميركيين، الشكل الذي تم فيه تقاسم شرف القبض على الطردين في مطارين أحدهما إماراتي والآخر بريطاني، في وقت كانت طائرات أخرى يجري تفتيشها في مطارات أميركية.فهذا التقاسم يفوح برائحة تدبير يهدف بوضوح إلى إقامة تحالف دولي حول هذه القضية بين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية واليمن، مع استبعاد قطر المتهمة بأن سلطاتها عجزت عن اكتشاف الطرد المرسل إلى المطار البريطاني عند مروره في مطار الدوحة.

كما لا يبدو طبيعياً، حتى ولو صح أن تنظيماً إرهابياً اسمه القاعدة، وأن هذا التنظيم يسعى، بمثل هذه العمليات، إلى إرباك العدو في عقر داره، ألا يجد هذا التنظيم بلداً غير اليمن يرسل منه، مرة بعد مرة، طروده وعناصره المفخخة، وخصوصاً أن هذا التنظيم يمتلك على ما يشاع فروعاً وخلايا ناشطة ونائمة في كل أنحاء العالم.

فاليمن، كما هو معروف، بلد غير مستقر، يقع على مضيق باب المندب الاستراتيجي، ويتمتع بوضع ديموغرافي لافت غير بعيد عن الصومال والسودان منابع النفط، ويمتلك كل المؤهلات ليكون موضوعاً لرهانات الولايات المتحدة وامتداداتها في المنطقة، على أن تحول دون اضطلاعه بالدور التاريخي المفصلي الذي طالما اضطلع به، أو على أن تحقق فيه ما عجزت عن تحقيقه، مثلاً، في العراق وأفغانستان وغزة ولبنان.

ولم تبق وسيلة إعلام واحدة إلا وربطت بين قضية الطردين المفخخين والانتخابات النصفية الوشيكة في الولايات المتحدة، تلك الانتخابات التي تنذر بكارثة لأوباما وحزبه الديموقراطي، والتي لا أمل لديهم بكسبها إلا عن طريق اجتراح حدث يظهرون فيه فضلهم في الدفاع عن الأمن القومي الأميركي وخصوصاً عن المعبد اليهودي الذي قيل بأن الطردين كانا مرسلين إليه. علماً بأن أكثر من جهة قد صرحت بأن الطردين كانا مفخخين لينفجرا في الجو؟

من 11/9، إلى الطردين اليمنيين، مروراً بالجمرة الخبيثة، وبتفجيرات مدريد ولندن، وبعمليات الاغتيال المدروسة لجهة مفاعيلها الفتنوية، وبمئات التحذيرات من تفجيرات إرهابية وشيكة، وبالتسريبات... كل ذلك اجتراحات تنبع من عقل واحد أصابه مس الرعب من الأفول التاريخي فاعتمد، بعد أن فُل سيف البطش، الكذب والإفك واصطناع الأحداث والتلاعب بالعقول وسائل لرد سيل التاريخ عن عبابه.


2010-11-01