ارشيف من :آراء وتحليلات

المبادرة السعودية.. بين الرفض المقبول والقبول المرفوض!

المبادرة السعودية.. بين الرفض المقبول والقبول المرفوض!

بغداد ـ عادل الجبوري

نشر موقع ايلاف الالكتروني السعودي استفتاء عن مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز لرعاية اجتماع للقوى السياسية العراقية في الرياض بعد عيد الاضحى،


طرح فيه ثلاثة اسئلة، هي:
ـ المبادرة ستقود الى المزيد من الفوضى
ـ ستقود الى الاستقرار
ـ لا أهتم

وكانت النتائج المعلنة حتى ظهر يوم الاثنين، الاول من تشرين الثاني ـ نوفمبر الجاري، أي بعد حوالى ثمان واربعين ساعة من اطلاق المبادرة، ان 58,16%اعتبروا انها ستقود الى الفوضى، و 29,79% اعتبروا انها تؤدي الى الاستقرار، و12,06 اظهروا عدم اهتمامهم بها.

من الطبيعي أنه لا يمكن الاخذ والتسليم باستفتاء الكتروني لا تتوفر فيه كافة المعايير العلمية والموضوعية للتوصل الى نتائج دقيقة بشأن قضية سياسية حساسة

ومهمة. بيد ان الأرقام الأولية التي أظهرها الاستفتاء تظهر صورة قريبة من واقع مزاج وتوجه الشارع العراقي والنخب السياسية والثقافية العراقية من المبادرة، بعيدا عن المواقف وردود الأفعال التي تأخذ إطاراً دبلوماسيا تفرضه في بعض الأحيان حسابات سياسية مختلفة.


واذا اردنا أن نتوقف قليلا عند ردود الأفعال والمواقف السياسية للقوى العراقية، فإننا نجد أنها تراوحت بين الرفض للمبادرة الذي أعلنته كتلة "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، مع التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر والتحالف الكردستاني، وبين الترحيب السريع من دون اي شروط أو مقدمات كما في موقف "القائمة العراقية" بزعامة رئيس الوزراء الاسبق "إياد علاوي"، وبين الترحيب في الاطار العام بأية مبادرات من شأنها حلحلة الأمور بما لا يتنافى واستقلالية القرار العراقي، وهذا كان موقف المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة السيد عمار الحكيم.

ولأن هناك مبادرة تتحرك على أرض الواقع، هي مبادرة رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني المتمثلة بالطاولة المستديرة التي دعا الى عقدها رئيس المجلس

الأعلى بعيد إجراء الانتخابات البرلمانية العامة في السابع من اذار/ مارس الماضي، فإن مواقف الترحيب والرفض لمبادرة الملك السعودي اقترنت بالحديث عن

مبادرة البارزاني.

وجاء ترحيب الاكراد والتيار الصدري لاحقاً بالمبادرة السعودية لاطلاق رسائل مفادها أنهما لا يتبنيان ذات الموقف المتشدد لائتلاف "دولة القانون" وتحديدا للمالكي المحكوم بخلفيات سياسية تتمثل بعلاقة الرياض المتأزمة مع بغداد طيلة الأعوام الخمسة الماضية، والتي من بين أسبابها عدم استعداد المؤسسة السياسية السعودية للتعاطي مع المالكي لأسباب ودواعٍ قد تبدو في جانب منها غير مقبولة وغير واضحة بما فيه الكفاية. ولا شك في أن قبول المبادرة السعودية، والترحيب بها لا يعني انها ستتفعل وستكون الخيار البديل لأي حراك سياسي آخر بين الفرقاء العراقيين، وفي ذات الوقت فإن رفضها لا يعني ان الخيارات المطروحة منتجة، ويمكن ان تثمر نتائج ايجابية وسريعة.

ومن زاوية أخرى وارتباطا بالمزاج العام، فإن المبادرة السعودية يمكن أن تقرأ من الحقائق والمعطيات التالية:
أولا: إنها جاءت متأخرة كثيرا، وطرحت في وقت تبلورت على أرض الواقع السياسي العراقي مبادرة الطاولة المستديرة التي تبدو فرص وامكانيات نجاحها غير قليلة.

ثانيا: حددت المبادرة سقفا زمنيا لانطلاقها وهو بعد عيد الأضحى المبارك، أي بعد اكثر من ثلاثة أسابيع، وهذا لا يعكس للمتلقي حرصاً واهتماماً كبيرين لانهاء الأزمة العراقية بأسرع وقت ممكن، بقدر ما يسجل رغبة في اثبات الحضور السياسي والاعلامي وإشعار الآخرين بأن الرياض طرف محوري ومؤثر على الصعيد الاقليمي.

ثالثا: ربطت بعض وسائل الإعلام والأوساط السياسية العراقية بين المبادرة السعودية ومؤتمر الطائف التي رعته الرياض قبل عشرين عاما لوضع حد للحرب الأهلية في لبنان، وطرح صيغة لتقاسم السلطة في هذا البلد بين مكوناته الرئيسية الثلاثة (السنة والشيعة والمسيحيين الموارنة)، ودخل ما يسمى بـ"طائف عراقي" كمفردة في الحديث عن مبادرة الملك عبد الله. وهذا الامر لا يصب في المصلحة السعودية، لأن الطائف اللبناني كان وما زال له آثار وتبعات سلبية يشهد الجميع مصاديقها على الأرض باستمرار.

رابعا: تعكس المبادرة السعودية توجها سعوديا ـ اميركيا تتبناه وتدعمه بعض الأطراف العربية لصياغة معادلات سياسية معينة على مقاسات غير المقاسات العراقية التي تفرزها الانتخابات وطبيعة الواقع السياسي لهذا البلد.

خامسا: اذا كانت الرياض حريصة على العراق ومصالح العراقيين، فقد كان الأولى بها قبل طرح المبادرة الاخيرة ـ وهذا ما يقوله الكثيرون ـ ان تبادر الى اسقاط الديون المترتبة لها على العراق، والتي هي عبارة عن مليارات الدولارات التي كانت الرياض قد دفعتها الى نظام صدام في ثمانينيات القرن الماضي لادامة حربه ضد ايران، ناهيك عن أن السعودية وبتقدير ساسة ومتخصصين في الشؤون الأمنية وقضايا الإرهاب، كان لها دور كبير في دعم الإرهاب في العراق خلال الاعوام التي اعقبت سقوط نظام صدام، ولم تتخذ اجراءات جادة من شأنها الحد من ضخ الأموال والاسلحة والانتحاريين الى العراق، ناهيك عن التحريض الديني والاعلامي من قبل مؤسسات سعودية رسمية وغير رسمية ضد بعض المكونات العراقية، حتى وثيقة مكة التي انبثقت عن مؤتمر ديني لمختلف اتباع المذاهب الاسلامية العراقية عقد برعاية المملكة العربية السعودية عام 2007، لم تترجم الى واقع عملي على الارض مثلما كان مأمولا ومتوقعا.


بعبارة موجزة ومختصرة، اذا تعاطينا مع المبادرة السعودية بصورة مجردة فيمكن النظر اليها ايجابيا، بيد انها لم تأت من خلفيات مناسبة، ولم تتأسس على أرضيات قوية، أي انها مثلت خطوة من دون مقدمات، ومن الطبيعي انه اذا لم تكن هناك مقدمات فهذا يعني أنه لن تكون هناك نتائج، واذا كانت المقدمات غير سليمة فالنتائج لن تكون غير ذلك.

2010-11-03