ارشيف من :آراء وتحليلات
العودة الأميركية إلى لبنان: غزوة جديدة أم تحسين شروط التفاوض!
هيلدا المعدراني
يقرأ مدير المركز الاستراتيجي للدراسات العربية والدولية، عضو المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع غالب قنديل العودة الأميركية على أنها "ترتبط بالصراع على وجه المنطقة وبمركزية "اسرائيل" في الاستراتيجيات الأميركية، ففي لبنان المقاومة التي ألحقت الهزيمة بـ"اسرائيل"، والتي يشكل تنامي قدراتها وإمكانياتها في العقائد الاستراتيجية الاسرائيلية خطراً داهماً ينبغي التصدي له، والادارة الاميركية تعتنق هذا الفهم الاسرائيلي لموضوع قدرات المقاومة اللبنانية من ضمن المواجهة الأميركية مع منظومة المقاومة والاستقلال في المنطقة".
ويستدعي ذلك بحسب قنديل "قرع جرس الخطر بالنسبة للاميركيين، لأن قيام منظومة اقليمية تنشئها قوى الاستقلال والحرية في المنطقة بعد هزائم اميركا و"اسرائيل"، سيؤدي إلى قيام نظام إقليمي بدون "اسرائيل"، اي نقيض المفهوم الذي اشتغلت عليه السياسة الأميركية طيلة نصف القرن الماضي، فكل الحركة الاميركية حول ما يسمى عملية التسوية تمحورت على فرض "اسرائيل" كمكون أساسي في نسيج المنطقة، وبعد مؤتمر مدريد جاهر الاميركيون في رؤيتهم لمستقبل المنطقة بالكلام عن نظام إقليمي بمضمونه الاقتصادي والأمني والاستراتيجي، يرتكز على الدور الاسرائيلي الاساسي، من هنا الحركة الاميركية هدفت من التدخل في لبنان الى تخريب التفاهم السوري السعودي ومحاولة ممارسة ضغوط على المملكة السعودية وليس فقط من خلال لبنان، إنما أيضا الى قطع الطريق على التواصل السعودي الايراني الذي لاحت مقدماته بشكل واضح قبيل زيارة الرئيس أحمدي نجاد الى لبنان".
ويحصر قنديل الطموحات التي يرجوها الأميركيون من تدخلهم المستجد، بـ "محاولة، لتأكيد الحضور، عبر سعيهم لتخريب الحراك الاقليمي المتحرر من الضغوط الاميركية ومن الهيمنة الاسرائيلية، ووجه هذا التدخل عبر لبنان بواسطة الإصرار على استمرار المحكمة الدولية ومنع التوافق اللبناني على مخارج تستند الى مفهوم السيادة الوطنية والى مفهوم الحقيقة والعدالة خارج دائرة الادوات التي انشأها الاميركيون عام 2005 (عنيت بذلك لجنة التحقيق الدولية ومن ثم المحكمة الدولية)، وهذا يستهدف المقاومة وهو جزء من الصراع على مستقبل المنطقة بعد الفشل الاستراتيجي للمغامرة العسكرية الاميركية".
الكل لاحظ أن الدخول الأميركي القوي حاليا لمنع محاكمة شهود الزور وتقدمه الصفوف الأمامية للدفاع عن الأدوار المشبوهة التي يقوم بها المحققون الدوليون بما فيها تجيير ما بحوزتهم من معلومات ذات حساسية لمصلحة العدو، لم يأت (هذا الدخول) في سياق تصاعدي بدأ منذ صدور القرار 1559، إنما برز بعد انكفاءة نسبية عن الساحة اللبنانية إثر اتفاق الدوحة في أيار 2008.
يحاول فريق 14 آذار بالإعلام والسياسة تصوير العودة الأميركية الأخيرة وكأنها استرجاع لحقبة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهي الحقبة التي سجل فيها هذا الفريق مكاسب سياسية ومادية تفوق بأضعاف وزنه السياسي والشعبي، كان منها تفرده بالسلطة خلافا لاتفاق الطائف والدستور، إضافة إلى الامتيازات التي وفرتها له الإدارة الأميركية لقاء انخراطه بمشروعها: الشرق الأوسط الكبير في المنطقة.
بالمقابل، فريق المعارضة، وإن كان يعتبر أنه كان على الدوام في مجال الاستهداف الأميركي، إلا أنه يرى تحركات واشنطن المستجدة في لبنان تفترق من أوجه كثيرة عما كانت تقوم به خلال الفترة الممتدة بين 2005 و2008، وتعامي فريق 14 آذار عن هذه الافتراقات سيقوده إلى خيبات جديدة أشد قسوة من تلك التي حصدها في رهاناته السابقة على الإدارة الأميركية
.يقرأ مدير المركز الاستراتيجي للدراسات العربية والدولية، عضو المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع غالب قنديل العودة الأميركية على أنها "ترتبط بالصراع على وجه المنطقة وبمركزية "اسرائيل" في الاستراتيجيات الأميركية، ففي لبنان المقاومة التي ألحقت الهزيمة بـ"اسرائيل"، والتي يشكل تنامي قدراتها وإمكانياتها في العقائد الاستراتيجية الاسرائيلية خطراً داهماً ينبغي التصدي له، والادارة الاميركية تعتنق هذا الفهم الاسرائيلي لموضوع قدرات المقاومة اللبنانية من ضمن المواجهة الأميركية مع منظومة المقاومة والاستقلال في المنطقة".
كما لا يفصل قنديل العودة الأميركية المتجددة عن التحولات التي طرأت على مشهد المنطقة، ويربطها ببعد استراتيجي أشمل ويقول: "فالذي حصل على مستوى المنطقة بتحرك الديناميكية التي قادها الرئيس بشار الأسد لبناء واقع اقليمي جديد سواء من خلال ما قامت به سوريا وإيران معا من توثيق للتحالف الاستراتيجي بينهما او الشراكة السورية التركية المتقدمة، التي قطعت أشواطا كبيرة الى الامام، او شبكة المصالح بين هذه الأطراف الثلاثة، التي هي القوة الصاعدة الجديدة في المنطقة وتحركها معا بالتنسيق مع قطر باتجاه جذب المملكة السعودية الى مفهوم المنظومة الاقليمية، تظهّرت هذه الديناميكية على ساحات لبنان والعراق وفلسطين، كما تظهرت الحركة السورية الايرانية تجاه المملكة السعودية بشكل فاعل خلال زيارة الرئيس أحمدي نجاد للبنان والتواصل السوري السعودي المستمر والمنتظم الذي يتمحور حول الوضع اللبناني".
ويستدعي ذلك بحسب قنديل "قرع جرس الخطر بالنسبة للاميركيين، لأن قيام منظومة اقليمية تنشئها قوى الاستقلال والحرية في المنطقة بعد هزائم اميركا و"اسرائيل"، سيؤدي إلى قيام نظام إقليمي بدون "اسرائيل"، اي نقيض المفهوم الذي اشتغلت عليه السياسة الأميركية طيلة نصف القرن الماضي، فكل الحركة الاميركية حول ما يسمى عملية التسوية تمحورت على فرض "اسرائيل" كمكون أساسي في نسيج المنطقة، وبعد مؤتمر مدريد جاهر الاميركيون في رؤيتهم لمستقبل المنطقة بالكلام عن نظام إقليمي بمضمونه الاقتصادي والأمني والاستراتيجي، يرتكز على الدور الاسرائيلي الاساسي، من هنا الحركة الاميركية هدفت من التدخل في لبنان الى تخريب التفاهم السوري السعودي ومحاولة ممارسة ضغوط على المملكة السعودية وليس فقط من خلال لبنان، إنما أيضا الى قطع الطريق على التواصل السعودي الايراني الذي لاحت مقدماته بشكل واضح قبيل زيارة الرئيس أحمدي نجاد الى لبنان".
ويقول عن الافتراقات بين التدخل الأميركي الحالي والسابق، "إن التدخل الحالي يختلف عما حصل قبل خمس سنوات، لأن الولايات المتحدة اليوم ليست كما كانت بالامس، ففي عام 2005 كانت الاندفاعة الاميركية في المنطقة في ذروتها، وأطلقت على غزوتها للمنطقة اسم مشروع الشرق الاوسط الجديد وغيره من التسميات، وهذه الغزوة انطلقت من خلال العراق، وكانت فصولها التالية في حربي "اسرائيل" ضد لبنان وقطاع غزة، وكلها حروب انتهت بالهزيمة والفشل".
ويرى أن "تآكل القدرة الاميركية الاستراتيجية وفي الفشل الذي منيت به غزواتها سواء في افغانستان ام في باكستان ام في العراق، والهزائم التي لحقت بـ"اسرائيل" لا تشير الى قدرات هجومية جديدة، خصوصا بعد الأزمة الاقتصادية المالية التي جعلت الولايات المتحدة عاجزة عن دفع المزيد من الجيوش والقيام بمغامرات عسكرية جديدة في اي مكان في العالم، وحتى التحول الذي يجري اليوم في الولايات المتحدة في الانتخابات النصفية يشير أكثر فأكثر الى ميل الرأي العام الأميركي الى الانكفاء صوب الداخل وصوب مشكلات الداخل، وهذا ما سيتحكم لاحقا بأولويات الادارة الأميركية, والأولوية الحاسمة هي "اسرائيل"، فالأساس بالنسبة للاميركيين هو حماية " اسرائيل" من نتائج الفشل، لأن تبلور نظام اقليمي بدون "اسرائيل".. او تبلور سقوف ترعى الاستقرار في الساحات المضطربة التي تعيش تحت وطأة الغزو الاميركي الاسرائيلي للمنطقة, هذا معناه انهاء النفوذ الاميركي وتصفية الحضور الاميركي في المنطقة كليا".
ويحصر قنديل الطموحات التي يرجوها الأميركيون من تدخلهم المستجد، بـ "محاولة، لتأكيد الحضور، عبر سعيهم لتخريب الحراك الاقليمي المتحرر من الضغوط الاميركية ومن الهيمنة الاسرائيلية، ووجه هذا التدخل عبر لبنان بواسطة الإصرار على استمرار المحكمة الدولية ومنع التوافق اللبناني على مخارج تستند الى مفهوم السيادة الوطنية والى مفهوم الحقيقة والعدالة خارج دائرة الادوات التي انشأها الاميركيون عام 2005 (عنيت بذلك لجنة التحقيق الدولية ومن ثم المحكمة الدولية)، وهذا يستهدف المقاومة وهو جزء من الصراع على مستقبل المنطقة بعد الفشل الاستراتيجي للمغامرة العسكرية الاميركية".
من جهة اخرى يشير قنديل إلى أن الولايات المتحدة ذاهبة الى التفاوض مع ايران انطلاقا من المعادلة الجديدة وكذلك الامر بالنسبة لسوريا، ويشدد على أن الاميركيين "يريدون استخدام قوى 14 آذار وما تبقى لهم من اثر ومن وزن ورئيس الحكومة بالذات, في لعبة المساومات التي يجرونها، فواشنطن محكومة بالتفاوض مع دمشق وطهران انطلاقا من مأزقها العراقي، ولذلك هي تحاول ان تمنع السعودية من التواصل المباشر معهما، وان تمنع سعد الحريري من المشاركة والتجاوب مع المساعي الهادفة الى اقامة وفاق وطني لبناني داخلي، فالابقاء على خطوط النزاع يتيح أوراقا ضاغطة للولايات المتحدة، ولذلك هي تمنع القوى المحلية على الصعيد الاقليمي وعلى الصعيد اللبناني من أن تتواصل مع كتلة المقاومة والاستقلال، وان تتوصل الى تفاهمات فيما بينها خارج التأثير الاميركي، لذلك تصر واشنطن على حجز هذه القوى والإبقاء على حالة الاشتباك كي تحسّن من وضعها التفاوضي مع القوى التي افشلت الغزوة، وبالتالي هم يريدون أن يجلسوا الى طاولة التفاوض مع ايران ومع سوريا وبأيديهم اوراق تتمثل بالقوى التي كانت جزءا من المشروع الاميركي في الحقبة الماضية.
ويرى قنديل ان مشكلة سعد الحريري "انه لا يزال يبني سياساته على ما تورط به خلال الغزوة الاميركية، ولم يقم بمراجعة جديّة لما حصل خلال السنوات الماضية، وقال كلاما عاما عن موضوع اتهام سوريا، ولكنه لم يقرن هذا القول بمراجعة حقيقية تدعوه الى التخفف مما حوله من أدوات فعل وحركة كانت جزءا من المشروع الأميركي سواء في التحالفات السياسية التي يقيمها داخل لبنان أو على مستوى تركيبة تيار المستقبل وفريقه الخاص، وهو بالتالي لم يراجع حساباته بصدد المحكمة الدولية والتحقيق الدولي اللذين كانا جزءا من أدوات المشروع الأميركي الذي تورطت فيه قوى 14 آذار".