ارشيف من :آراء وتحليلات
ثمانية أشهر على انتخابات مجلس النواب العراقي: الغياب أو التغييب
بغداد ـ عادل الجبوري
تشير بعض التقارير والمصادر الى أن عدد أعضاء مجلس النواب الجدد الذي ذهبوا الى العربية السعودية لأداء فريضة الحج هذا العام بلغ سبعة وخمسين نائبا من كتل سياسية مختلفة، وهذا الرقم لا يمكن الجزم بدقته لكنه يعطي إلى حد ما انطباعاً سلبياً. القضية هنا، كما يقول مواطن عراقي بسيط خرج من بيته برفقة زوجته وابنه وابنته صباح السابع من اذار/ مارس الماضي للادلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية العامة، "ليست في عدد النواب الذين ذهبوا لاداء فريضة الحج، بل هي أكبر من ذلك بكثير، إذ ان ذهابهم الى أي مكان او بقاءهم في العراق سيان، لأننا لم نشعر بوجودهم أو حضورهم او تأثيرهم طيلة الاشهر الثمانية المنصرمة".
الاحباط والاستياء والامتعاض واليأس هو ما يشعر به ملايين العراقيين، وهم يعيشون في ظل أوضاع وظروف سياسية وأمنية وحياتية سيئة للغاية. السياسيون من مختلف الكتل السياسية ما زالوا يدورون في حلقة مفرغة، ولم يلح بصيص أمل بقرب انفراج أزمة تشكيل الحكومة، لأن كل طرف متمسك بمطالبه وشروطه، وينتظر من الآخرين التنازل له.
هذا الجمود السياسي انعكس بوضوح على مجمل الأوضاع الامنية في البلاد، وبدا واضحا الترهل والاسترخاء والضعف واللامبالاة في عمل الاجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية، الامر الذي اتاح للجماعات الارهابية فرصة العودة الى المسرح والتحرك بفاعلية، وعملية اقتحام كنيسة سيدة النجاة الاسبوع الماضي، وسلسلة تفجيرات الثلاثاء المروع التي وقعت بعدها بيومين، ليست إلا مصاديق لما سبق ذكره، ناهيك عن تردي الظروف الحياتية والخدمية التي كشف عنها الإرتفاع الحاد في درجات الحرارة الصيف الفائت خصوصاً في ما يتعلق بمشكلة التيار الكهربائي، مضافا اليها مشاكل وأزمات وقضايا أخرى قد لا تقل اهمية عنها
.
العراقيون اليوم، وفي أحاديثهم في المقاهي وفي البيوت وفي مواقع العمل، وفي المناسبات الإجتماعية كالأفراح والأحزان، لا يسألون إلا عن نواب البرلمان الذين انتخبوهم قبل ثمانية شهور؟ وفي الجلسات التداولية التي دعا اليها القيادي في المجلس الأعلى ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، بصفته عضوا في البرلمان الجديد، لم يشارك سوى واحد وثمانين نائبا فقط، وبعض الكتل أوعزت لأعضائها بمقاطعة تلك الجلسات لأسباب وحسابات سياسية ضيقة.
أما بالنسبة للاجتماعات واللقاءات والمباحثات الماراثونية بين الكتل السياسية حول تشكيل الحكومة، فلم يشارك سوى عدد قليل من أعضاء البرلمان الجديد الذين مثلوا كتلهم! وبعملية حسابية بسيطة يتضح لنا أن النصف أو أكثر من اعضاء البرلمان الجديد لم يكن لديهم أي نشاط أو حضور سياسي معين. أما المتبقون، فإن عددا منهم لم يتعدّ دوره المشاركة في بعض البرامج التلفزيونية الحوارية على شاشات القنوات الفضائية للدفاع عن وجهات نظر الكتل السياسية التي ينتمون اليها، وعدد قليل آخر حاول ان يسجل حضوراً ميدانياً مؤثراً في خضم الفوضى والارتباك السياسي والأمني.
لعلها مفارقة فاضحة أن تغيب او تُغيب السلطة التشريعية في بلد يعد نظامه السياسي ديمقراطيا برلمانيا، فضلا عن أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال منذ ستة أشهر، وليس هناك سلطة تمارس دور الرقابة على ما تقوم به من اعمال أو ما تتخذه من قرارات! والانكى من ذلك كله، هو أن أعضاء مجلس النواب الجديد تقاضوا رواتبهم ومخصصاتهم ورواتب أفراد حماياتهم على أكمل وجه عن الأشهر السبعة الماضية. وحسب بعض المعلومات، فإن مجموع المبالغ المصروفة لهم بلغت واحدا وثمانين مليار دينار عراقي، علما أنهم لم يجلسوا تحت قبة البرلمان سوى سبع عشرة دقيقة لترديد القسم الدستوري لتبقى الجلسة الاولى مفتوحة، في بدعة برلمانية لا سابقة لها الا في العراق.
ولأن النواب غائبون ولأن ما تقاضوه من أموال يعد مهولا وخياليا مقارنة بالمستوى المعيشي والحياتي لعموم العراقيين، فقد رفعت منظمات المجتمع المدني دعوات قضائية عليهم تطالبهم فيها بإعادة جزء مما تقاضوه، بينما رأت جهات أخرى ان هؤلاء النواب لا يستحقون أي مرتبات أو مخصصات وامتيازات لأنهم لم يؤدوا أي عمل في اطار وظائفهم وواجباتهم.
وإلى جانب منظمات المجتمع المدني رفعت شخصيات علمائية وممثلو المرجعيات الدينية ونخب سياسية وثقافية أصواتهم للتنديد بما يصفه البعض بـ "المهازل" وسرقة المال العام من الذين اؤتمنوا على موارد البلد، ومُنحوا الثقة للدفاع عن حقوق مواطنيه. ويعتقد الكثير من المراقبين وحتى الساسة أن أداء البرلمان العراقي الجديد لن يكون أفضل من أداء سابقه، بل إن المؤشرات والمعطيات الأولية تذهب الى العكس تماما، ولا سيما ان المحاصصات الحزبية والسياسية والتنافس والصراع السياسي وانعدام الثقة بين الفرقاء إضافة إلى تأثيرات القوى الخارجية، ستبقى تشكل المعالم والملامح العامة للمشهد السياسي في العراق للاعوام الأربعة المقبلة، وليس هناك ما يوحي بأن هذا الواقع يمكن أن يكون افضل مما كان عليه خلال الاعوام الاربعة المنصرمة.