ارشيف من :آراء وتحليلات

الانتخابات الأميركية: سياسات السيئ تعيد الحياة إلى الأسوأ!

الانتخابات الأميركية: سياسات السيئ تعيد الحياة إلى الأسوأ!
عقيل الشيخ حسين

الانتخابات النصفية التي جرت قبل أيام في الولايات المتحدة عكست، فيما وراء التفاصيل المهمة وغير المهمة، أزمة الحكم في الولايات المتحدة، أهم بلد ديموقراطي في العالم، وبالتالي في بقية البلدان الديموقراطية أو السائرة في طريق الديموقراطية. فالتداول، وهو في طليعة المعايير التي يتباهى بها المدافعون عن الديموقراطية، أثبت مرة بعد مرة أنه تداول لا بين قوى يفترض أن تفرزها أواليات التجدد والتقدم، بقدر ما تحوّل إلى تداول بين قوى فاشلة، من دون أن يكون هنالك مانع من أن يفضي الطريق الديموقراطي إلى تسليم السلطة إلى القوى الأكثر فشلاً.

ذلك ما يجري في معظم عمليات التداول، وما جرى تحديداً في آخر تلك العمليات، أي في الانتخابات النصفية الأميركية: المعروف أن أوباما، الديموقراطي، قد انتخب رئيساً للجمهورية بناء على وعوده التغييرية التي عنت، بشكل أساسي، تغيير الواقع الذي قادت إليه السياسات الأميركية، الداخلية والخارجية الفاشلة، التي اعتمدها الجمهوريون بقيادة جورج بوش.


لكن الفشل السريع الذي منيت به استراتيجيات أوباما، الداخلية والخارجية، دفع الواقع الأميركي لا إلى إفراز قوة جديدة من شأنها إخراج أميركا من مسلسل الفشل، بل إلى معاقبة الفاشل الحالي لمصلحة الفاشل السابق في سيرورة انحطاطية واضحة تدلل على صحة التوقعات القائلة بأن الولايات المتحدة قد دخلت في طور الانهيار.فقد خسر الديموقراطيون أكثريتهم في مجلس النواب لمصلحة الجمهوريين، وضعفت مواقعهم بشكل ملموس في مجلس الشيوخ، إضافة إلى خسائر موازية على مستوى حكام الولايات. وبذلك بات الرئيس الديموقراطي عاجزاً عن الحكم من دون أن يقوم بتنازلات ملموسة لمصلحة الجمهوريين، ما يعني أن "إصلاحاته" الداخلية المثيرة للجدل واستراتيجياته الخارجية قد باتت مهددة بالإجهاض المؤكد.وخصوصاً أن التجاوب الجمهوري المأمول لا يبدو سهل المنال في ظل صعود "حزب الشاي" الذي خرج من تضاعيف الحزب الجمهوري، ومعارضته لأي تساهل جمهوري مع سياسات الديموقراطيين. والواضح أن هذا الوضع سيدفع بالقرار الأميركي، خلال العامين المتبقيين من فترة أوباما الرئاسية، نحو الشلل.

لكن أوباما الطامح بالتأكيد إلى الفوز بولاية ثانية أو، على الأقل، إلى التخفيف من التأثيرات السلبية لتراجع الديموقراطيين في الانتخابات، لا يسعه أن يبقى مكتوف اليدين. يعترف، بهدف تزلفي واضح، بمسؤوليته عن الإخفاق في الانتخابات وفي معالجة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية، لا سيما على مستوى ارتفاع منسوب البطالة. ولا يعدم ظروفاً تخفيفية يؤمنها له إعلاميون ينحون باللائمة على الحزب الجمهوري لتقصيره في دعم أهداف أوباما وشرحها للجمهور الأميركي. ومن ثم ينتقل إلى محاولة الإمساك مجدداً بزمام المبادرة. لكنه لا يفعل غير السير على الطريق الذي سبق أن طرقه من قبل والذي قاده إلى الباب المسدود.

داخلياً، يعود بهدف مواجهة الأزمة المالية، إلى سياسة الضخ المالي التي ورثها عن سلفه بوش، مع انكشاف طبيعتها لا كوسيلة للخروج من الأزمة المالية بقدر ما هي وسيلة لإنعاش القطاعات المصرفية من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين، وبقية سكان الكوكب. فيلجأ إلى "المطابع" في "إنتاج" 600 مليار دولار بلا تغطية فعلية غير "هيبة" أميركا وعملتها، ويغطي ذلك بسندات خزينة تفاقم العجز المالي الأميركي، وذلك بقصد مساعدة المصارف على الإقراض لتمكين المستهلكين من الاستمرار في الاستهلاك، على أمل أن يؤدي ذلك إلى بعث الحياة في أوصال الدورة الاقتصادية المتباطئة.

وبالطبع، يسمح ذلك على المدى القصير بتخفيض قيمة الدولار أمام العملات المنافسة، ما يسمح بدوره في إنعاش حركة الصادرات الأميركية. لكنه وخيم العواقب على المدى المنظور، في ظروف ارتفاع أرقام المديونية الأميركية، وفي ظروف استياء الأصدقاء قبل الأعداء إزاء هذا الإجراء، والإعلان عن اضطرارهم للرد عليه بالأشكال المناسبة.

خارجياً، يستمر أوباما في التقدم داخل النفق المظلم. فيهجر أميركا مع وفد كبير جل أعضائه من رجال الأعمال بحثاً عن حلول في آسيا. عشرة أيام سيقضيها أوباما في التجول بين بلدان القارة لاستجداء المعونة. يبدأ بالهند لأنها تشهد نمواً يصفه المراقبون بالمتسارع وينجح في توقيع عقود بعشرة مليارات دولار يحرص الإعلام على الإشارة بأنها ستوفر 50 ألف وظيفة في سوق العمل الأميركي. خمسون ألف وظيفة شيء مهم. لكن أهميته باهتة في ظروف مئات ألوف الأميركيين الذين ينضمون شهرياً إلى صفوف العاطلين من العمل. وعشرة مليارات دولار يجب أن تضرب بستين لتصل إلى مستوى عملية الضخ الأخيرة!

وفي الهند أيضاً يراهن أوباما على إنعاش استراتيجيته الخاصة بأفغانستان. وهي الاستراتيجية التي تقوم بشكل أساسي على محاولة استخدام باكستان، رغماً عنها، في تحقيق ما عجز الأطلسيون عن تحقيقه في أفغانستان. فيكرر الكلام عن تقصير باكستان في مكافحة ما أسماه بالتطرف. ويلوح بمنح الحظوة للهند في هذه المهمة، غير منتبه، في غمرة لهاثه اليائس وراء تحقيق تقدم في أفغانستان، الى أنه لا يفعل غير تعميق الهوة بينه وبين باكستان.

2010-11-08