ارشيف من :أخبار لبنانية
كيف يبدو استعداد الجبهة الداخلية في إسرائيل للحرب القادمة؟
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات/ عدنان أبو عامر(*)
منذ الحرب الأولى التي خاضتها إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب عام 1948، وضع مؤسسها وأول رئيس حكومة فيها "دافيد بن غوريون" القاعدة التالية: "كل الشعب جيش، كل البلاد جبهة".
وبات الدفاع عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية أحد أهم أسس النظرية الأمنية الإسرائيلية، خاصة بعد أن أصبحت مستهدفة في الحروب الأخيرة، وثبت أنها جزء لا يتجزأ من الجبهة العسكرية، وأن بإمكان الخصم ضربها بسهولة مقارنة بالماضي، لذلك وجب إجراء تغيير في الفكر العسكري الإسرائيلي، ليأخذ بعين الاعتبار أن الاستعدادات للمعركة يجب أن تشمل الجبهة الداخلية.
المواجهة متعددة الجبهات
المناورات والتدريبات
الحماية العسكرية
تهديدات المستقبل
المواجهة متعددة الجبهات
بعد مرور ما يزيد عن أربع سنوات على انتهاء حرب لبنان الثانية ضد حزب الله، وأكثر من عام ونصف على اندلاع حرب الرصاص المسكوب ضد حركة حماس في قطاع غزة، تشير الوقائع إلى أن مستوى الردع الإسرائيلي ما زال قائماً نسبياً، مع اختلاف التقديرات حول حجم الحصانة التي تمتعت بها الجبهة الداخلية خلال الحربين السابقتين، لاسيما وأن كلا التنظيمين (حزب الله وحركة حماس) يواصلان التسلح والاستعداد ليوم المواجهة القادمة، وما يعنيه ذلك من تأثير مباشر على حالة المناعة التي يجب أن تحظى بها الجبهة الداخلية التي ستشكل هدفاً مفضلاً لهما إذا ما اندلعت الرصاصة الأولى.
هذا ما خلص إليه بحث بعنوان "مدى حصانة الجبهة الداخلية من حرب قادمة"(1)، وقد صدر مؤخراً في "إسرائيل" ضمن دورية "التقييم الاستراتيجي"، عن معهد أبحاث الأمن القومي، ليقدم رؤية استشرافية لمستقبل "الدولة" خلال عام قادم، وذلك من خلال مناقشة قضايا داخلية وخارجية، بمشاركة نخبة من الجنرالات والساسة البارزين، إلى جانب أكاديميين وباحثين متخصصين.
يرسم هذا البحث الذي أعده اللواء "مائير ألران"(2)، سيناريوهات سوداوية لطبيعة وحجم وساحة المواجهة القادمة، لاسيما استهدافها المباشر للجبهة الداخلية، وتحول الإسرائيليين إلى "أهداف" متاحة للأسلحة التي "سيستخدمها أعداء إسرائيل" في قادم الأيام.
يؤكد البحث أن إسرائيل باتت خلال السنوات الأربعة الأخيرة "مسكونة" بتحصين الجبهة الداخلية، وخصصت فرقا عديدة من الخبراء لدراسة ما يتعلق بها, خاصة فرضية حرب الصواريخ التي فرضت نوعاً جديداً من التفكير العسكري الإسرائيلي.
ولعل ما يدفع التفكير الإسرائيلي نحو هذا المسار، القناعات الآخذة بالتزايد في المحافل الأمنية والعسكرية من حتمية انتقال ساحة الحرب القادمة إلى الجبهة الداخلية، وما يشكله هذا الاستهداف من حرب استنزاف مؤذية لإسرائيل على كل الأصعدة، في ضوء نجاح حماس وحزب الله في تطبيق المفهوم القتالي القائم على فرضية أن هذه الجبهة هي الحلقة المكشوفة والأضعف في إسرائيل، ومن هنا فإن زعزعتها أو كسرها من شأنه أن يرجّح كفتهما على الرغم من تفوق تل أبيب عسكرياً.
وتتعدد هذه الاستهدافات المتوقعة من صواريخ حزب الله التي ستطال شمال إسرائيل، وجزءاً من منطقة المركز والوسط، مروراً بصواريخ حماس التي ستعم جميع أجزاء المناطق الجنوبية والجزء المتبقي من تجمع "غوش دان" وتل أبيب، فضلا عن فرضية عودة نموذج "العمليات الفدائية" في العمق الإسرائيلي، وصولاً إلى القذائف السورية التي لديها القدرة على ضرب مساحات شاسعة من الأراضي الإسرائيلية، هذا فيما لو انضمت سوريا إلى تلك المواجهة، التي يفترض أن تحظى بدعم إيراني على حد تقدير الباحث.
علماً بأن عقد مقارنة ميدانية بين الاختلاف الكبير الذي طرأ على تهديد الجبهة الداخلية خلال العقود الماضية يؤكد فرضية انكشاف هذه الجبهة، فقد شهدت الأعوام بين 1967-2009 إطلاق ما يزيد عن 12 ألف قذيفة صاروخية على إسرائيل, 1000 منها أطلقها فلسطينيون من الحدود الأردنية خلال حقبتي الستينات والسبعينات، و6 آلاف أطلقت من حزب الله بين الأعوام 1996-2006، و5 آلاف أطلقت من المنظمات الفلسطينية في غزة، وبشكل خاص من حركة حماس بين 2000-2009، و40 صاروخاً أطلقت من العراق عام 1991.
المناورات والتدريبات
والسؤال الكبير الذي يطرح في هذا الشأن على صناع القرار في إسرائيل: إلى أي حد تبدو الجبهة الداخلية مستعدة لمثل هذا "الكابوس" المفترض؟
وفي محاولة لوضع إجابات واقعية لمثل ذلك التحدي المتوقع، فقد شهدت السنة الأخيرة اتخاذ الجهات المعنية سلسلة من الإجراءات الميدانية والخطوات العملياتية، ومن أهمها الانشغال بصورة غير مسبوقة بعدد من المناورات المكثفة، لـ"محاكاة" التهديدات المختلفة، واختبار جملة من الاستعدادات المطلوبة، ومنها:
1. معرفة حجم التأهب الجماهيري.
2. تقييم حالة التنسيق بين المستويات ذات الاختصاص.
3. اختبار مدى نجاعة وسيلة "الإنذار المبكر".
4. فحص جاهزية الملاجئ ومستوى تحصينها.(3)
وقد أكثر الجنرال "يائير غولان" قائد الجبهة الداخلية من أحاديثه مؤخراً عن التمرينات الخاصة، مؤكداً على الاستعدادات الجارية تحسباً لأي طارئ، ومشيدا بنجاعة منظومة صفارات الإنذار في الكثير من مناطق إسرائيل، مع الحاجة إلى نشر أخرى بكثافة أكبر، لاسيما وأن كل واحدة منها تغطي مساحة 500-750 متراً، في حين أن بعض المناطق لم يتمكن ساكنوها من سماعها بسبب الضوضاء العامة. لذلك قامت الجبهة بتفعيل جهاز إنذار في البلدات الواقعة تحت التهديد، ما يوفر وقت إنذار بمعدل 20-30 ثانية قبل السقوط، متصل أوتوماتيكياً بمكبرات صوت تسمع عبارة "لون أحمر".
وخلال السنوات الأخيرة، اتخذ الجيش الإسرائيلي عدداً من الخطوات المتعلقة بالجبهة الداخلية، تتعلق بالتحصينات ووسائل الحماية، حيث أخذت هذه الجزئية حيزاً وافراً من التقرير الذي وزع مستوياتها على أربع:
المستوى الأول: التحصين الفردي لكل إسرائيلي على حدة، بناء على الخطة الحكومية التي أقرت أوائل هذا العام، ويتضمن ذلك توزيع الأقنعة الواقية من الأسلحة الكيماوية والجرثومية بصورة خاصة، حيث يتم توفير 170 ألف قطعة من هذه الأقنعة شهرياً، على أن يتم الانتهاء منها بعد ثلاثة أعوام.
المستوى الثاني: التحصين العائلي وفقاً لخطة تقضي بوجوب أن تتضمن كل شقة سكنية تحصينا موافقاً لمعايير الأمنية، من المفترض أن تحمي قاطنيها في حال حدوث انفجار على بعد 15 متراً كحد أدنى، كما صيغت رؤية جديدة لتحصين المباني أصبح بموجبها محيط "الدرج" أو السلالم مناطق آمنة لسكان الشقق أوقات الطوارئ.
المستوى الثالث: التحصين المؤسساتي بما يشمله من مستشفيات ومدارس ووزارات ومجمعات تجارية، حيث حولت قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية المركز التجاري الكبير المعروف باسم (عزرائيل) إلى أكبر ملجأ في الشرق الوسط، إلى جانب تحويل أجزاء من المباني الرياضية والمستشفيات إلى ملاجئ، وسيتم تحويل مواقف السيارات في الطوابق السفلي الواقعة تحت مباني بالمستشفيات إلى أقسام طبية.
المستوى الرابع: "التحصين العام للدولة الذي يكتنفه العديد من الثغرات والإخفاقات، وتطلب ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة لاتخاذ قرارات بشأنه، وتوفير ما يلزمه من موازنات مطلوبة". وخلال السنوات الأربعة الأخيرة، تم ترميم ما يقرب من 200 ملجأ، إلا أن الإقامة فيها في حال اندلاع حرب لن تكون مريحة، لأن 100 منها فقط مكيفة، رغم إنفاق ما مقداره 12 مليون شيكل لأعمال الترميم أي 4 مليون دولار. كما أن الإقامة تحت الأرض لفترة طويلة من الزمن أمر غير عملي، ولئن كان هذا يجدي في التدريبات والمناورات، إلا أنه سيكون صعباً جداً على أرض الواقع. وعلى صعيد آخر هناك إحدى الفرضيات التي تعمل وفقها قيادة الجبهة الداخلية، تتمثل بوضع 500 شخص في ساحة كبيرة تحت الأرض، وهناك ما يقرب من 220 مكاناً لذلك، ويوجد 20 ألف إسرائيلي يمكن توزيعهم فيها.
كما بدأت قيادة الجبهة الداخلية بإرسال إرشادات لكل بيت في إسرائيل بشأن الاستعداد لهجوم صاروخي، في إطار حملة واسعة يخطط لها، تهدف إلى رفع مستوى وعي الجمهور الواسع لمواجهة التهديدات الصاروخية، والتأكيد على التعليمات بشأن اختيار الحيز الآمن في داخل البيت. كما تنوي قيادة الجبهة الداخلية استخدام شبكة "الفيس بوك" للتواصل مع الجمهور في حال اندلاع حرب قادمة لاطلاعه على آخر التعليمات، في ضوء استقبالها شهرياً لـ400 مكالمة هاتفية في أوقات غير طارئة.
علما أنه منذ "انكشاف" الجبهة الداخلية الإسرائيلية خلال حرب لبنان الثانية والحرب على غزة، لم يعد أي تجمع سكاني في إسرائيل إلا وأجرى مناورات واستعدادات لمثل تلك الحالات الحرجة، وقد جرى خلال الأشهر الأخيرة التدريب الأوسع الرابع من نوعه في إسرائيل. والجدير بالذكر أن نائب وزير الدفاع "ماتان فلنائي" هو الذي يشرف بنفسه منذ سنوات على سلسلة المناورات والتدريبات حول ساعات الطوارئ المتوقعة، لاسيما في حال اندلاع مواجهة عسكرية مع أي من الأطراف المتوقعة: إيران، سوريا، حزب الله، حماس.(4)
ومما تأمله قيادة الجبهة من استخلاص الدروس والعبر، نشر العديد من الأجهزة الخاصة بترقب ورصد القذائف الصاروخية التي تسقط على مختلف المناطق، وتعميم التواصل شبه اللحظي مع المجالس البلدية عبر وسائل الاتصال الحديثة، فضلا عن التنسيق المشترك مع الوزارات الحكومية والمؤسسات الرسمية، ما يتطلب توفير الحد الأقصى من التعرف على القذائف الصاروخية وكيفية الوقاية منها.
الحماية العسكرية
تشير الحربين الأخيرتين على لبنان وغزة إلى أن استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية كان غير مسبوق في حجمه, أربعة آلاف صاروخ كاتيوشا سقطت في الحرب الأولى وعدة مئات في الحرب الثانية، دون أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من وقف إطلاقها.
ولعل ما يفاقم صعوبة الأمر أن المجتمع الإسرائيلي يعتبر الأمن الشخصي أهم من الأمن القومي، والحال هذه فمن المستبعد أن تحتمل الفئات الضعيفة فيه، لاسيما الأطفال والشيوخ والمرضى والمعاقين، عدم تطوير وسائل الحماية المرتبطة بأمنهم.
ويرى الباحث أن صواريخ حماس وحزب الله باتت "السلاح المفضل" اليوم لتهديد الجبهة الداخلية، ما يتطلب التعامل والاستعداد بالشكل الملائم، في ضوء أن نتائج الحروب الأخيرة شجعت أعداء إسرائيل على المضي قدماً والاستمرار في التسلح بالصواريخ، بينما لا توجد قرارات واضحة لدى المؤسسة العسكرية لمواجهة هذه الإستراتيجية بإستراتيجية مضادة، وهو ما يفسر لدى الإسرائيليين على أنه تقصير في "الدفاع عن الجبهة الداخلية".
وإن تطبيق المستويات الأربع من التحصينات المذكورة آنفاً يتطلب جهداً حكومياً وضغطاً شعبياً وقرارات قضائية، إلا أن الأمر يختلف في المستوى العسكري، فالجيش الإسرائيلي "وصل إلى مرحلة من التقدم والاكتفاء بصورة ملحوظة"، تخوفاً من استهدافات محتملة بصواريخ متعددة المديات والحمولات، وهو ما دفع بقائد الجبهة الداخلية للإعلان في الأيام الأخيرة عن تطوير قدرات رصد أسلحة غير تقليدية واعتراضها قبل أن تنفجر.
وفي ضوء هذا التحسن الملحوظ، وصلت هيئة الصناعات العسكرية الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة إلى مرحلة من إتمام العمل لعدد من وسائل الحماية اللازمة، ومنها:
• منظومة "حيتس 2"، المكلفة بالتصدي لصواريخ بعيدة المدى، لاسيما الآتية من إيران وسوريا.
• منظومة "الصولجان السحري" المناط بها صد الهجمات الصاروخية متوسطة المدى، ومصدرها حزب الله في لبنان، ومن المقرر أن يتم نشرها فعلياً عام 2014.
• منظومة "القبة الحديدية"(5) لمواجهة الصواريخ قصيرة المدى، لاسيما صواريخ القسام التي تطلقها حماس من غزة، حيث أنهت شركة "رفائيل" للصناعات العسكرية عملها، وباتت جاهزة للاستخدام بدءاً من الربع الأول من هذا العام 2010، رغم وجود إجماع إسرائيلي على فداحة تكلفة "القبة"، لأنها ستكون مرهقة للاقتصاد الإسرائيلي في حال المباشرة باستخدامها عام 2011، حيث أن صاروخ القسام يكلف حركة حماس ما يقدر بـ500 دولار كأقصى حد، إلا أن قذيفة القبة الحديدية تكلف إسرائيل ما بين 30 -40 ألف دولار.(6)
وترتبط هذه التجهيزات بعبارة بات يكررها العديد من المسؤولين الإسرائيليين، ساسة وعسكر: "أن السيناريو الأكثر توقعاً هو استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية بمئات القذائف الصاروخية في آن واحد". فحزب الله يعرف جيدا كيف يستهدف بئر السبع في الجنوب، وحماس لديها القدرة العملياتية على الوصول بصواريخها إلى تل أبيب، والسوريون لديهم إمكانية استهداف معظم الأراضي الإسرائيلية، والإيرانيون يمتلكون صواريخ بعيدة المدى تطال جميع أنحائها، وبالتالي فأي إسرائيلي خائف يريد مغادرة مدينته المستهدفة، سيذهب حتماً لمدينة أخرى في مرمى الصواريخ! ورغم هذا فإن الحرب القادمة ستشهد هجرة بالآلاف للإسرائيليين من مدينة لأخرى، بحثاً عن الأمان المفقود.(7)
في ظل هذا الاستعراض، يطرح البحث قضية مثيرة فعلاً للجدل في إسرائيل تتعلق بتراجع النفقات الحكومية على توفير المزيد من التحصينات للأهداف المدنية المرشحة للاستهداف، كالمدارس والمستشفيات والتجمعات التجارية الكبرى، في حين تمتلك التحصينات العسكرية ومرافق البنى التحتية "شيكاً مفتوحا"ً، كقواعد الجيش الإسرائيلي ومفاعل ديمونا ومحطات الكهرباء والمياه، إلى جانب الـ205 مليون دولار التي قدمتها واشنطن مؤخراً إلى تل أبيب لهذا الغرض.
تهديدات المستقبل
عاشت الجبهة الداخلية الإسرائيلية خلال العقد الأخير ثلاث أزمات عاصفة كان لها أكبر الأثر على عدم استقرارها، وتعرضها لمخاطر جمة، وهي: الانتفاضة الثانية، حرب لبنان الثانية، الرصاص المسكوب، ورغم أن السنة الأخيرة اعتبرت في نظر جميع المحافل الأمنية والعسكرية الإسرائيلية الأكثر هدوءاً والأقل توتراً، إلا أن السيناريوهات الأمنية التي تهدد الجبهة الداخلية ومرافقها العامة لا تزال تتعاظم، لذا واظبت الجهات المختصة في إسرائيل على إجراء التدريبات والمناورات الميدانية لمحاكاة هذه التهديدات، وبمشاركة من قوات الجيش ووحدات الإطفاء والإنقاذ وأجهزة الأمن.(8)
وفي نفس السياق يؤكد التقرير أن الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، لاتخاذ إجراءات في مواجهة التهديدات المستقبلية على الجبهة الداخلية، وذلك من خلال إجراءات عدة أبرزها:
1. تقوية الصورة الردعية لإسرائيل، للحؤول دون تحقق التهديدات ضدها.
2. العمل على إحباط وتدمير القدرات الصاروخية المعادية، من خلال منظومات "حيتس، القبة الحديدية، وغيرها.
3. تطوير القدرات الوقائية، وتوفير الحد الأقصى لوسائلها الدفاعية، كصفارات الإنذار، وتحصين الملاجئ.
4. منح الجبهة الداخلية القدرة على التكيف مع ظروف التهديدات، بما فيها المؤسسات التعليمية، والعاملين الاجتماعيين، وتوسيع سلطات السلطات المحلية.
ويعرض التقرير لارتفاع وتيرة الخوف الإسرائيلي من فرضية عدم وصول الأجهزة المعنية بالجبهة الداخلية في تل أبيب إلى حالة من التوافق على طبيعة التصرف إزاء وقوع استهداف معادي موجه بأسلحة متطورة، لاسيما "وزارات الدفاع، الأمن الداخلي، الصحة، الشرطة، هيئة إطفاء الحرائق، نجمة داوود الحمراء، السلطات المحلية والبلديات"، خاصة وأنه بعد تنفيذ عدة مناورات ميدانية، لم يطرأ تحسن ملموس على حالة "الفوضى وعدم التنسيق والإرباك" الذي أصاب عمل تلك الجهات. وهو ما دفع بوزارة الدفاع لتقديم مشروع قانون إلى الكنيست يلزم تلك الجهات بالتنازل ضمنا عن بعض استقلاليتها، لتحقيق القدر المطلوب من التنسيق المشترك والتعاون الميداني، وبما يساعد الدولة في توفير إجابات ميدانية على كل التساؤلات المثارة بين الحين والآخر حول مدى جاهزية الجبهة الداخلية.
وبرزت في هذا الصدد جهود إسرائيلية مجتمعية غير حكومية إلى جانب العمل الحكومي، لتوعية الإسرائيليين بالمخاطر المحدقة بهم حيال عدم تشغيل المنظومات الدفاعية ضد الصواريخ، للضغط على المشرعين ومتخذي القرارات لإيجاد حلول في المجالات المذكورة، وتطوير منظومات أفضل لمواجهة التهديد بالصواريخ والقذائف الصاروخية في المستقبل.
أخيراً.. يمكن القول أن الصورة المرسومة للجبهة الداخلية الإسرائيلية في غاية التعقيد، فإلى جانب الإصابات الكثيرة المتوقعة في الأنفس والممتلكات، فإن هناك الكثير من الأضرار الاقتصادية، وانعكاسها سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي كله، وتراوح عدد الإسرائيليين الذين سيتركون منازلهم ما بين الثلث والنصف على الأقل، وبين الإخلاء شبه الكامل في جزء من البلدات المستهدفة، وتلك القريبة من خط المواجهة.
إلى جانب شيوع العديد من مظاهر "استنزاف" الجبهة الداخلية الإسرائيلية في ضوء أن التقديرات العسكرية والاستخبارية المتشائمة في إسرائيل، ترجح أن تقوم إستراتيجية القوى المعادية في المواجهات القادمة على "إدارة ذكية لحرب استنزاف" تعتمد في أساسها على إدارة هجوم متواصل ومكثف على شمال وجنوب ووسط إسرائيل، يهدف للمس بنظام الحياة فيها، بواسطة أسلحة "بث الرعب، وعرقلة نظام الحياة العادي"، وهو ما لا تبدو تل أبيب مستعدة له في المرحلة الحالية على الأقل.
_______________
(*) باحث فلسطيني متخصص في الشؤون الإسرائيلية.
الهوامش
(1) عنوان الدراسة بالإنكليزية:
Benchmarking Civilian Home Front Resilience: Less than Meets the Eye
الرابط الإلكتروني للتقرير وضمنه الدراسة: http://www.inss.org.il/upload/(FILE)1283427072.pdf
رابط التقرير باللغة العبرية وضمنه الدراسة وهو الأصل الذي اعتمد في القراءة: http://www.inss.org.il/upload/(FILE)1283692231.pdf
(2) "مائير ألران"، جنرال احتياط في الجيش الإسرائيلي، ويعتبر اليوم من كبار باحثي معهد دراسات الأمن القومي، عمل مستشارا استراتيجيا لدى عدد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية، وعين في مجلس الأمن القومي، خدم في شعبة الأبحاث التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية، وشارك في مفاوضات السلام مع مصر والأردن. تقلّد عددا من المناصب في العديد من الوزارات الإٍسرائيلية، كوزارة التعليم، والأمن الداخلي. يعمل حاليا في جامعة "إنديانا" محاضرا في العلاقات الدولية.
(3) للاطلاع على المزيد من الإجراءات الميدانية للجبهة الداخلية، يمكن زيارة موقعها على الرابط التالي:
http://www.oref.org.il/14-he/PAKAR.aspx
(4) درجت الجبهة الداخلية منذ عام 2007 على إجراء سلسلة من المناورات والتدريبات الخاصة بالاستعداد لمواجهة عسكرية تطال كافة أنحاء إسرائيل، باسم "نقطة تحول"، ولإلقاء مزيد من الضوء عليها، انظر المواقع التالية:
www.gov.il/firstGov/special/Mifne3.htm
(5) لمعرفة المزيد عن طبيعة مراحل التطوير التي مرت بها منظومة "القبة الحديدية" يمكن زيارة الروابط التالية:
http://www.rafael.co.il/Marketing/345-1530-en/Marketing.aspx
http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/031/387.html
(6) يعتبر الباحث العسكري الإسرائيلي البارز "يفتاح شابير" أول من حذر من عدم جدوى المنظومات المضادة للصواريخ بدعوى النفقات الهائلة التي تستنزفها من ميزانية الدولة سنوياً، وقد كتب ذلك في بحثه المعنون: "مضادات الصواريخ...تبذير أكثر لأموال دافع الضرائب"، ونشرها في دورية "نظرة عليا"، في عدد مايو أيار 2007، ومتوفرة على العنوان التالي:
http://imda.org.il/ImdaRoot/hebrew/Defenses/
defense_System.asp?missileId=39
(7) أعد الناطق العسكري الإسرائيلي ما أسماها "خارطة المدن المهددة"، التي تقع تحت مرمى الصواريخ المختلفة: القصيرة، المتوسطة، والبعيدة المدى، ونشرها على موقعه: http://dover.idf.il/NR/rdonlyres/53CF2D19-DA97-4AA2-A0A5-98FC90A30DD0/0/1051ss_cropped_big.jpg
(8) أصدر معهد "رئوت" للأبحاث في إسرائيل دراسة مستوفاة عن مكانة الجبهة الداخلية في النظرية الأمنية الإسرائيلية، وارتباطها بباقي مكوناتها، ويمكن الاطلاع عليها على الرابط التالي:
http://reut-institute.org/he/Publication.aspx?PublicationId=3524