عقيل الشيخ حسين
في معرض تعليق له على الهزيمة التي مني بها حزبه الديموقراطي في الانتخابات النصفية، أقر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بافتقاره لحس القيادة عندما ركز على ما أسماه بـ "السياسات"، ما أدى إلى فشله في حشد دعم الناس...
وكان الأجدر بأوباما أن يعترف أيضاً بفشله أيضاً في مجال ما أسماه بـ " السياسات" : فالسياسات المقصودة هي سياساته في مجال التحفيز الاقتصادي وعلى مستوى برنامجه الخاص بإصلاح الرعاية الصحية. وقد حالفه الفشل في الأولى بدليل عدم ناجعية ضخ أكثر من تريليوني دولار في الاقتصاد الأميركي، دون أن يوقف ذلك من "سرعة" التباطؤ في أوصال ذلك الاقتصاد.
وحالفه الفشل في الثانية أيضاً: إذا كان الجمهوريون يتعاطفون مع سياسة أوباما في مجال التحفيز عن طريق الضخ، وهي في الأصل السياسة التي سبق واستنها سلفه بوش، لأن مفاعيلها الحقيقية هي إنقاذ المصارف المفلسة على حساب الأميركيين العاديين، فإن حاجة أوباما إلى تعاونهم معه لتلافي الشلل الذي يهدد مستقبل أيامه في البيت الأبيض، مرشحة إلى أن تفضي إلى تنازلات من قبله في مجال الإصلاحات الصحية التي يعارضها الجمهوريون بلا هوادة. والظاهر أن يوماً قريباً سيأتي لنسمع فيه أوباما وهو يعترف بافتقاره لحس الإدارة في مجالات أخرى منها السياسة الخارجية الأميركية. فقد تقدم أوباما، منذ بداية فترته الرئاسية، بتعهدات في اسطنبول والقاهرة فُهم منها أنه سيغير سياسات سلفه تجاه العالم الإسلامي.
وها نحن نسمع، على سبيل المثال لا الحصر، أصواتاً في أندونيسيا، التي يشملها في جولته الأسيوية الحالية، تأخذ عليه عدم الوفاء بتلك التعهدات في ملفات منها الملف الفلسطيني.
وعلى سبيل الحصر لا المثال، ومع كون أوباما قد ردد في جاكرتا ما سبق وتعهد به في اسطنبول والقاهرة، ها هو يفتح أبواباً للشر من خلال استمرار السياسات العدوانية الأميركية تجاه العالم الإسلامي. تكفي الإشارة إلى مبعوثيه الذين يزرعون الفتن في هذا البلد الإسلامي أو ذاك، وإلى سلوكياته الاستفزازية تحديداً أثناء زيارته للهند.
صحيح أنه يطمح إلى العثور في الهند على سوق للصادرات والاستثمارات الأميركية، بهدف خلق وظائف لجيوش العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة. وحتى لو افترضنا أن الاقتصاد الأميركي المختنق يمكنه أن يجد بعض بالونات الأوكسيجبن في الهند، فهل يبرر ذلك استعداء قوى وأسواق تفوق الهند أو توازيها من حيث القدرات الاقتصادية وغير الاقتصادية.
فقد دق أوباما مسماراً إضافياً في جسد، باكستان، حليفه الأول في الحرب على ما يسمى بالإرهاب في أفغانستان. أولاً، لأنه، مع علمه بالاحتقان الذي يحكم علاقات البلدين، زار الهند واستثنى باكستان من جولته الآسيوية.
ثانياً، لأنه ألقى رحاله في مومباي، وتحديداً في فندق "تاج محل" الذي كان مسرحاً للعملية الإرهابية التي اتهم الهنود المخابرات الباكستانية بالوقوف وراءها.
ثالثاً، لأنه شدد على أن الولايات المتحدة والهند بلد واحد، وأنهما أكبر ديموقراطيتين في العالم، وتماهى بالموقف الهندي إزاء ما يلصقه من تهم الإرهاب بالدولة الباكستانية.
رابعاً، لأنه أعلن عجزه عن إيجاد حل لمشكلة كشمير.
خامساً، لأن زيارته إلى الهند جاءت متزامنة مع المذابح التي ارتكبها الجيش الهندي بحق مسلمي كشمير في العام 1947 والتي ذهب ضحيتها أكثر من مئة ألف قتيل.
سادساً، ولكل هذه الأسباب، ولأن الهند تحديداً ليست البلد المناسب لأن يوجه منه التقريع إلى باكستان، وهي ثاني بلد إسلامي في العالم بعد إندونيسيا التي يقوم أوباما حالياً بمداهنتها عبر التشديد على أنها أكبر بلد إسلامي.
ويمكن أن نضيف سابعاً وثامناًً في سلسلة الوقائع الدالة، في ما يتعلق، بالعلاقات المأزومة بين الهند وباكستان، على افتقار أوباما لحس إدارة السياسة الخارجية الأميركية.
وفي ما يتعدى باكستان، وإضافة إلى الصين (الممسكة بخناق الإقتصاد الأميركي) والتي يسؤها أن تسمع أوباما وهي يتحدث عن الهند بوصفها قوة دولية، لا إقليمية وحسب، لم يكن أوباما بحاجة إلى إغضاب حليفه الآخر، اليابان، عندما تبنى مطلب الهند، في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، في حين أن اليابان وبلداناً ذات وزن دولي كألمانيا والبرازيل والأرجنتين وغيرها تطالب منذ سنوات، دون جدوى، بالحصول على ذلك الموقع، في وقت يرتفع فيه التذمر في كل مكان إزاء تركيبة مجلس الأمن ووظائفه وتحكم الولايات المتحدة بقراراته، رغم شيخوخة المعايير التي أفرزته في أعقاب الحرب العالمية الثانية.. جولة أوباما الآسيوية تشتمل إضافة إلى الهند، على كل من اليابان، حيث سيشارك في قمة بلدان آسيا والمحيط الهادي، وعلى كوريا الجنوبية، حيث سيشارك في قمة العشرين، وعلى إندونيسيا التي يعتزم أوباما إعلانها شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة وإن بدرجة أقل من الهند. وعلى اختلاف الأمكنة، هدف أوباما المعلن هو "شفط" الأموال لضخها في أوصال الاقتصاد الأميركي. يصاحبه فريق ضخم من رجال الأعمال الأميركيين، دون أن تتوفر سبل معرفة ما إذا كان جورج سوروس الذي "شفط" أموال نمور آسيا، وفي طليعتها إندونيسيا، قبل سنوات، في عداد مرافقيه.
هدف آخر معلن ولكن بشكل آخر، ربما لمسايرة الحس الحربجي عند الجمهوريين : حاملة طائرات، وعشرات السفن الحربية، ومثلها من السيارات المدرعة ومئات رجال الشرطة "الأميركيين"، كل ذلك يرافق أوباما لحراسته في جولته الآسيوية... دون أدنى مراعاة للقدرات الأمنية المحلية في البلدان المشمولة بالزيارة، والتي لم يتوان أي منها عن حشد عشرات الألوف من رجال الأمن لحراسة أوباما.
هذا الحشد العسكري الضخم يبرره بالطبع كون أوباما في طليعة من يستهدفهم الإرهاب المزعوم. لكن هذا ليس كل شيء. فهذا الحشد له وظيفة إرهابية صرفة بقدر ما يتوخى تذكير الآسيويين بأفاعيل أميركا الممتدة، بعد هيروشيما وناكازاكي من حروب فييتنام وكوريا إلى حروب فلسطين والعراق وأفغانستان...