ارشيف من :آراء وتحليلات
الحشرات: باب للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية!
عقيل الشيخ حسين
فبدلاً من أن يقولوا للناس بأن هنالك مشكلة غذاء تتدرج أسبابها من الفقر الناجم أكثره عن الظلم، إلى الأخلاقيات الجديدة التي تفضل منتجات السوبرماركت والمطعم على منتجات الحقل والبيت، والتي لم يعد بإمكان البشر أن يعودوا إليها بعد أن حشرتهم حضارة الرأسمالية المتوحشة بأغلبيتهم في مدن من الإسفلت والإسمنت، أو في قرى كل همها التشبه بالمدن لجهة أنماط العيش المتوحش...
وبدلاً من أن يقولوا للناس بأن مصادر الغذاء قد أُفسدت بالصيد البحري المتوحش، وبالزراعة الحديثة المتوحشة وبالأسمدة الكيماوية وبأدوية مونسانتو الأميركية، وبالكارثة المناخية الناجمة عن الحضارة الصناعية... وبأن العالم قد وصل إلى عتبة الجوع المعمم، وبأن الضرورة والحكمة والمسؤولية تقتضي عودة الناس إلى رشدهم... وإلى أرضهم السائرة قدما نحو التصحر الشامل...
بدلاً من كل ذلك، نجدهم يطمئنونهم ويملأون وعيهم الاستهلاكي بالأغاليط. فبعد أن رأى زبانية الحضارة في جبال النفايات والأوساخ التي ينتجها البشر ويحتارون في كيفية التخلص منها في عز حضارتهم "النظيفة"، بعد أن رأوا فيها مصدراً هاماً من مصادر الرزق للفئات الفقيرة، ها هم يبشرون الآن بمصدر جديد للرزق لا يقل أهمية.
وتشرف الفاو على تنظيم مؤتمرات وندوات وأبحاث ودراسات في شتى أنحاء العالم لتغطية كافة جوانب الموضوع، ولتبادل الخبرات بين البلدان والثقافات، وهذا التبادل شكل موضوعاً لمؤتمرعقد في تايلند قبل عامين وشارك فيه ممثلون من مختلف بلدان العالم.ويستنفر رافعوا لواء هذه الدعوة علوماً عديدة يستخدمونها في الإقناع. مجمل الأمر على ما تقوله تلك العلوم إن الحشرات تتمتع بقيمة غذائية عالية لا تقل عن قيمة لحوم الأبقار والأسماك. على سبيل المثال، سرب الجراد يصل وزنه إلى 400 ألف طن والكيلوغرام الواحد منها يحتوي على ما يزيد عن 4000 سعيرة.ولا ينسون التنويه، من أجل إيصال رسالتهم، بأن كثيراًً من المطاعم الراقية في أوروبا وأميركا تتجه نحو التخصص في تقديم الوجبات الحشرية على موائدها. وبالطبع يشددون عل أن تناول الحشرات أمر معروف عند جميع الشعوب منذ القدم، وأن القرف الذي يشعر بها كثير من الناس إزاء تناول الحشرات ليس مبرراً، لأنه نابع من المواقف النفسية والعادات الخاطئة والتربية السيئة.
نعم قد لا يكون هنالك مانع وجيه من تناول الحشرات في بعض الظروف. لكن هذه الدعوة تشكل وثيقة اعتراف بأن القيمين على شؤون البشر، ومن ورائهم أكثر الناس، يتجهون نحو المزيد من الإسفاف في تفكيرهم وسلوكهم، في وقت يقر فيه علماء البيئة بأن كل ثانية تمر تشهد فناء عدد محدد من الأجناس الحشرية، دون الحديث عن الأجناس الحية الأخرى. وكل ذلك بسبب الكارثة المناخية التي صنعها الإنسان بصلفه وعناده وقلة مسؤوليته.
وفي وقت تشير فيه تقارير كثيرة إلى أن الأميركيين يرمون في سلال القمامة نصف مشترياتهم من المواد الغذائية الجاهزة. وما حال غير الأميركيين عن ذلكم ببعيد.