ارشيف من :آراء وتحليلات

الحشرات: باب للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية!

الحشرات: باب للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية!

عقيل الشيخ حسين

كل الطرقات الملتوية مفتوحة أمام العبقرية البشرية الملتوية في بحثها عن حلول لمشكلات البشر في هذا الزمن الذي تتكاثر فيه المشكلات تكاثراً منكراً.وإذا ما اقتصرنا على مشكلة التغذية، أو بالأحرى على مشكلة سوء التغذية والجوع التي يعاني منها ما لا يقل عن مليار إنسان في القرن الواحد والعشرين بكل ما يتمتع به من "تقدم" في جميع الميادين، نجد الباحثين عن الحلول يتعمدون الابتعاد بفكرهم عن مسببات المشاكل، ليحصروا همهم في إيجاد حلول، أو أشباه حلول، من النوع الذي تفوح منه رائحة الحرص على صيانة الأوضاع الحضارية السائدة بكل ما تعج فيه من شوائب ومفاسد.

فبدلاً من أن يقولوا للناس بأن هنالك مشكلة غذاء تتدرج أسبابها من الفقر الناجم أكثره عن الظلم، إلى الأخلاقيات الجديدة التي تفضل منتجات السوبرماركت والمطعم على منتجات الحقل والبيت، والتي لم يعد بإمكان البشر أن يعودوا إليها بعد أن حشرتهم حضارة الرأسمالية المتوحشة بأغلبيتهم في مدن من الإسفلت والإسمنت، أو في قرى كل همها التشبه بالمدن لجهة أنماط العيش المتوحش...

وبدلاً من أن يقولوا للناس بأن ما يأكلونه من منتجات محنطة (المواد الحافظة) أو منتجة بطرق غير صحية، أو متلاعب بجيناتها بشكل يخرجها عن كونها من مخلوقات الله الطبيعية، أو بكونها أسلحة اقتصادية يوجهها الإمبرياليون وأتباعهم المحليون من المسوقين إلى صدوركم وصدور قضاياكم الكبرى والصغرى...

وبدلاً من أن يقولوا للناس بأن مصادر الغذاء قد أُفسدت بالصيد البحري المتوحش، وبالزراعة الحديثة المتوحشة وبالأسمدة الكيماوية وبأدوية مونسانتو الأميركية، وبالكارثة المناخية الناجمة عن الحضارة الصناعية... وبأن العالم قد وصل إلى عتبة الجوع المعمم، وبأن الضرورة والحكمة والمسؤولية تقتضي عودة الناس إلى رشدهم... وإلى أرضهم السائرة قدما نحو التصحر الشامل...

بدلاً من كل ذلك، نجدهم يطمئنونهم ويملأون وعيهم الاستهلاكي بالأغاليط. فبعد أن رأى زبانية الحضارة في جبال النفايات والأوساخ التي ينتجها البشر ويحتارون في كيفية التخلص منها في عز حضارتهم "النظيفة"، بعد أن رأوا فيها مصدراً هاماً من مصادر الرزق للفئات الفقيرة، ها هم يبشرون الآن بمصدر جديد للرزق لا يقل أهمية.

منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة لما يسمى بالأسرة الدولية الحاضرة أبداً لوضع حدها وحديدها في خدمة مشاريع الخراب والهيمنة والقهر، ومن باب حرصها المزعوم على مكافحة الجوع في العالم، وعلى تأمين مصادر جديدة للتلذذ، تحض الناس على أن يأكلوا الحشرات. من الديدان والنمل والصراصير والفراش والجعلان وما إلى ذلك من الـ 1400 نوع من الحشرات الصالحة لأن تؤكل، بحسب التعداد الذي يقال بأن معهد دراسات قد أجراه بكل عناية ودقة.

وتشرف الفاو على تنظيم مؤتمرات وندوات وأبحاث ودراسات في شتى أنحاء العالم لتغطية كافة جوانب الموضوع، ولتبادل الخبرات بين البلدان والثقافات، وهذا التبادل شكل موضوعاً لمؤتمرعقد في تايلند قبل عامين وشارك فيه ممثلون من مختلف بلدان العالم.ويستنفر رافعوا لواء هذه الدعوة علوماً عديدة يستخدمونها في الإقناع. مجمل الأمر على ما تقوله تلك العلوم إن الحشرات تتمتع بقيمة غذائية عالية لا تقل عن قيمة لحوم الأبقار والأسماك. على سبيل المثال، سرب الجراد يصل وزنه إلى 400 ألف طن والكيلوغرام الواحد منها يحتوي على ما يزيد عن 4000 سعيرة.ولا ينسون التنويه، من أجل إيصال رسالتهم، بأن كثيراًً من المطاعم الراقية في أوروبا وأميركا تتجه نحو التخصص في تقديم الوجبات الحشرية على موائدها. وبالطبع يشددون عل أن تناول الحشرات أمر معروف عند جميع الشعوب منذ القدم، وأن القرف الذي يشعر بها كثير من الناس إزاء تناول الحشرات ليس مبرراً، لأنه نابع من المواقف النفسية والعادات الخاطئة والتربية السيئة.

ويصل الأمر بأحد المتحمسين إلى استنكار بقاء كل هذه الخيرات بعيدة عن اهتمامات الدول وجمعيات الإغاثة الإنسانية في وقت يعاني فيه مئات الملايين من المجاعة. وبمتحمسين آخرين إلى تقديم وصفات حول طرق تحضير الحشرات، ومنها تجفيفها ثم طحنها واستخدامها في تحضير الحساء للفقراء.

وترى منظمة الفاو في تناول الحشرات وسيلة مهمة من وسائل مكافحة البطالة: يمكن أن تتحول إلى عمل تزاوله النساء في البلدان الفقيرة، ويجنين منه أرباحاً لا بأس بها خصوصاً إذا ما تحول إلى سلعة صالحة للتصدير إلى البلدان الغنية. ثم تقترح فتح باب الاستثمار في هذا المجال عن طريق إقامة المزارع الخاصة بتربية الحشرات، خصوصاً أن تربيتها لا تحتاج إلى كميات كبيرة من العلف والمياه كما هو الشأن بالنسبة لتربية الأبقار والدجاج.

نعم قد لا يكون هنالك مانع وجيه من تناول الحشرات في بعض الظروف. لكن هذه الدعوة تشكل وثيقة اعتراف بأن القيمين على شؤون البشر، ومن ورائهم أكثر الناس، يتجهون نحو المزيد من الإسفاف في تفكيرهم وسلوكهم، في وقت يقر فيه علماء البيئة بأن كل ثانية تمر تشهد فناء عدد محدد من الأجناس الحشرية، دون الحديث عن الأجناس الحية الأخرى. وكل ذلك بسبب الكارثة المناخية التي صنعها الإنسان بصلفه وعناده وقلة مسؤوليته.

وفي وقت تشير فيه تقارير كثيرة إلى أن الأميركيين يرمون في سلال القمامة نصف مشترياتهم من المواد الغذائية الجاهزة. وما حال غير الأميركيين عن ذلكم ببعيد.

2010-11-19