ارشيف من :آراء وتحليلات
هل تتحول المحاصصة الى شراكة في العراق؟
بغداد ـ عادل الجبوري
قوبل الحراك السياسي الاخير في المشهد العراقي بعد جمود دام ثمانية اشهر، بترحيب حذر من مختلف الأوساط والمحافل السياسية والدينية والثقافية والشعبية في العراق. هذا الترحيب الحذر يستبطن نوعاً من المخاوف والهواجس المرتبطة في جانب منها بالأزمات والتحديات التي حفلت بها الأعوام الخمسة أو السبعة الماضية، وفي جانب آخر مرتبط بالجدل الذي بدا عقيما وعبثيا بين الفرقاء السياسيين خلال الأشهر الثمانية الماضية، وفي جانب ثالث منه، مرتبط بالقدر الكبير من الاستحقاقات والمطالب التي ستجدها الحكومة الجديدة مكدسة على طاولتها ما أن تباشر مهامها.
من الصعب أن يكون التفاؤل في العراق سمة طاغية نظراً لحجم التعقيدات الكثيرة والكبيرة التي تعتبر حلحلتها ليست بالأمر اليسير، لأن ذلك يتطلب توافر عوامل وظروف خاصة، وانسجام وتوافق إرادات متعددة ومختلفة. الخطوات الاولى لما بعد حلحلة الأزمة التي تمثلت بجلسة مجلس النواب العراقي في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، دلت على أن جوهر الاشكالية والأزمة العراقية يتمحور في عدم الثقة او ضعفها بين الفرقاء السياسيين. فتوافقات الامر الواقع حول توزيع المناصب السيادية العليا في البلاد التي حلحلت الأزمة بمقدار معين، ولم تحلها بالكامل، تركت الباب مشرعا على مصراعيه لكثير من الجدل والسجال بشأن صيغة ادارة الدولة في الأعوام الاربعة المقبلة.
واذا كان البعض ينظر الى تأخر تشكيل الحكومة لبضعة أشهر بأنه امر ينطوي على مخاطر كبيرة، فإن البعض الأخر يرى ان هذا التأخر وما تخلله من تجاذبات كان مفيدا لبلورة توافقات تمهد الأرضية لأوضاع مستقبلية مستقرة بمقدار معقول. وكلا الرؤيتين قابلة للنقاش، وتستند الى معطيات ومصاديق واقعية، بيد أن القضية الأهم، أن عوامل الاختلاف وعدم الثقة لا يمكن لها ان تزول وتتلاشى بمجرد الاتفاق على توزيع المناصب العليا، او ابرام اتفاق سياسي معين على جملة امور خلافية. وما يجب التنبه له هنا هو أن جزءا غير قليل من عوامل وأسباب التأزم السياسي خلال الأعوام الماضية ما زال قائما، وسيبقى قائما لوقت آخر، وربما تبرز عوامل اخرى تضاف اليه.
ومبدأ الشراكة الذي يفترض أن تتشكل الحكومة العراقية الجديدة، هو في الواقع الوجه الاخر او النسخة المعدلة لمفهوم المحاصصة بمعناها الكلي والشامل، والتي مثلت الوصفة الفاشلة للنظام السياسي الجديد في العراق، الا في حال أفضت الى توفير أجواء ومناخات سياسية من شأنها ان تخلق استقراراً امنياً يفضي بدوره الى تهيئة المناخات للتطور والنهوض والتنمية في الجوانب الاقتصادية والعمرانية والتربوية والثقافية والصحية.
ويرى رئيس المجلس الأعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم ان الشراكة الوطنية الحقيقية تمثل الخطوة الأساسية والمدخل الصحيح لمسارات النجاح، اذ انها تؤدي بحسب رؤيته الى تكريس وترسيخ الثقة بين الشركاء السياسيين، وذلك يؤدي الى الاستقرار السياسي، والاخير يؤدي الى الاستقرار الأمني الذي من دونه لا يمكن الحديث عن أي مشاريع وخطط للبناء والاعمار في اي مجال من المجالات. ويتفق الكثير من الساسة العراقيين مع هذه الرؤية، ولكن تبقى الاشكالية في تحويل وترجمة النظرية الى واقع عملي على الارض. وفي هذا الشأن يقول القيادي في حزب الدعوة الاسلامية وائتلاف "دولة القانون" علي الاديب "نحن نؤمن بالمشاركة في اتخاذ القرارات، ونؤمن بمشاركة الكتل السياسية الاخرى والبرلمانية في الحكومة المقبلة، لان التوازن في العراق لا يتحقق إلا بمشاركة القوى الأخرى او المكونات الاجتماعية العراقية المختلفة".
وفي الاطار العام وبعيدا عن التفاصيل والجزئيات يعد مبدأ المشاركة الحقيقية والواسعة أفضل وصفة وعلاج للمشكل العراقي، لكن عند الدخول في التفاصيل والجزئيات تطل المشكلات وتطفو الخلافات والتقاطعات على السطح، ومثلما يقولون إن الشياطين تكمن في التفاصيل. فمبدأ الشراكة حتم عدم استبعاد أي طرف أساسي من تشكيلة الحكومة المقبلة، لا سيما "القائمة العراقية" بزعامة اياد علاوي، وذلك حتم تفعيل ما يسمى بالمجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي يبدو أنه سيفصل على مقاسات حجم "العراقية" وشروطها ومطالبها التي لا بد ان تصطدم برؤى ـ او قل بمخاوف وهواجس ـ الشريك او الخصم السياسي. فـ "العراقية" تريده ان يعكس مشاركة حقيقية مع رئيس الوزراء بصناعة القرار وتوجيه شؤون الدولة، و"دولة القانون" او "التحالف الوطني" قد لا يريده كذلك، خصوصا أن اي مشروع يطرح بشأنه لا بد ان يعرض على البرلمان ويخضع للتصويت لاقراره.
ويشير قياديون في "التحالف الوطني "ابتداء الى ان "صلاحيات المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية ستكون تخطيطية وقد تكون رقابية، ولكن بالنسبة لمجلس الوزراء فهو المسؤول عن وضع الخطط والمسؤول عن تنفيذها وهو المسؤول أمام البرلمان حول التنفيذ". ومن المستبعد جدا أن يمر وينتهي الجدل حول المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية بيسر وسهولة. والأمر نفسه بالنسبة للوزارات السيادية المتمثلة بالدفاع والداخلية والخارجية والمالية والنفط، التي تسعى كل واحدة من الكتل المتنافسة الى نيل الحصة الاكبر منها. وبدا واضحا منذ وقت مبكر ان هناك تقاطعات حول آلية تقسيم تلك الوزارات. فهذه الأخيرة هي في الواقع مرتكزات وأطر الملفات الاساسية الحساسة، ملف الامن وملف السياسة الخارجية، وملف الاقتصاد، والنفط على وجه التحديد، ولعله كانت ـ وعلى الارجح ستبقى ـ الملفات المشار اليها أبرز عقد ونقاط الخلاف بين الفرقاء، ومشاركة "القائمة العراقية" في الحكومة وحصولها على مواقع مختلفة ليس بالضرورة أن يهيء الظروف لاستقرار سياسي وامني، بل ربما يحصل العكس.
وينبغي على الحكومة الجديدة أن تحسم قضايا حساسة وخطيرة مثل مجالس الصحوات وقوات البيشمركة الكردية، والنفط وتوزيع الثروات، وترميم العلاقات مع بعض الأطراف العربية والاقليمية وغيرها، وهذه الأمور تحتاج الى وقت طويل حتى تتوصل الكتل السياسية الى توافقات بشأنها، ناهيك عن عشرات القوانين المعلقة وتلك التي في ادراج مجلس النواب. ومثلما يقول البعض إن الوزارات الأمنية والسيادية عموما "تبرز في مقدمة لائحة طويلة من الضرورات التي ينبغي وضعها في النصاب الصحيح لتلافي اي انهيار قد يتعرض له امن العراق".
وربما يكون الملف الامني والوزارات الأمنية الأكثر حساسية وأبرز النقاط الخلافية، ويرهن النائب المستقل صباح الساعدي نجاح عمل الحكومة المقبلة بإبعاد الوزارات الأمنية عن التقاسم الحزبي، ويرى ان ذلك شرطا اساسيا لنجاح الحكومة، كما يعتبر ان الاستقلالية ليست كافية كشرط في ادارة الاجهزة الامنية، بل لا بد ان تكون هناك ثقافة مهنية لادارة هذه الوزارات بعيدا عن المحاصصة الحزبية حتى تكون مقاومة للضغوط السياسية التي تمارس عليها لتسييس الملف الامني بشكل او باخر، والنقاش في الملف الامني ينسحب الى جهاز المخابرات وجهاز مكافحة الارهاب ووزارة الامن الوطني ومفاصل اخرى. وقد تكون رؤية نائب برلماني آخر بأن الحكومة المقبلة ستكون ضعيفة وتتجاذبها ارادات سياسية مختلفة ومتقاطعة، ومحكومة بأجندات ومشاريع تعكس في جانب منها اجندات خارجية، ومن الصعب جدا ان يتحول مبدأ المحاصصة الى شراكة حقيقية بكل المعايير والاعتبارات، بغياب الثقة، او بعدم بلوغها المستوى المطلوب، وقد تكون تلك الرؤية هي الأقرب الى الواقع في المدى المنظور على اقل تقدير.
واذا كان البعض ينظر الى تأخر تشكيل الحكومة لبضعة أشهر بأنه امر ينطوي على مخاطر كبيرة، فإن البعض الأخر يرى ان هذا التأخر وما تخلله من تجاذبات كان مفيدا لبلورة توافقات تمهد الأرضية لأوضاع مستقبلية مستقرة بمقدار معقول. وكلا الرؤيتين قابلة للنقاش، وتستند الى معطيات ومصاديق واقعية، بيد أن القضية الأهم، أن عوامل الاختلاف وعدم الثقة لا يمكن لها ان تزول وتتلاشى بمجرد الاتفاق على توزيع المناصب العليا، او ابرام اتفاق سياسي معين على جملة امور خلافية. وما يجب التنبه له هنا هو أن جزءا غير قليل من عوامل وأسباب التأزم السياسي خلال الأعوام الماضية ما زال قائما، وسيبقى قائما لوقت آخر، وربما تبرز عوامل اخرى تضاف اليه.
ومبدأ الشراكة الذي يفترض أن تتشكل الحكومة العراقية الجديدة، هو في الواقع الوجه الاخر او النسخة المعدلة لمفهوم المحاصصة بمعناها الكلي والشامل، والتي مثلت الوصفة الفاشلة للنظام السياسي الجديد في العراق، الا في حال أفضت الى توفير أجواء ومناخات سياسية من شأنها ان تخلق استقراراً امنياً يفضي بدوره الى تهيئة المناخات للتطور والنهوض والتنمية في الجوانب الاقتصادية والعمرانية والتربوية والثقافية والصحية.
ويرى رئيس المجلس الأعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم ان الشراكة الوطنية الحقيقية تمثل الخطوة الأساسية والمدخل الصحيح لمسارات النجاح، اذ انها تؤدي بحسب رؤيته الى تكريس وترسيخ الثقة بين الشركاء السياسيين، وذلك يؤدي الى الاستقرار السياسي، والاخير يؤدي الى الاستقرار الأمني الذي من دونه لا يمكن الحديث عن أي مشاريع وخطط للبناء والاعمار في اي مجال من المجالات. ويتفق الكثير من الساسة العراقيين مع هذه الرؤية، ولكن تبقى الاشكالية في تحويل وترجمة النظرية الى واقع عملي على الارض. وفي هذا الشأن يقول القيادي في حزب الدعوة الاسلامية وائتلاف "دولة القانون" علي الاديب "نحن نؤمن بالمشاركة في اتخاذ القرارات، ونؤمن بمشاركة الكتل السياسية الاخرى والبرلمانية في الحكومة المقبلة، لان التوازن في العراق لا يتحقق إلا بمشاركة القوى الأخرى او المكونات الاجتماعية العراقية المختلفة".
وفي الاطار العام وبعيدا عن التفاصيل والجزئيات يعد مبدأ المشاركة الحقيقية والواسعة أفضل وصفة وعلاج للمشكل العراقي، لكن عند الدخول في التفاصيل والجزئيات تطل المشكلات وتطفو الخلافات والتقاطعات على السطح، ومثلما يقولون إن الشياطين تكمن في التفاصيل. فمبدأ الشراكة حتم عدم استبعاد أي طرف أساسي من تشكيلة الحكومة المقبلة، لا سيما "القائمة العراقية" بزعامة اياد علاوي، وذلك حتم تفعيل ما يسمى بالمجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي يبدو أنه سيفصل على مقاسات حجم "العراقية" وشروطها ومطالبها التي لا بد ان تصطدم برؤى ـ او قل بمخاوف وهواجس ـ الشريك او الخصم السياسي. فـ "العراقية" تريده ان يعكس مشاركة حقيقية مع رئيس الوزراء بصناعة القرار وتوجيه شؤون الدولة، و"دولة القانون" او "التحالف الوطني" قد لا يريده كذلك، خصوصا أن اي مشروع يطرح بشأنه لا بد ان يعرض على البرلمان ويخضع للتصويت لاقراره.
ويشير قياديون في "التحالف الوطني "ابتداء الى ان "صلاحيات المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية ستكون تخطيطية وقد تكون رقابية، ولكن بالنسبة لمجلس الوزراء فهو المسؤول عن وضع الخطط والمسؤول عن تنفيذها وهو المسؤول أمام البرلمان حول التنفيذ". ومن المستبعد جدا أن يمر وينتهي الجدل حول المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية بيسر وسهولة. والأمر نفسه بالنسبة للوزارات السيادية المتمثلة بالدفاع والداخلية والخارجية والمالية والنفط، التي تسعى كل واحدة من الكتل المتنافسة الى نيل الحصة الاكبر منها. وبدا واضحا منذ وقت مبكر ان هناك تقاطعات حول آلية تقسيم تلك الوزارات. فهذه الأخيرة هي في الواقع مرتكزات وأطر الملفات الاساسية الحساسة، ملف الامن وملف السياسة الخارجية، وملف الاقتصاد، والنفط على وجه التحديد، ولعله كانت ـ وعلى الارجح ستبقى ـ الملفات المشار اليها أبرز عقد ونقاط الخلاف بين الفرقاء، ومشاركة "القائمة العراقية" في الحكومة وحصولها على مواقع مختلفة ليس بالضرورة أن يهيء الظروف لاستقرار سياسي وامني، بل ربما يحصل العكس.
وينبغي على الحكومة الجديدة أن تحسم قضايا حساسة وخطيرة مثل مجالس الصحوات وقوات البيشمركة الكردية، والنفط وتوزيع الثروات، وترميم العلاقات مع بعض الأطراف العربية والاقليمية وغيرها، وهذه الأمور تحتاج الى وقت طويل حتى تتوصل الكتل السياسية الى توافقات بشأنها، ناهيك عن عشرات القوانين المعلقة وتلك التي في ادراج مجلس النواب. ومثلما يقول البعض إن الوزارات الأمنية والسيادية عموما "تبرز في مقدمة لائحة طويلة من الضرورات التي ينبغي وضعها في النصاب الصحيح لتلافي اي انهيار قد يتعرض له امن العراق".
وربما يكون الملف الامني والوزارات الأمنية الأكثر حساسية وأبرز النقاط الخلافية، ويرهن النائب المستقل صباح الساعدي نجاح عمل الحكومة المقبلة بإبعاد الوزارات الأمنية عن التقاسم الحزبي، ويرى ان ذلك شرطا اساسيا لنجاح الحكومة، كما يعتبر ان الاستقلالية ليست كافية كشرط في ادارة الاجهزة الامنية، بل لا بد ان تكون هناك ثقافة مهنية لادارة هذه الوزارات بعيدا عن المحاصصة الحزبية حتى تكون مقاومة للضغوط السياسية التي تمارس عليها لتسييس الملف الامني بشكل او باخر، والنقاش في الملف الامني ينسحب الى جهاز المخابرات وجهاز مكافحة الارهاب ووزارة الامن الوطني ومفاصل اخرى. وقد تكون رؤية نائب برلماني آخر بأن الحكومة المقبلة ستكون ضعيفة وتتجاذبها ارادات سياسية مختلفة ومتقاطعة، ومحكومة بأجندات ومشاريع تعكس في جانب منها اجندات خارجية، ومن الصعب جدا ان يتحول مبدأ المحاصصة الى شراكة حقيقية بكل المعايير والاعتبارات، بغياب الثقة، او بعدم بلوغها المستوى المطلوب، وقد تكون تلك الرؤية هي الأقرب الى الواقع في المدى المنظور على اقل تقدير.