ارشيف من :آراء وتحليلات

المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية... عقدة اخرى في الأزمة العراقية !

المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية... عقدة اخرى في الأزمة العراقية !

بغداد ـ عادل الجبوري


تواصلت الجلسة الثالثة لمجلس النواب العراقي الجديد الاحد الماضي لعدة ساعات، على غرار الجلستين الاولى والثانية، وخصصت لبحث تشكيل لجان المجلس الاربع والعشرين. ولعل المتابع لهذه الجلسة وسابقاتها يمكن ان يستشعر حرص هيئة رئاسة البرلمان على الابتعاد، وابعاد النقاش عن موضوع المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية، الذي ولد عبر اتفاق سياسي لانهاء ازمة تشكيل الحكومة بين رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، ورئيس الوزراء الحالي ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس القائمة العراقية اياد علاوي. بل واكثر من ذلك يبدو ان هناك خطا احمر على هذه الموضوع، رسم من قبل قادة الكتل السياسية.

تجنب طرح الموضوع، مع انه أكثر المواضيع أهمية، يعكس حساسيته، وادراك مختلف الفرقاء السياسيين ان طرحه على طاولة البحث يمكن ان يفجر الموقف، ويعيد الأمور الى المربع الاول. وتلوح في الافق السياسي العراقي مؤشرات تتباين في وضوحها على ان المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية سيكون العقدة الأخرى بعد عقدة رئيس الوزراء التي ستعرقل مسألة تشكيل الحكومة خلال ثلاثين يوما من تاريخ تكليف رئيس الجمهورية لمرشح الكتلة النيابية الكبرى، ولا يستعبد ان تدخل العملية السياسية في متاهات جديدة.

واذا كان هناك اتفاق سياسي يقضي بتشكيل المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية، فإن ذلك لا بد ان يتم من خلال مجلس النواب، وهذا يتطلب طرح مشروع المجلس الذي يحدد وظائفه وصلاحياته ومهامه وهيكليته، وموقعه بين السلطات العليا في البلاد ـ التنفيذية والتشريعية والقضائية ـ وطبيعي أن موضوعا كهذا سيخضع الى كثير من الجدل والسجال بين نواب البرلمان، ومن غير الممكن ان يحسم بجلستين أو ثلاث أو حتى أربع جلسات، كما هو الحال مع مشاريع قوانين سابقة اذا ما حسمت بعد وقت، او بقيت معلقة. والاشارة التي أطلقها رئيس القائمة العراقية والمرشح الوحيد لشغل منصب رئيس المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية اياد علاوي في الحوار الذي اجرته معه قناة (أي.ان.بي) اللبنانية مؤخراً، حملت دلالات مهمة حينما اكد "ان المعركة السياسية لم تنته، وان الفصل الأهم هو عدم تنازلنا عن الشراكة، وهو ما سيتبلور في الأيام المقبلة، وان الصفحة السابقة هي مصادرة الاستحقاق الانتخابي، والآن تجري محاولة مصادرة الشراكة الوطنية".

ليست هذه هي الاشارة الوحيدة التي أطلقتها القائمة العراقية، بل إن إشارات أخرى لاحت في الافق خلال الاسبوعين الماضيين، فالنائبة عالية نصيف أشارت بوضوح الى أنه إذا تم الدفع باتجاه جعل المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية استشاريا وحسب، فسيكون هناك كلام آخر للقائمة العراقية. في حين صرح نواب آخرون من نفس القائمة أنه اذا لم يمنح المجلس الوطني سلطات وصلاحيات تنفيذية حقيقية، فإن الامور لن تسير على ما يرام، لأن ذلك يعد اخلالا بالاتفاقات السياسية المبرمة.

فالقائمة العراقية تريد أن يكون المجلس الوطني سلطة الى جانب السلطات الثلاث وأن يتمتع بصلاحيات تنفيذية يسحب البعض منها من صلاحيات رئيس الحكومة، وتريد في ذات الوقت ان لا يخضع المنصب لنظام المحاصصة عبر احتساب النقاط. في مقابل ذلك فإن مقربين من رئيس الوزراء نوري المالكي وأعضاء في ائتلاف دولة القانون يذهبون الى أن اقرار المجلس الوطني لا يمكن ان يتم الا عبر بوابة البرلمان، وأنه في الإطار العام سيكون استشاريا، وسيخضع لنظام احتساب النقاط حاله حال المناصب الأخرى كرئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة والوزارات.

وفي الوقت الذي يسعى التحالف الوطني، أو الجزء الأكبر منه الى انجاز مهمة تشكيل الحكومة بأسرع وقت، وترك موضوع المجلس الوطني واسقاط اجراءات المساءلة والعدالة عن اربعة قياديين من القائمة العراقية، هم صالح المطلك وراسم العوادي وظافر العاني وجمال الكربولي، للبحث والنقاش في مجلس النواب والكواليس السياسية الاخرى، تصر "العراقية" على حسم المجلس الوطني والتوافق عليه بالكامل على ضوء اتفاق البارزاني ـ المالكي ـ علاوي قبل الدخول بعملية تشكيل الحكومة.

ويبدو ان هذه النقطة الخلافية ستلقي بظلالها على المشهد السياسي، وخصوصا أن العقدة الحقيقية للأزمة تتمثل بانعدام أو ضعف الثقة بين بعض الفرقاء السياسيين، وذلك قد يفضي الى حل وسط يتمثل بتصويت البرلمان على حكومة المالكي وعلى مشروع المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية بما يرضي "العراقية"، ويجعلها تتعاطى ايجابيا مع الحكومة المقبلة. وهذا الحل الوسط الذي من المحتمل ان يكون الخيار الذي لا بد منه لتجنب الطرق الموصدة، ليس بالأمر الجديد على الوضع السياسي العراقي، فعدة قوانين مهمة لم يكن من الممكن حسمها من قبل البرلمان السابق الا بحلول وسط وعبر صفقة واحدة، كما حصل مع قانون الموازنة عام 2009 وقانون المساءلة والعدالة وقانون مجالس المحافظات. ولكن هل من الممكن ان يتبلور وينضج الحل الوسط خلال ثلاثين يوما من تاريخ تكليف المالكي بتشكيل الحكومة الذي من المقرر ان يعلنه الطالباني الخميس المقبل، الخامس والعشرين من نوفمبر الجاري؟.. ربما يبدو ذلك مستبعدا الى حد ما.


2010-11-24