ارشيف من :أخبار لبنانية
دراسة قانونية: محققو الشاباك فوق القانون ؟
بقلم: نبيل دكور(*)
نفتتح هذه المقالة بمقطع مُقتبس من مقابلة صحفية مع أرييه روتر، المستشار القانوني السابق للشاباك، كانت قد نُشِرت في صحيفة "مكور ريشون" الإسرائيلية، في تاريخ 18.2.2002، حول أساليب التحقيق القاسية التي يستخدمها محققو الشاباك: "قال لي شبتاي زيف، بعدما عرفت أني تًعّينت خلفا له: هل تذكر الإلتماس الذي قُدِم للمحكمة العليا ضد أساليب التحقيق؟ عليك أن تسافر الى القدس لأن المحكمة العليا ستبت في ذلك غدا. لم أكن أعلم ما سوف يحدث في جلسة المحكمة حتى آخر لحظة قبل بدئها، وإذ بالقاضي المسمى ماتسا يقرأ قرار المحكمة. فهمتُ مباشرة أن المحكمة أبطلت كل ما كان قائم حتى ذلك الوقت. كان ذلك صدمة بالنسبه لي. خرجت من قاعة المحكمة واتصلت هاتفيا مع جهاز الامن العام، طلبت منهم جميعا أن يخرجوا من جلساتهم وقلت لهم يا أصحابي هناك قرار يلزمنا أن نتوقف حالا عن ممارسة كل ما قمنا به في مراكز التحقيق. وفعلا أوقفنا ذلك وعَطّل هذا الشيء نشاطنا في البداية. لكني أعتقد اليوم أن الأمر لم يكن صعبا لأننا ابتكرنا أساليب وطرق أخرى بديلة أكثر حنكة".
ليست هذه المقالة سوى محاولة للإجابة على سؤال: هل يمكن، حسب القانون الإسرائيلي ملاحقة محققي الشاباك قانونيا وبالتالي محاكمتهم لإستخدامهم التعذيب والتنكيل بحق معتقلين أثناء التحقيق؟!
في البداية وقبل الخوض في الرد على على ذلك لا بد من التطرق وبشكل مسبق للتعريف القاوني -الدولي والاسرائيلي- لمصطلح "التعذيب".
في سنة 1991 صادقت اسرائيل على "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبه القاسية او اللاانسانية او المهينة" وتُعرِّّف هذه الاتفاقية الدولية "التعذيب" في الماده رقم (1) كما يلي: "أي عمل يتم بموجبه أيقاع ألم شديد أو معاناه سواء كانت بدنية أم نفسية، يلحق عمدا بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث معلومات أو إعتراف أو معاقبتة على عمل إرتكبه هو او شخص ثالث، او تخويفه أو ارغامه هو أو شخص ثالث". كما وتفرض هذه الاتفاقية (المادة 2) حظرا تاما على استخدام التعذيب أو التنكيل (معاملة قاسية و/او مهينة و/او لا انسانية) ولا تسمح للدول بتجاوز هذا الحظر في أي ظرف كان حتى في ظروف وحالات قاهرة وطارئة كالحرب او عدم استقرار سياسي. ان المسؤولية في حالة انتهاك الحظر ليست فقط على الدولة بل ايضا على من يرتكب ذلك وهو معرض للمحاكمة في بلده أو خارجها ( الماده 4 و5).
أما على صعيد القانون المحلي، فمن الجدير ذكره أنه ليس هناك مادة قانونية إسرائيلية مستقله تُعَرف "التعذيب" بشكل محدد ومباشر، والسبب في ذلك هو أن المشرع الإسرائيلي اختار، حتى الان، عدم الإلتزام بالإتفاقية الدولية وعدم سن قانون جنائي يحرم التعذيب كجرم محدد ومنفصل مطابق للتعريف الوارد بالاتفاقية أو متماشيا معه على الاقل. وعلى الصعيد القضائي فقد تجنب القضاء العالي الاسرائيلي الخوض مباشرة في صلب تعريف مصطلح "التعذيب" كما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة أعلاه ويظهر ذلك بشكل جليّ ومعمق في حكم هام ومفصلي أصدرته محكمة العدل العليا في أيلول 1999 بكامل هيئتها القضائيه (تسعة قضاة) في التماس قدمته (عام 1994) اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في اسرائيل ضد رئيس حكومة اسرلئيل وجهاز الامن العام وفي التماسات اخرى لمنظمات حقوق انسان وآخرين حيث طولبت المحكمة العليا باصدار أوامر تحظر على محققي الشاباك من إستخدام أساليب ووسائل تعذيب أثناء التحقيق. لكن ما يجدر ذكره هنا انه وِفقاً لهذا الحكم تقرر بالإجماع أن التحقيق الذي يتخلله تعذيب أو تنكيل أو اذلال وتحقير يُعتبر غير معقول وبالتالي فهو محظوروكذلك ايضا التحقيق الذي يتخلله استخدام طرق ووسائل قد تُسبّب ألماًَ. هذا هو ذاته قرار المحكمة الذي تطرق إليه المستشار القانوني السابق للشاباك في المقابلة الصحفية كما ورد في المقدمة أعلاه.
بعدما وقفنا على المفهوم القانوني لِِمصطلح "التعذيب"، يُطْرَح السؤال: هل يقوم فعلاًََ محققو الشاباك بتعذيب المعتقلين؟ بكلمات أخرى، هل يقوم محققو الشاباك باستعمال أساليب تحقيق عنيفة وقاسية بدنيا ونفسيا ينطبق عليها تعريف "التعذيب" أعلاه؟ الجواب هو نعم، يقوم جهاز الشاباك باستخدام التعذيب وبممارسة أساليب تحقيق قاسية ومؤلمة تمس بسلامة وبكرامة الذين يتم التحقيق معهم من أجل النيل من إرادتهم وانتزاع اعتراف منهم، ويشهد على ذلك مئات الشهادات والإفادات الحية التي أدلى بها معتقلون أمنيون وسياسيون في العقد الأخير أمام منظمات حقوق انسان التي قامت بدورها برفع شكاوى لفتح تحقيق جنائي ضد رجال المخابرات فضلا عن نشر تقارير لفضح ممارسات التعذيب في أروقة التحقيق.
( أنظروا تقرير أعدته اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في اسرائيل وقامت بنشره في شهر ديسمبر 2009 يحمل عنوان "دون المستوى" حيث يبحث التقرير موضوع الحصانة التي يتمتع بها محققي الشاباك ويشير الى تقديم ما يقارب 600 شكوى منذ عام 2001 ولم يفتح بهن أي تحقيق جنائي ضد محققي الشاباك على استخدامهم التعذيب. وتقرير آخر صدر سنة 2007 عن المنظمتين الاسرائيليتين "هموكيد" و"بتسيلم" واستند الى إفادات أدلى بها 73 معتقلا فلسطينيا سجنوا في الفترة الممتدة بين تموز من عام 2005 الى آذار من عام 2006. واتهم التقرير الجهاز القضائي الإسرائيلي بالتغطية على جرائم التعذيب، مشيرا الى أن المعتقلين الفلسطينيين قدموا 500 شكوى منذ عام 2001 ضد محققي جهاز الشاباك، لكن لم يتم فتح تحقيق في أي من هذه الشكاوى).
من حيث نوعية وخصوصية الوسائل والأساليب التي يقوم محققو الشاباك باستخدامها للتعذيب فكما تَبيّن من إفادات وشهادات مئات المعتقلين يمكن فرزها الى صنفين: الاعتيادية والخاصة.
من الأساليب الاعتيادية (الدارجه) التي يتعرض لها غالبية المعتقلين والتي تهدف غالبا تحطيم معنوياتهم وبالذات عندما يتعرض لها المعتقل متراكمة ومندمجة ببعضها، يُذكر:
الانقطاع عن العالم الخارجي ومنع اللقاء مع محامي، العزل في زنزانة خانقة تفوح منها روائح كريهة، تكبيل الأيدي إلى الخلف من وراء مسند كرسي التحقيق بصورة مؤلمة على مدار كل ساعات النهار، التحقيق مع المعتقل وهو في هذه الوضعية لمدة أسابيع، السماح للمعتقل أن يخلد للنوم في ساعات متأخرة ليلاً لأوقات قصيرة على فرشة رقيقة وقذرة، داخل زنزانة ضيقة مُضاءة ليلا ونهارا بنور باهت مُتعب للنظر، اللّطم، الركل والضرب، البصق والشّتم والتهديد وإستعمال كلمات وألفاظ نابية، إعتقال الأقارب كوسيلة ضغط، التنكيل على يد أسرى ومعتقلين متعاونين "العصافير".
بالنسبة لأساليب التعذيب من الصنف الخاص، يُستدل من الإفادات الواردة أمام منظمات حقوق الانسان التي تعنى بمناهضة التعذيب والتنكيل أن هناك أنماط خاصة قاسية يستخدمها المحققون بشكل متكرر، بالاضافه للأساليب الإعتيادية، وذلك في حالات خاصة يَدّعي المحققون ضرورة إستخدامها لما يحمل المعتقل من معلومات خطيرة وعاجلة، أهمها:
حرمان المشتبه به من النوم لمده طويلة تزيد عن يوم، استعمال القيود بصورة مؤلمة وشدها لدرجة تمنع سريان الدم، أسلوب الهز- يقوم المحقق بشد الجسم إلى الامام ثم دفعه الى الوراء مرة تلو الاخرى من خلال الامساك بالصدر حيث الأيدي مكبلة بمسند الكرسي الى الخلف، طي الجسم بشكل قوس على مقعد بدون مسند وتسمى هذه الوضعية "الموزة"، اجبار المعتقل على جلوس القرفصاء على اطراف اصابعه المصحوب بالدفع وتسمى هذه الطريقة "بالضفدع"، التعرض للبرد بشكل متواصل عن طريق عزل المشتبه به مكبل اليدين والرجلين في غرفة صغيرة يعمل فيها مكيف لتبريدها بشكل شديد طوال النهار، شد الذراعين الى الوراء ووضعهم عل طاولة حيث اليدين مكبلات الى الخلف، تسليط ضوء ساطع على العينين، التعرّض للموسيقى الصاخبة بشكل متواصل مما يؤثّر على الحواس.
ان ما ورد أعلاه من أنماط خاصة لطرق تحقيق قاسية والتي لوحظ استخدامها مراراً وتكرارا ليس إلا ّ على سبيل الذِّكْر لا الحصر. فقد تبين من افادات بعض المعتقلين الذين تم التحقيق معهم انهم عُذبو بأساليب خاصة لا تقل قسوة لكنها لم تتكرر مع غيرهم أو لم تُذكر على الأقل في إفادات معتقلين آخرين، منها:
شَبْح المعتقل على ظهره على سرير من الباطون وفتح الذراعين والرجلين الى الجانبين باتجاه زوايا السرير وتكبيل كل يد وكل رجل بحديده مُثبتة بزاوية السرير، إبقاء المعتقل في هذه الوضعية لمدة أيام حيث لا يسمح له بقضاء حاجته ويقدم له الغذاء مرة في اليوم وهو في نفس الحالة، إصطحاب المعتقل بشكل مفاجئ معصب العينين ومكتوف الأيدي الى مركز سري ومجهول بعيدا عن سجنه وضربه بشكل مبرح بالمسدسات والأرجل، من قبل أشخاص لم يرهم من قبل، حتى درجة الأغماء وفقدان الوعي، وخز كف يد المعتقل بأظفر حاد بإصبع المحقق، ضرب المعتقل بما يسمى "ضربة جافة" لا تترك أثرا واحيانا على الأعضاء التناسلية، زج المعتقل مع سجناء جنائيين الذين يعتدون عليه باشكال عدة.
من الجدير ذكره في هذا السياق وحسب تقارير صادرة عن عدة مراكز لدراسة شؤون الأسرى الفلسطينيين أن حوالي 170 أسيرا فلسطينيا قد أستشهد، منذ عام 1967، تحت التعذيب في دهاليز السجون الاسرائيلية.
نعود إلى الموضوع الأساس الذي تحاول مقالتنا بحثه وهو: هل يمكن ملاحقة محققي الشاباك قانونيا ومحاكمتهم لإرتكابهم التعذيب بحق الذين يتم التحقيق معهم؟ ألا يجوز تقديم شكوى ضد محققي المخابرات لإنتهاكهم كرامة المعتقل وحقه الطبيعي والأساسي بسلامة بدنه؟ أليس من حق كل معتقل ان لا يتمّ الاعتداء عليه وتعذيبه او التنكيل به؟ أليس حال محققي الشاباك كحال كل موظف دولة يمكن محاكمته حين يرتكب جرم أثناء تأدية واجبه؟ هل محققي الشاباك يتمتعون بحصانة خاصة ولا يُطبّق عليهم مبدأ المسؤولية الجنائية؟ هل محققو الشاباك فوق القانون؟!
في الحقيقية، إن القانون الاسرائيلي بوضعه الحالي ليس فقط لا يحمِ المعتقلين من التعذيب اثناء التحقيق معهم لا بل يوفر للمحققين التغطية والحماية الكافية من ملاحقتهم قانونيا.
رغم أن التعذيب حُرٌِّم بشكل مُطلق في القانون الدولي (العرفي والانساني والعهود الدولية) وبالذات في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها اسرائيل منذ 1991 إلاّ ان القانون الاسرائيلي الداخلي لم يتبَنّ بعد ما تنص عليه هذا الاتفاقية. ليس هناك مادة قانونية جنائية اسرائيلية منفصلة تحظر من إرتكاب جرم يُدْعى "تعذيب" الأمر الذي يتعارض مع المتطلبات المنصوص عليها في المادة رقم (4) للإتفاقية. أن قانون العقوبات الإسرائيلي يشمل نصوص ومواد تنهي عن القيام بأعمال إجرامية كإستعمال القوه أوالعنف أو الضغط على يد موظفي السلطة ولكنه لا يتضمن ذلك مواد ونصوص تخص جرم "التعذيب" بشكل محدد.
على صعيد القضاء الإسرائيلي، فرغم أهمية الحكم الهام والمفصلي (المذكور أعلاه) الذي أصدرته محكمة العدل العليا سنة 1999 والذي بحسبه تقرر، من جملة ما تقرر، بإجماع تسعة قضاة، أن كل عملية تحقيق يتخللها تعذيب أو تنكيل أو اذلال وتحقير تعتبرغيرمعقولة وبالتالي يجب تحريم هذا النوع من التحقيق (بناءً عليه أمرت المحكمة بإلغاء أربعة طرق تحقيق قاسية)، ورغم ان قرار الحكم أبطل كليا توصيات "لجنة لنداو" التي سمحت للمحققين إستخدام وسائل ضغط معقول على المعتقلين اثناء التحقيق، إلا أن هذا الحكم أتاح للمحققين إستخدام ما يسمى "وسائل تحقيق بدنية" في الحالات الخطرة (القنبلة الموقوتة) حيث هناك "ضرورة للدفاع" عن حياة آخرين من خطر داهم. هذا الأمر يتعارض كليا مع مبدأ الحظر المُطلق على استخدام التعذيب المنصوص عليه في المادة (2) للإتفاقية والتي بحسبها لا يجوز تبرير التعذيب بأي ظروف إستثنائية مهما كانت.
لقد استغل محققو الشاباك هذه الثغرة في قرار الحكم حيث اعتبروها تصريح ضمني يُتيح لهم استخدام وسائل وأساليب تحقيق بدنية قاسية ضد كل من يتم التحقيق معه بقضايا أمنية بحجة خطورة الموقف وكون الحالة "قنبلة موقوتة" وبذريعة أن "وسائل التحقيق البدنية" لم تكن ألاّ "نتيجة ثانوية" لإحتياجات التحقيق. في هذه الحالة يوصي المستشار القصائي للحكومة بإغلاق الشكوى ضد المحققين لتوفر الحجة الدفاعية لديهم (قنبلة موقوتة) التي تعفيهم من الملاحقة قانونيا.
بمُقْتضى المادة 49 ط1. (أ) لقانون الشرطة (تعديل رقم 12، سنة 1994) يمكن رفع شكوى ضد محققي الشاباك لإرتكابهم مخالفات أثناء مزاولة عملهم إلى المستشار القضائي للحكومة المُخوّل بدوره بتحويل الشكوى الى وحدة التحقيق مع رجال الشرطه ["ماحش"] لفتح تحقيق فيها. في تقرير للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل الذي ُنشر في ديسمبر 2009 (الذي أشرنا أليه أعلاه) وحسب معطيات أعلنتها الدولة نفسها، تبين انه قُدمت منذ العام 2001 أكثر من 600 شكوى عن حالات تعذيب أرتكبها محققي جهاز الأمن العام، دون أن يُفتح في أي منها تحقيق جنائي ضد المحققين. وفي خلاصه أساسية توصل اليها هذا التقرير تبين أنه لا يوجد في إسرائيل جهاز حقيقي للتحقيق في الشكاوي عن حالات تعذيب. كما وأشار التقرير أن هذه الحقيقة تخلق نوع من الحصانة المطلقة لمحققين ارتكبوا مخالفات جنائية خطيرة وهذا ما يشكل عمليا موافقة بل وتشجيعا من جهاز تطبيق القانون لعمليات التعذيب التي تتم في غرف جهاز الأمن العام.
ومن الأمور التي تَحْدُث ايضا، حسبما ما ورد بالتقرير، أنه بدلا من ان يَُفتح تحقيق جنائي في شكاوي التعذيب يتم فحص الشكاوى بأيدي موظفي جهاز الشاباك، لدى ما يسمى مراقب شكاوي المستجوَبين. يقدم الأخير توصياته القاضية بإنهاء التحقيق دون تحويل أي منها للتحقيق الجنائي. هذه السياسة تحظى دون استثناء بمصادقة المدعي العام المسؤول عن مراقب الشكاوى في نيابة الدولة ولدى المستشار القضائي للحكومة. وهكذا فإن المستشار القضائي للحكومة والعاملون من طرفه يمنحون شرعية شاملة للتعذيب في إسرائيل. يخلص التقرير ويشير إلى واقع غير مقبول حيث تساعد الأجهزة القضائية العليا في إسرائيل، بشكل منهجي ومباشر في منع إجراء تحقيقات جنائية ضد متهمين بالتعذيب وهذا يشكل انتهاكاً واضحاً للواجب القانوني المفروض على سلطات تطبيق القانون لفتح تحقيق كلما قدمت شكوى حول جرائم خطرة وانتهاكاً لتعهدات اسرائيل تجاه القانون الدولي.
ما يساهم ايضا في حماية مُنفّذي التعذيب ويسهل عليهم تنفيذ مآربهم - الأمر الذي يحظى بدعم ملحوظ من قبل محكمة العدل العليا - هو تخويل محققي المخابرات صلاحية منع اللقاء بين المشتبه به وبين محاميه لمدة اسابيع وإعفائهم من ضرورة توثيق التحقيقات بالصوت أو بالصورة.
ضف إلى ذلك كله الحصانة القانونية التي بدأ يتمتع بها محققي الشاباك منذ عام 2002 بعدما سن الكنيست قانون خدمات الأمن العام الذي جاء أصلا لينظم مبنى وصلاحيات جهاز الأمن. فوفق الماده 18 لهذا القانون لا يمكن تحميل موظفي الجهاز أي مسؤولية جنائية كانت أو مدنية على أعمال قاموا بها بقصد سليم وبشكل معقول اثناء تأدية واجبهم. من الواضح جدا ان حسب هذا القانون الذي يعفي المحققين من المسؤولية الجنائية قد بات من المستحيل محاكمة محققي الشاباك وبالتالي معاقبتهم لاستخدامهم أساليب تعذيب أي كانت.
تحدياً لسياسة وأد الشكاوى ضد محققي الشاباك المُتّبعة لدى نيابة الدولة والمستشار القضائي للحكومة وبالذات لما يتمتع به هؤلاء المحققين من حصانة نتيجة لتلك السياسة، قامت اللجنه العامة لمناهضة التعذيب في اسرائيل مؤخراً (بواسطة أحد محامي طاقمها القانوني كاتب هذه المقالة)، كمحاولة جادة لملاحقة المحققين قانونيا، بتقديم التماسين الى محكمة العدل العليا لألزام المستشار القضائي للحكومة (إستنادا على الصلاحية المخولة له حسب بند 49ط1.(أ) لقانون الشرطه) بفتح تحقيق جنائي ضد محققين من جهاز الشاباك وبالتالي مقاضاتهم لاستخدامهم التعذيب بحق معتقلين فلسطينيين أثتاء التحقيق معهم في سجني الجلمة والمسكوبية في القدس. وقد استند الإلتماس على عدة ادعائات قانونية، أهمها: ينبغي على الشرطة ذات الاختصاص ("ماحاش") فتح تحقيق جنائي بشكوى ضد محققي الشاباك كأي شكوى أخرى تُقدم للشرطة لكون الأفعال لتي ارتكبوها المحققون بحق المعتقلين من نوع "جرم"، الخطوره الجمه للأفعال التي قام بها المحققون وبالذات حقيقة توفّر أدلة دامغة (وثائق طبية مثلا) التي تُثبت أرتكابهم لهذه الأفعال تستدعي تحويل الشكوى مباشرةً للتحقيق الجنائي، المصلحة العامة تفرض على السلطات القضائية تطبيق القانون دون تمييز، لذا على كل من يرتكب جرم الخضوع للتحقيق الجنائي حتى لو كان محقق مخابرات، مجرد انتهاك حقوق دستورية وأساسية للمعتقلين أثناء التحقيق معهم كالحق في الكرامة والحق بسلامة البدن يُلزم محاكمة المسؤولين عن هذا الإنتهاك، الإجراء الذي تقوم به نيابة الدولة أي فحص الشكوى التي يتقدم بها ضحايا التعذيب ضد محققي الشاباك على يد مراقب شكاوى (موظف شاباك) يتعارض كليا مع تعليمات الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها اسرائيل ومع توصيات الهيئات الدولية المنبثقة عن هذه الاتفاقية التي تأمر بفتح تحقيق جنائي مباشرة بعد تقديم شكوى التعذيب وعلى يد هيئة تحقيق مستقلة.
دفاعا عن المستشار القضائي للحكومة، قامت نيابة الدولة بتقديم طلبات للمحكمة لرفض التداول بالالتماسين وطالبت ردهم بأدعائات مختلفة إلا أن المحكمة قررت سماع أقوال وادعائات الملتمسين وعليه عينت المحكمة مواعيد جلسات للبت بالإلتماسين أمام هيئة مكونة من ثلاث قضاة.
في الختام، رغم معرفتنا المسبقة لإمكانية النجاح الضئيلة جداً للقضية وتوقعاتنا للمصير غير المرضي الذي ينتظرالإلتماسين، ويعود ذلك للأسباب القانونية التي تتناولها المقالة، لكن مما لا شك فيه، أنها المرة الأولى التي يُقَدم فيها إلتماس إلى محكمة العدل العليا في اسرائيل لإصدار أوامر لتحويل محققي شاباك لتحقيق جنائي ولربما لمقاضاتهم فيما بعد، لإرتكابهم جرائم تعذيب بحق معتقلين فلسطينيين. لذا سوف يشكل هذا الأمر محكا للمحكمة العليا وتحديا لها للبت في قضايا حساسة وهامة جدا كهذه.
(*) محام يعمل في منظمة "اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل" وناشط في الدفاع عن حقوق المعتقلين والأسرى الفلسطينيين.
المصدر: شبكة الانترنت للإعلام العربي، امين.