ارشيف من :أخبار لبنانية
بين الاعتبارت الدينية و الظرف السياسي: الولايات المتحدة والشرق الاوسط
قد يتّفق كثيرون حول فكرة أنّ الولايات المتّحدة، وهي من الدّول المهيمنة في مجال العلاقات الدوليّة، يصعب فصل أدائها السّياسيّ عن مجموعة من العناصر المتّصلة بالعقيدة والدين. فإنّ فترة الحكم الّتي قامت في عهد الرّئيس جورج وولكر بوش برزت وكأنّها أكثر الإدارات الأمريكية المتأثّرة بالمعتقدات الإنجيليّة وما تبعها من قناعة وإيمان بفكرة تفوّق الحضارة الأمريكيّة بل والغربيّة بشكل عام على سائر الثّقافات والشعوب الأخرى.
تبيّنت هذه الخصوصيّة عبر السّياسات الّتي طوّرتها إدارة بوش المتمثلة في إيذاء بعض دول العالمين الإسلامي بشكل عام والعربي بشكل خاص.
فقد قُدِّمَ الهجومان على أفغانستان في عام 2001 وعلى العراق في عام 2003 وكأنّهما ينبعان من واجب أمريكي قائم على ضرورة مكافحة الإرهاب والتطرّف ونشر النماذج الديموقراطيّة عبر اكبر قدر ممكن من البلاد والشعوب، غير أنّ هذه الطموحات لم يسعى الرّئيس بوش إلى فصلها من اعتبارات دينيّة بحتة.
قد نجد بعض الأدلّة على ذلك حينما نشاهد لجوءه المتكرّر إلى عبارات إنجيليّة، وتركيزه على تصنيف العالم من منطلق تواجد قوّتي الخير والشرّ ضمنه، بالإضافة إلى إصراره على بدء معظم اجتماعاته مع أعضاء إدارته بأداء صلاة رسميّة.
ولكنّنا قد نكون من المخطئين إذا ظنننا أنّ ما قيل عن عهد توظيف الولايات المتّحدة للشّؤون الدينيّة لدواعٍ سياسيّة قد ولد مع رئاسة جورج بوش.
ظهر منذ زمن بعيد هذا النوع من التّساؤلات ولكن دون أن تتّفق أغلبيّة معيّنة من الباحثين أو المراقبين على تقديم إجابة جذريّة له.
فيبقى إذاً السّؤال مطروحاً اليوم: هل تلعب القناعات الدّينيّة دور البوصَلة الّتي يستعين بها الأمريكان لتحديد خطواتهم في الشرق الأوسط كما في باقي أنحاء العالم، أم أنّها على العكس مجرّد عناصر ذاتيّة وشخصيّة ليس بمقدارها تعدّي الاعتبارات والمصالح القوميّة الأمريكية كما يراها أهمّ من يحرص على سلامة البلاد؟
فبالرغم من أنّ المستكشف الأمريكيّ جون لِديارد يعرّف بأوّل من رحلوا من الأراضي الأمريكيّة إلى الحوض المتوسّط وأعربوا عن تمسّكهم بلمس وفهم المجتمعات المتواجدة في هذه المنطقة، غير أنّه تجدر الإشارة إلى من كان أكثر قدرةً آنذاك على التعمّق بشؤون الأراضي ذات الأغلبيّة العربيّة والإسلاميّة ما هي إلا البعثات البروتستانتيّة.
فقد كانت غاية هذه البعثات واضحة إذ أنّها كانت تتكلّم عن تمسّكها بإرشاد سكّان الحوض المتوسّط وإهدائهم إلى "صراط مستقيم" مبنيّة على قناعاتهم الإنجيليّة. ولم تكن غايتهم هذه متركّزة على هذه القاعدة السّلوكيّة فحسب، بل كان هؤلاء المبشّرون يسعون أيضاً إلى تهيئة الظّروف لاستقبال المسيح الّذي كانوا يعتقدون وما يزالون بأنّه سيعود يوماّ على الأرض كي يبشّر بقرب انتهاء الحياة الدنيا.
وهذه القناعة كانت إذن تفرض عليهم السّعي لحماية شؤون الجاليات المسيحيّة المتواجدة في المنطقة وتشجيع أكبر قدر من المسلمين على اعتناق البروتستانتية، بالإضافة إلى تحبيذ وجود مكثّف لهم في المدن والمناطق المعروفة بطابعها الدّينيّ المعترف عليه في كتاب الإنجيل، وهذا ما قادهم إلى التّركيز على مدن ومناطق تتواجد اليوم في دول كلبنان وسوريا وإسرائيل والأراضي الفلسطينيّة. وكان من أوّل هؤلاء المبشّرين ويليام برادفورد وليفي بارسونس، وكان يعدّ هذا الأخير من أشدّ البروتستانت المقتنعين بأنّ أراضي فلسطين يجب أن يعترف عليها كأرض صهيون.
من هذا المنطلق، قد لا يكون من المبالغ به بتاتاً إذا اعتبرنا أنّ ليفي بارسونس يأتي بمثابة أوّل المبشّرين البروتستانت الّذين أعربوا رسميّاً عن قناعتهم بأنّ الحركة الصّهيونيّة -والّتي ستبرز بعد مضيّ قرابة ثمانين عاماً على وفاة بارسونس- هي حركة مشروعة على الصّعيدين السّياسي والدّيني على حدّ سواء.
ولكن، وعلى الرّغم من خلو هذه البعثات البروتستانتيّة من أيّ توظيف وتحبيذ رسميّ لها من قبل الإدارات السّياسيّة الأمريكيّة المتتاليّة في تلك الأيّام، يجدر أيضاً لفت الانتباه هنا إلى أنّ الطّابع الدّيني للشّرق الأوسط الّذي تعارفت عليه الأناجيل وَرَدَ أحياناً على لسان بعض السّياسيّين الرّسميّين في لولايات المتّحدة. ومن الأمثلة على ذلك جون آدمز وهو ثاني رؤساء الولايات المتّحدة الّذي أفصح لموردكاي نوا الّذي كان آنذاك القنصل الأمريكيّ في تونس عَمّا يلي: "أتمنى فعلاً لو كان باستطاعة اليهود أن يكوّنوا مجدّداً قواماً مستقلّاً في يهودا".
ومن هنا تأتي مسألة نشوء دولة إسرائيل، الّتي أقرّت بها الجمعيّة العامّة لمنظّمة الأمم المتّحدة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1947، وماهية الدعم الأمريكيّ لهذا المشروع. تتواجد وجهتا نظر فيما يتعلّق بالأسباب الّتي قادت الولايات المتّحدة على الضّغط على بعض الدّول من أجل إجبارها على التّصويت لما سمّي آنذاك بـ"خطّة تقسيم فلسطين"، إذ أنّ البعض بات مقتنعاً بأنّ هذا التّحبيذ بُني أساساً على نوايا استراتيجيّة متّصلة بسعي واشنطن إلى إيجاد دولة غير عربيّة وغير مسلمة في المنطقة يكون بوسعهم الاعتماد عليها للدفاع عن مصالحهم ونواياهم الإقليميّة، بينما يظنّ آخرون أنّ موقفهم من القضيّة الفلسطينيّة تسوده اعتبارات دينيّة وإيديولوجيّة يعود أصلها إلى تأثير "الفكر البروتستانتي" بالدّيانة اليهوديّة وما يرد فيها من تأكيد على أنّ إحياء دولة إسرائيليّة سيعجّل من عودة المسيح إلى الكون.
وهي اعتبارات أضاف إليها البعض تفسيراً آخر وهو ما يسمّى باللوبي اليهودي وقدرة تأثيره على السّياسة الأمريكيّة في الشرق الأوسط. فيبقى السّؤال هنا واحداً: من السّياسة أو من الاعتبارات الدّينيّة كان له أكبر دور في إقناع الولايات المتّحدة بضرورة إيجاد دولة عبريّة ذات قيادة وأغلبيّة يهوديّة في منطقة الشّرق الأوسط؟
قد يرى كلّ من تعمّق في تفاصيل واعتبارات السّياسة الأمريكيّة في الشّرق الأوسط أنّ دعم أمريكا لخطّة تقسيم فلسطين وخلق دولة إسرائيليّة كانت ماهيَّته سياسيّة أكثر بكثير ممّا هي دينيّة. وترد أدلّة عدّة على ذلك، منها مواقف الرّؤساء الأمريكان الّذين تتالوا منذ نشأة الحركة الصّهيونيّة في عام 1897 إلى سنة 1947، وصمتهم الرّسميّ حول ما يتوجّب أخذه من مواقف حيال سعي بعض اليهود إلى إقامة ملاذ لجاليتهم ضمن العالم العربيّ.
ومنها الطّريقة الّتي عومل بها كلّ من الصّهاينة الرّاغبين في كسب واشنطن إلى جانب مشروعهم وقد تفاجؤوا بعدم رغبة الأمريكان في الاستجابة لمطالبهم، وذلك بالإضافة إلى الآلية المتعلّقة بسبل اتخاذ القرارات على السّاحة السّياسيّة الأمريكيّة. إذ عرف آنذاك عاملو ومسئولو وزارة الخارجيّة الأمريكيّة بمعارضتهم الشّديدة للمشروع الصّهيوني وما كان يشكّله من عقبات أمام سعي الولايات المتّحدة إلى إيجاد مداخل يستطيعون من عبرها أن يقووّا من مواقفهم ويعلوا من نفوذهم على السّاحة الشّرق أوسطيّة.
وقد حدث في بعض الأحيان أن انزعج بعض الرّؤساء الأمريكان من موقف الخارجيّة الأمريكيّة هذا وحاولوا أن يعدّلوا من مجراه، كما كان الحال مثلاً مع الرّؤساء وودروو ويلسون وفرانكلين د. روزفلت، غير أنّهم حرصوا في أغلب الأحيان على التزام مواقف لا تتضارب وإرادة الخارجيّة الأمريكيّة.
فبالرّغم من أنّ الإقرار بالخطّة الأمميّة لتقسيم فلسطين كان ناتجاً عن ضغوط أمريكيّة شديدة، فقد كان تعلّق الولايات المتّحدة بإيجاد دولة إسرائيل ضمن العالم العربيّ ناتجاً عن مساعي إستراتيجيّة وسياسيّة بحتة. فمع انتهاء الحرب العالميّة الثّانية برزت موازين قوى جديدة ارتكزت على قطبين أساسيّين وهما الولايات المتّحدة من ناحية والاتّحاد السوفيتي من ناحية أخرى.
ومن هذا الأساس فقد أدركت هذه القوى ضرورة إيجاد مساحات إستراتيجيّة تستطيع عبرها أن تقوّي إمكانيّاتها الشّخصيّة وتطوّر سبل اعتمادها على الحكومات القائمة على أرض الواقع. فقد برز في هذه الأثناء قرب انتهاء عهد القوى الإمبرياليّة التّقليديّة المتواجدة في الشّرق الأوسط والّتي تلخّصت في موقع الدولتين الفرنسيّة والإنجليزيّة. ومن ثمّ فقد أدركت كلّ من واشنطن وموسكو أنّ منطقة الشّرق الأوسط ينبغي أن تعود وتصبح منصّة إطلاق مهمّة لأيّ دولة تستطيع التأثير على مجرى الأمور فيها.
غير أنّه، وفي المقابل، أدركت أيضاً هاتان الدولتان الأمريكيّة والسّوفيتيّة خطر الارتكاز على منطقة تسودها حكومات عربيّة يبقى باستطاعتها اللجوء إلى إستراتيجيّات تضامنيّة تسمح لها بتشكيل قطب موحّد سياسيّاً وجغرافيّاً. ومن هذا الأساس تشير الوقائع إلى أنّ الأمريكان والسّوفييت اجتمعتا على فكرة إيجاد دولة يهوديّة مكوّنة في أغلبها من قادة ذوي أصول غَربيّة. وبالرّغم من عداوتهما، كان شغل كلّ منهما الشّاغل هو قدرة الاعتماد على دولة إقليميّة غير عربيّة منفتحة علي إحدى سياساتهما. فيصبح سهلاً من ثمّ صدّ أي ّ إستراتيجيّة تنبع من قبل دول متواجدة خارج المنطقة جغرافيّاً، بالإضافة إلى الحدّ من سعي العرب إلى توحيد صفوفهم نتيجة قدرة القوى العظمى المتواجدة إقليميّاً على الضغط عليهم وتهديدهم والتّأثير على خياراتهم السّياسيّة.
ومن هنا ظهرت عبر السّنين آلية جديدة ثبت عبرها اهتمام متجدّد من قبل حركات المسيحيّين الصّهيونيّين لدولة إسرائيل ومستقبلها الإقليميّ. وقد اقتنع أعضاء هذه الحركات أنّ انتصار إسرائيل على جيرانه أثناء حرب 1967 كان بمثابة رسالة إلهيّة تشير إلى قرب عودة المسيح على الأرض. غير أنّ هذا لم يَعنِ أبداً أنّ تلك القناعات الدّينيّة كانت لترد بدورها على الأجَندة السّياسيّة الأمريكيّة الرّسميّة، إذ بقيت السّياسة الأمريكيّة في الشّرق الأوسط ممتثلة بضرورة تعزيز قدرات واشنطن في المنطقة كما في باقي ساحات العالم وذلك دون التّركيز على عناصر سياسيّة أو دينيّة مطلقة.
فعلى سبيل المثال، لا سياسة ريتشارد نيكسون الخارجيّة، والّتي برز عبرها اسم ودور هنري كيسنجر، ثبتت علاقتها بالدين، ولا سياسات جيمي كارتر وجورج هربرت بوش وبيل كلينتون تميّزت بانحنائها نحو طابع دينيّ أكثر ممّا هو سياسيّ. أمّا السّياسيّة المعتمدة في عهد الرّئيس الجمهوريّ رونلد ريغان والّذي طالما عرف بتعصّبه الشّديد لبلاده ومعاداته للنموذج الإسلاميّ الّذي أتى به آية الله الخميني في إيران سنة 1979 وما بعدها، فقد برز موقفه هذا نتيجة استيائه واعتقاده بإيذاء الطابع الثّوريّ لقادة إيران الجدد ومدى تهديدهم للمصالح الأمريكيّة الإقليميّة. وقد تكمن أفضل الأدلّة على ذلك في الطريقة الّتي اعتمد من عبرها ريغان الصّدّ من النفوذ السّوفيتيّ في المنطقة، إذ لم يتردّد الرّئيس الجمهوريّ في الارتكاز على المجاهدين الأفغان وحلفائهم على الرّغم من امتثال البعض من هؤلاء لاعتبارات وأفكار ذات طابع دينيّ، والدليل على ذلك هو عمق ومتانة العلاقة الّتي قامت بين واشنطن والرّياض آنذاك.
يكمن أكثر ما قيل عن تأثير الولايات المتّحدة بالطابع الدّينيّ للأمور في ما يتعلّق بعهد الرّئيس جورج وولكر بوش، الّذي صادف أن وصل إلى الحكم قبل أحداث 11 أيلول 2001 بقرابة السّنة، وتلا ذلك إصراره على اعتماد لهجة ذات طابع دينيّ وردت فيها تلميحات عديدة إلى الحروب الصّليبيّة وفكرة اصطفاف الولايات المتّحدة إلى جانب الدّول الممتثلة بالدفاع عن الخير ضدّ الشّرّ واللجوء إلى عبارات ورد فيها طابع إنجيليّ جديد...إلخ.
بل وأيضا ودون أن ننسى ماضي بوش المعروف وتوبته عن الإدمان على الكحول الّذي تلاه، وإصراره الدائم على التذكير بأنّه حدث وكان على اتّصال مباشر مع الله، وغيرها من الاعتبارات الّتي يبرز ضمنها تعلّقه الشّديد بسياسات المحافظين الجدد المعروفة بمعاداتها للإسلام.
غير أنّه وبالرّغم من تواجد هذه العناصر، يبقى من الصّعب جدّاً الإقرار بأنّ طور السّياسة الأمريكيّة امتثل الآن بطابع دينيّ بحت للأمور. فمع أنّ سياسات بوش بدت وكأنّها تحبّذ القراءة البروتستانتيّة الإنجيليّة لمجرى العلاقات الدوليّة، غير أنّ ما ظهر عبر سنوات بوش الثماني للحُكم هو امتثاله المضطرّ للدفاع عن نظرة براغماتيكيّة للعلاقات الدوليّة، وإن شابتها أحياناً بعض العناصر الأيديولوجيّة. فعلاقات أمريكا مع الدول الإسلاميّة بشكل عام لم تؤثّر عليها أزمات عميقة على مرّ السّنين العشر الماضية، أمّا طبيعة علاقاتها مع إسرائيل، وهي دولة مصرّة على طابعها اليهوديّ، فقد أثبتت متانتها الفعليّة والاصطفاف الأمريكيّ الجذريّ إلى جانب الدولة العبريّة، غير أنّ هذا الوضع لم يأتِ متناقضاً والعادات الّتي امتثل بها رؤساء أمريكا السّابقون.
فهل تتغيّر الآلية هذه والممتثلة باعتبارات سياسيّة أكثر ممّا هي دينيّة في زمن الرّئيس باراك اوباما؟ لقد طرح هذا السّؤال نفسه منذ أن استلم الرّئيس الديموقراطيّ زمام الحكم في شهر يناير/كانون الثاني 2009، وقد شابت السّنة الأولى لحكمه العديد من القرارات والأفعال الّتي اعتقد البعض أنّها توحي بإرادة شديدة من قبله إلى الحدّ من خطر "صراع الحضارات" القائم منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. فكانت هناك مقابلته التليفزيونية الأولى الّتي خصّ بها قناة يفترض البعض أنّها تمثّل العالم العربي والإسلامي وهي قناة العربيّة، كما كان هناك خطاب القاهرة الّذي جاء في شهر يونيو 2009 والّذي توجّه عبره الرّئيس أوباما إلى "العالم الإسلامي" مصرّاً على تمسّكه بعهد جديد يقوم على علاقات أفضل بين الولايات المتّحدة ومسلمي العالم، وغيرها من القضايا الجوهريّة.
ولكن، وعلى الرغم من هذه النوايا الحسنة الّتي عبّر عنها الرّئيس أوباما، لم تظهر حتّى الآن بوادر فعليّة تشير إلى أنّ طريقة تداول الولايات المتّحدة لمسائل الشّرق الأوسط بل والعالم الإسلاميّ بشكل عام ستشهد تطوّراً جذريّاً. فقد اعتمد الرّئيس الأمريكيّ، رغم لجوئه إلى حديث أكثر إيجابيّة ممّن سبقه على الرّئاسة، تطبيق سياسات لم تتمثّل حتى الآن بتغيير جذريّ لا في العراق ولا في أفغانستان ولا حتّى على صعيد العلاقات الإسرائيليّة-الفلسطينيّة. فهل تتغيّر الآلية عمّا قريب؟
قد يكون الجواب سلبيّاً أو إيجابيّاً غير أنّه من الصّعب الإقرار به الآن. وما هو مؤكّد هو أنّ بعض المحلّلين أصبحوا يشعرون بأنّ ثمة تجديدا لطريقة يصير معه تداول واشنطن اقضايا العالم أمرا واجباً،
وهذا ما قادهم إلى إصدار تقرير بعنوان "أخذ الجاليات الدينيّة الأجنبيّة بعين الاعتبار: أمر عاجل جديد لسياسة الولايات المتّحدة الجديدة"(1), أكّدوا فيه أنّه بات من الواجب على الولايات المتّحدة التعمّق في المسائل الدينية وتطوير علاقات أفضل وأمتن مع الجاليات الطائفيّة والدينيّة المتواجدة عبر الكون وذلك من أجل إيجاد ظروف وجوّ أفضل للعلاقات القائمة بين واشنطن والمجتمعات المدنيّة بشكل عام. غير أنّه قد يأتي الخطر هنا إذا قرّرت أمريكا بالفعل اللجوء إلى الظرف الدينيّ لخدمة مصالحها السّياسيّة، فقد يفسّر الكثيرون هذه الحالة على أنّها مثال فعليّ لإرادة أمريكا "المسيحيّة البروتستانتيّة" إخضاع باقي الطوائف والأديان والمجتمعات لمنحاها الديني الشخصي. فيصبح هنا الكلّ خاسراً، ويبقى "صراع الأديان" الرّابح الأكبر...
_______________
(*) باحث متخصص في قضايا الشّرق الأوسط في معهد العلاقات الدوليّة والاستراتيجيّة ـ باريس ـ فرنسا
1 - راجع الصفحة على الرابط التالي: http:// w w w.thechicagocouncil.org/UserFiles/File/Task%20Force%20Reports/2010%20Religion%20Task%20Force_Full%20Report.pdf
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات