ارشيف من :آراء وتحليلات
تصاعد التوتر بين الكوريتين: حاجة أميركية!
عقيل الشيخ حسين
ليس من المتوقع، في الوقت الراهن، أن يتدهور الوضع في البحر الأصفر باتجاه مواجهة عسكرية. فالتوتر الدائم والتصريحات اللاهبة والمناورات العسكرية الصاخبة، وأحياناً الاشتباكات المحدودة، هي سمات مميزة للوضع في البحر الأصفر منذ نهاية الحرب الكورية في العام 1953.
فكوريا الجنوبية التي تسعى جهدها لاحتلال موقع أكثر تقدماً على الخارطة الاقتصادية للعالم، وهي التي استقبلت مؤخراً قمة العشرين، ليست في وارد التصعيد، وإن كان خطاب الثأر، والضغط الذي تجلى في التظاهرات التي طالبت بالانتقام من كوريا الشمالية، بسبب مقتل أربعة كوريين جنوبيين، في القصف المدفعي الذي استهدفت به كوريا الشمالية جزيرة يونبيونغ الصغيرة والمتنازع عليها بين الطرفين.
ثم إن كوريا الجنوبية لا تمتلك وحدها قرار الحرب والسلم الذي ينفرد به حماتها الأميركيون. وهؤلاء أنفسهم ليسوا في وارد فتح حرب جديدة في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة للخروج بماء الوجه من حربيها الفاشلتين في العراق وأفغانستان.
وخصوصاً في الوقت الذي تضع فيه كل أوراقها في الشرق الأوسط حيث تتعرض "إسرائيل" للمرة الأولى في تاريخها لأخطار حقيقية ناشئة عن تنامي قوة المقاومة في فلسطين ولبنان، وعن توسع إطار الممانعة بعد التطورات التي طرأت على الموقف التركي.
وحيث يظل الاهتمام الأميركي أساسياً بنفط الخليج ومنابعه وطرق إمداداته. إضافة إلى أن مشكلات أميركا الداخلية، وفي مقدمتها الأزمة المالية الآخذة بالاستفحال، تصرفها عن التحرش بكوريا الشمالية التي تمتلك قوى ضاربة لا يمكن معها لأية مواجهة أن تكون نزهة ترفيهية للجيوش الأميركية.
فضلاً عن أن مثل هذا التحرش لا يمكن إلا أن يدفع بالعلاقات بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا، نحو توترات لا تنسجم مع حاجة الأميركيين لمواقف البلدين في مجلس الأمن بخصوص ملفات أبرزها الملف النووي الإيراني.
نعم، قد يمكن تفسير التدهور المحدود على الجبهة العسكرية بين الكوريتين، بمحاولة استباقية من كوريا الشمالية لأن تظهر من نفسها قوة على أعتاب المناورات المشتركة الضخمة التي تجريها سنوياً القوات الأميركية والكورية الجنوبية في البحر الأصفر، وهي مناورات لا يخفي الطرفان الأخيران بأنها تحدّ من قبلهما لكوريا الشمالية.
ثم إن تزامن التصعيد الراهن، إن على مستوى الاشتباكات الأخيرة، أم على مستوى ضخامة المناورات العسكرية، مع قرب العودة إلى المفاوضات السداسية حول ملف كوريا الشمالية النووي، هو محاولة من كل طرف لتعزيز مواقعه في تلك المفاوضات.
والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة في الوقت الذي يتم فيه وضع كوريا في موقف المعتدي، من قبل الإعلام الأميركي، هو عن أسباب التشدد الأميركي في رفض التفاوض المباشر مع كوريا الشمالية حول ملفها النووي، مع إبداء هذه الأخيرة لكثير من حسن النية التي تمثلت بتدمير بعض مواقعها النووية العسكرية، وفي عدم وفاء أوباما، بتقديم مساعدات سبق للديموقراطيين أن تعهدوا بتقديمها إلى كوريا الشمالية منذ عهد كلينتون الزوج، قبل التراجع عنها من قبل جورج بوش فور وصوله إلى البيت الأبيض؟
الجواب يكمن في التطابق الذي يزداد تطابقاً كل يوم بين سياسات أوباما وسياسات الجمهوريين، خصوصاً في الوقت الحالي، وبعد هزيمة الديموقراطيين في الانتخابات النصفية، وفي ظل حاجة أوباما للتنازل أمام الجمهوريين في ملفات خارجية لقاء حصوله على دعمهم، أو على دعم بعضهم، لبعض ملفاته الإصلاحية الداخلية.
وبالطبع، فإن العربدة العسكرية الأميركية في البحر الأصفر أو على سواحل كوريا الشرقية، من خلال المناورات العسكرية المتلاحقة، على علاقة بسعي الولايات المتحدة إلى ابتزاز حلفائها في المنطقة (كوريا الجنوبية، اليابان، تايوان، وصولاً إلى الفيليبين...) عبر اجتذابهم إلى مشاريع دروع صاروخية دفاعية مشابهة لتلك التي يتم إنشاؤها في أوروبا الشرقية، لا لأن هنالك أخطاراً حقيقية تهدد تلك البلدان، بل لأن ذلك يدخل في صميم حاجة صناعة السلاح الأميركية إلى تسويق منتجاتها.
كما لا يمكن استثناء حاجة الأميركيين إلى التظاهر، في ظل هزائمهم العسكرية وأزماتهم الأخرى، بأنهم ما زالوا يحافظون على موقعهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كقوة لا غنى عنها من أجل أمن البلدان الحليفة، في وقت تتصاعد فيه المطالبة الشعبية، والرسمية أحياناً، بتصفية القواعد العسكرية الأميركية في كل من كوريا الجنوبية واليابان، بمقدار ما يشكل وجود هذه القواعد سبباً رئيسياً للتوتر في المنطقة.
أما عن تهديدات بعض المسؤولين العسكريين في كوريا الجنوبية بالثأر ألف مرة لمصرع الكوريين الجنوبيين الأربعة في القصف الشمالي، والتي ربما تكون جدية على ما لاحظه مراقبون غربيون بدليل أن قناة تلفزيونية يابانية قد أوقفت بث مباراة لكرة القدم لتغطية هذا التطور... فإنها لم تلبث أن انكشفت عن عاصفة في فنجان، لأن المسؤول نفسه أضاف جملة مفيدة جداً عندما أكد قائلاً: "فيما لو عادت كوريا الشمالية إلى شن عدوان جديد"!
ليس من المتوقع، في الوقت الراهن، أن يتدهور الوضع في البحر الأصفر باتجاه مواجهة عسكرية. فالتوتر الدائم والتصريحات اللاهبة والمناورات العسكرية الصاخبة، وأحياناً الاشتباكات المحدودة، هي سمات مميزة للوضع في البحر الأصفر منذ نهاية الحرب الكورية في العام 1953.
فكوريا الجنوبية التي تسعى جهدها لاحتلال موقع أكثر تقدماً على الخارطة الاقتصادية للعالم، وهي التي استقبلت مؤخراً قمة العشرين، ليست في وارد التصعيد، وإن كان خطاب الثأر، والضغط الذي تجلى في التظاهرات التي طالبت بالانتقام من كوريا الشمالية، بسبب مقتل أربعة كوريين جنوبيين، في القصف المدفعي الذي استهدفت به كوريا الشمالية جزيرة يونبيونغ الصغيرة والمتنازع عليها بين الطرفين.
ثم إن كوريا الجنوبية لا تمتلك وحدها قرار الحرب والسلم الذي ينفرد به حماتها الأميركيون. وهؤلاء أنفسهم ليسوا في وارد فتح حرب جديدة في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة للخروج بماء الوجه من حربيها الفاشلتين في العراق وأفغانستان.
وخصوصاً في الوقت الذي تضع فيه كل أوراقها في الشرق الأوسط حيث تتعرض "إسرائيل" للمرة الأولى في تاريخها لأخطار حقيقية ناشئة عن تنامي قوة المقاومة في فلسطين ولبنان، وعن توسع إطار الممانعة بعد التطورات التي طرأت على الموقف التركي.
وحيث يظل الاهتمام الأميركي أساسياً بنفط الخليج ومنابعه وطرق إمداداته. إضافة إلى أن مشكلات أميركا الداخلية، وفي مقدمتها الأزمة المالية الآخذة بالاستفحال، تصرفها عن التحرش بكوريا الشمالية التي تمتلك قوى ضاربة لا يمكن معها لأية مواجهة أن تكون نزهة ترفيهية للجيوش الأميركية.
فضلاً عن أن مثل هذا التحرش لا يمكن إلا أن يدفع بالعلاقات بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا، نحو توترات لا تنسجم مع حاجة الأميركيين لمواقف البلدين في مجلس الأمن بخصوص ملفات أبرزها الملف النووي الإيراني.
نعم، قد يمكن تفسير التدهور المحدود على الجبهة العسكرية بين الكوريتين، بمحاولة استباقية من كوريا الشمالية لأن تظهر من نفسها قوة على أعتاب المناورات المشتركة الضخمة التي تجريها سنوياً القوات الأميركية والكورية الجنوبية في البحر الأصفر، وهي مناورات لا يخفي الطرفان الأخيران بأنها تحدّ من قبلهما لكوريا الشمالية.
ثم إن تزامن التصعيد الراهن، إن على مستوى الاشتباكات الأخيرة، أم على مستوى ضخامة المناورات العسكرية، مع قرب العودة إلى المفاوضات السداسية حول ملف كوريا الشمالية النووي، هو محاولة من كل طرف لتعزيز مواقعه في تلك المفاوضات.
والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة في الوقت الذي يتم فيه وضع كوريا في موقف المعتدي، من قبل الإعلام الأميركي، هو عن أسباب التشدد الأميركي في رفض التفاوض المباشر مع كوريا الشمالية حول ملفها النووي، مع إبداء هذه الأخيرة لكثير من حسن النية التي تمثلت بتدمير بعض مواقعها النووية العسكرية، وفي عدم وفاء أوباما، بتقديم مساعدات سبق للديموقراطيين أن تعهدوا بتقديمها إلى كوريا الشمالية منذ عهد كلينتون الزوج، قبل التراجع عنها من قبل جورج بوش فور وصوله إلى البيت الأبيض؟
الجواب يكمن في التطابق الذي يزداد تطابقاً كل يوم بين سياسات أوباما وسياسات الجمهوريين، خصوصاً في الوقت الحالي، وبعد هزيمة الديموقراطيين في الانتخابات النصفية، وفي ظل حاجة أوباما للتنازل أمام الجمهوريين في ملفات خارجية لقاء حصوله على دعمهم، أو على دعم بعضهم، لبعض ملفاته الإصلاحية الداخلية.
وبالطبع، فإن العربدة العسكرية الأميركية في البحر الأصفر أو على سواحل كوريا الشرقية، من خلال المناورات العسكرية المتلاحقة، على علاقة بسعي الولايات المتحدة إلى ابتزاز حلفائها في المنطقة (كوريا الجنوبية، اليابان، تايوان، وصولاً إلى الفيليبين...) عبر اجتذابهم إلى مشاريع دروع صاروخية دفاعية مشابهة لتلك التي يتم إنشاؤها في أوروبا الشرقية، لا لأن هنالك أخطاراً حقيقية تهدد تلك البلدان، بل لأن ذلك يدخل في صميم حاجة صناعة السلاح الأميركية إلى تسويق منتجاتها.
كما لا يمكن استثناء حاجة الأميركيين إلى التظاهر، في ظل هزائمهم العسكرية وأزماتهم الأخرى، بأنهم ما زالوا يحافظون على موقعهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كقوة لا غنى عنها من أجل أمن البلدان الحليفة، في وقت تتصاعد فيه المطالبة الشعبية، والرسمية أحياناً، بتصفية القواعد العسكرية الأميركية في كل من كوريا الجنوبية واليابان، بمقدار ما يشكل وجود هذه القواعد سبباً رئيسياً للتوتر في المنطقة.
أما عن تهديدات بعض المسؤولين العسكريين في كوريا الجنوبية بالثأر ألف مرة لمصرع الكوريين الجنوبيين الأربعة في القصف الشمالي، والتي ربما تكون جدية على ما لاحظه مراقبون غربيون بدليل أن قناة تلفزيونية يابانية قد أوقفت بث مباراة لكرة القدم لتغطية هذا التطور... فإنها لم تلبث أن انكشفت عن عاصفة في فنجان، لأن المسؤول نفسه أضاف جملة مفيدة جداً عندما أكد قائلاً: "فيما لو عادت كوريا الشمالية إلى شن عدوان جديد"!