ارشيف من :آراء وتحليلات
الوجود المسيحي في العراق... الخيارات الصعبة
بغداد ـ عادل الجبوري
لم تكن عملية اقتحام كنيسة سيدة النجاة في حي الكرادة الشرقية وسط العاصمة العراقية بغداد في الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، العملية الوحيدة التي تستهدف الوجود المسيحي في العراق خلال الأعوام السبعة والنصف الماضية التي شهدت الكثير من العمليات الارهابية في مختلفة مناطق ومدن العراق، بيد أنها قد تكون الاكثر وقعا وتأثيراً، ارتباطا بطريقة التنفيذ وحجم الخسائر البشرية التي خلفتها، ناهيك عن الأبعاد المعنوية والنفسية السيئة على أبناء الديانة المسيحية.
وما زاد الطين بلة أن عمليات استهداف أخرى للمسيحيين شهدتها مناطق من العاصمة بغداد بعد عملية كنيسة سيدة النجاة، وعمليات أشد فتكا وقعت في محافظة نينوى (الموصل) التي تضم أقلية مسيحية تشكل نسبة لا بأس بها من عموم سكان المحافظة الذين ينتمي اغلبيتهم الى القومية العربية والطائفة السنية.
هذا الاستهداف المبرمج والمخطط والمنظّم أثار تساؤلات قديمة عن مدى امكانية تأمين أوضاع مطمئنة لأبناء الأقلية المسيحية في العراق في ظل مظاهر العنف والارهاب المنطلق من نزعات تكفيرية دينية ومذهبية وطائفية؟ وهذه المرة جاءت الإجابات بصورة ردود أفعال ومواقف عملية تنطوي على مخاطر غير قليلة. فبحسب تقارير شبه مؤكدة ازداد معدل سفر المسيحيين خارج العراق بعد عملية كنيسة النجاة بنسبة 30%، ناهيك عن السفر من محافظات بغداد والموصل والبصرة الى اقليم كردستان، اذ اعلن رئيس الاقليم مسعود البارزاني استعداد الحكومة المحلية الكردية لاستقبال ابناء الديانة المسيحية وتهيئة الظروف الأمنية والحياتية المناسبة لهم، علما أن أعداداً غير قليلة من المسيحيين تقطن في محافظتي اربيل ودهوك منذ زمن بعيد.
اكثر من ذلك، وفي توجه غير مسبوق دعا الرئيس العراقي جلال الطالباني الى تشكيل محافظة مسيحية في منطقة سهل نينوى التي تضم أغلبية مسيحية كبيرة، ورغم أن دعوة الطالباني هذه قوبلت بردود فعل متباينة في داخل الأوساط السياسية والدينية المسيحية بين رافض ومؤيد لها، إلا ان مجرد طرح تلك الفكرة واثارتها يحمل دلالات ومؤشرات لا نبالغ اذا قلنا انها خطيرة، لأنها يمكن ان تفتح الباب أمام دعوات ومطالب مماثلة من قبل مكونات دينية وقومية أخرى مثل التركمان والشبك والايزيديين والصابئة.
عضو البرلمان العراقي والسكرتير العام للحركة الديمقراطية الاشورية (الرافدين) يونادم كنا، اعتبر ان تشكيل محافظة على خلفية قومية أو دينية يناقض الدستور العراقي، معتبرا أنه يجب ان تكون المحافظة لجميع مكونات منطقة سهل نينوى وبما لا يتعارض والدستور العراقي، وفي الوقت الذي ثمن دعوة الطالباني اعتبر ان ذلك يناقض المادة السابعة من الدستور، مشيراً الى أنه ربما لو كانت الدعوة بصيغة أخرى كأن يقول في سهل نينوى لتضمن كل المكونات والشرائح الاجتماعية العراقية الموجودة من ايزيدية وشبك ايضا، بجانب الكلدان والسريان والاشوريين فهذا شيء طبيعي، وهناك اساس دستوري له وهو المادة 125 من الدستور.
ويتبنى الموقف ذاته رجال دين مسيحيون من بينهم رئيس أساقفة محافظة كركوك للكلدان المطران لويس ساكو، الذي يرى ان الدعوات التي تطالب بإقامة منطقة حكم ذاتي للمسيحيين أو تشكيل محافظة خاصة لهم غير عملية، لافتا إلى استحالة تطبيقها على أرض الواقع دون اعداد خطط خاصة بهذا الشأن. اما النائب المسيحي في البرلمان العراقي عماد يوخنا فهو يعد تلك الدعوات بأنها غير دستورية.
وكان زعيم طائفة المسيحيين الكلدان في العراق الكاردينال عمانوئيل دلي قد انتقد فكرة منح حكم ذاتي للمسيحيين، مطالبا الاحزاب السياسية المسيحية باعلام القيادات الدينية بمثل هذه المواضيع لابداء الرأي.
في الجانب الاخر هناك تحركات على أرض الواقع لتفعيل فكرة تشكيل محافظة مسيحية في منطقة سهل نينوى، او إقامة منطقة حكم ذاتي خاصة بالمسيحيين، فقد شهدت منطقة عينكاوة المسيحية في اربيل، ومحافظة دهوك في الآونة الأخيرة اجتماعات مكثفة لعدد من القوى والتيارات المسيحية بمبادرة ورعاية الحركة الديمقراطية الاشورية، وتم تشكيل لجنة عليا اطلق عليها اللجنة العليا لمؤسسات وتنظيمات الشعب الكلداني تتمثل مهمتها بدراسة وبحث الخيارات المطروحة وصياغة تصورات عملية بشأنها.
مجلس النواب العراقي الذي استأنف جلساته بعد عملية كنيسة النجاة وموجة استهداف المسيحيين بأيام قلائل، لم يكن ممكنا له ان يتجاوز او يتجاهل هذا الموضوع الخطير، لذلك تم التوصل بعد ادراج الموضوع على جدول اعمال المجلس ومناقشته، الى تشكيل لجنة برلمانية تبحث الموضوع من كل جوانبه لتقدم بعد ذلك توصيات للحلول والمعالجات الممكنة. ولعل اشكالية أو أزمة عدم الثقة بين المكونات والقوى الرئيسية في المشهد العراقي، لم تبق بمنأى عن المكونات الاجتماعية والسياسية الصغيرة التي تنتابها هواجس ومخاوف من وجود مؤامرات ضدها. فنغم يعقوب عضو مجلس محافظة نينوى، اتهمت جهات سياسية لم تسمها بالوقوف وراء استهداف المسيحيين في المحافظة مؤخراً لافتة إلى أن استمرار العمليات ضدهم سيؤدي إلى نزوحهم مجددا صوب مناطق أكثر أمنا، مشيرة إلى أن تلك الجهات تحاول عبر هذه العمليات إخراج أبناء الطوائف المسيحية من المحافظة.
ومع ان تنظيم ما يسمى بدولة العراق الاسلامية التابع لتنظيم القاعدة قد اعلن مسؤوليته عن عملية كنيسة سيدة النجاة ردا على احتجاز سيدتين مصريتين قبطيتين كانتا قد اعتنقتا الدين الاسلامي قبل فترة قصيرة من الزمن من قبل الكنيسة القبطية في مصر، الا ان هناك شعورا لدى بعض الأوساط المسيحية العراقية وخصوصا في محافظة الموصل بأن هناك من يريد الغاء وجودهم وارغامهم على ترك البلاد، والواقع السياسي المعقد المليء بالتجاذبات والتشنجات في الموصل وخصوصا بين العرب والاكراد لا بد ان ينعكس بطريقة او بأخرى على المسيحيين، ولا يختلف الامر كثيرا في محافظة كركوك التي تتصارع وتتنافس فيها المكونات الثلاثة ـ العرب والاكراد والتركمان ـ على السلطة والهيمنة والنفوذ. بيد أن الأيادي الخارجية تبقى هي المحرك الأساس لمختلف الأحداث الخطيرة في العراق وغيره، وأكد مصدر امني عراقي قبل يومين ان الخلية الإرهابية الضالعة بتنفيذ عملية كنيسة النجاة في منطقة المنصور غربي بغداد والمؤلفة مما يسمى بوالي بغداد في دولة العراق الاسلامية وعشرة من مساعديه، اعترفت بتخطيطها لتفجير مجموعة من المساجد والمواكب الحسينية خلال شهر محرم الحرام لاثارة الفتنة الطائفية من جديد بين السنة والشيعة، مثلما كان الهدف من عملية الكنيسة احداث فتنة بين المسلمين والمسيحيين وارغام الاخيرين على ترك العراق.
وفي ذات الوقت فان عدداً من وسائل الاعلام العراقية والعربية والأجنبية تداولت مؤخراً تقارير تتحدث عن ضلوع جهاز المخابرات الاسرائيلي ـ الموساد ـ بمخطط لتهجير المسيحيين العراقيين من بعض المناطق التي يقطنونها بالتعاون والتنسيق مع جهات اقليمية. ورغم ان مثل تلك التقارير لا يمكن الوثوق بها بالكامل، إلا أنها في الاطار العام تطلق إشارات حول طبيعة التفكير والتوجه لدى هذا الطرف او ذاك. وفي كل الاحوال فإن مشكلة المسيحيين العراقيين تبقى جزءا من المشكلة العراقية، ومن غير الممكن البحث عن حلول ومعالجات واقعية وعملية لها بعيداً عن الملف العراقي بكل مفرداته وعناوينه وتعقيداته وعناصره المترابطة مع بعضها البعض.
لم تكن عملية اقتحام كنيسة سيدة النجاة في حي الكرادة الشرقية وسط العاصمة العراقية بغداد في الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، العملية الوحيدة التي تستهدف الوجود المسيحي في العراق خلال الأعوام السبعة والنصف الماضية التي شهدت الكثير من العمليات الارهابية في مختلفة مناطق ومدن العراق، بيد أنها قد تكون الاكثر وقعا وتأثيراً، ارتباطا بطريقة التنفيذ وحجم الخسائر البشرية التي خلفتها، ناهيك عن الأبعاد المعنوية والنفسية السيئة على أبناء الديانة المسيحية.
وما زاد الطين بلة أن عمليات استهداف أخرى للمسيحيين شهدتها مناطق من العاصمة بغداد بعد عملية كنيسة سيدة النجاة، وعمليات أشد فتكا وقعت في محافظة نينوى (الموصل) التي تضم أقلية مسيحية تشكل نسبة لا بأس بها من عموم سكان المحافظة الذين ينتمي اغلبيتهم الى القومية العربية والطائفة السنية.
هذا الاستهداف المبرمج والمخطط والمنظّم أثار تساؤلات قديمة عن مدى امكانية تأمين أوضاع مطمئنة لأبناء الأقلية المسيحية في العراق في ظل مظاهر العنف والارهاب المنطلق من نزعات تكفيرية دينية ومذهبية وطائفية؟ وهذه المرة جاءت الإجابات بصورة ردود أفعال ومواقف عملية تنطوي على مخاطر غير قليلة. فبحسب تقارير شبه مؤكدة ازداد معدل سفر المسيحيين خارج العراق بعد عملية كنيسة النجاة بنسبة 30%، ناهيك عن السفر من محافظات بغداد والموصل والبصرة الى اقليم كردستان، اذ اعلن رئيس الاقليم مسعود البارزاني استعداد الحكومة المحلية الكردية لاستقبال ابناء الديانة المسيحية وتهيئة الظروف الأمنية والحياتية المناسبة لهم، علما أن أعداداً غير قليلة من المسيحيين تقطن في محافظتي اربيل ودهوك منذ زمن بعيد.
اكثر من ذلك، وفي توجه غير مسبوق دعا الرئيس العراقي جلال الطالباني الى تشكيل محافظة مسيحية في منطقة سهل نينوى التي تضم أغلبية مسيحية كبيرة، ورغم أن دعوة الطالباني هذه قوبلت بردود فعل متباينة في داخل الأوساط السياسية والدينية المسيحية بين رافض ومؤيد لها، إلا ان مجرد طرح تلك الفكرة واثارتها يحمل دلالات ومؤشرات لا نبالغ اذا قلنا انها خطيرة، لأنها يمكن ان تفتح الباب أمام دعوات ومطالب مماثلة من قبل مكونات دينية وقومية أخرى مثل التركمان والشبك والايزيديين والصابئة.
عضو البرلمان العراقي والسكرتير العام للحركة الديمقراطية الاشورية (الرافدين) يونادم كنا، اعتبر ان تشكيل محافظة على خلفية قومية أو دينية يناقض الدستور العراقي، معتبرا أنه يجب ان تكون المحافظة لجميع مكونات منطقة سهل نينوى وبما لا يتعارض والدستور العراقي، وفي الوقت الذي ثمن دعوة الطالباني اعتبر ان ذلك يناقض المادة السابعة من الدستور، مشيراً الى أنه ربما لو كانت الدعوة بصيغة أخرى كأن يقول في سهل نينوى لتضمن كل المكونات والشرائح الاجتماعية العراقية الموجودة من ايزيدية وشبك ايضا، بجانب الكلدان والسريان والاشوريين فهذا شيء طبيعي، وهناك اساس دستوري له وهو المادة 125 من الدستور.
ويتبنى الموقف ذاته رجال دين مسيحيون من بينهم رئيس أساقفة محافظة كركوك للكلدان المطران لويس ساكو، الذي يرى ان الدعوات التي تطالب بإقامة منطقة حكم ذاتي للمسيحيين أو تشكيل محافظة خاصة لهم غير عملية، لافتا إلى استحالة تطبيقها على أرض الواقع دون اعداد خطط خاصة بهذا الشأن. اما النائب المسيحي في البرلمان العراقي عماد يوخنا فهو يعد تلك الدعوات بأنها غير دستورية.
وكان زعيم طائفة المسيحيين الكلدان في العراق الكاردينال عمانوئيل دلي قد انتقد فكرة منح حكم ذاتي للمسيحيين، مطالبا الاحزاب السياسية المسيحية باعلام القيادات الدينية بمثل هذه المواضيع لابداء الرأي.
في الجانب الاخر هناك تحركات على أرض الواقع لتفعيل فكرة تشكيل محافظة مسيحية في منطقة سهل نينوى، او إقامة منطقة حكم ذاتي خاصة بالمسيحيين، فقد شهدت منطقة عينكاوة المسيحية في اربيل، ومحافظة دهوك في الآونة الأخيرة اجتماعات مكثفة لعدد من القوى والتيارات المسيحية بمبادرة ورعاية الحركة الديمقراطية الاشورية، وتم تشكيل لجنة عليا اطلق عليها اللجنة العليا لمؤسسات وتنظيمات الشعب الكلداني تتمثل مهمتها بدراسة وبحث الخيارات المطروحة وصياغة تصورات عملية بشأنها.
مجلس النواب العراقي الذي استأنف جلساته بعد عملية كنيسة النجاة وموجة استهداف المسيحيين بأيام قلائل، لم يكن ممكنا له ان يتجاوز او يتجاهل هذا الموضوع الخطير، لذلك تم التوصل بعد ادراج الموضوع على جدول اعمال المجلس ومناقشته، الى تشكيل لجنة برلمانية تبحث الموضوع من كل جوانبه لتقدم بعد ذلك توصيات للحلول والمعالجات الممكنة. ولعل اشكالية أو أزمة عدم الثقة بين المكونات والقوى الرئيسية في المشهد العراقي، لم تبق بمنأى عن المكونات الاجتماعية والسياسية الصغيرة التي تنتابها هواجس ومخاوف من وجود مؤامرات ضدها. فنغم يعقوب عضو مجلس محافظة نينوى، اتهمت جهات سياسية لم تسمها بالوقوف وراء استهداف المسيحيين في المحافظة مؤخراً لافتة إلى أن استمرار العمليات ضدهم سيؤدي إلى نزوحهم مجددا صوب مناطق أكثر أمنا، مشيرة إلى أن تلك الجهات تحاول عبر هذه العمليات إخراج أبناء الطوائف المسيحية من المحافظة.
ومع ان تنظيم ما يسمى بدولة العراق الاسلامية التابع لتنظيم القاعدة قد اعلن مسؤوليته عن عملية كنيسة سيدة النجاة ردا على احتجاز سيدتين مصريتين قبطيتين كانتا قد اعتنقتا الدين الاسلامي قبل فترة قصيرة من الزمن من قبل الكنيسة القبطية في مصر، الا ان هناك شعورا لدى بعض الأوساط المسيحية العراقية وخصوصا في محافظة الموصل بأن هناك من يريد الغاء وجودهم وارغامهم على ترك البلاد، والواقع السياسي المعقد المليء بالتجاذبات والتشنجات في الموصل وخصوصا بين العرب والاكراد لا بد ان ينعكس بطريقة او بأخرى على المسيحيين، ولا يختلف الامر كثيرا في محافظة كركوك التي تتصارع وتتنافس فيها المكونات الثلاثة ـ العرب والاكراد والتركمان ـ على السلطة والهيمنة والنفوذ. بيد أن الأيادي الخارجية تبقى هي المحرك الأساس لمختلف الأحداث الخطيرة في العراق وغيره، وأكد مصدر امني عراقي قبل يومين ان الخلية الإرهابية الضالعة بتنفيذ عملية كنيسة النجاة في منطقة المنصور غربي بغداد والمؤلفة مما يسمى بوالي بغداد في دولة العراق الاسلامية وعشرة من مساعديه، اعترفت بتخطيطها لتفجير مجموعة من المساجد والمواكب الحسينية خلال شهر محرم الحرام لاثارة الفتنة الطائفية من جديد بين السنة والشيعة، مثلما كان الهدف من عملية الكنيسة احداث فتنة بين المسلمين والمسيحيين وارغام الاخيرين على ترك العراق.
وفي ذات الوقت فان عدداً من وسائل الاعلام العراقية والعربية والأجنبية تداولت مؤخراً تقارير تتحدث عن ضلوع جهاز المخابرات الاسرائيلي ـ الموساد ـ بمخطط لتهجير المسيحيين العراقيين من بعض المناطق التي يقطنونها بالتعاون والتنسيق مع جهات اقليمية. ورغم ان مثل تلك التقارير لا يمكن الوثوق بها بالكامل، إلا أنها في الاطار العام تطلق إشارات حول طبيعة التفكير والتوجه لدى هذا الطرف او ذاك. وفي كل الاحوال فإن مشكلة المسيحيين العراقيين تبقى جزءا من المشكلة العراقية، ومن غير الممكن البحث عن حلول ومعالجات واقعية وعملية لها بعيداً عن الملف العراقي بكل مفرداته وعناوينه وتعقيداته وعناصره المترابطة مع بعضها البعض.