ارشيف من :آراء وتحليلات

ويكيليكس 3... خطوة جديدة على طريق التهويش والبلبلة!

ويكيليكس 3... خطوة جديدة على طريق التهويش والبلبلة!
عقيل الشيخ حسين

استمرار وتصاعد الأزمة المالية التي تضرب بلدان الغرب... تواصل الهزائم العسكرية التي تلحق بقوى الهيمنة... إنهاك واضح على مستوى العديد من المشاريع العدوانية التي تراهن عليها تلك القوى، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

إذاً، لم يتغير مسار الأحداث في العالم لمصلحة قوى الهيمنة نتيجة لنشر الدفعتين الأولى والثانية من وثائق ويكيليكس. لا بد إذاً من محاولة ثالثة وربما رابعة وخامسة، ما دام أن الإدارة الأميركية لم تعد تمتلك سلاحاً أمضى من سلاح بث البلبلة في العالم، مع التركيز على الجبهات التي، في الشرق الأوسط، وعلى مستوى حركات المقاومة ودول الممانعة، تلحق أكبر قدر من النكاية بالسياسات الأميركية.

بالطبع، تستند هذه الاعتبارات إلى فرضية مفادها أن نشر الوثائق التي يفترض بها فضح السياسات الأميركية، من قبل موقع ويكيليكس الذي يرأسه، جوليان آسانج، وهو شخص ذو ماض عريق في خدمة أجهزة الاستخبارات الأميركية، ما هو إلا محاولة سخيفة لاستغفال الناس عبر تظاهر السلطات الأميركية بالاستياء تجاه نشر تلك الوثائق.

هل كان الأردن، مثلاً، يسمح لجوليان آسانج بإطلاق حملة ويكيليكس الثالثة من خلال مؤتمر صحافي عقده في عمان، لو أن السلطات الأميركية مستاءة فعلاً من نشر الوثائق؟

"نحن في حالة توتر شديد". عبارة وردت على لسان مسؤول إسرائيلي في سياق الكلام عن "ذعر" الإسرائيليين إزاء ما قد تكشفه الوثائق المسربة من معلومات قد تفضي إلى تداعيات سلبية على كيانهم. أليست العادة المتعارفة هي أن يخفي المتصارعون توترهم وذعرهم كشرط لقدرتهم على مواصلة الصراع؟

لكنها، إضافة إلى ما تلقيه من ضوء على الأصابع الحقيقية التي تحرك خيوط ويكيليكس، محاولة استباقية مفضوحة لإضفاء الصدقية على الوثاق المسربة التي، حتى في حال صدقها، لا ترقى إلى مصاف الحرص النزيه على خدمة الحقيقة، بل تهوي إلى درك الهوس بخدمة الأغراض التدميرية. لجهة التحريض والدس الهادف إلى إثارة الفتن بين أطراف لا مصلحة لها في غير التلاقي والتفاهم والوحدة، كما في حالة إيران وبعض البلدان العربية التي وشت التقارير بأنها طالبت الولايات المتحدة بضرب إيران، أو كما في حالة تلك التي زكت العدوان الإسرائيلي على غزة.

ولجهة توجيه رسائل تقريع إلى حلفاء أميركا كشكل من أشكال الضغط عليهم بهدف دفعهم إلى مغامرات ومواقف "انتحارية" لا تفضي إلا إلى تقويض سلطانهم وخراب بلدانهم، على أمل أن يلحقوا ولو بعض الضرر بحركات المقاومة ودول الممانعة. كما في قول التقارير بأن بلداناً عربية تريد من أميركا أن تقاتل إيران، في حين أنها لا تجرؤ، هي نفسها، على القيام بذلك.

وفي ذلك عزف على الوتر الذي سبق لوثائق ويكيليكس أن عزفت عليه عندما اتهمت باكستان بالتقاعس عن ملاحقة طالبان، في محاولة لإغراق باكستان في المستنقع الذي غرق فيه الحلف الأطلسي برمته.

والتقريع يطال معظم الرؤساء الأوروبيين، ويصل إلى حد هجائهم كالقول بأن ميركل قليلة الإبداع، وبيرلسكوني مستبد ونزق، وصولاً حتى إلى ما له صلة بحياتهم الشخصية في سياق التهويل عليهم لدفعهم إلى المزيد من الانصياع للسياسات الأميركية، أو بهدف زعزعتهم وزعزعة مجتمعاتهم خدمة للمشروع الشيطاني العالمي الذي تديره اليد الخفية التي تضع الجميع، بمن فيهم خدام هذا المشروع، على لائحة الشطب.

وينسحب ذلك على ميدفيديف الذي وصف بأنه تابع لبوتين، وعلى الصين التي سجلت التقارير انزعاجها من كوريا الشمالية واستعدادها للتخلي عنها، في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر في البحر الأصفر.

حتى جهات أميركية، وبالذات وزير الحرب الأميركي الذي بات من المؤكد أن تصريحاته حول عدم جدوى اللجوء إلى ضرب إيران تثير حفيظة الصهاينة وعتاة الأميركيين، يطالها التقريع والضغط. لأن المطلوب هو دفع العالم نحو المزيد من الحروب التي تحصد ثمارها، ولو على جثث القائمين بها، مجمعات التصنيع الحربي الأميركي والشركات التي تزعم تعدد جنسياتها للتمويه على جنسيتها الواحدة.

لم يبق أحد في العالم، من الولايات المتحدة إلى الصين وأوروبا وتركيا وإيران والبلدان العربية إلا وامتعض من تسريبات ويكيليكس. ما عدا بنيامين نتنياهو الذي رأى فيها، بعد أن تمحورت بالفعل على الموضوع الإيراني، تأكيداً لصحة وجهة النظر الإسرائيلية الداعية إلى ضرب إيران.

والذي استغلها لتوجيه سهامه إلى عرب الاعتدال الذين بزعمه، لا يتكلمون بصراحة مع شعوبهم، وإلى السلطة الفلسطينية التي لم تفعل، برأيه، غير إضافة أسماء بعض رموزها إلى قائمة أغنى 500 شخص في العالم. إضافة إلى تبجحه على السلطة بقوله ان الفضل يعود إلى الجيش الإسرائيلي في حمايتها من حماس التي تستطيع السيطرة على الضفة الغربية في غضون ساعات قليلة.

كون الإسرائيليين هم الوحيدين، بعد التظاهر بالرعب، الذين ابتهجوا بوثائق ويكيليكس، دليل إضافي ونهائي على أن هذه الوثائق خطوة واهنة من خطوات الشيطان. وإذا كانت الإدارة الأميركية مستاءة فعلاً من التسريبات، فما الذي يمنعها، وهي التي تستبق الأحداث لتخنق في المهد، وبالسبل الأكثر بعداً عن الأخلاقية، كل ما من شأنه أن يشكل تهديداً ولو وهمياً لمصالح أميركا وأمنها... ما الذي يمنعها من وضع حد لهذه التسريبات؟


2010-12-01