ارشيف من :آراء وتحليلات
روسيا والغرب: عودة التهديدات العسكرية إلى الواجهة!
عقيل الشيخ حسين
يبدو أن استرضاء روسيا من قبل الغربيين، بعد رفض مقترحها بشأن الدفاع الصاروخي المشترك، هو السبب الرئيسي في محاولة إحياء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بعد توقفها عن النشاط منذ العام 1999. فقد خرجت روسيا غير راضية من قمة الأطلسي ـ روسيا التي عقدت مؤخراً في العاصمة البرتغالية لشبونة، في ظل رفض الغربيين اقتراحاً روسياً بإقامة شبكة دفاع صاروخية موحدة في القارة الأوروبية، ومطالبتهم روسيا بالانضمام إلى مشروعهم الخاص بالدرع الصاروخية الذي ترى فيه روسيا تهديداً لأمنها القومي، في وقت يصر فيه الغربيون على أنه موجه ضد تهديدات قد تأتي من إيران أو كوريا الشمالية.
وفي ليشبونة أيضاً، لم تكن روسيا أسعد حالاً بالشراكة الاستراتيجية مع بلدان الأطلسي التي لم تتجاوز حدود التفاؤل على الرغم من التباعد الروسي الإيراني الحالي ومن التفاهمات الروسية الأطلسية الأخيرة حول أفغانستان.
وقد بدا هاجس قمة منظمة الأمن والتعاون التي عقدت في العاصمة الكازاخية، آستانة، بحضور الرئيس الروسي والعديد من القادة الغربيين، واضحة في محاولة استرضاء روسيا من خلال موضوعات القمة التي ناقشت قضايا أمنية تراوحت بين قرغيزيا وناغورني قره باخ وصولاً إلى ترانسدنستيريا في مولدافيا، مع تجنب الحرب الروسية الجورجية وما أفضت إليه من إعلان استقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وما يعنيه ذلك من خذلان غربي للرئيس الجورجي ميكائيل ساكاشفيلي.
والأكيد أن محاولة إحياء هذه المنظمة التي تضم روسيا وبلدان الغرب إلى جانب العديد من بلدان آسيا الوسطى، هي بالنسبة لروسيا الطامحة
إلى ضمان أمنها عبر إقامة علاقات ندية متكافئة مع أعلى الهيئات الأمنية والاقتصادية الغربية هي أشبه بخدعة الصبي عن اللبن.
والأكيد أيضاً أن الغربيين يدركون رغبة روسيا تلك، ويحرص الكثيرون منهم، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على دفع العلاقات مع روسيا في اتجاه مريح في وقت يعيش فيه الغرب، وسط هزائمه العسكرية وأزماته الاقتصادية والمالية، حاجة ماسة إلى سماع لغة روسية غير لغة الحرب الباردة التي عادت إلى التفجر مع تصريحات فلاديمير بوتين اللاهبة في مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ قبل ثلاث
سنوات، لتدخل مؤخراً في جو جديد من الوفاق. من هنا يسعى أوباما إلى المزيد من استرضاء روسيا من خلال سعيه الدؤوب على العمل من أجل حمل الكونغرس على المصادقة على اتفاقية ستارت 2 قبل نهاية العام الحالي، أي في الوقت الذي يستمر فيه الديموقراطيون بالمحافظة على أكثريتهم في الكونغرس، قبل أن تنتقل هذه الأكثرية إلى أيدي الجمهوريين في أول كانون الثاني / يناير القادم، وفقاً لما اسفرت عنه الانتخابات النصفية الأميركية.
والمعروف أن اتفاقية ستارت 2 عزيزة على قلب روسيا، لأن المفترض فيها أن تفضي، بعد ستارت 1، إلى تخفيضات إضافية في الترسانتين النوويتين الروسية والأميركية، وخصوصاً في مجال الصواريخ الاستراتيجية التي يتفوق فيها الأميركيون على الروس.
وكان التوقيع على هذه المعاهدة بين الرئيسين الروسي، ديمتري ميدفيديف، والأميركي، باراك أوباما قد ارتطم بالعديد من العثرات وأجل مراراً قبل أن يتوصل الرئيسان إلى توقيعها في نيسان/أبريل الماضي. لكن هذا التوقيع يحتاج إلى مصادقة البرلمان الروسي والكونغرس الأميركي قبل أن يدخل حيز التنفيذ. وإذا كان البرلمان الروسي لا يطرح مشكلة في هذا المجال، فإن الشأن مختلف بالنسبة للكونغرس الأميركي الذي يبدي ممانعة لذلك حتى في ظل سيطرة الديموقراطيين على غالبية أصواته.
إذن، ازداد الطين بلة في ظل النفوذ الذي اكتسبه الجمهوريون بفضل فوزهم في الانتخابات النصفية رغم عدم تفعيل هذا الفوز على مستوى
التصويت في الكونغرس قبل نهاية العام الحالي.
وفي ظل الأولوية التي يعطيها الجمهوريين للتفوق الأميركي الحالي في مجال الصواريخ الاستراتيجية، وكذلك للعديد من القضايا الأميركية
الداخلية، يبدو أن الفرصة غير سانحة، في الوقت القصير المتبقي من العام الحالي، لتلبية رغبة أوباما في هذا الشأن، وأنها ستصبح أكثر تضاؤلاً مع بداية العام المقبل وعودة الجمهوريين إلى احتلال مواقع الأكثرية.
وحتى لو حصلت الاتفاقية على مصادقة الكونغرس، قبل أو بعد نهاية العام الحالي، فإن هذه المصادقة لن تكون كافية لإرضاء موسكو التي يبدو أنها لن تقبل بأقل من موافقة الغرب على اقتراحها المرفوض حتى الآن بإقامة نظام مشترك للدفاع الصاروخي.
من هنا نفهم عودة روسيا إلى إطلاق التصريحات اللاهبة من قبل رئيسها ديمتري ميدفيديف ورئيس وزرائها فلاديمير بوتين. فقد شدد الرئيسان، كل من ناحيته، على أن روسيا ستضطر إلى الدفاع عن أمنها من خلال نشر قوات ضاربة تشتمل على صواريخ جديدة وتكنولوجيا نووية، مع ما يعنيه ذلك من العودة إلى سباق التسلح، في حال استمرار الغرب في رفض الموافقة على الاقتراح الروسي بشأن النظام المشترك للدفاع الروسي.
إذن، وحتى ثبوت العكس، عاد التوتر ليلف العلاقات بين روسيا والغرب بعد أن بدا للحظة أن هذه العلاقات قد اتجهت نحو الوفاق بعد التنازلات التي قدمتها روسيا في الملفين الإيراني والأفغاني. فالوفاق لم يعد كونه إجراءً تكتيكياً لا يحجب مسعى روسيا الاستراتيجي نحو استعادة موقعها، كقوة عظمى، على المسرح الدولي، خصوصاً في وقت تشير فيه جميع الوقائع بأن الرياح لم تعد تنفخ بشكل كاف في أشرعة السفينة الغربية.