ارشيف من :آراء وتحليلات

التسوية، أم القرار الاتهامي: من يسبق الآخر

التسوية، أم القرار الاتهامي: من يسبق الآخر
مصطفى الحاج علي
من يسبق من: التسوية، أم القرار الاتهامي؟
يمكن تفكيك هذا السؤال الى سؤالين يكمل كل منهما الآخر على صعيد بلورة الإجابة النهائية عنه:
الأول، من الذي يحمل فرصاً أكبر، وقوة دفع أقوى للوصول الى خط النهاية قبل الآخر: التسوية، أم القرار النهائي.
الثاني، ما هي التداعيات المحتملة لوصول أي منهما قبل الآخر، ذلك أن من يطرح صنفاً كهذا من الأسئلة لا بد من أن يكون مدفوعاً ضمناً بهواجس معينة لها صلة بالنتائج والتداعيات، ومن الواضح، أنه لا يمكن فحص امكانات الفوز بين طرفي الصراع من الناحية السياسية البحتة بدون الأخذ بعين الاعتبار حساب التداعيات والنتائج.
من المتفق عليه، ومما يظهر من العديد من مواقف أطراف رئيسية معينة بهذا السياق، أن حظوظ التسوية جدية، وأن لا أحد حتى الآن قد نفض يداه منها، أو على يأسه النهائي من احتمالات وصولها الى خواتيم سعيدة، وإن لم تظهر نتائج واضحة وعلنية حتى الآن، ويمكن القول هنا، ان التكتم الشديد حول تفاصيل التسوية المبحوث عنها، واستمرار الاتصالات بين الملك عبد الله والرئيس السوري حتى خلال وعكة الأول، والإشارة الى تبادل مسوّدات، يضاف الموقف الأخير لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وما كشف عنه الرئيس بري من أن التسوية قد شارفت على النهاية، كلها تؤكد أن فرص التسوية قائمة وجدية.
هذا في المعطيات العامة، أما على الحسابات الدقيقة، فيمكن التوقف عند الملاحظات الرئيسية التالية:
أولاً: ان استمرار الاخفاق والتعثر الاميركي على أكثر من جبهة وملف داخلي (الملف الاقتصادي ـ المالي تحديداً) وخارجي، لا سيما في افغانستان والعراق وفلسطين.. الخ، يضاف اليها تقييد القوة الاميركية بما يجعلها عاجزة حالياً عن استخدام قوتها العسكرية في أي عمل ميداني مباشر، والاكتفاء بما يعرف بالقوة الناعمة، يجعلها أحوج الى عقد صفقات للمحافظة على الاستاتيكو الحالي، وبما يحول دون خسارتها المزيد من المواقع والأوراق، ويشري لها المزيد من الوقت، لاسترجاع الأنفاس، وتنظيم الصفوف، واستعادة القدرة على الفعل.
ثانياً: ان الكيان الاسرائيلي ليس في وضع أفضل على صعيد المبادرة للقيام بحروب كبيرة في ظل وجود العديد من الكوابح التي تعطل أو تجمد لديه هذه القدرة على الأقل في المدى المنظور.
ثالثاً: الرهان الذي كان معقوداً من قبل أنظمة التسوية في المنطقة مني بفشل ذريع مرة أخرى، وبالتالي، لا تستطيع هذه الأنظمة إلا أخذ هذه النتيجة بالحسبان وأن ترتب على الشيء مقتضاه.
رابعاً: ان الواقع الخاص للعديد من الأنظمة العربية المركزية ليس في أحسن حال، فلا النظام المصري هو اليوم في موقع الفعل، كما انشغالاته الأساسية تتمحور في كيفية ضمان ترتيب شؤون نقل الرئاسة، واستقرار النظام والحكم، أكثر من أي أمر آخر، والنظام السعودي يمر في مخاض داخلي متوتر، وهو أحوج ما يكون في هذه المرحلة الى ايقاف خسائره عند حدٍ حصين، بدلاً من الانخراط في رهانات غير مضمونة.
ان مجمل المتغيرات التي أصابت البيئة الاقليمية والاستراتيجية للأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة فرضت عليها مراجعة حساباتها لا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع سوريا، ومع ايران.
خامساً: ان توازنات القوة داخل لبنان هي لغير مصلحة حلفاء اميركا، ولغير مصلحة المشروع الاميركي في لبنان والمنطقة، لا سيما بعدما أصيب بأعطاب عديدة، عطلت اندفاعاته، وفرضت عليه اما التوقف، وإما التراجع والانسحاب ولو تكتيكياً.
سادساً: لنتصور السيناريو التالي لفرضية صدور القرار الاتهامي قبل الوصول الى التسوية: شلل في الحكومة، لأنه سيكون من المتعذر أن يجلس المتهمون بقتل الحريري، مع المتهم لهم وهو رئيس الحكومة، شلل في الادارات.. الخ بكلمة واحدة سنكون إزاء أزمة حكم وحكومة وأزمة مجتمع، هذا داخلياً، أما خارجياً فلنتصور لجوء المحكمة الى مجلس الأمن كما يقولون، وذلك لإصدار قرارات جديدة تستهدف الضغط على لبنان، فهل ستكون المعارضة هي المستهدفة الوحيدة، أم أن حلفاء اميركا أيضاً، وهل الشلل العام، والإرباك العام، والتضعضع العام، هو لمصلحة المعارضة، أم حلفاء اميركا، ومن الأقدر على استخدام هذا الواقع لمصلحته أكثر.
مجمل هذه الاعتبارات والوقائع هي التي تحسن من فرص التسوية، واحتمالات نجاحها قبل صدور القرار الاتهامي، إلا أن ما يحول دون دفع هذه الفرص الى الأخير هو التالي:
أولاً: وجود اتجاه في اميركا يقوده مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان يدفع باتجاه اصدار القرار قبل التسوية.
ثانياً: وجود اتجاه كبير داخل الكيان الصهيوني يرى في صدور القرار فرصة لا تعوّض لوضع حزب الله في قفص الاتهام الدولي، وتحت مطرقة الضغوط المتنوعة عسى ان يدفع به الى تسليم سلاحه في النهاية.
ثالثاً: وجود اتجاه في الرياض والقاهرة أيضاً من أنصار فيلتمان.
رابعاً: وجود اتجاه في لبنان يؤيد وجهة النظر هذه، وقيل إن الحريري واحد منه.
وهنا نقطة يجب جلاؤها وهي: أن من يريد اصدار القرار الاتهامي قبل التسوية لا يريد ذلك على حساب التسوية نهائياً، وإنما يريد من ذلك رفع أثمان ورقة القرار الاتهامي حتى تشمل ملفات في المنطقة، وفي المقابل، هناك من يريد من اصدار القرار الاتهامي قبل التسوية اطلاق ديناميات فوضى مضبوطة قادرة على استنزاف حزب الله تحديداً داخلياً معنوياً وسياسياً بانتظار التوقيت الملائم لتوجيه ضربة عسكرية مكملة له، هنا تحديداً تكمن وجهة النظر الاسرائيلية وبعض الاميركية والعربية والمحلية، الا أن ما لا يضمنه أحد من هؤلاء هو اليوم التالي لصدور القرار الاتهامي، والطريقة التي ستتصرف بها المعارضة، والوجهة التي ستؤول اليها الأمور خصوصاً في ما يتعلق بمصير حلفاء اميركا ومشروعها في لبنان والمنطقة في هذا الوقت القاتل.
بناءً عليه، فإن حسابات هؤلاء تبدو مربكة ودقيقة، ما يدفع الى ترجيح منح المزيد من الفرص لإنجاز تسوية قبل صدور القرار الاتهامي، والاكتفاء برفع ثمنه من خلال لعبة التهويل بقرب صدوره، حيث من شأن ذلك تحفيز الجميع لإبرام التسوية المطلوبة، التي كما يبدو ستتمحور حول فكرة المساكنة مجدداً بين المتناقضات.
وفي مطلق الأحوال، فإن الفترة المقبلة ستحمل في طياتها الإجابة الحاسمة حول أي الحسابات سيكون لها الفوز.
2010-12-06