ارشيف من :آراء وتحليلات
لبنانيو الويكيليكس: أين لائحة "الشرف"؟
حسين حمية
لم يخطر على بال فريق 14 آذار ـ كعادته ـ إعلان لائحة "شرف" من أسماء أشخاصه الذين ضبطتهم ( وستضبطهم) وثائق ويكيليكس في "حوارات" مخزية ومخجلة مع سفارة عوكر، علما أن تشكيل لوائح "الشرف" كان الأسلوب المفضل لدى هذا الفريق للتعبير عن أنه فوق الشبهات، ولا يحتاج بين الحين والآخر لفحص عروبته ووطنيته، وللتأكيد على طهارة خياراته السياسية ونظافة أفراده، وناظراً إلى مساجلة الفريق المعارض معه في سلوكه الوطني بمثابة تخوين له وتشكيك في ولائه للوطن والدولة.
إذاً، هذه المرة، لن تكون هناك لوائح "شرف" تعلق على جدران الأمانة العامة لفريق 14 آذار أو في صدر الصحف والمواقع الالكترونية الموالية له، ولن تكتب الأسماء لا بماء الذهب ولا بماء التنك، لكن لا يعني هذا، أن اكتفاء من أصابهم عار الويكيليكس ببيانات هامسة (فيها ما يؤكد أكثر مما ينفي) لتخفيف ما أمكن من دوي هذا العار، هو من إرهاصات توبة أو استغفار أو اتعاظ تراودهم، ولا يعني أيضا أنه ناجم عن عجز لديهم في ابتداع الذرائع والحجج الكلامية البحتة لتهوين فعلتهم أو صبغها بألوان وطنية وشعبية، فهم أهل حرفة في هذا المضمار، تجعل الأبيض أسود والعكس، ولا من يستحي أو يحفظ حرمة للعقل أو للعاطفة، فهكذا كان تقبيلهم لكونداليزا رايس ودماء أكثر من 1400 شهيد لبناني، ثلثاهم من الأطفال والنساء، ما زالت آثارها على يديها، وهكذا أيضا كان تكريمهم لجون بولتون (علما أن هذا الرجل في أميركا نفسها لا يذكر إلا بالسوء وبأقبح العبارات)، وكذلك استقبالهم توني بلير بينما كان فاراً من متظاهري بلده لتخزينه خلافا لقوانين دولته ذخائر العدوان على لبنان.
لكن كل هذا، لا يعفي من السؤال عن عدم مبالاة من أتت على ذكرهم الوثائق الأميركية المسربة، وعن تقاعسهم في رد الشبهات عن أنفسهم، وهي شبهات تجر أصحابها إلى المساءلة الشعبية والسياسية والجزائية، ولن يكونوا بمنأى عن تداعياتها الخطيرة، ولن ينفي هذا، القول: "هكذا تكون السياسة في الغرف المغلقة وبحضور السفراء"، فما نقله موقع ويكيليكس عن حوادث مشابهة في روسيا أو إيطاليا أو حتى في بعض البلدان العربية، لم ينحط إلى ما نقله عن لبنان، فالسفير الأميركي في تلك البلدان لا يتم استئذانه في كل شاردة أو واردة تخصها، ولا تقدم له كشوف حساب بنشاطات سياسييها ولا يجري التماهي مع أهداف بلاده واطماعها بما يفيض بكثير عن حاجته لدرجة تحذيره من دولة شقيقة (هي سوريا) وتقديم النصائح له في كيفية ابتزازها لتطويعها وإخضاعها!
وفي تلك البلدان لم نقرأ في الوثائق عن وزير لا يتورع عن نقل معلومات مخابراتية للعدو عن القوة المسلحة التي نجحت في تحرير بلده من الاحتلال وتتصدى بفعالية لأطماعه، بينما وزير آخر هو الوصي على المؤسسة التي أنشئت للدفاع عن جميع اللبنانيين يطالب دولة مغرضة بالتجسس على بلده ويسدي النصائح للعدو نفسه بالواسطة ويعده بتسهيلات منها تحييد الجيش لتسريع عدوان جديد على فئة من أبناء وطنه، في حين زميله المؤتمن على العدل يتقرب من السفيرة الأميركية بتمديد احتجاز الضباط الأربعة لأقصى مدة ممكنة من دون أي سند أو مسوغ قانوني.
لم يكن ليحدث مثل هذا في أي بلد من البلدان التي نشر ويكيليكس غسيلها على السطوح الافتراضية، فما كشفه الموقع المذكور عن لبنان جعلنا وجها لوجه أمام وهم الدولة التي كنا نعتقد أننا نعيش في ظلال فيئها، فإذ لا دولة ولا من يعبرون إليها، ولا يكذب هذه الحقيقة، قول أحدهم انه فوق التخوين وإنه رضع العروبة والوطنية وهو طفل في مدينته (وهي بالمناسبة مدينة مقاومة يشهد لها تاريخها)، كما لا يكذّب ما ورد حول التآمر على سلاح الإشارة في المقاومة بأنه من خيال السفيرة ميشال سيسون، كذلك لا يسقط "اتهام" التحريض على العدوان وتسريعه برد موجز بأن ما نقلته الوثائق هو مجتزأ وغير دقيق.
يستفيد فريق 14 آذار للتستير على فضائح بعض أشخاصه من التروي الدولي في التعاطي مع الوثائق الأميركية المسربة لانتظار اكتمال نشرها واستيضاح خلفياتها والتحسب لأهدافها، وإذا كان هذا التروي له وجاهته دوليا، إلا أنه في لبنان يفتقد مثل هذه الوجاهة التي يحاول فريق 14 آذار إشاعتها لكسب الوقت والتقاط الأنفاس لمصلحة معركته في تسريع إصدار القرار الظني، لذا يجهد إعلامه في إغراق اللبنانيين (وينساق معه بعض الإعلام الآخر) في تحليلات وكتابات تحرف أنظارهم عن الخطيئة الموثقة بحق بلدهم، وهي تراوح بين إلهاء الناس بتكهنات عن كيفية حدوث التسريب وانتقاد بيروقراطية واشنطن والنواح على ديموقراطيتها، أو الاكتفاء بأن ما كشفته الوثائق يعرف اللبنانيون ما هو أكثر منه، وكفى المؤمنين شر الحساب.
لا، وثائق ويكيليكس أو ما نشر منها، وليست ما أوردته من الوقائع التي باتت معروفة وحسب، التي فضحت عن قصد أوغير قصد حقبة بأكملها كان فيها فريق 14 آذار مسؤولا عن إدارة البلد، ومن خلالها يمكننا تفسير كل ما حدث منذ صدور القرار 1559 إلى حين صدور القرار الظني.
يبقى ملاحظة سريعة، إذا كانت سيسون بمثل هذا تتعاطي مع مسؤولين كبار في الدولة، فكيف تكون جلساتها مع أركان الأمانة العامة لـ 14 آذار... اكتملت لائحة "الشرف".