ارشيف من :آراء وتحليلات
لقاءات جنيف الايرانية الدولية: اخفاق العقوبات
عبد الحسين شبيب
لماذا عادت دول مجموعة الخمسة زائد واحد (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا اضافة الى المانيا) الى الحوار المباشر مع ايران بعد أربعة عشر شهراً من الانقطاع المتواصل؟
السؤال بديهي لأن المتابعين للخطاب التصعيدي الغربي ضد ايران يستغربون هذه العودة الطيّعة للدول الست الأكثر نفوذاً عالمياً الى الجلوس معها والاستماع من ممثلها أمين المجلس الأعلي للأمن القومي الايراني سعيد جليلي الى خطابات وعظات ومواقف حاسمة بدأت من استنكاره امامهم محاولة اغتيال عالمين نويين ايرانيين (احدهما استشهد والاخر نجا)، وانتهت باعلان رسمي ايراني تولى اذاعته جليلي نفسه بعد يومين من المحادثات في جنيف، بأن الغرب قبل شروط التفاوض الايرانية في الجولة المقبلة في اسطنبول اواخر الشهر المقبل.
والتفسير الايراني المتداول لهذه العبارة هو ان المفاوضات المقبلة لن تقتصر فقط على الملف النووي الإيراني بل ستشمل التعاون حول النقاط المشتركة، وفي بعض الترجمات للتصريح الايراني، القضايا المشتركة، وهو عبارة يمكن ان تدرج تحتها كل الملفات التي تعد الجمهورية الاسلامية لاعباً حاسماً او مؤثراً فاعلا فيها.
وفيما لاذت الدول الست بالصمت إزاء التفسير الايراني لجدول الأعمال المقبل في اسطنبول، كان هناك تفسير إضافي من الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الذي قال ان "طلَبَنا من الغرب كان منذ البداية، هو ان يتعامل مع الشعب الايراني من منطلق الصداقة والتعاون وألا يكون بصدد إهدار حقوق الشعب الايراني المشروعة". واذ رحب نجاد بالاخبار التي تفيد أن الغرب قد استجاب لدعوة الشعب الايراني، فإنه أعرب عن امله، في ان تجري الجولة المقبلة من المحادثات والإسراع بالدخول في المرحلة التطبيقية للتعاون الثنائي والمتعدد الأطراف، ليقدم الخلاصة التي تريدها طهران بالقول: "ان ايران تسعى لكي تضطلع بدور في ادارة العالم وهذا ليس طمعاً أو غطرسة بل هو حق طبيعي لأي شعب".
وعليه فإن البرنامج النووي الايراني سيكون واحداً من موضوعات مفاوضات اسطنبول وليس الموضوع الوحيد، كما أنه سيجري تناول الموضوع وفق الشروط الإيرانية التي سمعها ممثلو مجموعة (5+1) وهي على الشكل التالي:
1_ إن إيران ترفض البحث في وقف تخصيب اليورانيوم؛
2_ رفض بحث أي خطوة يمكن أن تؤدي الى أي تباطؤ في برنامجها النووي؛
3_ ابداء استعداد طهران لبحث امكانية مبادلة الوقود النووي؛
4_ ان الاستمرار في تخصيب اليورانيوم الى درجة نقاء 20 في المئة وبناء محطات نووية موضوعات غير قابلة للتفاوض؛
وقد خلص الرئيس نجاد الى وضع اطار واسع للنقاش الايراني مع مجموعة الستة ليشمل التعاون في مجالات مختلفة تشمل اضافة الى ما تقدم قضايا سياسية واقتصادية وأمنية عالمية باعتبارها موضوعات للتفاوض.
ولعل في العبارة الأخيرة تكمن شياطين السياسات الغربية التي قادتها الى فشل تلو آخر. فالذي دفع هذه المجموعة الدولية للجلوس مجددا مع طهران هو اخفاق نظام عقوباتها الآحادية، التي تعتمدها الولايات المتحدة، والدولية التي توسلت فيها مع حلفائها في مجلس الامن الدولي لاطباق الحصار على القدرات الايرانية، لكن النتيجة كانت مزيداً من الخيبات في ظل نجاح الجمهورية الاسلامية في الالتفاف على الاجراءات العقابية التي تبين أن الاميركيين وحلفاءهم هم من خسر اقتصاديا وليس ايران، التي، على سبيل المثال، انتقلت بسرعة من دبي التي كانت تعد حديقة خلفية لمداولاتها المالية الى تركيا التي أصبحت البديل الآمن بعدما خسرت الامارة الاماراتية ميزات الحضور الايراني فيها.
واذا كانت البداية تتمثل بالاخفاق الأمني المتمثل بدعم التحركات الاحتجاجية التي أعقبت إعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد لولاية ثانية، (تبين لاحقا أن ما شهدته إيران ما محاولات شغب، كان يدار من الخارج وتحديد من مقر وزارة الخارجية الاميركية)، فان فشل نظام العقوبات الجديد أخذ بيد النظام الاسلامي في ايران من قوة الى أخرى، وليس أدل على ذلك من أن الخبراء المختصين بالشؤون الدولية يعطون لطهران العلامة الأكبر في انجاز الصيغة السياسية الجديدة في العراق برئاسة نوري المالكي، الى درجة بات يصح معه القول أن ايران هي التي أعطت الولايات المتحدة حصة عراقية، ما يعني ان النفوذ الايراني الاقليمي يزاد فعالية يوما بعد آخر. كما أن أفغانستان ليست بعيدة عن هذا الأمر، وهناك تحليلات رصينة تقول بأن الاميركيين يصعدون في ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ضد حزب الله لكي يفاوضوا الايرانيين على تسهيلات يقدمونها لواشنطن في الملفين العراقي والأفغاني.
واذا اضفنا الى ما تقدم، الانتكاسة التي مني بها الرئيس باراك اوباما في الانتخابات التشريعية النصفية التي نزعت من حزبه الاغلبية في مجلس النواب وباتت بيد الجمهوريين، فضلا عن اخفاقه في تفعيل عملية التسوية المباشرة بين المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيلين بعد فشل الادارة الاميركية بوقف تجميد الاستيطان الاسرائيلي ولو لمدة وجيزة، كل ذلك يشكل مقياسا لتفسير الأحداث، ربما من بينها سبب رضوخ مجموعة الـ(5+1) وعودتهم الى طاولة الحوار مع إيران واذعانهم لشروطها في التفاوض، ليكون ذلك دليلا إضافيا على اخفاقات كل الاجراءات العدوانية ضد هذا البلد، الذي يبدو اقتصاديا في وضع أفضل من وضع الولايات المتحدة الأميركية نفسها. ومن غير المعروف ما اذا كانت واشنطن عادت الى طاولة جنيف بالوكالة لقطع الطريق على أي مغامرة اسرائيلية تجاه ايران في ظل هذا التدهور السياسي لعملية التسوية.
على أي حال فان ما ستخرج به جولة اسطنبول الشهر القادم سيكون كافيا لرسم ملامح المرحلة المقبلة لجهة الكيفية التي ستتراصف فيها الملفات الاقليمية بين ايران وهذه المجموعة، وكيف لن يعود الملف النووي هو الذي يتصدر جدول الأعمال الغربي بعدما فشلت كل محاولات ثني الجمهورية الاسلامية عن حقها في امتلاك المعرفة النووية والقدرة على تطبيقها على الأرض في المجالات المدنية التي تقوم بها حالياً.