ارشيف من :آراء وتحليلات

قضايا مضيعة... بين كرة القدم والألعاب النارية!

قضايا مضيعة... بين كرة القدم والألعاب النارية!
عقيل الشيخ حسين
"فلتذهب كرة القدم إلى الجحيم وليبق الوطن". هذه العبارة وردت على لسان رجل أردني هاله سقوط مئات الجرحى في العنف الذي تفجر بعد مباراة في كرة القدم جرت في إطار الدوري الأردني. وبصرف النظر عن الملابسات التي وصفها البعض بالعنصرية، يبقى أن المباراة لا ينطبق عليها الخطاب السائد عالمياً والذي يحرص على تزيين الرياضة، وكرة القدم على وجه التحديد.
وكان يمكن لأحدهم أن يقول "لتذهب كرة القدم إلى الجحيم، ولتبق الأمة"، يوم تفجرت حرب الكرة بين مصر والجزائر، وأفضت إلى حرب إعلامية أججت الغرائز، قبل أن تفضي إلى حرب تجارية وديبلوماسية، كان يمكنها أن تفضي بدورها إلى حرب عسكرية لولا الحواجز الجغرافية بين البلدين.
ويمكن أن يقول مثلها كل امرئ يسوءه أن تصبح لكرة القدم كل هذه السطوة، وأن يتعلق الناس بها كل هذا التعلق في وقت تعاني منها القضايا الكبرى، في فلسطين، مثلاً، من الإهمال والهجران.
وفي وقت يصبح فيه فوز بلد عربي باستضافة المونديال، في العام 2022، لا يدري أحد ما إذا كان سيكون يومها في عداد الأحياء أو الأموات، إنجازاً وانتصاراً ليس فقط للبلد الفائز بل لكافة البلدان العربية وللشرق الأوسط، وهي البلدان التي يعاني قسم كبير منها من الاحتلال وعمليات التفكيك والفتن وفقدان الوزن السياسي على المسرح الدولي والإقليمي، ناهيكم عن الفقر والمرض والتشرد.
إنجاز يستحق ألا تتوقف الاحتفالات به من الآن وحتى الوصول إلى اللحظة السعيدة. وأن يجرى الإعداد لتلك اللحظة، على مستوى بناء الملاعب والمرافق والبنى التحتية والفوقية والفنادق، بوسائل تقنية مبهرة، وبتكاليف تصل إلى 55 مليار دولار.
صحيح أن البلد المعني سيقفز يومها إلى كل شفة ولسان، وسيعود عليه المونديال بعائدات مالية قد تفوق التكاليف أضعافاً مضاعفة. ولكن هل يحظى البلد المعني على مجد يتجاوز حدود المجد الرياضي؟
هذا النوع من الأمجاد الفارغة من المضمون الحضاري أو المعنوي يستحوذ على اهتمامات بلدان الخليج الأخرى. من برج دبي، إلى ساعة مكة، إلى بطولة عُمان العالمية في عروض الألعاب النارية.
تلك الألعاب التي عرضت وسائل الإعلام نماذج مذهلة عن مدى جماليتها وعناصر الإبهار فيها تجرى بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني لسلطنة عمان. وقد بدأت في 6 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وستستمر طيلة اثني عشر يوماً حتى الثامن عشر منه.
وقد علم أن حوالي 50 شركة عالمية تعمل في مجال عروض الألعاب النارية تقدمت بطلبات لتنظيم تلك الألعاب، لكن الفوز كان من نصيب ست شركات من هونغ كونغ وأوستراليا واليابان والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا.
ولم يعلم كم ستبلغ تكاليف تنظيم تلك الألعاب. لكن بات من المعلوم أن الشركة التي ستفوز بالمركز الأول ستحصل على جائزة عينية من المشغولات العمانية، إضافة إلى جائزة مالية متواضعة.
وبمناسبة اختتام قمة المناخ في كانكون قبل أيام، وطالما أن الألعاب النارية تسهم في مفاقمة الإنحباس الحراري، لم تتسرب أية معلومات عن كمية الإنبعاثات الغازية التي ستنجم عن تلك الألعاب الضخمة. ولا عن كمية التلوث التي ستنجم عن مونديال العام 2022.
مرة أخرى، من اللعب بالكرة، إلى اللعب بالصروح العمرانية الضخمة، إلى الألعاب النارية الضخمة، وكلها ألعاب ذات كلفة بشرية ومادية ضخمة، يبدو أن الجد في مراكز قرار عالمنا العربي مقصور على شؤون أخرى ليس بينها بالطبع نصرة فلسطين ومقاومة الاستيطان والتهويد.
ومرة أخرى، بالعودة إلى هذا النوع من الأمجاد العربية المعاصرة، فإنها أمجاد تتحقق بفضل أموال عربية. لكنها لا تبنى بأيد عربية، بل بأيدي الشركات الأجنبية.
صحيح أن من بينها صروحاً قد تستحق أن توضع إلى جانب الأهرامات وتاج محل وبرج إيفل، أي إلى جانب تلك الصروح التي تخوفت قمة كانكون من اندثارها بسبب الكارثة المناخية التي تضرب عالم اليوم. متناسية في تخوفها على صروح ميتة، اندثار الحياة على سطح الكوكب بسبب الكارثة نفسها.
ومتناسية إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. مع أنها تستحق الذكر أكثر من غيرها بكثير.
2010-12-15