ارشيف من :آراء وتحليلات

لا صراخ في البرية..والحديث على المكشوف

لا صراخ في البرية..والحديث على المكشوف
حسين حمية

حقق حزب الله ومعه المعارضة إنجازاً مزدوجاً في حملتهما الاستباقية على القرار الظني المتوقع صدوره قريباً، والمعروف مضمونه منذ ما قبل اغيتيال رفيق الحريري كما يستشف من كتاب "في سر الرؤساء" لمؤلفه الفرنسي فانسان نوزي.

الإنجاز الأول، هو الانتهاء من كذبة المحكمة الدولية، وإخراج حقيقتها إلى تحت الشمس وجعلها في مرمى أعين اللبنانيين والعرب ومعهم شعوب العالم، لتنكشف أمامهم كيف اقتحمت هذه الاداة الاستعمارية لبنان متنكرة بلبوس البحث عن الحقيقة وتحقيق العدالة، وكيف أفادت من تناقضات أبنائه لتتسلل إلى مربط عيشهم الواحد لتفخخه بألغام تملك توقيت تفجيرها قوى دولية معروفة في طليعتها "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية.

أهمية هذا الإنجاز، أنه جاء قبل خراب البصرة بالزمن الكافي، وأوضح بالصوت والصورة والوثيقة وكل أنواع أدلة الإثبات، أن هذه المحكمة لا صلة لها من قريب أو بعيد بالمهمة الصورية التي تزعمها لنفسها، إنما لديها أمر مهمة استعماري واضح هو تجريم أي جهد جدي وفاعل وطنيا كان أم قوميا أو حتى أمميا يضع حدا للغطرسة الإسرائيلية واستخدامها في تسويق مشاريع الهيمنة على المنطقة من قبل الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي.

الإنجاز الثاني، هو وقف استخدام التكاذب اللبناني المعروف في السجال حول المحكمة، وتسمية الأشياء بأسمائها دون أي زيادة ونقصان، فلم يعد للمتآمر ألف اسم لا يدل واحد منها على تآمره، ولم يعد للخائن ألف اسم لا تدل كلها على خيانته، وإذا كان هذا التكاذب جعل البعض يتوسّع في مفهوم احترام المجتمع الدولي ليفتح ممرات فسيحة لدخول قوى دولية مغرضة إلى البلد لا تستثنى منها "إسرائيل"، وأخذ يضيّق من مفهوم السيادة ليشتبه من مساعدة الشقيق ويتهمه بالتدخل، فبعد ما ظهر من تجربة المحكمة ومحققيها، سوف يكون الحديث أو السجال على المكشوف، وسيسمى الخائن أوالمتآمر أوالمستقوي بالعدو باسمه.

منذ أكثر من ستة أشهر وكأن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله يصرخ في البرية وهو يخاطب الفريق الآخر، فلم يتطوع أحد من هذا الفريق ليطلب من المحكمة الدولية أو يشرح بنفسه، لماذا "إسرائيل" لا تغتال الرئيس رفيق الحريري، ولماذا التحقيق الدولي استبعد هذه الفرضية، أو كيف نفّذ طوني بلير وجورج بوش وجاك شيراك مشروعهم المشترك في لبنان لتدمير الدولة السورية كما ورد في مذكرات الاثنين الأولين وفي وثائق نوزي الرسمية على ما جاء في كتابه المذكور، كما لم ينبر واحد منهم لتفنيد إثباتات المعارضة وأدلتها حول انحرفات التحقيق الدولي أو العيوب الدستورية والقانونية التي تعتري نشأتها والشبهات الواضحة في طريقة عملها ونظامها.

يراهن فريق 14 آذار، كلهم وليس بعضهم، أن بالإمكان القفز من فوق أجوبة هذه الأسئلة، وأنهم قادرون على إضفاء شرعية على محكمة تنوي محاسبة المقاومة على تعطيلها مشاريع السيطرة الغربية على المنطقة، وسيجعلون المعارضة في نهاية المطاف تستسلم للأمر الوقع الذي يأخذون البلد إليه، بذريعة عدم سقوط الهيكل فوق الجميع أو عدم غرق القارب بمن فيه أو مخافة تهديم العيش الواحد أو المشترك وغيرها من العبارات التي يزخر بها قاموس النفاق اللبناني.

لكن كانت مصادفة ثمينة أن تأتي وثائق ويكيليكس اللبنانية بالتزامن مع نية هذا الفريق ومشغليه الدوليين التسريع في إصدارالقرار الظني، لينفضح المفضوح، وليعرف اللبنانيون من ميشيل سيسون من هم لصوص الهيكل، ومن هم الذين يثقبون القارب اللبناني غير آبهين لإغراقه، ومن هم الذين يسممون العيش اللبناني الواحد ببدائية أفكارهم الطائفية وصبيانية سلطويتهم.

ما زال فريق 14 آذار راكب رأسه وتستهويه لعبة الرهانات النارية، لذا قرأ في دعوات حزب الله المتكررة إلى التجاوب مع المسعى السوري السعودي قبل صدور القرار الظني، دليل ضعف وخوف، متوهما أنه نجح ف يمحاصرة المقاومة، فمضى في لبننة المؤامرة الدولية لتشويه صورة المقاومة وإشغالها عن العدو الإسرائيلي، ولم يعر اهتماما لقباحاته في ويكيليكس والتي تتندر بها دول العالم، عن نموذج من السياسيين تعطل حسه بالمسؤولية وفقد إلى غير رجعة حياؤه الوطني فبات يستحل ما يشاء ويحرّم ما يشاء.

المهم، أن اللعبة قاربت من نهايتها، والناس قد ضجوا منها بعد تنكيدها عيشهم وتعطيلها لهم عن الانصراف لهمومهم ومشاكلهم التي تتناسل عليهم منذ ما يقارب الخمس السنوات، فلقد ضاقوا ذرعا بها وبتقلباتها التي تتهم مرة سوريا وأخرى الاصوليين واليوم المقاومة، وهم إذ يسألون عن فجر لهذا الليل الطويل، يذكرون بالفرصة التي منحها السيد.

ولمّا أمرتهم أمري بمنعرج اللوى      فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد.
2010-12-15