ارشيف من :آراء وتحليلات
بعد فشل المفاوضات المباشرة... عرب الاعتدال يراهنون على غير المباشرة!
لو تجرعنا حسن الظن الذي يحدث له في بعض الحالات أن يكون إثماً، واعتبرنا أن عرب الاعتدال غير متواطئين مع "إسرائيل" سراً وجهراً، وأن كل ما في الأمر أن مصالحهم التي يقولون بأنها مصالح الأمة تتقاطع مع مصالح القوى الدولية التي أقامت "إسرائيل" وقدمت كل أشكال الدعم لسياساتها العدوانية والتوسعية. وأن هذا التقاطع لا يفضي إلى تقاطعات بين مصالحهم ومصالح "إسرائيل" التي لا يمكنها أن تكون مصالح الأمة...
ولو سلمنا بأنهم يوظفون ما يربطهم من علاقات وثيقة بالقوى الدولية تلك، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، في خدمة القضية.
ولو اعتبرنا أطروحاتهم القائلة، من زاوية اعترافهم بالضعف، أو حتى من زاوية إنسانيتهم التي تجعلهم يمقتون الحروب وويلاتها، ويفضلون الجنوح إلى السلم حتى إن لم يجنح له العدو الإسرائيلي، وجيهة تماماً لجهة تسليم الأمر كله للولايات المتحدة بوصفها الجهة الوحيدة التي ستقدم للفلسطينيين وللعرب حلاً سلمياً وعادلاً...
ولو عضضنا على الجراح واعتبرنا أن وقتاً سيأتي تفي فيه الولايات المتحدة بما تقدمت به من وعود وتعهدات من مدريد إلى المفاوضات المباشرة مروراً بأوسلو وكامب دافيد والعقبة وشرم الشيخ وأنابوليس وخطاب أوباما في مصر، وغير ذلك كثير...
ولو صدقنا الدعاوى القائلة بعبثية المقاومة وبأن حكمة عرب الاعتدال وتعقلهم وسعة معرفتهم وشعورهم الرفيع بالمسؤولية، وخصوصاً بلاغتهم وقدرتهم غير العادية على الإقناع، ستنبه الولايات المتحدة من غفلتها وتبث فيها ما يكفي من الوعي لإدراك أن مصالحها النفطية وغير النفطية تحكم عليها بأن تقف في صف العرب، وبأن تتخلى عن "إسرائيل"...
ما الذي يكون على عرب الاعتدال فعله، بعد أن أمضوا عشرات السنين في فعل ذلك، وفي تقديم الخدمات الكبرى للسياسات الأميركية، عندما يسمعون وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وهي تعلن بالفم الملآن، أنها لا تستطيع فرض حل للمشكلة الفلسطينية؟ وعندما نسمع الرئيس أوباما نفسه وهو يقول ما معناه بأن مصير الفلسطينيين بين أيديهم، لا بين يديه؟
وعندما يسمعون الأميركيين وهم يهددون بالويل والثبور كل من تسول له نفسه الاعتراف بالدولة الفلسطينية المعلنة من جانب واحد في حدود العام 1967؟ وخصوصاً أنهم يعلمون علم اليقين بأن الفيتو الأميركي جاهز لضرب كل محاولة للاعتراف بتلك الدولة في مجلس الأمن؟ وأنهم يعلمون، على افتراض صدور قرار بذلك، أن هذا القرار سيأخذ طريقه في الفراغ سربا، وراء ما لا يحصى من قرارات ادانت الدولة الصهيونية واعترفت بحقوق العرب؟
من العبث أن يطالبهم أحد بالعودة إلى التفكير بحل عسكري. أو بموقف من النوع الذي اتخذوه عام 1973 عندما قرروا استخدام النفط، مؤقتاً، كسلاح في المعركة. أو بموقف ضاغط من نوع التهديد بسحب السفراء، أو بقطع العلاقات الظاهرة والخفية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، مع الكيان الصهيوني. أو بالتوقف عن ممارسة الضغوط على غزة.
ولكن ألا يمكنهم أن يقولوا للولايات المتحدة بأنها محقة في الاعتراف بعجزها عن فرض الحل عن طريق المفاوضات المباشرة التي ربطت بتجميد مؤقت للاستيطان، بعد أن اعترفت بعجزها حتى عن إقناع الكيان الصهيوني بتجميد مؤقت للاستيطان؟
يبدو أنهم لا يستطيعون قول ذلك للولايات المتحدة. ما الذي يستطيعون فعله إذن؟ كل المؤشرات تذهب في اتجاه واحد: هنالك رغبة أميركية في العودة إلى المفاوضات غير المباشرة وغير المشروطة. وهذه المفاوضات بدأت بالفعل مع عودة جورج ميتشل إلى المنطقة، بعد أن أمضى ثمانية عشر شهراً في رعاية مفاوضات مباشرة كان من المفترض فيها أن تفضي إلى الحل قبل انقضاء عام واحد.
والأكيد أن عرب الاعتدال لا يمكنهم مخالفة هذه الرغبة الأميركية لأنهم ما زالوا، رغم الخيبات الأخيرة، يراهنون على أميركا، لأن أملهم كبير بأوباما. ألم يقل في الخطاب الشهير الذي ألقاه في القاهرة العام الماضي بأن وضع الشعب الفلسطيني لا يُحتمَل. بأن الولايات المتحدة لن تدير ظهرها لطموحات الفلسطينيين المشروعة والمتمثلة بالكرامة والحصول على الفرص وإقامة دولة خاصة بهم؟ وأملهم به يظل كبيراً مع كون المواقف الأميركية الأخيرة قد نسخت كلام أوباما عن طموحات الفلسطينيين.
وحتى لو تجرعنا حسن الظن الذي يحدث له أن يكون إثماً، فهل يسعنا أن نغفل عن الواقع المتمثل بكون أوباما، على افتراض حسن نيته، قد أصبح من الماضي ولم يعد في موقع يؤهله لاتخاذ قرار فيما يخص قضايا أقل تعقيداً بكثير من القضية الفلسطينية؟