ارشيف من :آراء وتحليلات

لا بأس من التسوية ولا تفاؤل بامكانها: الأزمة اللبنانية.. راوح مكانك

لا بأس من التسوية ولا تفاؤل بامكانها: الأزمة اللبنانية.. راوح مكانك
مصطفى الحاج علي
يمكن ايجاز مسار الأزمة اللبنانية بالخلاصات الرئيسية التالية:
أولاً: ثمة تمسك عام بالمسعى السوري ـ السعودي، فلا أحد من الأطراف المعنية وصل الى حد نعي هذا المسعى، بل على العكس من ذلك فإن الرهان على أن يأتي بالتسوية المطلوبة في آخر لحظة ما زال قائماً، مع تسجيل ملاحظات عدة أن هناك من يقوم بنفي وجود مسعى فعلي من هذا النوع، أو التقليل من مستواه الى درجة ما دون المبادرة الفعلية، وذلك في مقابل المعلومات المتقاطعة، أن هذه المساعي توصلت الى انجاز ورقة وكان يمكن ان تنقل الى حيز التنفيذ لولا الدخول الاميركي على خط التعطيل، ولولا الرغبة السعودية المستجدة الهادفة الى تحويل المبادرة الى مبادرة متكاملة تشمل مجمل معالم الأزمة السياسية اللبنانية، الأمر الذي من شأنه ادخال تعقيدات غير محسوبة، لا سيما أن الهدف المستتر من ذلك يكون حينذاك تحويل ورقة المحكمة والقرار الاتهامي الى ورقة تفاوض لمقايضتها بأثمان سياسية داخلية وحتى خارجية، ولا شك، هنا، أن الوعكة الصحية التي ألمت بالملك عبد الله ادخلت عائقاً تقنياً من شأنه على الأقل ابطاء حركة الاتصالات، ويقدم ثمناً ثميناً للراغبين بالتعطيل أو بإصدار القرار الاتهامي قبل التسوية.
ثانياً: من الواضح، أن الاشتباك المحلي والاقليمي والدولي ليس فقط حول التسوية، وإنما أيضاً حول من يسبق من، ما زال قائماً بقوة، وسط اصرار كل طرف على موقفه حتى الآن على الأقل.
فكل المواقف المعلنة أو غير المعلنة، يضاف اليها حركة الاتصالات، والرسائل المتبادلة تؤكد هذا الاستنتاج، وهنا أهمها:
أ ـ المواقف الصادرة عن الرئيس الحريري وفريقه النيابي والسياسي والاعلامي، وهذه المواقف وإن لم تقطع مع التسوية، وإنما تعلن صراحة أنها تريدها بعد التسوية، وهي جاهزة لكل ما يلزم.
ب ـ الاتصالات التي تقوم بها باريس، وكان آخرها دعوة الرئيس السوري الى زيارة باريس، والخلاصة المستفادة من المواقف المعلنة للطرفين أن مسألة من يسبق من كانت محور النقاش، فالرئيس السوري حذر من مغبة أن يسبق صدور القرار التسوية، مؤكداً أن امكانيات التأثير على قوى المعارضة ستضعف عندها الى حد كبير، في حين أكد الرئيس الفرنسي ساركوزي على ضرورة ان تقدم دمشق العون على ضبط مرحلة ما بعد صدور القرار من خلال ما تملكه من قدرة على التأثير، ويبدو ان الزيارة انتهت حتى هذه النتيجة ليس إلا.
ج ـ استئناف العامل الاسرائيلي دوره في ما يخص أزمة المحكمة والقرار الاتهامي عبر توجيه رسائل واضحة اتخذت جملة مضامين أبرزها: أولاً: الترويج لفكرة بأن حزب الله مضغوط، ونتيجة لهذا الضغط فهو يمكن ان يهرب الى الأمام عبر افتعال مواجهة مع الكيان الاسرائيلي، ثانياً: رفع درجة التهويل والترويع من مغبة اقدام الحزب على عمل من هذا النوع من خلال التأكيد على أن الحرب المقبلة ستكون مدمرة للمدنيين، وأن لديه جهوزية كاملة هذه المرة، ثالثاً: وهو الأهم، تمديد مفعول التحذير ليشمل أي عمل داخلي يمكن أن يقوم به حزب الله لقلب الطاولة والمعادلة، ما قد يؤدي بحسب كلامه الى تسريح مبكر لأدوات اميركا الى المنزل، وهذه الرسالة ـ كما يبدو ـ حملها الفرنسي الى الرئيس السوري اثناء زيارته الأخيرة.
من الواضح، أن الاسرائيلي يهدف الى توفير شبكة أمان لأدوات مؤامرة المحكمة، ما يوفر الشرط الموضوعي لأحد أمرين: إمرار القرار الاتهامي بدون أي ردود فعل مؤثرة، ومن ثم تعديل توازنات القوة لمصلحة أدوات مؤامرة المحكمة، وبما يخدم حلفاء واشنطن في لبنان.
د ـ ثمة نقطة هنا، لا يمكن تجاوزها وتتمثل بالمواقف التي صدرت في مدينة طرابلس مؤخراً ومن شخصيات ملحقة بتيار المستقبل، والتي امتازت بحدة مذهبية غير مبررة، والتي لا يمكن قراءتها خارج المحاولات البائسة من هذا الفريق للتمترس مجدداً وراء الخطوط المذهبية بما هي المدخل الموضوعي للضغط بالفتنة لايجاد الظروف الموضوعية المطلوبة لإمرار القرار الاتهامي.
ثالثاً: ارتفاع حدة المواقف السياسية المتجاذبة حول القرار الاتهامي والمحكمة الدولية، والتي تجد تفسيرها المباشر بتواتر الكلام حول اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي (ما بين 15 ـ الى 20 كانون الأول)، وان المسعى السوري ـ السعودي عالق عند العقبة الاميركية.
رابعاً: تأكيد امين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في كلمتيه اللتين القاهما ليلة العاشر ويوم العاشر من محرم بمناسبة احياء مراسم ذكرى عاشوراء على:
أ ـ ان المحكمة هي أداة في مؤامرة اميركية ـ اسرائيلية تريد النيل من المقاومة.
ب ـ ان الهدف الرئيسي هو افتعال الفتنة المذهبية في لبنان.
ج ـ ان الحزب يتعامل مع أهداف هذه المرحلة وهو يعمل على تعطيلها، وأنه نجح في تعطيل قسم رئيسي وهو يعمل على تعطيل القسم الأخير منها، جازماً وقاطعاً بأن أهداف هذه المؤامرة ستذهب أدراج الرياح.
د ـ أشار بواقعية الى ان المحكمة بما هي قرار صادر عن مجلس الأمن لن يستطيع أحد ايقافها، وان كان بالامكان تجميدها كما هو حال الكثير من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، ما يعني اخراج ما هو ليس بيد اللبنانيين بالمطلق من دائرة الأخذ والرد، وتوجيه دعوة ضمنية للعمل بما هو في أيدي اللبنانيين لمنع انزلاق لبنان الى مهاوي هذه المؤامرة، وهنا يمكن عمل الكثير اذا حسم الطرف الآخر قراره لمصلحة هذه المهمة الانقاذية، والتحرر بالتالي من قبضة التوجيه الاميركي واملاءاته.
مجمل هذا المشهد يؤكد التالي:
أولاً: ان كل طرف يحاول استخدام ما يملك من أوراق بما يخدم أهدافه لا سيما في ما يتعلق بمعادلة السباق بين التسوية والقرار الاتهامي.
ثانياً: هذا السباق وضع مؤخراً تحت ضغط عامل الوقت المتمثل بقرب صدور القرار الاتهامي مع ملاحظة أساسية أن مفردة الصدور لم يعد المعني بها بيلمار بقدر ما المعني بها فرانسين، الأمر الذي يمدد عملياً من فرصة ايجاد التسوية المطلوبة وشراء المزيد من الوقت للجميع، لا سيما لايجاد المتغيرات والظروف الأكثر ملاءمة لأي من هذه الأطراف.
ثالثاً: ان الايقاع الذي يضبط حركة كل الأطراف هو تقديرها لما ستؤول اليه الأمور، وهو الذي سيحدد مواقفها النهائية، وهذا ما يفسر حركة الرسائل المتبادلة، والتحذير من مغبة الوقوع في التقديرات الخاطئة.
رابعاً: السيناريوهات المحتملة تتراوح بين إحالة القرار الاتهامي من بيلمار الى فرانسين، ما يعني بقاء الأزمة اللبنانية عالقة وسط شلل الحكومة، وشراء المزيد من الوقت ما لبلورة التسوية المطلوبة، وإما لانضاج ظروف أكثر ملاءمة لملاقاة عمل عسكري اسرائيلي لا سيما وسط الكلام بأن الاسرائيلي يحتاج الى أشهر ليتمكن من توفير اي مستلزمات حرب مقبلة، ولذا، كثيرون يرون ان المرحلة من شهر نيسان المقبل حتى أواخر العام المقبل ستكون حاسمة في تحديد وجهة الأمور، وإلا فكثير من المعادلات ستنقلب مجدداً.
خامساً: في مطلق الأحوال، لا بأس من التسوية، كما أنه لا تفاؤل مطلق بامكانها، والأمور ما بينهما حتى إشعار آخر
2010-12-18