ارشيف من :آراء وتحليلات

أوروبا: مواجهات صعبة مع الثلوج!

أوروبا: مواجهات صعبة مع الثلوج!
عقيل الشيخ حسين
منذ أكثر من أسبوعين، ومع أن موسم الثلوج لم يبدأ بعد في أوروبا، تتعرض معظم المناطق الأوروبية لعواصف ثلجية هي الأكثر قسوة منذ مئة عام. فقد تدنت درجات الحرارة لتصل إلى أقل من 20 بالمئة تحت الصفر في اسكتلندا، ولتبلغ 50 درجة تحت الصفر في بعض المناطق الروسية.
ومن الطبيعي أن يتسبب تساقط الثلوج والبرد الشديد بخسائر جاءت في طليعتها الخسائر البشرية، حيث توفي 60 شخصاً أكثرهم من المتشردين الذين يأوون إلى زوايا الشوارع أو يقطنون تحت الجسور وغيرها من الأماكن المشابهة.
لكن الاهتمام تركز على الخسائر المادية التي لا يزال من المبكر تقدير حجمها. لكن التقديرات الأولية تشير إلى أن المنطقة الباريسية وحدها، على سبيل المثال، تسجل خسائر مادية تقدر بـ 20 مليون يورو يومياً.
وتتراوح الخسائر بين انقطاع التيار الكهربائي عن ألوف السكان، وتجمد المياه داخل شبكات التوزيع على البيوت وغيرها من المرافق. وبالمناسبة، يتسبب تجمد مياه الأنهار بإرباك حياة الطيور البرية التي بدأت تقتحم مساكن البشر بحثاً عن الماء.
كما تسببت الثلوج والبرد الشديد بإقفال آلاف المدارس والجامعات، منها 2000 مدرسة في بريطانيا وحدها. إلا أن الأضرار الكبرى أصابت قطاع النقل.
فقد شهدت مطارات لندن وباريس وفرانكفورت وغيرها شللاً حقيقياً ترجم نفسه عبر إلغاء مئات الرحلات الجوية، وتأجيل أعداد مشابهة من الرحلات، ما نجم عنه احتباس مئات الألوف من المسافرين داخل قاعات المطارات.
والشلل نفسه أصاب حركة السيارات والقطارات، بما فيها تلك التي تعبر في أنفاق تحت بحر المانش بين بريطانيا والقارة الأوروبية عبر فرنسا وبلجيكا.
ومن الطبيعي أن ينعكس شلل وسائل النقل بشكل كارثي على الأنشطة السياحية والرياضية، حيث أقفلت المتاحف والمرافق المشابهة، وألغي أو أجل العديد من مباريات كرة القدم والحفلات الموسيقية.
وما يزيد المشكلة تفاقماً أن أوروبا تتهيأ على نطاق واسع لاحتفالات عيدي الميلاد ورأس السنة. والمعروف أن معظم الأوروبيين ينتظرون فترة الأعياد للترفيه عن أنفسهم، وكثيرون منهم يفضلون السفر إلى بلدان أخرى لقضاء هذه الفترة.
وعليه تكون الثلوج قد تسببت بإقفال الكثير من الأماكن السياحية، والفنادق والمطاعم والملاهي والمتاجر، في وقت يعوّل فيه أصحاب هذه المرافق على فترة الأعياد من أجل رفع مستوى عائداتهم المالية.
فإذا أضفنا إلى ذلك خسائر شركات الطيران ووسائل النقل الأخرى، وتعطل الحركة في قطاعات البناء، يصبح من الممكن تصور مدى الأضرار التي تلحقها موجة البرد بالاقتصاد الأوروبي، في وقت يعاني منه هذا الاقتصاد من أزمة مستعصية أساساً.
لكن المشكلة لم تقتصر على الثلوج وحدها، حيث تتعرض مناطق في وسط أوروبا وجنوبها لفيضانات عارمة نتيجة ذوبان الثلوج في الأماكن المرتفعة. وقد ضربت الفيضانات مناطق في البوسنة ومونتينغرو وصربيا، حيث تم إخلاء الآلاف من السكان. ووصل منسوب المياه في شوارع البندقية في إيطاليا إلى حوالي متر ونصف فوق مستوى سطح البحر.
وفي حين بدأت بالظهور بوادر أزمة ناجمة عن تناقص المواد الغذائية بسبب توقف وسائل النقل التي تنقل الأغذية إلى المدن الكبرى، ارتفع منسوب الاستياء الشعبي ـ المرتفع أصلاً بسبب سياسات التقشف ـ وسط اتهامات للحكومات بالتقصير في مواجهة الاضطراب المناخي.
فقد تبين مثلاً أن البلدان الأوروبية لا تمتلك ما يكفي من الملح الذي يستعمل عادة في إذابة الثلوج المتراكمة في الشوارع وعلى مدارج الطيران.
والجدير بالذكر، في هذا المجال، أن العديد من البلدان الأوروبية لجأت إلى الجيش أو استخدمت آلاف السجناء في عمليات إزالة الثلوج بأشكال بدائية أحياناً.
... لكن تساقط الثلوج الذي عائد بافدح الأضرار على معظم المرافق السياحية والتجارية، لم يخل من فوائد لبعضها الآخر: فقد توقع مراقبون أن تزدهر مبيعات الألبسة الشتوية الدافئة.
وبالمعنى نفسه، استقبل مناوئو أنصار البيئة العاصفة الثلجية غير المسبوقة منذ مئة عام، استقبلوها بالكثير من الحبور والسرور. فقد وجدوا فيها دليلاً دامغاً على أن التغيرات المناخية ليست ناجمة عن النشاط البشري، على أساس أن النشاط البشري المسؤول عن هذه التغيرات لم يكن حينها قد وصل إلى مستواه الحالي.
2010-12-23