ارشيف من :خاص
خاص "الانتقاد": الإطار القانوني للجدل اللبناني الإسرائيلي حول النفط في البحر الأبيض المتوسط
وجود أي منشآت إسرائيلية في هذه المنطقة أو في البحر الإقليمي اللبناني هو اعتداء إسرائيلي على الحقوق اللبنانية
عبد الحسين شبيبيضع الجدل الدائر في لبنان بشأن الاكتشافات المتعلقة بالنفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، يضع كيان العدو كطرف محل سجال مع الطرف اللبناني بشأن هذه الاكتشافات والحق في استغلالها، علماً أن هناك مسألة قانونية من شأنها إخراج العدو الصهيونية وكيانه من دائرة الخلاف المباشر مع لبنان.
إن "إسرائيل" هي الدول الوحيدة في العالم التي أنشئت بقرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة حمل الرقم 181 تاريخ 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1947، وفيه قسمت الأمم المتحدة فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية. وقد حدد القرار بالتفصيل الحدود الجغرافية للدولة العربية والحدود الجغرافية للدولة اليهودية، وأقام لمدينة القدس وضعا خاصا برعاية الأمم المتحدة تضمن أيضاً حدودها الجغرافية.
واستنادا إلى هذا القرار أعلن الصهاينة عن قيام دولتهم في 14 أيار 1948. وهذا القرار (181) هو " الوثيقة القانونية" الوحيدة، وهي وثيقة خارجية مشكوك بشرعيتها، التي أتاحت لهم تحقيق مشروعهم التوراتي بإقامة وطن قومي لليهود.
وعندما تقدمت "إسرائيل" بطلب العضوية في الأمم المتحدة أوصى مجلس الأمن الدولي بقبول عضوية إسرائيل بناءً على التزامها احترام وتطبيق القرارين 181 و194 المختص باللاجئين الفلسطينيين، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 273 تاريخ 11 /5/ 1949 الذي وافق على عضوية "إسرائيل" في المنظمة الدولية بشرط التزام القرارين 181و 194، لتكون بذلك الدولة الوحيدة التي قبلت عضويتها في الأمم المتحدة بشروط. وقد قدم هذه الالتزامات خطياً في حينه ممثل "إسرائيل" لدى اللجنة السياسية الخاصة أبا أبيان.
وعليه تكون "إسرائيل" اشتقت وجودها القانوني المشروط بحسب الأمم المتحدة من القرار 181، وبالتالي ليس في استطاعتها أن تجادل في أن القرار لا يملك قوة ملزمة لها. وحتى تاريخه ورغم كل المسارات التي انطلقت في عملية السلام فان القرار 181 لا يزال المتكأ الوحيد الذي تبرر به "إسرائيل" وجودها، ولم يتم إلغاؤه من قبل الأمم المتحدة، وهي الوحيدة المخولة إصدار قرار يعدله أو يلغيه وهو ما لم يحصل.
لقد نص القرار 181 على حدود الدولة العربية بالتفصيل وبدأت الحدود بالجملة التالية: "يحد منطقة الدولة العربية في الجليل الغربي من الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشمال حدود لبنان من راس الناقورة إلى نقطة شمالي الصالحة ومن هناك يسير خط الحدود في اتجاه الجنوب تاركا منطقة الصالحة المبنية في الدولة العربية فيلاقي النقطة الواقعة في أقصى جنوب هذه القرية ومن ثم يتبع خط الحد الشمالي لقرية ميرون فيلتقي بخط حدود قضاء عكا ـ صفد..." الخ.
وقد ترجم البروفسور وليد الخالدي هذه الحدود على خريطة وضعها في كتابه الصهيونية في مئة عام (انظر الخريطة المرفقة).
وبحسب هذا القرار والخارطة المرفقة فان المنطقة البرية من راس الناقورة إلى الصالحة هي الحدود البرية للدولة العربية الفلسطينية مع لبنان، وان الشريط الساحلي الممتد من راس الناقورة إلى عكا على البحر الأبيض المتوسط والتي تضم الجليل الغربي هي حدود الدولة العربية الفلسطينية مع البحر الأبيض المتوسط، وان المنطقة البحرية المقابلة لهذا الخط تضم البحر الإقليمي الفلسطيني والمنطقة المتاخمة له والمنطقة الاقتصادية الخالصة ويصل مجموعها إلى عمق 200 ميل.
وهذا يعني انه لا يوجد منطقة حدودية بحرية مشتركة بين لبنان والدولة اليهودية بل إن الحدود البحرية الملاصقة هي بين الدولتين اللبنانية والعربية الفلسطينية، وإذا ما كان هناك من عمل لترسيم الحدود البحرية فيجب أن يتم بين الدولتين العربية الفلسطينية ولبنان.
إن أي خلاف حدودي بين بلدين تبت به محكمة العدل الدولية وهي إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، ومن المنطقي أن الوثائق الأساسية التي ستعتمدها هذه المحكمة في بت نزاع لبناني إسرائيلي في حال حصل هو القرار 181 كونه يشكل وثيقة إنشاء "إسرائيل" عبر الأمم المتحدة ويتضمن حدودها الجغرافية، وهذا أمر لا نقاش فيه من حيث أن المحكمة لن تجد منطقة بحرية متاخمة بين لبنان و"إسرائيل" بل هي بين لبنان والدولة العربية الفلسطينية، ولا يوجد أي وثيقة قانونية أخرى تعرض لمسألة الحدود الإسرائيلية غير ما ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، حيث أن "إسرائيل" حتى الآن لا يوجد لديها دستور يحدد حدودها كما هي العادة في أي دولة، كما أن المفاوضين الفلسطينيين يطالبون الإسرائيليين بخريطة حدود للانطلاق منه في النقاش الدائر حاليا بشأن الحدود كإحدى قضايا الحل النهائي.
لذلك من الخطأ الحديث عن تفاوض لبناني إسرائيلي أو اشتباك إسرائيلي لبناني في منطقة بحرية ما، فـ"إسرائيل" بحسب منطوق قرارات الأمم المتحدة هي "سلطة قائمة بالاحتلال" في كل المناطق التي تتواجد فيها خارج نطاق الحدود الجغرافية للدولة اليهودية المحددة في القرار 181، ولا يحق لـ"إسرائيل" أن تقوم بعملية ترسيم حدود لا برية ولا بحرية في مناطق تقع في نطاق الحدود الجغرافية للدولة العربية الفلسطينية، كما أن وجودها في البحر الإقليمي للدولة العربية الفلسطينية هو وجود احتلال، والمنشآت التي تقيمها لاستخراج النفط والغاز على تخوم المياه الإقليمية اللبنانية هي منشآت داخل المياه الخاصة بالدولة العربية الفلسطينية بفئاتها الثلاث: الإقليمية والمتاخمة والاقتصادية، وبالتالي هي منشآت غير شرعية وتعتبر بمثابة سرقة للحقوق العربية الفلسطينية، فكيف إذا ما تمددت هذه المنشآت إلى منطقة الحقوق اللبنانية التي تمتد بعمق 200 ميل بدءاً من خطوط الأساس التي ينطلق منها قياس عرض المياه الإقليمية أو البحر الإقليمي لأي دولة، وطبعا المئتا ميل (200) تشمل البحر الإقليمي اللبناني والمنطقة المتاخمة والمنطقة الاقتصادية الخالصة، أو الاستئثارية.
ومن المعروف ان خطوط الأساس هي"آخر نقطة تنحسر عنها مياه الجزر، أو الصخور اليابسة، ويتم مد خطوط مستقيمة تصل بين التعاريج والنتوءات في حال كانت موجودة لوضع خط الأساس على طول الساحل قبل بدء احتساب البحر الإقليمي وما يليه من منطقة متاخمة ثم منطقة اقتصادية خالصة.
وقد أعطت اتفاقية قانون البحار عام 1982 التي اقرها المؤتمر الثالث للأمم المتحدة حول البحار، الدول الساحلية صلاحيات استثنائية في اكتشاف واستغلال الموارد الموجودة في المساحات البحرية والمجاورة لسواحلها بعمق 200 ميل.
وحددت المادة 56 من الاتفاقية بيانا بحقوق الدول والتزاماتها في المنطقة الاقتصادية وهي تتلخص بحق "استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية الموجودة في المياه التي تعلو قاع البحر وفي قاع البحر وفي باطن القاع" (حرفيا)، وبحق القيام بأنشطة أخرى مثل "إنتاج الطاقة من المياه والرياح وبحق إقامة الجزر الاصطناعية والمنشآت البحرية وبحق القيام بأبحاث علمية بحرية وبحق حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها".
كما أن المادة 82 من الاتفاقية أجازت "للدول الساحلية أن تقدم مدفوعات مالية ومساهمات عينية لقاء استغلال الموارد غير الحية (غير البيولوجية) للجرف القاري وراء 200 ميل من خط الأساس" (أي المنطقة الزائدة عن حدود المنطقة الاقتصادية والتي تعتبر امتداداً للجرف القاري).
وللدولة الساحلية الحق في إقامة المنشآت اللازمة لاستغلال هذا الامتداد (الجرف القاري) والحق في صيانتها ولها الحق في أن تقيم حولها ولمسافة 500 م مناطق أمن تتخذ فيها التدابير الكفيلة بحمايتها، وتلتزم الدولة الساحلية عند إقامة المنشآت المذكورة بوضع علامات وإشارات ضوئية والإخطار عن أماكن وجودها حفاظا على سلامة الملاحة البحرية، كما تلتزم بإزالة المنشآت عند التوقف عن استعمالها.
وقررت اتفاقية جنيف لعام 1958 أن سيادة الدولة تمتد خارج إقليمها ومياهها الداخلية إلى البحر الإقليمي وتشمل السيادة على ما تحت هذا البحر وعلى الطبقات الجوية الممتدة فوق سطحه.
وبناءً على ما تقدم فان بامكان لبنان بل من واجبه أن يجادل ويؤكد بأن نطاق عمل المقاومة الحمائي يمتد إلى حماية حقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة بعمق 200 ميل، باعتبار أن وجود أي منشآت إسرائيلية في هذه المنطقة أو في البحر الإقليمي اللبناني هو اعتداء إسرائيلي على الحقوق اللبنانية، ويشكل استكمالا للاعتداء على الحقوق العربية الفلسطينية في المنطقة البحرية المقابلة للدولة العربية الفلسطينية المنصوص عليها في القرار 181، وباعتبار أن المقاومة تملك وفقا لما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قدرات دفاعية ارض بحر قادرة على ضرب السفن والبوارج في المياه الإقليمية الفلسطينية ولمسافات بعيدة.
هذا الكلام لا يجب أن يرتب موافقة على القرار 181 وبالتالي التسليم بتقسيم فلسطين والتخلي عن الجزء الذي أُعطي للدولة اليهودية، ولا يجب أن يشكل أيضا اعترافاً بـ"إسرائيل" ولا منحها أي شرعية، إنما هذه هي الوثائق الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الشأن والتي ألزمت بها "إسرائيل" والتزمت بها الأخيرة ولو من باب الحيلة والخداع لكي تحظى بشرعية المجتمع الدولي في حينه، وهذا الكلام يقع في خانة ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم. وبالتالي فان التهديد الاسرائيلي ضد لبنان الذي يطلقه قادة العدو لثنيه عن استغلال موارده النفطية والغازية يقع في نطاق التهويل ومحاولة فرض امر واقع تحت ضغط التلويح باستخدام القوة، كما هو حال تصريح وزير البنى التحتية الاسرائيلي عوزي لاندو الاخير بشأن انجاز "إسرائيل" ترسيما للحدود البحرية مع قبرص اليونانية ومحاولة سحب نتائجه على المنطقة البحرية اللبنانية وبالتالي المس بحقوق لبنان المنصوص عليها في القانون الدولي، في حين ان المنشآت النفطية الاسرائيلية في البحر المتاخمة للمنطقة البحرية اللبنانية هي في الاساس ووفق قرارات الامم المتحدة منشآت مقامة في مناطق بحرية تخص الدولة الفلسطينية المنصوص عنها في القرار الدولي رقم 181 والذي لا يزال نافذ المفعول وفق المنطوق الاسرائيلي نفسه.