ارشيف من :خاص
خاص "الانتقاد": "الكتيبة 9" زودت فقط بأجهزة التحسس الراداري لـ"معطف الريح" دون الدروع
صواريخ "كورنيت" في قطاع غزة.. المعاني العملية والدلالات
حسان إبراهيم
تطور جديد تسجّل على ساحة المواجهة بين العدو وقطاع غزة بإقرار رئيس أركان الجيش الصهيوني، غابي اشكنازي، قبل أيام، ان الفلسطينيين في القطاع "استخدموا صاروخا روسيا متطورا من نوع "كورنيت"، ضد دبابة ميركافا اسرائيلية، الامر الذي يظهر تحسنا في كميات وانواع السلاح المحسن المهرب الى الفلسطينيين"، مشيرا الى ان "الصاروخ من اكثر الصواريخ خطورة قياسا بالصواريخ التي شهدناها على هذه الجبهة، بل انه لم يستخدم في حرب لبنان الثانية" مع حزب الله، في اشارة الى ان "الكورنيت" في غزة اكثر تطورا من الصاروخ الذي استخدمته المقاومة في لبنان عام 2006.
وجود صواريخ "كورنيت" متطورة في قطاع غزة، سيلقي بظلاله على مجمل المواجهة في القطاع، بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، ولا يرتبط ذلك بالقدرات وإمكانات المواجهة العسكرية نفسها، بل يمتد بطبيعة الحال ربطا، بالخيارات السياسية المتاحة امام الطرفين، وايضا بمكانة وردع كل طرف تجاه الطرف الاخر.
جهد جيش الاحتلال منذ ان انتهت حرب تموز/يوليو – آب/أغسطس عام 2006، على مواجهة كل ما تكشف من فشل اسرائيلي في هذه الحرب، سواء بما يرتبط بآليات اتخاذ القرارات السياسية او العسكرية، او بمفردات ومفاصل ميدانية ظهرت في الحرب، ومن بينها القدرة المتواضعة للمدرعات الاسرائيلية، التي تبين ان لدى المقاومة وسائل قتالية "كورنيت" قادرة على تحييد هذه المدرعات بل وجعلها عبئا على الاحتلال، وسلبت منه إمكاناته في المواجهة والتوغل البري، وهي (الدبابات) كانت على الدوام تشكل فرصة بالنسبة اليه، وتهديدا بالنسبة الى اعدائه.
لم تكن تداعيات الحرب وتكشّف اخفاقات او فشل الجيش الاسرائيلي وقدراته خلالها، مرتبطا فقط بالقدرة على تحقيق الاهداف الميدانية ضد الاعداء، بل كانت التداعيات سلبية على قطاعات واسعة في اذرع الجيش الاسرائيلي. وتشير الارقام الصادرة في أعقاب الحرب، الى ان سلاح المدرعات عانى كثيرا جراءها، بل انخفض عدد المتجندين الى هذا السلاح بشكل كبير جدا، ما اضطر معه قادة السلاح الى تفعيل الدعاية والترويج، شبيهة بدعاية المنتجات والسلع، ومن بينها زيارات الى منازل المستوطنين لعرض انجازات السلاح وطرق الامن التي جرى وضعها حيز التنفيذ في اعقاب الحرب، ومن بينها منظومة حماية لدبابة الميركافا، جرت تسميتها بـ"معطف الريح"، وقادرة بحسب الدعاية الاسرائيلية على مواجهة صواريخ مضادة للدروع، بل ايضا ضد صواريخ من نوع "كورنيت"، كانت قد تكشفت انها موجودة في ايدي المقاومين في لبنان.
الايام القليلة الماضية شهدت شبه اعتراف اسرائيلي، نتيجة عدم القدرة على متابعة رواية منظومة "معطف الريح"، وايضا المنظومة الدفاعية الاخرى ضد الصواريخ، "القبة الحديدية"، ان المنظومتين غير عمليتين، بل ولن تكونا عمليتين في المستقبل. فجيش الاحتلال لم يتعامل معها من ناحية واقعية على انها عملياتية او قد تصبح عملياتية، وكل ما كان يجري هو دعاية لتسكين الهواجس وحث المستوطنين على التجند في الجيش. فأن تتحول دبابة الميركافا من عنصر جذب للتجنيد الى عنصر طرد، هو عامل سلبي جدا ولا تقدر تل ابيب على التعايش معه، الامر الذي دفعها الى الاحتيال طوال هذه المدة.. وهذا ما اقرت به صحيفة هآرتس قبل ايام، واسمت المنظومة بـ(الخدعة الكبرى).
على اي حال، اوجدت دعاية روايتي "معطف الريح" و"القبة الحديدية"، آمالا مفرطة ومتجاوزة للمنطق بالنسبة للجنود والاسرائيليين بشكل عام، ما تسبب باحباط كبير ومساو للامال لدى تكشف زيف هذه الدعاية.
مع ذلك، جرى تركيب منظومة "معطف الريح" على عدد من الدبابات الاسرائيلية، وبحسب الاعلام الاسرائيلي فان كتيبة واحدة من كتائب اللواء 401 مدرعات، انتهى تركيب المنظومة عليها... لكن المتابعة تشير الى ان هذه المنظومة هي من ناحية عملية منظومة رادار فقط، اي انها رصد اطلاق الصواريخ المضادة للدبابات التي يطلقها المقاومون ومتى تصيب الهدف وفي اي اتجاه، انما مسألة اطلاق صواريخ مضادة ضد هذه الصواريخ، فهي غير عملية..
معنى ذلك ان كتيبة واحدة من لواء واحد، وهي "الكتيبة 9"، مزودة بالمنظومة، او بالاحرى برادار المنظومة، بينما كتائب اللواء الاخرى غير مزودة بذلك، وايضا الالوية الاخرى في الجيش الاسرائيلي، من لواء "غفعاتي" و" الناحل" و"غولاني" وغيرها.
يضاف الى المأزق الاسرائيلي ثلاثة معطيات اساسية:
ان عدد الدبابات الاسرائيلية من نوع ميركافا – الجيل الرابع، محدود جدا لدى الاحتلال وهي تزيد قليلا عن مئة دبابة محصورة تقريبا في اللواء 401، بل ان الحديث النظري الاسرائيلي حول منظومة "معطف الريح"، يشير الى انه لا يمكن تركيب المنظومة الا على هذا النوع من الدبابات.
كما لا يمكن تركيب منظومة معطف الريح على الدبابة بعد صناعتها، بل يجب ان يتزامن التركيب مع صناعة الدبابة، بمعنى ان كل الدبابات الموجودة في الخدمة لدى اللواء 401، غير قابلة للتزود بالتدريع الجديد.
ان كل الوية الجيش الاسرائيلي المدرعة، عدا اللواء 401، من الالوية النظامية او الاحتياط، مزودة بدبابات ميركافا من الجيل الثاني والثالث، وهي دبابات بطبيعتها، غير قابلة لتركيب اي منظومة حماية عليها.
المعنى العام لكل هذه المعطيات، ان خطر صواريخ الكورنيت حقيقي، وغير قابل للمعالجة من قبل جيش الاحتلال، ما يفرض عليه ان يتكيف معها من خلال الهروب منها.. وهذا بدوره يعني الكثير:
من ناحية عملية، يمكن الاشارة الى النتائج التالية، مع وجود صواريخ كورنيت في قطاع غزة:
سيصعب على جيش الاحتلال، ان يتخذ قرارات توغل برية في قطاع غزة، كان قد اعتاد عليها في السابق، فهو غير قادر على ارسال جنوده راجلين، وغير قادر على ارسالهم عبر دباباتهم، من دون حماية.
تقليص قدرة الردع الاسرائيلية الى حدود لم يشهدها القطاع في السابق، بمعنى ان للمقاومين قدرة على المناورة الميدانية وفقا للظروف، ما دام ان مجالات عديدة من الخيارات الميدانية قد فقدها الاسرائيلي، بموجب الكورنيت.
اوجد فلسطينيو القطاع ردعا امام المواجهات العسكرية المحدودة، الى حد كبير شبيه بالردع امام المواجهة العسكرية الشاملة.. فصواريخ "الكورنيت" بالنسبة للمواجهات المحدودة، شبيهة بصواريخ بعيدة المدى بالنسبة للمواجهات العسكرية الواسعة.
اصبح بامكان الفلسطينيين، مع حسن استخدام الكورنيت، ايجاد قواعد لعبة جديدة، هي في الكامل في مصلحة قطاع غزة. استخدام الكورنيت بحكمة يمكّن من ايجاد معادلة شبيهة بمعادلة حرب نيسان في لبنان، التي حفظت المدنيين اللبنانيين من الاعتداءات الاسرائيلية.
إيجاد معادلات ضمن هذا الشكل او ذاك، يعني فقدان المرونة الميدانية لدى الاحتلال، وبالتبعية فقدان المرونة من ناحية الخيارات المتاحة امام الاسرائيليين، الامر الذي يعني ان القدرة العسكرية الاسرائيلية، ومهما كانت تميل لمصلحة الاحتلال، الا انها فاقدة لامكانيات تفعيلها، وهذا ما يجب ان يكون هدفا اساسيا لدى الفلسطينيين، ومع وجود "الكورنيت"، اصبح بالإمكان تحقيقه.
يبقى الاشارة الى المعطى التالي:
يظهر وجود "الكورنيت" في ايدي الفلسطينيين في القطاع، ان مساعي تل ابيب وحصارها لم يكن ناجعا.. لم يحصل الفلسطينيون على صواريخ "كورنيت" فقط، بل باتوا يملكون صواريخ "كورنيت" من انواع اكثر تطورا من تلك التي خبرها الاسرائيلي جيدا في حربه على لبنان عام 2006. وانطلاقا من ان العدوان على قطاع غزة كان يستهدف، من بين ما كان يستهدف، فرض حصار كلي وعدم ايصال وسائل قتالية الى الفلسطينيين، فان "الكورنيت" دلالة اضافية على فشل العدوان، ودلالة اضافية على انتصار الفلسطينيين.. وكيفما اتفق، فان ميزان القدرة والخيارات الممكنة امام تل ابيب باتت مختلفة، فما قبل "الكورنيت" شيء، وما بعده شيء آخر.