ارشيف من :ترجمات ودراسات

البطالة مشكلة بلا حل... في تونس وغير تونس

البطالة مشكلة بلا حل... في تونس وغير تونس
عقيل الشيخ حسين
تشهد المدن التونسية منذ عشرة أيام موجة من تظاهرات الاحتجاج على تفشي البطالة في البلاد وعلى ضعف خطط التنمية الحكومية، وكذلك على ظواهر الفساد الإداري والمالي، وعدم التكافؤ بين المناطق التونسية في مجال التنمية.
وقد اندلعت هذه التظاهرات بعد إقدام شاب يحمل شهادات علياً على الانتحار بإحراق نفسه بعد يأسه من العثور على عمل يعيش منه.
ولكي تشتق الحكومة التونسية لنفسها شهادة تقدير حتى من ظاهرة البطالة، حيث يتباهى البعض بصورة تونس المتماهية بالبلدان الغربية المتقدمة، اعترفت تلك الحكومة بأن معدل البطالة في تونس يبلغ 14 بالمئة من مجموع القوة العاملة، وهو رقم يتعادل مع متوسط معدلات البطالة في الغرب.
لكن مصادر البنك الدولي تؤكد بأن معدل البطالة في تونس يصل إلى حدود 60 بالمئة. أي أن البلاد تعيش في وضع اجتماعي واقتصادي مشابه لما هو عليه الحال في معظم البلدان المسماة بالنامية.
وقد سبق لتونس أن شهدت في العديد من مدنها حركات احتجاج مماثلة، لكن ما يجري حالياً يبدو أكثر اتساعاً وأشد خطورة، خصوصاً وأن تغطية الأحداث تقتصر على ما تنقله الرسائل الالكترونية في ظل التعتيم الإعلامي الرسمي.
وتشير التقارير الواردة إلى أعمال شغب رافقها إحراق مراكز حكومية وسيارات ومصارف، وإلى صدامات مع الشرطة استخدم فيها الرصاص الحي أحياناً وسقط فيها أحد المتظاهرين قتيلاً، إضافة إلى أعداد أكبر من الجرحى.
كما تشير إلى مداهمات واعتقالات شملت مئات الأشخاص، ما يؤكد مقولة أحزاب المعارضة عن لجؤ السلطات إلى الحل الأمني.
لكن السلطات التونسية قللت من حجم حركة الاحتجاج معتبرة أن ما حدث حدث انطلاقاً من أحداث عرضية. كما أكدت أن قوى الأمن لم تفعل غير الدفاع عن نفسها. ونفت أن تكون البطالة ومشكلات التنمية هي التي تسببت بالصدامات التي عزتها إلى أعمال تحريض وشغب تقودها عناصر خارجة على القانون... 
إلا أن إعلان الحكومة التونسية عن خطة تنموية بقيمة خمسة مليارات دولار تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة في جميع مناطق البلاد، يشهد على وجود مشكلة مستفحلة في هذا المجال.
هل يضع الإعلان عن هذه الخطة حداً لتهديدات المتظاهرين بتصعيد احتجاجاتهم في حال عدم الإنصات إلى مطالبهم ؟ أم أن الحل الأمني هو ما يفسر ما تناقلته وسائل الإعلام عن بدء عودة الهدوء إلى الشارع التونسي ؟
الإجابة مرهونة بالمستقبل. لكن التجارب المتراكمة في مجال الإصلاحات والمشاريع والخطط التنموية التي يكثر الكلام عنها في تونس وغير تونس، لا توحي بالكثير من الثقة.
أما التصعيد الذي يهدد به المحتجون فيبدو بدوره فاقداً للمصداقية في ظل ترهل التنظيمات النقابية والأحزاب المعارضة، في تونس وغير تونس، واختراقها من قبل أجهزة الدولة.
وخصوصاً في ظل افتقارها لرؤى التغيير الحقيقية المستندة إلى فهم حقيقي لما يجري في العالم، ولما ينبغي فعله لكي تجري الأمور بصورة صحية.
ولعل الأساس في المشكلة، والمشكلة هي البطالة، هو في حالة التسليم لعقائد الحداثة التي حولت العمل إلى حق للناس على الدولة، بعد تاريخ بطول آلاف السنين كان العمل فيه واجباً مقدساً على الناس.
نعم، قد يصح هذا الاعتبار، فيما لو كانت الدولة بمفهومها السائد حكماً بين الناس، وفيما لو كان رائدها العدل والعمل من أجل مصلحة الرعية، بالمعنى الصحيح، غير الانتهازي للمصلحة، وفيما لو كانت متسلحة بالاستنارة والأخلاقية اللازمة.
لكنه لا يمكن أن يصح في الأوضاع التي وصل إليها عالم اليوم بعد أن أصبحت الدول أدوات في أيدي المتمولين والمقاولين والبنوك والشركات العابرات للقارات التي تزيد موازنات بعضها عن موازنات عشرات الدول مجتمعة.
يكفي، بالنسبة لدول العالم الغنية، أن نلاحظ كيف تتم معالجة الأزمات المالية من خلال تعويم المصارف المفلسة من جيوب دافعي الضرائب.
ويكفي بالنسبة لدول العالم الفقيرة، كتونس وغير تونس، أن نلاحظ – من سوهارتو إلى ماركوس وشاه إيران وغيرهم- كيف أن الدول تحولت إلى أدوات قاهرة لجباية أموال الناس لتكديسها في مصارف الغرب. وكيف أن مهمة الدول قد أصبحت مقتصرة على تدمير مقدرات شعوبها بتوجيهات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ويكفي أن نلاحظ كيف أن رجال المال والأعمال، لا الشخصيات السياسية ذات الوزن الثقيل، اكتسبوا حقاً لا نزاع فيه في تدبير شؤون الدول... تدبيراً لمصالحهم كرجال مال وأعمال... ومن بعدهم الطوفان.
وسواء تعلق الأمر بتونس أو بغير تونس، فإن المطلوب هو تحرير العمل، لا عبر انتظار فرصة لملء فراغ في النظام الاقتصادي السائد والذي يتصاعد ضموره يوماً بعد يوم، بل في إقدام البشر على اختيار أعمالهم ومزاولتها وممارسة سيادتهم عليها... شرط أن تكون اختياراتهم من النوع المسؤول والملتزم بالإنتاج، لا من نوع هذه الأعمال السائدة التي لا يخلو الكثير منها من شبهات وامتهانات لكرامات العاملين.
2010-12-28