ارشيف من :آراء وتحليلات

ساحل العاج... في مهب الرياح الدولية!

ساحل العاج... في مهب الرياح الدولية!
عقيل الشيخ حسين
لا يزال شد الحبال سيد الموقف في ساحل العاج منذ صدور نتائج الانتخابات الرئاسية التي ادّعى كل من المرشحين المتنافسين، الحسن وترة، ولوران غباغبو، الفوز فيها. واللاعبون الدوليون، ومن ورائهم الإقليميون، يشاركون بشكل صريح في عملية شد الحبال تلك.
فالأسرة الدولية، ممثلة بالولايات المتحدة والاتحادين الأوروبي والإفريقي، وبمنظمة الأمم المتحدة، تقف في صف وترة وتطالب غباغبو بالتنحي عن الحكم، وتدعم مطلبها بوساطات وبتهديدات بالعقوبات الاقتصادية وباللجوء إلى القوة العسكرية. والتهديد بالقوة العسكرية هو الرسالة التي حملها إلى غباغبو رؤساء دول المجموعة الاقتصادية في غرب إفريقيا.
فرنسا، ممثلة برئيسها نيكولا ساركوزي، تبدو الأكثر حماسة لتنحية غباغبو، حيث وصل الأمر بساركوزي إلى توجيه إنذار لغباغبو بوجوب التخلي عن الحكم في غضون ثلاثة أيام. وقد انقضت المهلة دون أن يصدع غباغبو بأوامر ساركوزي الذي انهالت عليه الانتقادات من كل صوب، حتى أن بعض المراقبين لم يتردد في القول بأن ساركوزي لا يهنأ له العيش دون ارتكاب حماقة كل أسبوع.
لكن الانتقادات الأكثر رصانة وصفت تصرفه بأنه نابع من الأبوية المتوارثة عن الحقبة الاستعمارية. فالمعروف أن شاطئ العاج كان مستعمرة فرنسية منذ العام 1842. وقد استقلت عام 1960، لكن فرنسا احتفظت فيها باستثمارات ضخمة وبنفوذ سياسي كبير.
هذا ما يفسر إسر اع فرنسا، عام 2003، إلى إرسال قوة عسكرية ساهمت، جنباً إلى جنب مع قوات الأمم المتحدة، في تحقيق حد من الاستقرار استفاد منه غباغبو في تدعيم حكمه حتى الآن.
لكن ما يصعب تفسيره هو تخلي فرنسا عن غباغبو، وما قد يعنيه ذلك من تعريض مصالحها في ساحل العاج للخطر، وخصوصاً أن الحسن وترة - الذي تدعمه الآن بلا قيد أو شرط، وصولاً إلى تسليم سفارة شاطئ العاج في باريس إلى سفير موفد من قبل وترة - معروف بأنه رجل أميركا الأول في ساحل العاج.
إلا أن صعوبة التفسير تزول تماماً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عودة فرنسا إلى الالتحاق بركب الحلف الأطلسي، وإصرار ساركوزي بالذات، على التقرب من واشنطن.
هذا بالنسبة إلى الظروف الخارجية المحيطة بالمشكلة المتفجرة في ساحل العاج والتي ينبغي أن يضاف إليها موقف روسيا التي رفضت الموافقة، في مجلس الأمن، على إصدار إعلان مشترك حول الأزمة في شاطئ العاج. ويبدو أن للصين موقفاً مشابهاً، بالنظر إلى تنامي نفوذها في القارة الإفريقية بشكل لا يسمح لها بالتغيب عن الإدلاء بدلوها في هذا المعترك الهام.
أما بالنسبة إلى الظروف الداخلية، فلا بد من التذكير بأن اللجنة الوطنية الانتخابية المستقلة تقول بأن الحسن وترا هو الذي فاز في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً في ساحل العاج. لكن المجلس الدستوري العاجي يؤكد أن الفوز كان من نصيب لوران غباغبو الذي يحكم البلاد منذ عشر سنوات.
وعلى ذلك، يقوم كل من غباغبو ووترة بممارسة الحكم كل حسب قدراته. غباغبو في قصره الجمهوري بدعم من الجيش وبمناصريه في الشارع. ووترة في أحد فنادق أبيدجان محاطاً بأنصاره وفي ظل الحماية التي تؤمنها له قوات الأمم المتحدة.
أبرز ما قام به وترة من مبادرات هو دعوته إلى الإضراب العام على أمل أن يشكل الإضراب ضغطاً يكفي لتنحية غباغبو. لكن الإضراب لم يكن بالقوة اللازمة. حيث لم يتوقف النشاط الاقتصادي والإداري في البلاد حتى في المناطق التي يحظى فيها وترة بدعم شعبي أكبر.
من هنا، يبدو أن الأوراق المتبقية في يد وترة هي التعويل على الضغط الخارجي وما يرافقه من تهديدات بالتدخل العسكري بهدف إجبار غباغبو على التنحي.
ويبدو أن غباغبو قد أمسك بزمام المبادرة عندما طرح على الوسطاء الأفارقة فكرة إعادة فرز الأصوات لتحديد الفائز في الانتخابات.
يبقى أن يوافق الحسن وترة على الفكرة، وهي موافقة لا بد من الرجوع قبلها إلى المراجع الخارجية التي قد يصعب عليها ذلك لكثرة ما سلف منها من تأكيدات على شرعية فوز وترة، اللهم إلا إذا فعلت البراغماتية فعلها في تحديد الخيارات.
سواء خرجت نتيجة الفرز، فيما لو تم التوافق عليه، بغالب ومغلوب، أو أبقت الوضع على حاله من الارتباك، فإن شيئاً لا يبعث على التفاؤل بعودة الاستقرار إلى ساحل العاج، في وقت يبدو فيه أن كثيراً من الأيدي تسعى لدفع بلدان إفريقيا نحو المزيد من التخبط والانفصالات والحروب الأهلية.
2010-12-29