ارشيف من :خاص

خطر "الجماعات الخاصة" على المصالح الأميركية: ايران تدعم فصائل عراقية عسكرياً منذ 30 عاماً

خطر "الجماعات الخاصة" على المصالح الأميركية: ايران تدعم فصائل عراقية عسكرياً منذ 30 عاماً
إعداد: علي شهاب
في واحدة من المرات النادرة التي يعترف بها الجيش الأميركي بوجود خلايا مقاومة عراقية تلقى دعما إيرانيا "منذ 30 عاما"، يستعرض الخبير في الشؤون الأمنية العراقية الدكتور "مايكل نايتس" تاريخ وحاضر الفصائل العراقية المناهضة للإحتلال الأميركي و"المتهمة" بتلقي دعم من طهران. يتميز التقرير، الذي نشره مركز مكافحة " الإرهاب" في قاعدة "ويست بوينت" العسكرية الاميركية، بكونه يؤكد تأثير عمليات هذه الفصائل ضد الجيش الأميركي، فضلا عن تقديمه خلفية موسعة حول تأسيسها واساليب عملها، وهنا أبرز ما ورد فها:
"عقب الدور الواضح الذي لعبته إيران في بدء تشكيل الحكومة في بغداد الذي طال انتظاره، يرى كثيرون أن إيران هي القوة الخارجية الأكثر نفوذاً في العراق. ورغم أن هذا الافتراض يحتمل الصواب والخطأ، إلا أنه من الواضح أن إيران تتمتع بقدرة مُجرّبة في تفعيل أعمال العنف داخل العراق. ورغم أن البرامج السرية التي تديرها "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإيراني" تعد مصدراً للنفوذ في العراق، إلا أن العمليات شبه العسكرية لها تكلفتها. فالطابع العسكري الذي يتسم به النفوذ الإيراني غالباً ما يأتي بنتائج عكسية في العراق، فهو يعزز الاتجاهات السلبية لدى العراقيين بشكل عام تجاه إيران. كما أن قلق إيران بشأن تصورات العراقيين السلبية لوكلائها شبه العسكريين أثر على تطور الدعم الإيراني لما يطلق عليهم "الجماعات الخاصة" من المحافظين الشيعة المحاربين في العراق.
الدعم الإيراني المقدم إلى "الجماعات الخاصة"
تُظهر وثائق "هارموني" (التابعة لمشروع هارموني) غير السرية الخاصة بالحكومة العراقية والتي قام بتجميعها " مركز مكافحة الإرهاب في الكلية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت" أن جمهورية إيران الإسلامية قد بدأت برعاية الوكلاء شبه العسكريين العراقيين منذ 30 عاماً، أي من الناحية العملية منذ بداية تأسيس الحكومة الإسلامية. وفي بعض الأحيان كان الأشخاص العراقيون أنفسهم جزءاً من القصة بكاملها، بدءاً من الإرهابيين الإسلاميين، إلى العصابات المنفية المناهضة لصدام حسين وحتى مقاتلي "الجماعات الخاصة" المناهضة للأمريكيين في عراق ما بعد حزب البعث. ولا تزال العديد من الأنماط التاريخية للدعم الإيراني المقدم للوكلاء العراقيين قائمة حتى اليوم.
ورغم أن الأعمال شبه العسكرية ما هي إلا شعبة واحدة من عملية بناء النفوذ الإيراني في العراق، إلا أنها تلعب دوراً بالغ الأهمية في سعي إيران لتحقيق أهدافها المتعلقة بالأمن. ففي سعيها لتكرار نموذج "حزب الله" في لبنان، تعتبر "الجماعات الخاصة" بأنها في الطليعة من ناحية الاستفادة من سجلها في مقاومة الولايات المتحدة بعد مغادرة القوات الأمريكية الرئيسية العراق في كانون الأول/ديسمبر 2011. وإلى جانب السعي للإسراع بالانسحاب الأمريكي، تبرز "الجماعات الخاصة" قدرة إيران على زعزعة العراق ومن الممكن استخدامها للضغط على أي حكومة مستقبلية لخفض مدة الوجود الطويل الأجل للقوات الأمريكية في البلاد. وعلى نطاق أوسع، تمثل " الجماعات الخاصة" أداة مرنة يمكن استخدامها لدعم جهود إيران الرامية إلى الحيلولة دون صعود القوميين والبعثيين السابقين إلى قمة السياسات العراقية والإبقاء على نفوذها على أي حكومة جديدة يقودها الشيعة.
ووفقاً لتقارير حكومية عراقية عن عمليات الوكلاء الإيرانيين قبل عام 2003، كانت "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإيراني" قد توقعت بالفعل بأن هناك حاجة إلى تجزئة دعمها بين جماعات "تعمل علانية" وأخرى "تعمل سراً" في عراق ما بعد الغزو. ويبدو أن تقارير البعثيين كانت تستند إلى مصادر جيدة ودقيقة من جوانب عدة: فهي توقعت بشكل صحيح قدرة إيران على دعم منظمات عامة مثل "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" و" منظمة بدر" شبه العسكرية، مع تقديم الدعم في الوقت نفسه لـ "الجماعات الخاصة" التي تعمل بصورة سرية. واتسمت رعاية إيران بصورة ثابتة بالقيام بجهود متأنية لتوزيع رهانات طهران "عبر خيول" مختلفة كثيرة.
سياسات عمليات "الجماعات الخاصة"
مرت الفصائل المسلحة التي تُشكل "الجماعات الخاصة" بتغييرات كبيرة خلال العامين الماضيين، ولا تزال قيد التطور. فقد ألحقت الهجمات الأمنية التي قامت بها الحكومة في ربيع عام 2008 أضراراً جسيمة بشبكات مدعومة من قبل الجمهورية الإسلامية، وفرّ العديد من أفراد "الجماعات الخاصة" إلى ملاذات آمنة في إيران. ومنذ صيف عام 2009، سُمح لهذه الجماعات بمساحة لالتقاط الأنفاس من أجل التعافي وبدء عمليات إعادة تأسيس وجودها في العراق.
وهناك أسباب عديدة وراء إمكانية هذا التعافي. ففي حزيران/يونيو 2009، أنهت الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الولايات المتحدة والعراق قدرة القوات الأمريكية على إدارة العمليات بشكل أحادي في المدن العراقية، حيث تم القيام بالكثير من الأعمال القتالية ضد "الجماعات الخاصة". ويتعيّن بعد ذلك على الجيش الأمريكي الحصول على تفويض عراقي وتعاون من الجيش العراقي لشن هجمات على "الجماعات الخاصة". وفي الفترة الممتدة المؤدية إلى انتخابات آذار/مارس 2010، سعى رئيس الوزراء نوري المالكي إلى كسب تأييد الفصائل الشيعية الأخرى من خلال سيطرته العملياتية المباشرة على قيادة مكافحة الإرهاب في العراق لوضع حظر فعلي على مثل تلك الهجمات. ونظراً لافتقار الحكومة إلى الأدلة القضائية لاحتجاز المعتقلين المنقولين من "الجماعات الخاصة" إلى الحكومة العراقية، ولمواجهتها ضغوطاً من الجماعات الشيعية، بدأت الحكومة في الإفراج عن سجناء "الجماعات الخاصة" بمجرد نقلهم إلى الحجز العراقي من قبل الولايات المتحدة.
وتنتشر الخلايا العسكرية المدعومة من قبل إيران عبر كامل الطيف القانوني، بدءاً من المنظمات التي تعمل سرية بصورة تامة وحتى الأحزاب السياسية التي تنكر ارتباطاتها بـ "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإيراني". وتشمل هذه الخلايا:
"كتائب حزب الله"
تشكلت "كتائب حزب الله" في أوائل عام 2007 كوسيلة تستطيع من خلالها "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإيراني" نشر أفرادها الأكثر تمرساً ومعداتها الأكثر حساسية. ويمكن استخلاص الكثير من تعيين أبو مهدي المهندس (واسمه الحقيقي جمال الإبراهيمي) قائداً لـ "كتائب حزب الله". فقد وُلد في البصرة وهو مستشار لقائد "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني. وتُبين قصة حياة المهندس مسار الدعم الإيراني للوكلاء الشيعة العراقيين، حيث بدأ المهندس كعضو منفي في "حزب الدعوة" غير القانوني، وعمل مع " قوة القدس" لتنفيذ عمليات إرهابية ضد العائلة المالكة الكويتية والسفارات الأمريكية والفرنسية في الكويت في أوائل الثمانينات من القرن الماضي. ثم التحق المهندس بـ "حركة بدر" عندما كان يعيش في إيران في عام 1985، حيث ارتقى في سلم المراتب ليصبح أحد نواب القادة العراقيين لـ "حركة بدر" بحلول عام 2001. وهو خبير استراتيجي يحظى بخبرة هائلة حيث يتعامل مباشرة مع معظم كبار السياسيين العراقيين؛ وبالفعل، فإن المهندس كان حتى انتخابات آذار/مارس 2010 عضواً منتخباً في البرلمان، رغم أنه كان يقضي معظم وقته في إيران. وقد تطورت "كتائب حزب الله" في ظل قيادة المهندس إلى حركة صغيرة تضم أقل من 400 فرد تقع تحت السيطرة الوثيقة لـ "قوة القدس" وتحظى بأمن عملياتي جيد نسبياً.
"عصائب أهل الحق"
ظهرت "عصائب أهل الحق" بين عامي 2006 و2008 كجزء من جهود بذلتها "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإيراني" بهدف إنشاء منظمة شعبية على غرار "حزب الله" اللبناني يكون تشكيلها أسهل من حركة "جيش المهدي" غير الخاضعة للسيطرة بقيادة مقتدى الصدر. وقد أُقيمت "عصائب أهل الحق" لتكون تابعة لأحد أشد المنافسين للصدر، كان تحت حماية والد الصدر، ويدعى قيس الخزعلي، الذي عارض باستمرار اتفاقيات وقف إطلاق النار التي أبرمها الصدر مع الجيشين الأمريكي والعراقي. وبعد أن تولت "عصائب أهل الحق" عملية اختطاف واغتيال خمسة من الجنود الأمريكيين في 20 كانون الثاني/يناير 2007، ألقت قوات الائتلاف القبض على الخزعلي إلى جانب شقيقه ليث الخزعلي وشخص ثالث هو عميل تابع لـ "حزب الله" اللبناني يدعى علي موسى دقدوق في البصرة بتاريخ 20 آذار/مارس 2007. وفي الوقت المناسب، تم نقل الخزعلي إلى الحجز العراقي ثم أفرج عنه مقابل البريطاني المختطف بيتر مور في 5 كانون الثاني/يناير 2010. ورغم أن ترتيبه القيادي في "قوة القدس" لا يزال أقل بكثير من ترتيب المهندس فضلاً عن أنه يصغره في السن بعشرين عاماً، إلا أن قيس الخزعلي يمكن أن يصبح قوة سياسية مؤثرة في الحياة السياسية العامة، وفضلاً عن ذلك يتودد إليه كل من المالكي والصدر لأنه، على وجه التحديد، يتمتع بالقدرة على سحب جزء من أنصار مقتدى الصدر إذا اختار ذلك.
وأثناء فترة غياب الخزعلي في السجن، لعبت "عصائب أهل الحق" لعبة حساسة، حيث وازنت بين الحاجة إلى التفاوض من أجل إطلاق سراح معتقليها ورغبة العديد من أعضاء "عصائب أهل الحق" في مواصلة الهجمات على القوات الأمريكية. وعلى غرار سلفها، "جيش المهدي"، أصبحت "عصائب أهل الحق" نقطة استقطاب لمجموعة واسعة من المقاتلين المتشددين الذين يسعون للانخراط في أعمال العنف بسبب مجموعة من الدوافع الأيديولوجية أو الطائفية أو التجارية المحضة. وتفيد التقارير بأن قادة هذه "الجماعة الخاصة" السيئي السمعة، كالصدري المنشق أبو مصطفى الشيباني (واسمه الحقيقي حامد ثجيل الشيباني) والأمير الحربي الشيعي سيئ السمعة "أبو درع" ( واسمه الحقيقي إسماعيل اللامي) يعودون من إيران للانضمام إلى "عصائب أهل الحق".
"كتائب اليوم الموعود"
إن "كتائب اليوم الموعود" هي الأقل فهماً من بين الجماعات المتشددة الشيعية الخاضعة للنفوذ الإيراني؛ فمن الناحية النظرية، إن " كتائب اليوم الموعود" هي ميليشيا وطنية شيعية توفر لأتباع مقتدى الصدر المتشددين وسيلة لتبرير بقائهم داخل منظمته مع الاحتفاظ بالحق النظري في محاربة القوات الأمريكية. ومن الناحية العملية، يبدو أن العديد من الأعضاء المزعومين في "كتائب اليوم الموعود" يتعاونون مع مُنظمي "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" للمشاركة في عدد قليل من الهجمات ضد القوات الأمريكية.
"منظمة بدر"
رغم أن "منظمة بدر" هي منظمة سياسية كبرى ولها مقاعد في البرلمان الجديد، إلا أنه يمكن الجدل بأنها تلعب دوراً كبيراً في تسهيل عمليات "الجماعات الخاصة" في العراق. فعندما تشكلت في أوائل الثمانينيات، كانت "حركة بدر" في الواقع أول "جماعة خاصة". كما أن نسبة من كبار قادة "الجماعات الخاصة" من أمثال أبو مهدي المهندس هم من أفراد "حركة بدر"، وتربطهم روابط قديمة بقائد "منظمة بدر" الحالي هادي العامري. وبعد عام 2003، أصبحت "بدر" ذلك الجزء من "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإيراني" الذي وقع الاختيار عليه " للعمل علانية" داخل العراق الجديد. وقد أدخلت بدر مئات من عملائها المدربين في إيران إلى أجهزة أمن الدولة (ولا سيما جهاز الاستخبارات بوزارة الداخلية والقوات الخاصة الرئيسية ووحدات الجيش العراقي). ونتيجة لذلك، تلقى أعضاء "الجماعات الخاصة" بانتظام معلومات وتوجيهات استهدافية من "رفقائهم المسافرين" في "حركة بدر".
نهج إيران المتغير
شهدت الفترة منذ عام 2003 توازناً بين النجاحات والإخفاقات الإيرانية في عمليات وكلائها في العراق. فمن ناحية، واصلت إيران الضغط العسكري على القوات الأمريكية في العراق وأظهرت قدرتها على زعزعة الاستقرار في مناطق رئيسية. ومن ناحية أخرى، فإن المشاركات الإيرانية شبه العسكرية في العراق تلقى استياءً واسع النطاق من قبل العراقيين، وأسهمت في تراجع الحظوظ السياسية للأحزاب الموالية لإيران مثل "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"، ما دفع كتلاً شيعية أخرى (مثل "حزب الدعوة" بقيادة المالكي) إلى أن تنأى بنفسها عن إيران.
وكان هذا الاتجاه واضحاً للعيان في الشهور الأولى من عام 2007 عندما أصدر حلفاء إيران السياسيون في العراق تحذيراً شديد اللهجة لـ "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإيراني" من أجل تقليص دعمها للميليشيات العراقية. وبعد "حرب الصيف" الناجحة التي خاضها "حزب الله" اللبناني ضد إسرائيل في تموز/يوليو 2006، سعت "قوة القدس" إلى تكرار هذا النصر في العراق، حيث فتحت الأبواب على مصارعها لتوفير ذخائر لـ " المتفجرات المخترعة للدروع" وأسلحة أخرى إلى مجموعة واسعة من الفصائل الإسلامية الشيعية. وقد ترتب على ذلك قيام محاولات اغتيال مميتة لاثنين من حكام الأقاليم واثنين من قادة شرطة الأقاليم في النصف الأخير من عام 2006، كانت جميعها عمليات قتل سياسية شيعية باستخدام "المتفجرات المخترقة للدروع". وقد قرر "فيلق الحرس الثوري الإيراني" تضييق نطاق دعمه للجماعات وقصره على الكيانات التي تحظى بثقة أكبر بعد أن بدأت الجماعات الشيعية المنافسة في القتال داخل مدينة المزارات - كربلاء في أواخر آب/أغسطس 2007، والتي كانت الملجأ الأخير للقادة السياسيين والدينيين من الشيعة.
لقد كان لإعادة التفكير في الدعم الإيراني المقدم للمقاتلين المتشددين العراقيين آثار بعيدة المدى. فوضع بدائل لـ "جيش المهدي" الخارج عن السيطرة هو أحد الأسباب وراء ظهور تشكيلات جديدة مثل "كتائب حزب الله" و" عصائب أهل الحق". كما أن الحاجة إلى وضع العراقيين في مناصب قيادية هو عامل آخر يعكس الاعتقالات لأفراد "فيلق الحرس الثوري الإيراني" في العراق في الفترة بين 2005 و2007، ما أظهر المخاطر الكبيرة جداً في نشر أعداد كبيرة من أفراد " فيلق الحرس الثوري الإيراني" أو حتى عملاء "حزب الله" اللبناني في العراق. ووفقاً لأولئك الذين أُجريت معهم مقابلات من بين قوات الأمن الأمريكية والعراقية، قامت "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإيراني" بتنظيم مركزي لعمليات إعادة توفير إمداداتها لخلايا "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق"، بإضافتها نظاما محاسبيا للأسلحة التي توفرها إيران. وقد كان ذلك يعني الانتقال من نظام "السحب" حيث كان العراقيون يأتون بطلب إلى قائد خلية لتزويدهم بالأسلحة إلى نظام "الدفع" الأكثر أمناً وانتقائية، حيث يخصص قائد الخلية أسلحة للمقاتلين أصحاب الرواتب الجيدة ومن ذوي الخبرة المعروفين بموثوقيتهم. فلكل مخبأ أسلحة رئيسي يوجد الآن "حارس إخفاء" يقوم باعتماد إخراج الأسلحة مثل "المتفجرات المخترقة للدروع" وهو مسؤول عن استخدامها المناسب ضد القوات الأمريكية. ويستمر توفير المال بكميات كبيرة، ما يسمح بدفع ما بين 4000 دولار و13000 دولار لأعضاء الخلايا عن كل صاروخ أو قنبلة تزرع على جانب الطريق، وفقاً للظروف. ويجري دعم أمن الاتصالات والعمليات من خلال الحجم الصغير للخلايا.
لقد كانت أهمية عدم اعتراض عمليات إعادة التزويد عبر الحدود لوكلاء إيران في العراق، من بين السمات الثابتة لسياسة إيران على مدار أكثر من 20 عاماً. إن الخطوط العريضة للحركة عبر الحدود لم تتغير بشكل كبير في أماكن عديدة منذ أوائل التسعينيات. ويتمثل المبدأ العام بتحرك الأفراد ونقل المعدات من خلال نقاط دخول رسمية كلما كان ذلك ممكناً. وبالنسبة للأفراد، فهذا الأمر ممكن دائماً تقريباً بسبب بدائية أجهزة الجمارك والهجرة العراقية وبسبب التأثيرات المجتمعة للفساد والمستندات المزورة باحترافية. وإلى أن تم إدخال أجهزة لفحص المركبات وفرتها القوات الأمريكية، كان بوسع "الجماعات الخاصة" جلب الأسلحة والمتفجرات إلى العراق من خلال نقاط دخول وذلك على شاحنات مسطحة، مخفية تحت قطعان الأغنام أو أكياس الأسمنت. وحتى في الحال الحاضر، لا يزال الفساد والتدهور البطيء للمعدات يجعل من الممكن استخدام المعابر الحدودية لجلب أجهزة متخصصة إلى داخل البلاد مثل الأشكال المخروطية النحاسية المجروشة المستخدمة في ذخائر "المتفجرات المخترقة للدروع".
إن استخدام المهربين المحترفين هو ممارسة إيرانية قديمة، تتضمن القبائل عبر الحدود وحرس الحدود الفاسدين، إذ تقوم قوارب التهريب بعمليات نقل في وضح النهار عبر "هور الحويزة" في محافظة ميسان، حيث يجري إخفاء الصواريخ والمعدات الأخرى تحت قطع من القماش "المشمع" مغطاة بمعدات الصيد والأسماك الطازجة. أما على البر، فلا تزال الطرق الرئيسية المتمثلة في منطقة "بدرة" في محافظة واسط وحدود ميسان الشمالية عند نقاط عديدة، والجزء الشرقي من البصرة (جنوب "مجنون" وشمال "شلامجة"). وتدعم القوات المسلحة الإيرانية عمليات عبور الحدود من خلال عدد من الوسائل، من بينها استخدام مركباتها الجوية بدون طيار والمروحيات والمعدات البصرية بعيدة المدى والإشارات الاستخبارية وإطلاق النيران بغرض تخويف حرس الحدود العراقيين الذين يقومون بدوريات حراسة الحدود.
العمليات والتكتيكات
يبدو أن دعم إيران لـ "الجماعات الخاصة" يتركز بشكل كبير على عمليات المقاومة ضد الولايات المتحدة. إن الرمز الأكثر وضوحاً على دعم إيران هو الهجمات الصاروخية التي يتراوح عددها بين 20 إلى 30 هجوماً شهرياً ويتم شنها ضد القواعد الأمريكية في العراق، وتتضمن جميعها تقريباً نظم صواريخ/هاون كاملة أو مكونات (مثل حزم الوقود) حددها مختصّو استخبارات الأسلحة الأمريكيون على أنها إيرانية الصنع. لقد كان "فيلق الحرس الثوري الإيراني" يدعم مثل تلك الهجمات منذ أوائل الثمانينيات، عندما تم تزويد "منظمة بدر" بصواريخ لكي تستخدم في العراق أثناء الحرب بين العراق وإيران وبعدها. ورغم أنه يتم الحصول على الصواريخ من مصادر محلية كلما كان ذلك ممكناً، إلا أن معظم قذائف المدفعية الصاروخية في العراق متدهورة للغاية بحيث لا يجعلها تعمل بشكل صحيح. وقد دفع ذلك إلى قيام إيران بتهريب أعداد كبيرة من صواريخ "حساب" من عيار 107 ملم وصواريخ "غراد" من عيار 122 ملم إلى العراق، إلى جانب صواريخ "فجر" الأكبر حجماً من عيار 240 ملم. ورغم انخفاض الموثوقية الميكانيكية لمفاتيح الإطلاق (والتي عادة ما تكون موقتات ميكانيكية) ـ حيث يفشل إطلاق ما يصل إلى نصف عمليات القذف المخططة ـ إلا أن انخفاض التغطية الجوية الأمريكية فضلاً عن قيام دوريات برية عراقية أقل فعالية يسمحان بتنفيذ أعداد أكبر من الهجمات بالنيران غير المباشرة على قواعد أمريكية.
وفضلاً عن ذلك، فإن تطور الهجمات بالنيران غير المباشرة آخذ في التزايد. ففي بغداد ومدن أخرى، تميل " الجماعات الخاصة" إلى تحقيق استغلال أكبر لقذائف الهاون من عيار 60 ملم و 81 ملم من أجل الاستهداف الدقيق لـ "محطات الأمن المشتركة" الأمريكية الصغيرة. فقد تم استخدام "قذائف الهاون الصاروخية المرتجلة" بفعالية كبيرة ضد القواعد الأمريكية في المناطق الحضرية في بغداد والعمارة. كما بُذلت جهود لزيادة فعالية الهجمات الصاروخية من خلال إطلاق القذائف أفقياً على مسافة قريبة من داخل مركبات واقفة، والإطلاق على زوايا سطحية للحد من التحذير والحيلولة دون الاعتراض من خلال نظم الأسلحة التي تعمل على تقريب الأهداف، أو من خلال التغلب على الدفاعات بقذائف تضم ما يتراوح بين 16 إلى 20 صاروخاً يتم إطلاقها من الشاحنات. ورغم أن الهجمات بالنيران غير المباشرة تعد سلاح مضايقة إلى حد كبير، إلا أنها ألحقت خمس خسائر في الأرواح بين صفوف القوات الأمريكية والمقاولين في العام الماضي.
إن المؤشر الواضح الآخر على نشاط "الجماعات الخاصة" هو القنابل التي تُزرع على جانبي الطريق، إذ يجري حالياً استخدامها بشكل كامل تقريباً ضد المركبات العسكرية الأمريكية إلى جانب مركبات المجموعات الأمنية الشخصية المميزة التي تخدم مسؤولي إعادة الإعمار الأمريكيين (والتي تحمل أجهزة تدابير إلكترونية مضادة لم تُرَ في مركبات أخرى). وكسلاح خاص بالجماعات المدعومة من إيران، يتم استخدام "المتفجرات المخترقة للدروع" بعناية للحد من الخسائر العراقية. وبسبب هذه القيود إلى جانب انخفاض عدد الأهداف الأمريكية على الطرق العراقية، انخفضت حوادث استخدام "المتفجرات المخترقة للدروع" من نحو 60 حادثاً شهرياً في ذروة "الزيادة" في عام 2007 إلى متوسط 17 حادثاً شهرياً في الأشهر التسعة الأولى من عام 2010. وللوصول إلى الأهداف الأمريكية، نشطت خلايا "المتفجرات المخترقة للدروع" في المناطق التي كانت نادراً ما تلقى فيها مقاومة سابقاً مثل أبو غريب وخالص والمقدادية (في محافظة ديالى) وكركوك.
أما فيما يتعلق بقدرة هذه القذائف على الفتك في كل حادث فقد انخفضت بشكل كبير منذ عام 2008 بفضل التدابير المضادة التي اتخذتها الولايات المتحدة إلى جانب عمليات تجميع الأسلحة الأقل فعالية وقدرات التمركز الضعيفة. ويتضح النقص بين الحين والآخر في مكونات "المتفجرات المخترقة للدروع" من خلال التطور والتكوين المتباين للأجهزة. فقذائف "سي 4" الإيرانية الصنع، والتي يمكن التعرف اليها من خلال التحليل الكيميائي، يقل استخدامها اليوم في "المتفجرات المخترقة للدروع"؛ وغالباً ما تتكون القذيفة الرئيسية من 40 رطلاً من المتفجرات السائبة غير المحددة. وتأتي "بطانات الأسطوانة" (الأجسام المخروطية المعدنية المستخدمة في تشكيل قذيفة الاختراق) لـ " المتفجرات المخترقة للدروع" بعشرات الأحجام، حيث تتراوح أقطارها بين 2.75 بوصة و16 بوصة. وتكون هذه الأجسام المخروطية مصنوعة في الغالب من نحاس ذي نوعية أفضل، رغم أن بعضها قد يكون مصنوعاً من الصلب، كما أن بعض أجهزة المصفوفات المتعددة قد تتضمن مزيجاً من "بطانات الأسطوانة" النحاسية والفولاذية.
ورغم تقليص عمليات "المتفجرات المخترقة للدروع"، إلا أن خلايا "المهندسين" القادرة على تجميع هذه "المتفجرات" وشن مثل هذه الهجمات لا تزال تُظهر بعض مؤشرات التكيف. إذ تقوم الخلايا في البصرة وبغداد وعلى طول " طريق الإمداد تامبا ساوث" (بين بغداد والحدود الكويتية) بتبديل مواقع الهجوم لتناسب أنماط تحرك الوحدات الأمريكية. كما تحاول الخلايا التغلب على التدابير الأمريكية المضادة من خلال تعويض نقاط تصويب الأجهزة ( مع وضع الصواري "الأنفية" الموجودة على المركبات الأمريكية في عين الاعتبار)، وتوجيه زوايا الأجهزة إلى الأعلى للهجوم على النوافذ ورفع الأجهزة حتى ارتفاع صواري المصابيح وداخل الجدران التي على شكل "حرف تي" (باللغة الانكليزية) أو نقاط التفتيش المهجورة لتجنب دوي الانفجارات. كما تظهر تلك الخلايا قدرتها على التكيف من خلال دمجها لعناصر "المتفجرات المخترقة للدروع" (مثل مفاتيح الإطلاق السلبية التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء) مع أجهزة شحن انشطارية ثنائية الاتجاه. ويجري أيضاً بين الحين والآخر استخدام قذائف المدفعية "المتسلسلة" من العيار الثقيل (122 ملم إلى 155 ملم) لاستهداف المركبات الأمريكية. إن أفضل خلايا لصنع القنابل ضمن "المجموعات الخاصة" الناشطة في العراق يبدو أنها تتمركز في شمال بغداد والبصرة وفي منطقة سوق الشيوخ، وهي مدينة أهوار شرق الناصرية كانت معقلاً لـ "منظمة بدر" طوال عهد صدام ومأوى شهيراً للصوص لمئات السنين قبل ذلك.
المشهد المتوقع لـ "الجماعات الخاصة"
سيكون للوضع السياسي في العراق تأثير كبير على التطور الإضافي لـ "الجماعات الخاصة". فإذا انضم مقتدى الصدر، كما يبدو مرجحاً، إلى أحزاب رئيسية مدعومة من قبل إيران مثل "منظمة بدر" في الحكومة الجديدة، فإن عناصر عديدة من "كتائب اليوم الموعود" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" سيتم تجنيدها في صفوف قوات الأمن كما كان الحال مع أفراد "منظمة بدر" في فترة ما بعد 2003. كما قد تتراجع بعض أنواع العنف (مثل قذف مركز الحكومة في بغداد بالصواريخ)، بينما ستستمر الهجمات الاستهدافية ضد القوات الأمريكية أو حتى تزداد كثافة بسبب النطاق الجديد الذي تتمتع به تلك الجماعات. لقد كان اختطاف المقاولين الغربيين أو أفراد الجيش موضوع تحذيرات حكومية خلال عام 2010 وقد يشكل خطراً كبيراً في حالة زيادة التوترات الأمريكية الإيرانية في السنوات المقبلة.
ومع ذلك، فكما تبيّن خلال انخراط جمهورية إيران الإسلامية على مدار 30 عاماً في العراق، ستواصل جماعات مسلحة متطرفة عراقية أخرى في تخطيط مسارها الخاص، وستقوم بوقف عمليات إطلاق النيران واختراقها وفق مصالحها الخاصة.
2010-12-30