ارشيف من :آراء وتحليلات
الشعوب بين مطرقة الحكام وسندان السوبرماركت!
عقيل الشيخ حسين
مباريات محمومة تجري، في ما لا يحصى من بلدان العالم، وفي ظلال الديموقراطية التي يبجلها ويتسلح بها الجميع، للفوز لأطول مدة ممكنة في التربع على سدة الحكم.
لأطول مدة ممكنة، لأن الموت ـ إن لم يجعلها قصيرة ـ يحول دون استمرارها إلى ما لا نهاية، محبطاً بذلك مساعي الحكام المحرومين من نعمة الحكم إلى الأبد.
وقد سمعنا مؤخراً كيف أن أحد الحكام قد جعل من البحث العلمي في مجال الجينات، بهدف الاحتفاظ بالشباب، وإطالة عمر الإنسان إلى الحد الأقصى الممكن، هدفاً استراتيجياً لأمته.
وقد ورد ذلك التوجيه في خطاب ألقاه ذلك الحاكم في اجتماع حاشد وسط التصفيق الحاد من قبل الحضور.
وبشكل أكثر واقعية، لأن الموت يظل قريباً مهما تأجل، ولأنه لا يحابي كبيراً ولا صغيراً، نجد حكاماً يحاولون إيهام الناس وإيهام أنفسهم فيكتفون، كما في حالة معظم هذا النوع من الحكام، إلى إخفاء تجاعيدهم بالعمليات الجراحية، وإلى تغطية شيبهم بغطاء أسود كثيف من الخضاب.
أو يلجأون إلى القمع، فيما لو تجرأت صحيفة على نشر خبر عن توعك صحة الحاكم.
وبشكل أكثر واقعية أيضاً، نجد حكاماً يعمدون إلى "تطوير" دساتير بلادهم، لإقرار بند يسمح بانتخابهم لمدى الحياة. موفرين بذلك على أنفسهم وشعوبهم عناء الحملات الانتخابية والذهاب إلى صناديق الاقتراع كل أربع أو ست سنوات.
وفي مراعاة أكبر لمقتضيات الديموقراطية، نجد بلداناً كثيرة تجري فيها الانتخابات في مواعيدها، لكنها تخرج بنتائج معروفة سلفاً : 99،99 بالمئة من الأصوات تصب في صندوق الحاكم المرشح للرئاسة. وعلى ذلك، بات الكثير من الحكام يحكمون لولاية سادسة أو سابعة أو عاشرة.
أقصر الزعماء باعاً في مجال التشبث بالحكم هو ذاك الذي يدفع، عند شعوره بنقص حظوظه بالفوز، باتجاه تأجيل الانتخابات سنة بعد سنة، حتى إذا ما أعوزته القدرة على مواصلة التأجيل، يسمح بإجراء الانتخابات، مع كامل الاستعداد لتزويرها أو للطعن في نتائجها، إذا ما أسفرت عن نتائج في غير مصلحته.
وأطولهم باعاً في مجال الصدوع للأمر الواقع هو ذاك الذي يستخدم الديموقراطية كأداة طيعة لتوريث الحكم إلى أحد أولاده... وكل ذلك وسط تصفيق المصفقين.
لكن كل ذلك لا يشكل مشكلة، في الحالات النادرة التي يكون فيها الحاكم من النوع الذي يستحق الحكم لحرصه على مصالح شعبه وأمته. لكنه يشكل مشكلة في الحالات التي نشهد تواترها كل يوم، والتي يكون فيها الحاكم من غير النوع الذي يستحق الحكم لحرصه على كل ما يلحق الأذى بشعبه وأمته.
هل ما يجري هو امتهان للديموقراطية، أم أن الديموقراطية قد ماتت إلى الحد الذي باتت تستخدم فيه لخدمة أغراض تتنافي مع أبسط مقتضياتها؟ أم أن مفهوم الديموقراطية قد بلغ حداً من الغموض والإبهام يسمح بعدم إعطائها أي معنى؟
واحد من أحدث تعريفات الديموقراطية هو ذاك الذي يعرفها بأنها القدرة على الذهاب إلى السوبر ماركت. وإذا شئنا تطوير هذا التعريف لأمكننا القول بأنها الأمل بامتلاك القدرة على السوبرماركت، حتى ولو كانت جميع الوقائع تحتشد لتضع ذلك الأمل في خانة الأوهام.
من هنا يصبح من الأصح أن نقول بأنها الوهم بامتلاك القدرة على الذهاب إلى السوبرماركت. وهذا الوهم الذي يبدو أنه يستحكم بتفكير أكثر الناس هو تحديداً ما يفسر تجرؤ الحكام على احتقار شعوبهم من خلال تبنكهم على كراسي الحكم، دونما خشية من أية محاسبة. لا لشيء إلا لن السوبرماركت باتت تشكل كامل الهم اليومي عند الناس.
بعد الحركات المطلبية، والعصيانات المدنية وغيرها من أشكال النضال التي كان الناس يجبرون حكامهم من خلالها على إعطائهم بعض حقوقهم، وعلى التنحي عن الحكم إذا ما لزم الأمر، بدأنا بالولوج في مرحلة صار فيها الانتحار شكلاً من أشكال النضال التي يلجأ إليها المغلوبون على أمرهم والعاجزون حتى عن امتلاك الحلم أو الوهم بالقدرة على الذهاب إلى السوبر ماركت.
قوة الحكام وجرأتهم على احتقار شعوبهم تنبع من اللافعالية المتصاعدة لما كان يسمى بالجماهير. علماء الاجتماع الرصينون يتحدثون اليوم عن "موت القوى الفاعلة".
أما موت القوى الفاعلة فمرده إلى تحولها إلى قوى مستهلكة تستمد حياتها من السوبر ماركت. لا من الحقل الذي يغني الناس عن السوبر ماركت، ويمنحهم القدرة على وقف الامتهان والقهر الممارس عليهم من قبل الحكام.
مباريات محمومة تجري، في ما لا يحصى من بلدان العالم، وفي ظلال الديموقراطية التي يبجلها ويتسلح بها الجميع، للفوز لأطول مدة ممكنة في التربع على سدة الحكم.
لأطول مدة ممكنة، لأن الموت ـ إن لم يجعلها قصيرة ـ يحول دون استمرارها إلى ما لا نهاية، محبطاً بذلك مساعي الحكام المحرومين من نعمة الحكم إلى الأبد.
وقد سمعنا مؤخراً كيف أن أحد الحكام قد جعل من البحث العلمي في مجال الجينات، بهدف الاحتفاظ بالشباب، وإطالة عمر الإنسان إلى الحد الأقصى الممكن، هدفاً استراتيجياً لأمته.
وقد ورد ذلك التوجيه في خطاب ألقاه ذلك الحاكم في اجتماع حاشد وسط التصفيق الحاد من قبل الحضور.
وبشكل أكثر واقعية، لأن الموت يظل قريباً مهما تأجل، ولأنه لا يحابي كبيراً ولا صغيراً، نجد حكاماً يحاولون إيهام الناس وإيهام أنفسهم فيكتفون، كما في حالة معظم هذا النوع من الحكام، إلى إخفاء تجاعيدهم بالعمليات الجراحية، وإلى تغطية شيبهم بغطاء أسود كثيف من الخضاب.
أو يلجأون إلى القمع، فيما لو تجرأت صحيفة على نشر خبر عن توعك صحة الحاكم.
وبشكل أكثر واقعية أيضاً، نجد حكاماً يعمدون إلى "تطوير" دساتير بلادهم، لإقرار بند يسمح بانتخابهم لمدى الحياة. موفرين بذلك على أنفسهم وشعوبهم عناء الحملات الانتخابية والذهاب إلى صناديق الاقتراع كل أربع أو ست سنوات.
وفي مراعاة أكبر لمقتضيات الديموقراطية، نجد بلداناً كثيرة تجري فيها الانتخابات في مواعيدها، لكنها تخرج بنتائج معروفة سلفاً : 99،99 بالمئة من الأصوات تصب في صندوق الحاكم المرشح للرئاسة. وعلى ذلك، بات الكثير من الحكام يحكمون لولاية سادسة أو سابعة أو عاشرة.
أقصر الزعماء باعاً في مجال التشبث بالحكم هو ذاك الذي يدفع، عند شعوره بنقص حظوظه بالفوز، باتجاه تأجيل الانتخابات سنة بعد سنة، حتى إذا ما أعوزته القدرة على مواصلة التأجيل، يسمح بإجراء الانتخابات، مع كامل الاستعداد لتزويرها أو للطعن في نتائجها، إذا ما أسفرت عن نتائج في غير مصلحته.
وأطولهم باعاً في مجال الصدوع للأمر الواقع هو ذاك الذي يستخدم الديموقراطية كأداة طيعة لتوريث الحكم إلى أحد أولاده... وكل ذلك وسط تصفيق المصفقين.
لكن كل ذلك لا يشكل مشكلة، في الحالات النادرة التي يكون فيها الحاكم من النوع الذي يستحق الحكم لحرصه على مصالح شعبه وأمته. لكنه يشكل مشكلة في الحالات التي نشهد تواترها كل يوم، والتي يكون فيها الحاكم من غير النوع الذي يستحق الحكم لحرصه على كل ما يلحق الأذى بشعبه وأمته.
هل ما يجري هو امتهان للديموقراطية، أم أن الديموقراطية قد ماتت إلى الحد الذي باتت تستخدم فيه لخدمة أغراض تتنافي مع أبسط مقتضياتها؟ أم أن مفهوم الديموقراطية قد بلغ حداً من الغموض والإبهام يسمح بعدم إعطائها أي معنى؟
واحد من أحدث تعريفات الديموقراطية هو ذاك الذي يعرفها بأنها القدرة على الذهاب إلى السوبر ماركت. وإذا شئنا تطوير هذا التعريف لأمكننا القول بأنها الأمل بامتلاك القدرة على السوبرماركت، حتى ولو كانت جميع الوقائع تحتشد لتضع ذلك الأمل في خانة الأوهام.
من هنا يصبح من الأصح أن نقول بأنها الوهم بامتلاك القدرة على الذهاب إلى السوبرماركت. وهذا الوهم الذي يبدو أنه يستحكم بتفكير أكثر الناس هو تحديداً ما يفسر تجرؤ الحكام على احتقار شعوبهم من خلال تبنكهم على كراسي الحكم، دونما خشية من أية محاسبة. لا لشيء إلا لن السوبرماركت باتت تشكل كامل الهم اليومي عند الناس.
بعد الحركات المطلبية، والعصيانات المدنية وغيرها من أشكال النضال التي كان الناس يجبرون حكامهم من خلالها على إعطائهم بعض حقوقهم، وعلى التنحي عن الحكم إذا ما لزم الأمر، بدأنا بالولوج في مرحلة صار فيها الانتحار شكلاً من أشكال النضال التي يلجأ إليها المغلوبون على أمرهم والعاجزون حتى عن امتلاك الحلم أو الوهم بالقدرة على الذهاب إلى السوبر ماركت.
قوة الحكام وجرأتهم على احتقار شعوبهم تنبع من اللافعالية المتصاعدة لما كان يسمى بالجماهير. علماء الاجتماع الرصينون يتحدثون اليوم عن "موت القوى الفاعلة".
أما موت القوى الفاعلة فمرده إلى تحولها إلى قوى مستهلكة تستمد حياتها من السوبر ماركت. لا من الحقل الذي يغني الناس عن السوبر ماركت، ويمنحهم القدرة على وقف الامتهان والقهر الممارس عليهم من قبل الحكام.