ارشيف من :آراء وتحليلات
"اصحي يا مصر"... قبل فوات الأوان!
عقيل الشيخ حسين
منذ اللحظة التي سارعت فيها السلطات المصرية إلى اتهام أيد خارجية بالمسؤولية عن الجريمة التي ارتكبت بحق المصلين الأقباط في إحدى كنائس الاسكندرية، كان من الواضح أنها تسعى إلى تحييد البعد الطائفي للمشكلة التي تعاني منها مصر، وإلى وضع الجريمة في إطار الحرب التي يشنها ما يسمى بالإرهاب على العالم.
وفي هذا السياق جرى التركيز على تهديدات سبق أن وجهت إلى أقباط مصر من قبل تنظيم القاعدة، ثم دعمت هذه النظرية بالحديث عن العثور على أدلة تفيد بأن الانتحاري الذي ارتكب الجريمة هو ذو سمات آسيوية شرقية.
ومن الواضح أن هذه النظرية هي اقتباس حرفي، للخطاب الغربي السائد منذ 11 أيلول/ سبتمبر، ومحاولة لاحتلال موقع في الصف العالمي المستهدف من قبل ما يسمى بالإرهاب، وذلك وفق الترسيمة التعسفية التي قسمت العالم إلى معسكرين، هما معسكر الإرهاب الإسلامي ومعسكر الحرية والديموقراطية.
لكن هذا الاقتباس يتسم بالكثير من السذاجة المحكومة بالرغبة في دفن الرأس في الرمال ومواصلة النوم العميق على حرير الأوهام، بعدما تراكمت الأدلة التي أثبتت أن الحرب على الإرهاب ليست غير غطاء للحرب التي وصفت بأنها "صليبية" من قبل قادة غربيين في طليعتهم جورج بوش الابن.
وسواء كان مفجرو تلك الحرب يلعبون على البعد الديني أم لا، فإن ذلك لا يغير شيئاً في طبيعة تلك الحرب بما هي تعبير عن النوازع الاستعمارية التقليدية التي حكمت السلوك الرسمي للغرب منذ فجر التاريخ، مروراً بالحروب الصليبية نفسها، تلك الحروب التي بدعوى تحرير بيت المقدس من سيطرة المسلمين، كان نهب أوروبا الوسطى الأرتوذوكسية وتدمير القسطنطينية، العاصمة الدينية لمسيحيي الشرق، في طليعة إنجازاتها الاستعمارية.
فبما هي غطاء للنوازع الاستعمارية، نجحت الحرب على الإرهاب بدلاً من القضاء على الإرهاب الذي اشتدت شوكته واتسعت رقعة تحركاته، نجحت في تدمير النظام العراقي الذي لم يشفع له كل ما قدمه من خدمات جليلة للسياسات الغربية في المنطقة.
كما نجحت في زج النظام الباكستاني في مشكلات عويصة تهدد أمنه واستقراره من دون أن يشفع له تاريخه الحافل بالارتباط غير المشروط بالغرب منذ ولادته لحظة الانفصال عن الهند.
وإذا كانت تركيا، العضو في الحلف الأطلسي، قد سبقت إلى إدراك النوازع الاستعمارية للحرب على الإرهاب، وهي نوازع تستهدفها مثلما تستهدف غيرها من بلدان المنطقة العربية والإسلامية، فإن الاستهداف لا يفرق، في النهاية، بين بلدان توصف بأنها مارقة، كإيران وسوريا، وبلدان توصف بأنها صديقة أو معتدلة، كبلدان الخليج واليمن ومصر.
لماذا هب الغرب هبة رجل واحد، حتى مع عدم تكذيبه للدعوى المصرية حول الطبيعة الإرهابية للجريمة المرتكبة بحق المصلين الأقباط، لتجريم النظام المصري عبر اتهامه بالتقصير في حماية الأقباط، والتواطؤ، والمشاركة في الجريمة، من خلال التساهل مع نمو مظاهر إسلامية في مجال الملابس وغيرها، وصولاً إلى الكلام عن اضطهاد الأقباط وهضم حقوقهم، وتجاوز ذلك إلى وصف 70 مليون مسلم مصري، بمن فيهم الرئيس المصري وأركان النظام الحاكم بالذات، بأنهم غرباء ومستعمرون ينبغي طردهم من مصر؟
ولماذا يزج الغربيون باسم مصر في إشكاليات من نوع البوسنة والعراق؟ لقد سمعنا صراحة كلاماً غربياً عن حماية خارجية لأقباط مصر، مع كل ما يعنيه ذلك من مس بالسيادة، أقدس مقدسات النظام المصري؟
في العام 1956، نفذ العدوان الثلاثي على مصر رداً على تأميم قناة السويس والسياسات التحررية التي كانت معتمدة في أيام عبد الناصر. وفي العام 2011، تشحذ السكاكين وتوضع على عنق مصر ابتداءً من منابع النيل وانتهاءً بشواطئ الاسكندرية، بعد المرور بجنوب السودان، برغم كل ما بذله النظام المصري من جهود في خدمة "إسرائيل" وحماتها الغربيين من كمب دافيد، إلى شرم الشيخ، وحصار غزة، وتقديم الغاز المصري بالمجان إلى الإسرائيليين، في وقت يعاني منه الشعب المصري من أشد ألوان العوز والفاقة؟ وبرغم كل ما بذله وما يزال يبذله من جهود في اضطهاد الإسلاميين سعياً لنيل الحظوة عند الغربيين؟
ألا يدل ذلك على أن مصر، بنظامها، وشعبها، وترابها ونيلها، وكل مقدَّراتها، وليس فقط من يتهمونهم بالتطرف الإسلامي، هي ما يستهدفه المشروع الإسرائيلي الغربي.
أما كلام الغربيين عن حماية الأقباط في مصر فلا يعدو كونه نوعاً من الذرائع التي استخدمت لتبرير غزو العراق، ذلك الغزو الذي كان مسيحيو العراق في طليعة المتضررين منه.
والدفع باتجاه تفجير الفتنة الدينية في مصر، لن يجني منه الأقباط نتائج أفضل من تلك التي يعاني منها مسيحيو العراق أو فلسطين أو لبنان. فالمشروع الاستعماري الإسرائيلي ـ الغربي لا يميز بين مسيحي ومسلم عندما يكون الهدف هو السيطرة وبسط النفوذ.
أكثر من ذلك، أثبتت التجارب القديمة والجديدة أن هذا المشروع لا يعفّ عن التخلي عمَّن يزعم حمايتهم أو التحالف معهم، وتقديمهم قرابين على مذبح التسويات التي تفرضها موازين القوى.
عسى أن تستجيب أرض الكنانة لنداء "اصحي يا مصر" بعد أن طال نومها وسط النيران المحدقة بها من كل جانب. وعسى أن يعود النظام المصري بمصر إلى موقعها التحرري والريادي... قبل فوات الأوان.
منذ اللحظة التي سارعت فيها السلطات المصرية إلى اتهام أيد خارجية بالمسؤولية عن الجريمة التي ارتكبت بحق المصلين الأقباط في إحدى كنائس الاسكندرية، كان من الواضح أنها تسعى إلى تحييد البعد الطائفي للمشكلة التي تعاني منها مصر، وإلى وضع الجريمة في إطار الحرب التي يشنها ما يسمى بالإرهاب على العالم.
وفي هذا السياق جرى التركيز على تهديدات سبق أن وجهت إلى أقباط مصر من قبل تنظيم القاعدة، ثم دعمت هذه النظرية بالحديث عن العثور على أدلة تفيد بأن الانتحاري الذي ارتكب الجريمة هو ذو سمات آسيوية شرقية.
ومن الواضح أن هذه النظرية هي اقتباس حرفي، للخطاب الغربي السائد منذ 11 أيلول/ سبتمبر، ومحاولة لاحتلال موقع في الصف العالمي المستهدف من قبل ما يسمى بالإرهاب، وذلك وفق الترسيمة التعسفية التي قسمت العالم إلى معسكرين، هما معسكر الإرهاب الإسلامي ومعسكر الحرية والديموقراطية.
لكن هذا الاقتباس يتسم بالكثير من السذاجة المحكومة بالرغبة في دفن الرأس في الرمال ومواصلة النوم العميق على حرير الأوهام، بعدما تراكمت الأدلة التي أثبتت أن الحرب على الإرهاب ليست غير غطاء للحرب التي وصفت بأنها "صليبية" من قبل قادة غربيين في طليعتهم جورج بوش الابن.
وسواء كان مفجرو تلك الحرب يلعبون على البعد الديني أم لا، فإن ذلك لا يغير شيئاً في طبيعة تلك الحرب بما هي تعبير عن النوازع الاستعمارية التقليدية التي حكمت السلوك الرسمي للغرب منذ فجر التاريخ، مروراً بالحروب الصليبية نفسها، تلك الحروب التي بدعوى تحرير بيت المقدس من سيطرة المسلمين، كان نهب أوروبا الوسطى الأرتوذوكسية وتدمير القسطنطينية، العاصمة الدينية لمسيحيي الشرق، في طليعة إنجازاتها الاستعمارية.
فبما هي غطاء للنوازع الاستعمارية، نجحت الحرب على الإرهاب بدلاً من القضاء على الإرهاب الذي اشتدت شوكته واتسعت رقعة تحركاته، نجحت في تدمير النظام العراقي الذي لم يشفع له كل ما قدمه من خدمات جليلة للسياسات الغربية في المنطقة.
كما نجحت في زج النظام الباكستاني في مشكلات عويصة تهدد أمنه واستقراره من دون أن يشفع له تاريخه الحافل بالارتباط غير المشروط بالغرب منذ ولادته لحظة الانفصال عن الهند.
مصر، بنظامها، وشعبها، وترابها ونيلها، وكل مقدَّراتها، وليس فقط من يتهمونهم بالتطرف الإسلامي، هي ما يستهدفه المشروع الإسرائيلي الغربي |
لماذا هب الغرب هبة رجل واحد، حتى مع عدم تكذيبه للدعوى المصرية حول الطبيعة الإرهابية للجريمة المرتكبة بحق المصلين الأقباط، لتجريم النظام المصري عبر اتهامه بالتقصير في حماية الأقباط، والتواطؤ، والمشاركة في الجريمة، من خلال التساهل مع نمو مظاهر إسلامية في مجال الملابس وغيرها، وصولاً إلى الكلام عن اضطهاد الأقباط وهضم حقوقهم، وتجاوز ذلك إلى وصف 70 مليون مسلم مصري، بمن فيهم الرئيس المصري وأركان النظام الحاكم بالذات، بأنهم غرباء ومستعمرون ينبغي طردهم من مصر؟
ولماذا يزج الغربيون باسم مصر في إشكاليات من نوع البوسنة والعراق؟ لقد سمعنا صراحة كلاماً غربياً عن حماية خارجية لأقباط مصر، مع كل ما يعنيه ذلك من مس بالسيادة، أقدس مقدسات النظام المصري؟
في العام 1956، نفذ العدوان الثلاثي على مصر رداً على تأميم قناة السويس والسياسات التحررية التي كانت معتمدة في أيام عبد الناصر. وفي العام 2011، تشحذ السكاكين وتوضع على عنق مصر ابتداءً من منابع النيل وانتهاءً بشواطئ الاسكندرية، بعد المرور بجنوب السودان، برغم كل ما بذله النظام المصري من جهود في خدمة "إسرائيل" وحماتها الغربيين من كمب دافيد، إلى شرم الشيخ، وحصار غزة، وتقديم الغاز المصري بالمجان إلى الإسرائيليين، في وقت يعاني منه الشعب المصري من أشد ألوان العوز والفاقة؟ وبرغم كل ما بذله وما يزال يبذله من جهود في اضطهاد الإسلاميين سعياً لنيل الحظوة عند الغربيين؟
ألا يدل ذلك على أن مصر، بنظامها، وشعبها، وترابها ونيلها، وكل مقدَّراتها، وليس فقط من يتهمونهم بالتطرف الإسلامي، هي ما يستهدفه المشروع الإسرائيلي الغربي.
أما كلام الغربيين عن حماية الأقباط في مصر فلا يعدو كونه نوعاً من الذرائع التي استخدمت لتبرير غزو العراق، ذلك الغزو الذي كان مسيحيو العراق في طليعة المتضررين منه.
والدفع باتجاه تفجير الفتنة الدينية في مصر، لن يجني منه الأقباط نتائج أفضل من تلك التي يعاني منها مسيحيو العراق أو فلسطين أو لبنان. فالمشروع الاستعماري الإسرائيلي ـ الغربي لا يميز بين مسيحي ومسلم عندما يكون الهدف هو السيطرة وبسط النفوذ.
أكثر من ذلك، أثبتت التجارب القديمة والجديدة أن هذا المشروع لا يعفّ عن التخلي عمَّن يزعم حمايتهم أو التحالف معهم، وتقديمهم قرابين على مذبح التسويات التي تفرضها موازين القوى.
عسى أن تستجيب أرض الكنانة لنداء "اصحي يا مصر" بعد أن طال نومها وسط النيران المحدقة بها من كل جانب. وعسى أن يعود النظام المصري بمصر إلى موقعها التحرري والريادي... قبل فوات الأوان.