ارشيف من :آراء وتحليلات
انتفاضات الجوع... من تونس والجزائر إلى بقية العالم !
عقيل الشيخ حسين
لو طرح على الناس في أوروبا وأميركا، في أوائل القرن التاسع عشر، سؤال من نوع "كيف سيكون حال العالم في القرن الشرين أو الحادي والعشرين"، لما تردد أحد في الجزم بأن العالم سيكون مغموراً بالبحبوحة والرخاء والراحة والانصراف الكامل إلى التمتع بالحياة في أجواء من السعادة المطلقة.
كانت الثقة يومها كبيرة بالإنسانية وخصوصاً بالثورة الصناعية وتطور الآلة التي كانت قد بدأت تثبت قدرتها على اجتراح المعجزات.
وبالفعل، "تحرر" الإنسان بفضل تطور وسائل الإنتاج من الكثير من الأشغال الشاقة، ورفع من منسوب إنتاجيته بأشكال مدهشة، وصار قادراً في عصر السيبرنتيك والمعلوماتية والاتصالات على تسخير الآلة في قضاء جميع احتياجاته.
وبالتوازي مع ذلك، تعددت مصادر الثراء وتمكن البشر من جني ثروات لا حصر لها، ولكن ذلك لم يغير شيئاً على مستوى المعاناة من الفقر والجوع وما يرتبط بهما من آفات.
مؤتمرات دولية تعقد باستمرار من أجل مكافحة الفقر، وأحاديث لا تنتهي عن التنمية والتنمية المستدامة، ومبالغ ضخمة تنفق في هذا السبيل. ومع ذلك، فإن الأثرياء يزدادون ثراءً والفقراء يزدادون فقراً حتى بات خمسة في المئة من سكان العالم يسيطرون على خمسة وتسعين بالمئة من الثروات، بينما خمسة وتسعون بالمئة من البشر يتقاسمون الخمسة بالمئة المتبقية.
وتطرق مسامعنا كل يوم أرقام خيالية عن أعداد البشر الذين يعيشون دون عتبة الفقر أو بأقل من دولار يومياًً، في وقت نشهد فيه ارتفاعاً متواصلاً في أسعار المواد الأساسية، وضموراً متزايداً في سوق العمل، إلى الحد الذي بات من المألوف فيه أن يصبح البحث عن الرزق بين أكوام النفايات مهنة رسمية ومرفقاً من مرافق التنمية.
ولا يقتصر ذلك على بلدان كتلك التي تسمى نامية، كتونس التي تهزها الاضطرابات منذ أسبوعين، أو كالجزائر التي تفجرت أعمال العنف في جميع مدنها، قبل يومين، استنكاراً للارتفاع المفاجيء في أسعار المواد الأساسية في وقت تعاني منه شرائح اجتماعية واسعة من البطالة وانسداد آفاق المعيشة. أو كمصر التي تعاني من أزمات الرغيف والتي يتباهى مسؤولوها بكونها تمتلك رصيداً من القمح المستورد يكفيها لمدة ثلاثة أشهر !
فالأزمة تضرب البلدان المسماة بالناهضة، كالصبن والهند حيث لا تحجب معدلات النمو المرتفعة واقع البؤس الذي تعاني منه الغالبية الساحقة من السكان الذين يعملون في ظروف عمل غير إنسانية ويحصلون على مداخيل لا تزيد عن خمسين دولار شهرياً.
كما تضرب البلدان المسماة بالمتقدمة، حيث يزيد عدد الفقراء في الولايات المتحدة عن خمسين مليوناً، وحيث تهتز معظم البلدان الأوروبية بفعل إجراءات التقشف الحكومية وخفض الإنفاق والاقتطاعات الضريبية.
لا شك بأن الفساد والهدر والظلم الذي يتحكم بتوزيع الثروات داخل كل بلد، وعمليات النهب والتدمير الاقتصادي التي تمارسها البلدان المتقدمة بحق البلدان الفقيرة هي عوامل فاعلة في مفاقمة الأزمة.
وذلك يشكل دليلاً على فشل النظام الحضاري السائد عالمياً في حل أبسط المشكلات التي تعاني منها البشرية، ويستدعي البحث عن نظام حضاري بديل يتجاوز الإصلاحات الهامشية إلى إعادة النظر الجذرية بالأسس التي تقوم عليها مجتمعات الاستهلاك التي ترعرعت على هوامش التطور غير الرشيد للانتاج الصناعي والتضخم المماثل للقطاعات الريعية والخدماتية على حساب القطاعات المنتجة والقادرة على تأمين العمل الشريف لجميع القوى العاملة.
ويأتي التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري، أي عن أنماط الإنتاج والاستهلاك الهمجية، لتقدم دليلاً إضافياً على وحشية النظام الحضاري السائد، ولتضع البشرية جمعاء، لأول مرة في التاريخ، في مرمى التهديد الشامل بالمجاعة.
فالعالم بات مقسماً، في ظل الكارثة المناخية، بين مناطق تجتاحها الفيضانات، وأخرى تلتهمها الحرائق والجفاف والتصحر بفعل انقطاع المطر، وبين مناطق تختنق بالغازات السامة التي تنفثها وسائل النقل والمصانع، ومناطق تكتوي باللهيب الناشيء عن موت الأوزون...
وكل ذلك يتآزر في توجيه الضربة القاضية إلى الأرض والزراعة التي شكلت المرفق الذي عاش عليه الإنسان منذ فجر تاريخه، والذي دمره الإنسان خلال عقود قليلة من تطوره المشؤوم.
الاضطراب الاجتماعي الناشيء عن الصعوبات المتزايدة في تحصيل لقمة العيش قد بدأ يفرض نفسه كسمة مميزة لعالم اليوم. وهذا الاضطراب يتفاقم في ظروف احتشاد الأكثرية الساحقة من البشر في المدن حيث تزدهر أنماط العيش الطفيلي المدمر والمفتوح من أبوابه العريضة على اللاعيش.
بكلام آخر، ليس الحل في التحركات المطلبية والتظاهرات المطالبة بتأمين العمل أو بخفض أسعار المواد الأساسية. إذ حتى لو استجابت الدول لهذه المطالب، فإن استجابتها لن تكفي إلا لتأجيل الانفجار، لأن المشكلة اليوم تتجاوز التناحر البشري على توزيع الثروات إلى الخطر المحيق بمصادر المواد الأساسية. وكل الحلول محكوم عليها بالفشل إذا لم تمس أنماط العمل السائدة في المدن، وإذا لم تمر بالعودة إلى الأرض بهدف إحيائها وإعمارها من خلال العمل الزراعي الرشيد.
لو طرح على الناس في أوروبا وأميركا، في أوائل القرن التاسع عشر، سؤال من نوع "كيف سيكون حال العالم في القرن الشرين أو الحادي والعشرين"، لما تردد أحد في الجزم بأن العالم سيكون مغموراً بالبحبوحة والرخاء والراحة والانصراف الكامل إلى التمتع بالحياة في أجواء من السعادة المطلقة.
كانت الثقة يومها كبيرة بالإنسانية وخصوصاً بالثورة الصناعية وتطور الآلة التي كانت قد بدأت تثبت قدرتها على اجتراح المعجزات.
وبالفعل، "تحرر" الإنسان بفضل تطور وسائل الإنتاج من الكثير من الأشغال الشاقة، ورفع من منسوب إنتاجيته بأشكال مدهشة، وصار قادراً في عصر السيبرنتيك والمعلوماتية والاتصالات على تسخير الآلة في قضاء جميع احتياجاته.
وبالتوازي مع ذلك، تعددت مصادر الثراء وتمكن البشر من جني ثروات لا حصر لها، ولكن ذلك لم يغير شيئاً على مستوى المعاناة من الفقر والجوع وما يرتبط بهما من آفات.
مؤتمرات دولية تعقد باستمرار من أجل مكافحة الفقر، وأحاديث لا تنتهي عن التنمية والتنمية المستدامة، ومبالغ ضخمة تنفق في هذا السبيل. ومع ذلك، فإن الأثرياء يزدادون ثراءً والفقراء يزدادون فقراً حتى بات خمسة في المئة من سكان العالم يسيطرون على خمسة وتسعين بالمئة من الثروات، بينما خمسة وتسعون بالمئة من البشر يتقاسمون الخمسة بالمئة المتبقية.
وتطرق مسامعنا كل يوم أرقام خيالية عن أعداد البشر الذين يعيشون دون عتبة الفقر أو بأقل من دولار يومياًً، في وقت نشهد فيه ارتفاعاً متواصلاً في أسعار المواد الأساسية، وضموراً متزايداً في سوق العمل، إلى الحد الذي بات من المألوف فيه أن يصبح البحث عن الرزق بين أكوام النفايات مهنة رسمية ومرفقاً من مرافق التنمية.
ولا يقتصر ذلك على بلدان كتلك التي تسمى نامية، كتونس التي تهزها الاضطرابات منذ أسبوعين، أو كالجزائر التي تفجرت أعمال العنف في جميع مدنها، قبل يومين، استنكاراً للارتفاع المفاجيء في أسعار المواد الأساسية في وقت تعاني منه شرائح اجتماعية واسعة من البطالة وانسداد آفاق المعيشة. أو كمصر التي تعاني من أزمات الرغيف والتي يتباهى مسؤولوها بكونها تمتلك رصيداً من القمح المستورد يكفيها لمدة ثلاثة أشهر !
فالأزمة تضرب البلدان المسماة بالناهضة، كالصبن والهند حيث لا تحجب معدلات النمو المرتفعة واقع البؤس الذي تعاني منه الغالبية الساحقة من السكان الذين يعملون في ظروف عمل غير إنسانية ويحصلون على مداخيل لا تزيد عن خمسين دولار شهرياً.
كما تضرب البلدان المسماة بالمتقدمة، حيث يزيد عدد الفقراء في الولايات المتحدة عن خمسين مليوناً، وحيث تهتز معظم البلدان الأوروبية بفعل إجراءات التقشف الحكومية وخفض الإنفاق والاقتطاعات الضريبية.
لا شك بأن الفساد والهدر والظلم الذي يتحكم بتوزيع الثروات داخل كل بلد، وعمليات النهب والتدمير الاقتصادي التي تمارسها البلدان المتقدمة بحق البلدان الفقيرة هي عوامل فاعلة في مفاقمة الأزمة.
وذلك يشكل دليلاً على فشل النظام الحضاري السائد عالمياً في حل أبسط المشكلات التي تعاني منها البشرية، ويستدعي البحث عن نظام حضاري بديل يتجاوز الإصلاحات الهامشية إلى إعادة النظر الجذرية بالأسس التي تقوم عليها مجتمعات الاستهلاك التي ترعرعت على هوامش التطور غير الرشيد للانتاج الصناعي والتضخم المماثل للقطاعات الريعية والخدماتية على حساب القطاعات المنتجة والقادرة على تأمين العمل الشريف لجميع القوى العاملة.
ويأتي التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري، أي عن أنماط الإنتاج والاستهلاك الهمجية، لتقدم دليلاً إضافياً على وحشية النظام الحضاري السائد، ولتضع البشرية جمعاء، لأول مرة في التاريخ، في مرمى التهديد الشامل بالمجاعة.
فالعالم بات مقسماً، في ظل الكارثة المناخية، بين مناطق تجتاحها الفيضانات، وأخرى تلتهمها الحرائق والجفاف والتصحر بفعل انقطاع المطر، وبين مناطق تختنق بالغازات السامة التي تنفثها وسائل النقل والمصانع، ومناطق تكتوي باللهيب الناشيء عن موت الأوزون...
وكل ذلك يتآزر في توجيه الضربة القاضية إلى الأرض والزراعة التي شكلت المرفق الذي عاش عليه الإنسان منذ فجر تاريخه، والذي دمره الإنسان خلال عقود قليلة من تطوره المشؤوم.
الاضطراب الاجتماعي الناشيء عن الصعوبات المتزايدة في تحصيل لقمة العيش قد بدأ يفرض نفسه كسمة مميزة لعالم اليوم. وهذا الاضطراب يتفاقم في ظروف احتشاد الأكثرية الساحقة من البشر في المدن حيث تزدهر أنماط العيش الطفيلي المدمر والمفتوح من أبوابه العريضة على اللاعيش.
بكلام آخر، ليس الحل في التحركات المطلبية والتظاهرات المطالبة بتأمين العمل أو بخفض أسعار المواد الأساسية. إذ حتى لو استجابت الدول لهذه المطالب، فإن استجابتها لن تكفي إلا لتأجيل الانفجار، لأن المشكلة اليوم تتجاوز التناحر البشري على توزيع الثروات إلى الخطر المحيق بمصادر المواد الأساسية. وكل الحلول محكوم عليها بالفشل إذا لم تمس أنماط العمل السائدة في المدن، وإذا لم تمر بالعودة إلى الأرض بهدف إحيائها وإعمارها من خلال العمل الزراعي الرشيد.